Tahawolat
مستوحاة من كلمة ألقيت في حفل توقيع كتاب انطوان بطرس في نقابة الصحافة بيروت حول انطون سعاده من التأسيس الى الشهادة 1932-1949.   
كتب سعاده من مغتربه القسري وقبل عودته الى الوطن رسالة هامة جداً الى رفقائه في الوطن يقول فيها: في كل هذه المدة الطويلة، وبعد كل هذه المحن العظيمة لم يضعف ايماننا بل قوي - ايمانكم بي وايماني بكم. آمنتم بي معلماً وهادياً للامة والناس ومخططاً وبانياً للمجتمع الجديد وقائداً للقوات الجديدة الناهضة الزاحفة بالتعاليم والمثل العليا الجديدة الى النصر وآمنت بكم امة مثالية معلمة وهادية للأمم، بناءة للمجتمع الانساني بروح التعاليم التي تحملون حرارتها المحيية وضياءها المنير الى الامم جميعها، داعية الامم الى ترك عقيدة تفسير التطور الانساني بالمبدأ الروحي وحده وعقيدة تفسيره من الجهة الاخرى بالمبدأ المادي وحده؛ الاقلاع عن اعتبار العالم ضرورة، عالم حرب مهلكة بين القوة الروحية والقوة المادية؛ والى التسليم معنا بأن الارتقاء الانساني هو اساس روحي – مادي "مدرحي" وأن الانسانية المتفوقة هي التي تدرك هذا الاساس وتشيد صرح مستقبله عليه: ليس المكابرون بالفلسفة المادية بمستغنين عن الروح وفلسفته ولا المكابرون بالفلسفة الروحية بمستغنين عن المادة وفلسفتها. هذا العالم يحتاج اليوم الى فلسفة جديدة تنقذه من تخبط هذه الفلسفات وضلالها. وهذه الفلسفة الجديدة التي يحتاج اليها العالم فلسفة التفاعل الموحّد الجامع القوى الانسانية هي الفلسفة التي تقدمها نهضتكم.
من هنا، من هذه المفاهيم الفاصلة بين العالم القديم المنتهي والجديد المتحفز ينبري انطوان بطرس المؤرخ لمسيرة الزعيم إلى امر جلل من باحث لبس السيرة فأضحت رداء البحث المتجذر في حياة مبصر للبعيد.
انطوان بطرس الراوي لأحداث عاشها ذلك المتحدر من الشوير، ليجوب الدنيا بحثاً عن صراع، اقتحاماً لتعمية التاريخ عن امة، استبسالاً في قتال بلوغاً للاستشهاد.
انطون سعاده وفي الخامسة عشرة من عمره استغرقه انشغاله بحقيقة امته، واستوطن انشغاله هذا مسام جسده، وخفق فؤاده ونبض الكرامة الذي اجتاحه اجتياحاً لا تعايشاً بهوادة وغدا فكره الوقاد محفزاً للسعي وراء هدفه، ارتهن حياته للمبادئ التي وضعها وآمن بها ولم يغيّر في خط سيره ولا بدّل تبديلاً من التأسيس الى الاستشهاد.
هوذا العنوان الذي اختاره انطوان بطرس، وفيه عبر الى مضمون المرحلتين، فأضحى قلمه عيناً ترى وذاكرة تختزن وانبرى يسوق الاحداث الى مؤدّاها. هذا الذي لم يعرف الزعيم معرفة مباشرة، وان لم يكن منتمياً، فهو مؤمن بما استنزف سعاده من جراحه، ليدوّن بحبر دمه تاريخ امة في انسان، وتاريخ انسان لمجد امة لخصها بوقفة عز فقط.
إنه الباحث المتسهّد في لياليه، المكافح في نهاراته، لينال من الحجة ما يقنع، ومن الراوية ما يعلم، ومن التدوين ما يترسخ في السلوك السوري القومي الاجتماعي، نهجاً لا لبس فيه لبلوغ سدرة الايمان بحقيقة مَن نكون.
هوذا سعاده بين ايدينا منذ أبصر النور  في الشوير، الى أوان تفجره نوراً في رمل بيروت، هناك توهّم حقد جلاديه انطفاءه جسداً ولم يدركوا عظمة مواقفه بحيال تاريخ ارادوه نسياً لتبرير قيام ما قام في خاصرة الوطن السوري الجنوبية فلسطين الاسيرة، من تزوير لتاريخنا، وانتهاكات لحقوقنا، لعلهم بذلك يرهنون الوطن كله.                 
وحتى اليوم لا تزال المحاولات قائمة تارة في العراق، طوراً في الشام، تارة في شرق الاردن وطوراً في لبنان، وانطاكية الرهينة في أيد لا تمتّ لانطاكية بصلة.
انها الاقدار المفعولة على امتنا، فمتى يصير قدرنا نحن الفاعل في صراعنا لا ردة الفعل المتقية شر الفاعلين.                                                                                    
هو ذا انطوان بطرس يحفّزنا لقراءة تاريخنا، لا طمعاً بحظوة ولا خوفاً من قصاص. هو المتنكب بين أصابع يده قلماً حبره الصدق وريشته المعرفة ليقول كلمته في رجل لا يزال طليع فكر الألف سنة المنصرمة.
هوذا انطوان بطرس يلمّ من مروج سعاده باقة من زهر، اكليلاً من شوك، وهاجس الوصول الى الانتصار، ومن هذه جميعاً يتراءى لنا في صفحات كتابه، الزعيم، منتصب القامة، مرفوع الهامة، نشاهده في الكلمات وكأن الكلمة تريك ما لم تُرِك آلة تصوير، لأنها الكلمة المعبرة، وكأني بأنطوان بطرس سعُد وأسعدنا بسعاده الإيمان، والرؤى، والكتابة المبهرة وليس بتكديس الكلمات.
أيها المتهافتون الى سعاده، زورق لكم من هذا الكتاب تجوبون به في بحر الزعيم، اعبروا من ضفة الضوء الى ضفة المعرفة، ومن ضوء التأليف فلنتّخذ جميعاً قناديل المسيرة، ومن معرفة الاستشهاد زوّادة الايام الآتية، وقدوة لأجيال لم تولد بعد.
للصديق انطوان بطرس، مودّة واحترام. الباحث الذي يكتشف لنا كنوزاً ربما حجبها عنا صخب العيش، غير أنها تظل في صميم الحياة.                                                                             

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net