Tahawolat
تسجل فلسفتنا التاريخية العميقة أن لا نهضة يمكن تحقيقها إن لم تستمدّ روحها وقوتها من تاريخ شعبنا السياسي والثقافي والقومي، وفي رأس هذا التاريخ الروحي لشعبنا ملحمة انتصار الخير على الشر، خيرنا نحن على شرهم هم، في معركة إنسانية مستمرة.
تستعيد سوريا اليوم قيمة هذه الفلسفة وتسطر ملحمة استراتيجية تاريخية جديدة بانتصارها المذهل على استراتيجيات أعدائها الكثر في حرب كونية عليها قادتها الولايات المتحدة الأميركية ومعها معظم دول أوروبا مباشرة وبالواسطة، بحيث لم يتمكنوا من تحقيق أهدافهم بإخضاع سوريا لسيطرتهم، وهذا يعود إلى إرادة السوريين وثباتهم وتماسكهم مع قيادتهم صفاً واحداً في مواجهة المؤامرة الخطيرة، وقوة الجيش السوري الملتزم بعقيدة وحدة سوريا الدولة والأرض والشعب والمؤسسات للحفاظ على سوريا منيعة، ونسيج تحالفات عالمية أمنتها الدولة السورية مع روسيا وإيران والصين والبرازيل والهند وجنوبي أفريقيا، فعدّل وجهة الحرب على سوريا إلى هزيمة لأعدائها الذين خطّطوا لحرب التخريب بعصابات مسلحة مستوردة حشدوها ومجهزة بكل وسائل الفتك والقتل والتدمير واستباحة المحرمات والقيم التاريخية لشعبنا من كل لسان وأمة من كل أنحاء العالم، حيث ينتشر الفقر والخرافة والإحباط والنقمة على الواقع.
هذه صورة إجمالية مكثفة لواقع العدوان الدولي على بلاد الشام والذي دفنته إلى غير رجعة إرادة الشعب السوري والجيش السوري والقيادة السورية وسقط جبابرة العدوان وشخوصه غير مأسوف عليهم في شر ما ارتكبوا، وأخذوا يدفعون تقسيطاً ونقداً فشلهم الذريع من سمعتهم ورصيدهم الدولي وفي شعوبهم وصولاً إلى إجبارهم على التنحي والخسران.
هذا الانتصار التاريخي السوري الاستراتيجي مكّن سوريا حالياً من استعادة المبادرة في الميدان العسكري والداخلي السوري وفي ميدان التنازع الديبلوماسي والاستراتيجي في المؤسسات الدولية وعلى مستوى العالم، فعزز هذا الانتصار مكانتها وعزز شرعية الدولة الوطنية والدولية كدولة تاريخية راسخة وشخصية قومية متميزة رائدة واستعادت الاحترام الدولي، فأصبحت سوريا في موقع تفاوضي قوي جداً في مناورات المفاوضات الدولية القائمة سراً وعلناً لإيجاد الحل العادل والمطلوب تحقيقه في جنيف 2.
وللتاريخ نسجل للمرة الأولى تفرض سوريا نفسها شريكاً أساسياً في الاستراتيجية الدولية لآسيا الغربية شريكاً لا يمكن الاستغناء عنه ولا يمكن تجاهله، بحيث غدت معيار مستقبل الشرق الأدنى كله وواقعه. بينما كانت المؤامرات الدولية علينا تتم خلف الكواليس بمعزل عن أي دور لنا فيها، فنكون الضحية الوحيدة دائماً وموضوع التقسيم الوحيد دائماً.
الانتصار السوري وضع حداً نهائياً لفلسفة الضحية السورية مرة واحدة وإلى الأبد. ويثبّت هذا الانتصار من جديد القاعدة الذهبية في الحياة الدولية وهي أن القوة هي القول الفصل في معارك التسويات، وأن لا مصير للضعفاء سوى الهزيمة ولا مصير للأقوياء سوى الانتصار، فمن اعتاد أن يكون ضعيفاً حكم على نفسه بالذلّ، ومَن يقرّر أن يكون قوياً ويعمل لتعضيد القوة العامة في الشعب، قوة مادية وفكرية واقتصادية ونفسية وسياسية وعسكرية وأخلاقية، قرّر انتصاره قبل أن يحارب.
