Tahawolat


 النظام السياسي اللبناني يترنح بمن فيه حكومة ومجالس وشعباً منقسماً على ذاته. كل طائفة 
فيه تشكل دويلة! وهذه الدويلات بمجموعها تجعل من الموزاييك اللبناني حالة فريدة من نوعها،
اذ ان كل واحدة لها مرجعها او مراجعها وهي تتنازع النفوذ والمنافع بكل الوسائل المتاحة، واهمها
الاقتتال على السلطة وتقاسم "الأرباح"، واذا كان هناك من تحالفات بين هذه المجموعات الطائفية فهي من النوع
السطحي والمؤقت، إذ أنه عند حدوث أي أمر هام تنغلق كل واحدة على نفسها وتفتش عن مكاسب
لأعوانها والمنضوين تحت راياتها الزرقاء والصفراء والسوداء والبيضاء زيّنتها ارزة خضراء في  وسطها؟
امام هذا التنوع في الالوان "الطائفية" هل يمكن لهذه الدولة اللبنانية أن تواجه ما يحاك لها وللمنطقة من مؤامرات
وما ينتظرها من متغيرات جغرافية وبشرية، هدفها اعادة ترتيب منطقة الشرق الاوسط بالقوة العسكرية والحروب الاهلية،
والاقتتال المتواصل حتى تحقيق الغاية المرسومة التي هي تفكيك الواقع الجغرافي والبشري المناسب لمصالح القائمين
على تنفيذ هذا المخطط الرهيب وإعادة تركيبه من جديد على اساس كانتونات صغيرة وضعيفة يمكن التحكم بمصيرها وفق هذه المصالح؟
هذه الصورة التي أراها لواقعنا اليوم تعيدنا الى نتائج الحرب العالمية الاولى التي كان يسميها
اجدادنا "حرب الاربتعش" التي قضت على الكثير من سكان قرانا وجبالنا مرضاً و قتلاً وجوعاً
واضطهاداً من قبل المحتل التركي آنذاك، وعندما خسر الحرب مع حليفته المانيا امام الحلفاء كان هؤلاء
منهمكين بوضع الخرائط والحدود في كيفية اقتسام تركة "الرجل المريض" وكان نصيبنا ان الشريكين:
"مستر سكس" الانجليزي و"مسيو بيكو" الفرنسي وضعا امامهما خرائط المنطقة، وكانت حصتنا في لبنان هذا
الكيان الذي مساحته عشرة آلاف وخمسمئة كيلومتر مربع وترك الباقي شمالاً الى الكيان
الشامي بعد اقتطاع كيليكيا والاسكندرون وإهدائهما الى تركيا المهزومة، اما الجنوب وهو ارض فلسطين
فكان هناك وعد بلفور اللعين لإعطائها الى اليهود لبناء دولتهم الهجينة العجيبة.
  وقد تسلم الفرنسيون سلطة الانتداب على الكيانين  اللبناني والشامي: وكان الاتراك خلال اربعمئة
عام يزرعون الفتن الطائفية والأحقاد بين المناطق والعائلات طيلة حكمهم المشؤوم.
  لم يمر عقدان من الزمن الا ووقعت الحرب العالمية الثانية بين المانيا وايطاليا واليابان من جهة وبين
فرنسا وانكلترا بدعم اميركي من جهة ثانية؟
وكان للموارنة في لبنان حصة الاسد في الادارة والحكم تحت راية الانتداب الفرنسي.
وعندما انتصر الحلفاء في هذه الحرب الكونية الثانية نشأ صراع قوي بين الحليفين
الانجليزي والفرنسي على النفوذ في منطقتنا، وكان أن خسر الفرنسيون امام الانجليز هذه
المعركة، فحصل استقلال لبنان بحدوده المرسومة آنفاً، كذلك استقلال سوريا.
  نعرض كل هذه الوقائع لنصل الى ما آلت اليه التجربة الاستقلالية؟
 منذ عهد الرئيس بشارة الخوري مروراً بكل العهود التي تلته والى اليوم ماذا حصل
لهذا الكيان اللبناني؟
  لقد مزّقته الصراعات الطائفية والاقتتال الداخلي فمن فتنة  1958  التي انتهت
بسقوط الرئيس كميل شمعون وتسلم اللواء فؤاد شهاب الحكم الذي حاول إنقاذ
النظام ببعض الاصلاحات الجدية، ولكنه رغم محاولاته المتقدمة للإنقاذ لم يتمكن من
ذلك، فرفض ان ينتخب من جديد واعتزل العمل السياسي!
 بعد تجربة الرئيس شهاب كرت سبحة الرؤساء وتفاقمت الانقسامات بين الاحزاب الطائفية،
وهنا ظهرت بقوة وبالعلن المصالح الاجنبية، فكانت الحرب الاهلية التي بدأت
في العام 1975 وانتهت باتفاق الطائف الذي جلب الويل على هذا النظام اللبناني
الهش، ومنذ التسعينيات الى اليوم يظهر هذا النظام فشله وعجزه عن اعادة الحياة
الطبيعية الى اللبنانيين.
 والآن بعد دخول المخطط القديم الجديد الى منطقة الشرق الاوسط لغاية
تقسيم المقسّم في لبنان وفق المخطط الصهيوني الاميركي الاوروبي، يلف لبنان
بنظامه الفاشل والمهترئ ليصبح كريشة في مهب الريح، فلا يمكنه ان يواجه
العواصف العاتية الآتية من كل حدب وصوب، فالقوى التكفيرية تنتشر في كل مناطقه والخلافات
المذهبية المشتعلة تنتقل من منطقة الى اخرى ولها اربابها ومتعهدوها والاموال
والاسلحة اللازمة متوفرة من جهات معروفة ومفضوحة؟ فكيف والحالة هذه
يمكن لهذا النظام بكل مؤسساته وسياسييه والطبقة الحاكمة صاحبة القرار
فيه أن تواجه الاحداث المتسارعة؟
 إن العواصف الآتية على النظام اللبناني ستقتلعه من جذوره، لأنه نظام فاسد وسياسيوه
نفعيون وسائر مؤسساته عاطلة عن العمل او معطلة؟
  الكيان اللبناني واقع نعترف به "وهو وقف على إرادة بنيه"، اما النظام الحاكم في هذا الكيان
فهو نظام فاسد وساقط ويحمل كل عاهات الاستعمار التركي والانتداب الفرنسي والهيمنة
الاميركية!! فماذا ينتظر هؤلاء السادة أولياء هذا النظام أن يرحلوا؟ وهل هناك من قوة تنقذ هذا
الكيان اللبناني من براثن حاكميه؟

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net