Tahawolat
أصبحت الصورة الحقيقية للأحداث في منطقتنا وعالمنا العربي واضحة لكل من يريد أن يتعرف على مجرياتها وتطورها خلال العام المنصرم، والتي كشفت حقائق كنا نعلنها على صفحات مجلة "تحولات" في إطار المساهمةً في واجب التوعية والتأكد من أن المؤامرة التي كانت قد بدأت بذورها تنبت منذ عشرات السنين قد ظهرت جلياً، ولم يعد حتى للأعمى أي عذر وسبب لتجاهلها. فالنار وصلت إلى الملايين منا وبدأت أجسادنا تحترق. والوجع والجوع وحدهما يؤكدان أننا كشعب قد أصبحنا في دائرة الخطر المباشر الذي يهدد وجودنا ويحولنا من أحرار يمارسون حقهم في الحياة والحرية إلى عبيد يخضعون لأسيادهم الذين يتصرفون بهم كما يتصرف المالك بملكه والإقطاعي بقطيعه.
إن ما برهنته هذه الدول المفترسة، الخالية من كل خير وحق والتي تملك كل وسائل الخراب والدمار الذي أدى ويؤدي إلى زعزعة الاستقرار في هذا الكون، هو ان لا حدود لمطامعها في خيرات الشعوب، ولا حدّ لإجرامها للوصول إلى غاياتها الهدامة التي زعزعت الاستقرار والطمأنينة لشعوب العالم قاطبة. وإننا في هذه المنطقة من العالم نخضع لأنواع شتى من الهمجية والدمار قلّ ما حدث مثلها في التاريخ، فالمتحكمون في مصائر الدول والشعوب من الاميركيين والأوروبيين منذ أجيال، بدأوا يميلون أكثر فأكثر إلى تعميق سيطرتهم ونفوذهم في منطقتنا، فالمغرب والمشرق العربيان يخضعان الآن إلى تفكيك الوجود الإنساني فيهما وتحويله حطاماً يمكن إعادة تركيبه وفق مطامح هؤلاء المفترسين الى امتلاك خيرات هذه الشعوب وإخضاعها للخطط التخريبية التي ترافق مطامعهم وأحلامهم المريضة.
أمام هذه الصورة البشعة في السلوك  الخالي من أي رادع مهما كان نوعه، نذكّر العالم كله بما حصل في العراق من خراب ودمار وقتل وتهجير ونهب، فبغداد التي كانت عاصمة الدنيا في عهد العباسيين وقبلهم مصدر العلوم والمعارف من سومر إلى أكاد إلى حضارة ميزوبوتاميا، هذه الحضارة التي كانت أساس التقدم في بقية المعارف والعلوم  والاختراعات، أصبحت مهدّمة ومنهوبة وهُجّر من ابنائها أكثر من مليون عراقي إلى أصقاع الدنيا. ومن بقي منهم يخضع إلى تقسيمات طائفية ومذهبية وعرقية تجعل من العراق كيانات غير قابلة للحياة تتناحر في ما بينها  وغير قادرة على الاستمرار والتقدم إلا بالعودة إلى وحدتها وأصالتها... وبعدما أنجز الطامعون في خيرات العراق مخططهم الرهيب، تركوا بلاد الرافدين تلملم جراحها وأشلاءها وتذكّر العالم بهولاكو وجنكيزخان وبني عثمان... وكما انتصرت بغداد على هؤلاء، ستعود من جديد وتبني حياتها وحضارتها وتستعيد تاريخها وتنتصر على جميع الطامعين بخيراتها وحقها في التقدم والإبداع والعطاء. بعد بغداد، اتجهت قوى الشر في العالم إلى دمشق.
فمنذ عام  والمؤامرة تعيث بعاصمة الأمويين فساداً وتخريباً وتآمراً لاحتلال بلاد الشام. وقد هيأ المتآمرون عدتهم كاملة وجندوا قوافل المرتزقة وشحذوا أسلحة الدمار وأخضعوا كل وسائل الإعلام والمال لإرادتهم. ظنت أميركا وأوروبا ومعهما إسرائيل أن الرحلة إلى دمشق ستكون سهلة، وان السوريين منقسمون على أنفسهم. لذلك قرر هؤلاء توجيه العصابات المسلحة من عملائهم لترويع السكان وتخريب منازلهم وحياتهم، وجندوا في سبيل ذلك حليفهم التركي، هذا الجار القريب الطامع تاريخياً بخيرات الهلال الخصيب، والذي كان أجداده العثمانيون مارسوا في غفلة من التاريخ خلال أربعة قرون حكما جائرا ومتخلفا أخضع المنطقة كلها لنوع من الاستعمار المتوحش، لم يُجلَ إلا وقد أحّل محله استعماراً غربياً أوروبياً استفاد كثيراً مما تركه له الأتراك من تخلف وانقسامات طائفية، فبنى عليها خططه التقسيمية بين الانتدابين الفرنسي والإنكليزي. إلا أن النهضة التي أحدثتها مواقف الأدباء والمفكرين واقلامهم، وخصوصاً ممن هاجروا هرباً من ظلم الأتراك عادت وحركت شعور الانتماء إلى الأرض والوطن، وبدأ الوعي يدب من جديد في وجدان هذا الشعب الذي تمكن من دحر الاستعمار الغربي. لكن ويا للاسف كانت أمراض الطائفية والمذهبية والنزاعات الفردية والكيانية قد تأصلت فيه، ما أعطى المستعمرين الجدد مادة غنية يعيدون البناء عليها من أجل البقاء والاستمرار في هذه المنطقة، ولكن بأساليب جديدة وخطط متطورة جعلتنا عرضة لمطامعهم بأرضنا واحتلال خيراتنا وموقعنا الاستراتيجي باساليب همجية ولكن متطورة نراها الآن تمارس علينا في سوريا وفي كل مناطق العالم العربي، وخصوصاً في بغداد والشام. إن هؤلاء البرابرة الجدد يتمادون في تحطيم وجودنا وإلغاء هويتنا القومية والإنسانية ويستعملون من أجل ذلك أفراداً وجماعات من عندنا بعد تسليحهم بكل الوسائل المتاحة لتحقيق الأغراض الخبيثة الهادفة إلى امتلاك مواردنا وتحويلنا حراساً عليها، لا نحصل منها سوى على فتات موائدهم. غير أن اصالة شعبنا وإنجازاته العظيمة خلال تاريخه الطويل ومساهمته في بناء الحضارة الإنسانية قد تغلبت على كل خطط أعدائه ومؤامراتهم ووسائل الفتك والدمار التي يملكونها، ودحرجت الصخرة عن صدره وقامت لتعلن أمة أبت أن يكون قبر التاريخ محلاً لها في الحياة، ولتؤكد أن أجدادنا قد رأوا الفاتحين ومشوا على بقاياهم، أما نحن فسنضع حداً للفتوحات... ولنا من أهلنا في الشام أمثولة وعبرة.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net