ويبدو واقع الأقوياء المنتصرين وواقع الضعفاء المهزومين جلياً في رقعة الشطرنج السورية والدولية، وهو ما يعبر عنه واقع تبدل المواقع الدولية بعد الحرب على سوريا عما كان قبلها، ففي قطر حصل تغيير جذري على مستوى قيادة الإمارة بصورة تنحٍّ إجباري وعزل وكفّ صلاحيات، وفي تركيا ارتباك وتشوش كبير وبداية التفاف لمواكبة التغيير ونقل الأقدام من نسق إلى نسق، لكن ببطء، وهذا كشف المملكة العربية السعودية في شدة عدائها وحقدها البدوي على الشعب السوري ومكانته وقيادته ومقومات الحياة في سوريا كلها.
وتلفت المتابع المدقق ظاهرةُ تكالب القوى الغربية والعربية الصهيونية، وهي ظاهرة غريبة بالفعل عن قيم الإنسانية الراقية، اجتماع معظم العالم الصناعي الغربي على شعب نامٍ عريق في قيم وتاريخه، متماسك في وحدته، مندمج في مكوناته، قاهر كل المحن التي عصفت به، تحالف دولي ليخرب نسيجه الاجتماعي بما استقدم من فلول شبه بشرية بوهم ديني وخرافي وليدمر كل بناه المدنية التحتية والفوقية كافة ويعيده إلى مرحلة نمو بدائية، بالمجازر والذبح والإرهاب ففرغت غالبية المدن والقرى والدساكر السورية إلى بلدان الجوار لتحدث فيها أزمة اجتماعية اقتصادية سكنية أمنية وتدفع بمعظم عمالها إلى بطالة متفاقمة، لكن الشعب السوري تحمّل مسؤوليته بنبل مشهود كما في كل محن تاريخه الجلي ودفع ضريبة الفقر والنزوح والعذاب والدم والشهادة، فكان الانتصار المدوي الذي شكل ملحمة العصر الراهن.
الانتصار السوري الذي جعل الدولة السورية تستعيد تماسكها وتشكل قطب الرحى ومحور الدورة السورية، فضح بالمقابل تهافت المعارضة السورية المفككة معارضات لا يجمعها سوى حقد شخصي او حزبي محدود وضيق الأفق فلا مشروع جامعاً ولا خطة نظامية معاكسة تتقدم على خطط النظام وتبزّه بخدمة سوريا، ففقدت أي تأثير جدي في سير الأحداث. واقتصر دورها على وظيفة وكالة محلية او إقليمية للارتزاق بالدم مالاً وسلاحاً لإطالة الصراع الدامي في بلاد الشام وهز استقرار الدول المجاورة بتفاقم آثار هذا الصراع فيها بحرب استنزاف دولي ووطني تكون تمهيداً لحرب إبادة لسوريا ومحيطها التاريخي.
الانتصار السوري وصمود الشعب السوري امتحان تاريخي جديد أكد فيه الشعب السوري أنه شعب الملاحم المعيشة والحقائق الدامغة المحسوسة ومؤهل لحياة سامية ينشدها، وأنه زاخر بالقوة المؤمنة أنها سيدة على أرضها وقادرة أن تقرر وتفعل وتفرض إرادتها أولى، ومن كان هذا واقعه وطبيعته تعاون معه حلفاؤه ودعموه كحليف قوي موثوق يُحسب له حساب في استراتيجية القوى والصراع، هذه القوة السورية فعلت اليوم، وكلما فعلت غيّرت وجه التاريخ، تاريخ سوريا وتاريخ الإنسانية جمعاء لحقبة مديدة مقبلة، وهذه القوة لا يمكن ان تفعل إلا إذا كانت واعية فاهمة ذاتها وحقيقتها ومستقلة عن أية إرادة اخرى لتستطيع مواجهة طواغيت الكون، وفي طليعتهم إسرائيل.
الآن يقف الشعب السوري عتيداً بانتصاره موفور الكرامة واثقاً من حكمة قيادته وحنكتها كمعبر أوفى عنه وكإرادة مخلصة له متوحّدة به وفيه، يقف الشعب السوري، بقيادته التاريخية، شريكاً قوياً ومفاوضاً صعباً وذكياً بين الدول والأمم التي تستحق الحياة وتصنع مستقبلها بنفسها.
 الانتصار السوري ملحمة هذا العصر، عصر تنازع الأمم البقاء ومقدرات القوة والسيطرة.
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net