Tahawolat
في العام 1990 أسقطت أميركا بإسقاطها الإتحاد السوفياتي مُعادلة الشراكة الدولية التي فرضتها نتائج الحرب العالمية الثانية ، وتطور مشروع البيروسترويكا الذي أطلقة غورباتشيف ، العالم قرية صغيرة ، الى مشروع العولمة الذي قادته اميركا لتبسط سيطرتها الإقتصادية والسياسية والعسكرية على القارّات والقوميات عبر الاسواق المفتوحة والشركات العابرة والإجتياح الثقافي الهادف الى تدمير الإنتماء الوطني كي تستحوذ دون مقاومة على منابع الغاز والطاقة الحيوية دون مُنازع ، فتمكنت بذلك من إقامة حروبها وتحالفاتها وفقا لمصالحها ومُخططاتها المُتعلقة بشكل رئيسي بالعمل على إدارة كميات الغاز والبترول المُكتشفة في ساحل وبرّ المشرق العربي ودلتا النيل ومناطق أخرى متعددة  .
وكون المشرق العربي يشكل نقطة تحول في شبكة العلاقات الدولية وتأمين مصالحها النفطية خاصة بعد دخول الصين والهند وماليزيا واسبانيا كلاعبين جدد إضافة الى اللاعبين التقليديين اميركا وروسيا ، أرسى مشروع نابوكو نمطاً جديداً في السياسات الدولية التي شهدت صعودا حاداً للصين والهند تزامن وتوافق مع صعود نجم بوتين منذ العام 2002 تحت شعار إستعادة الدور الروسي كشريك حيوي في لعبة النفوذ الدولي ، كرة الثلج الروسية إستطاعت أن تُحدث زلزالاً فيما كان يُعتبر إستقراراً في النفوذ الاميركي العالمي،  فعودة الدب الروسي بوزنه الثقيل والذي إستعاد قوته من مشروع القيصر الجديد الذي يحمل على ظهره شركة غاز بروم وفي حقيبته تحالفات حقيقية مع الصين ومجموعة البريكس ، كل هذا الثقل الاقتصادي السياسي والعسكري دخل حلبة الصراع ذاتها والتي كانت اميركا تتفرد بإدارتها بقوتيها المُتناقضتين في وجهة النظر حول الشرق الاوسط  ، فالبروتستانت الذين يسيطرون على الطاقة والعلاقات الخارجية تتميز سياساتهم الشرق اوسطية بالسيطرة الكاملة على المنطقة ككتلة واحدة لتأمين إنجاح مشروع نابوكو الذي يعاني صعوبة في الإستمرار بسبب موازين القوى الجديدة وعدم القدرة على إسقاط الاسد ، ويعتقدون انهم إذا أمنوا الإستمرار بهذا المشروع يستعيدون السيطرة على الاسواق الاوروبية وربما الاسواق الصينية التي تعتبر ثاني مستورد للغاز والبترول في العالم بعد أميركا . واللوبي اليهودي الذي يسيطر على الإعلام والكتلة المصرفية ، ووجهة نظره تقوم على تقسيم المنطقة الى دويلات طائفية مذهبية ضعيفة توكل إليها  مهمة السيطرة على سواحل المتوسط، فتتولى إسرائيل الدولة القوية السيطرة على الاسواق الاوروبية عبر تركيا ولكن عليها ان تتجاوز العقدة السورية التي تبدو حتى الآن مُستعصية على الحل .
منذ العام 2005 بدأت الحرب الباردة بين معسكري الصراع على النفوذ العالمي تحت شعار السيطرة على الغاز ، وهذا يفرض ان تُعاد صياغة المنطقة المشرقية والعربية بشكل عام بتوزيع ديموغرافي سياسي جديد ، طبخت اميركا مشروعها ونضّجته كقرارات دولية في مجلس الامن وبدأت مفاعيلة تظهر بإغتيال رفيق الحريري والضغط على الجيش السوري للخروج من لبنان ونجحت في ذلك مستفيدة من تعاطف سنّي كان ضمن مُخططاتها وإشراك حلفاء إسرائيل السابقين ليكتمل تشكّل فريق سياسي لبناني يحقق آلية المشروع الاميركي الاسرائيلي في المنطقة التي أطلقت عليها كونداليسا رايس اسم الشرق الاوسط الجديد ، وفي الوقت عينه باشرت المخابرات الاميركية بتكوين وتجنيد وتدريب ما عُرف لاحقا بالمعارضة السورية وهذا ما كشفت عنه هيلاري كلينتون في احد تصريحاتها ، وهكذا تشكلت في المنطقة قوة سياسية أمنية من دول الخليج وما بات يُعرف بقوى 14 آذار شكلت رأس حربة للمشروع الاميركي الذي لم يجد صعوبة في  نقل الصراع العربي الاسرائيلي الى صراع مذهبي مع إيران تماهيا مع مشروع هنري كيسنجر القديم ، ان تعثر المشروع الاميركي بسبب السد الممانع والمقاوم المتحالف مع روسيا والصين وإيران يُعيد الى الذاكرة الترابط التكتي في إسقاط الاتحاد السوفياتي كمرحلة متقدمة ومن ثم إحتلال أفغانستان الهادف الى قطع الطريق على مشروع خط الحرير القديم الذي يبدأ من الصين وصولا الى بيروت ، وإستكمالا لإحكام قبضتها تم إجتياح العراق الذي يشكل العمق الإستراتيجي لدول المشرق العربي وهكذا ضمنت أميركا سيطرتها على المُثلث الذهبي الذي يُطلق عليه المُستشرقون اسم المُثلث ( ب ) أي بغداد، بيروت، بيسان ـ فلسطين ، والسيطرة عليه تعني السيطرة على العالم خاصة بعد إكتشاف الكميات الهائلة من الغاز والبترول في المياه العميقة وفي البّر المشرقي والاوسطي .
إستيقظ الدب الروسي على محاولة اميركا إذابة الثلوج من تحت أقدامه لإعادته الى كهوف الفقر والتخلف وضمان إفقاده لإي قوة قد تُمكنه في المستقبل من إستعادة موقعه السابق في الشراكة الدولية ، وقد كان لظهور النجم الروسي فلاديمير بوتين عام 2002 بروز مناخ حروب التوازنات الدولية التي نشهد تجلياها اليوم في الحرب الدولية الطاحنة التي تدور فوق الاراضي السورية والتي تكاد تلامس ملامح الحرب العالمية الثالثة حيث تحتشد قوى العالم أجمع وتشارك بوسائل متعددةومُتشابكة ، إذا لم يتوصل المعنيون بهذه الحروب الى تسوية فإن العالم سيكون أمام الانفجار الكبير ، الذي لا تُعرف نتائجة إلا بعد حدوثه وهذا ما يؤخر نشوب الحرب العالمية الثالثة التي باتت ظروفها تتكامل وعناصرها تتوافر ولا يؤخرّها إلا عدم ضمان نتائجها ، فالصين والهند أصبحتا لاعبين أساسيين في إستثمار الغاز والنفط الخام وتحالفهما مع روسيا اسقط مفاعيل مشروع نابوكو ما وضع اميركا أمام مأزق حقيقي، فنتائج الصراع في الشرق الاوسط ستحدد النظام العالمي الجديد وفي كلتا الحالتين أصبح على الولايات المتحدة ان تقبل الشراكة في القرار والنفوذ الدوليين .
العقدة السورية حسب رأي العديد من المُحللين الدوليين تدل على فشل المخابرات الاميركية في قراءة عناصرها ما يمكن ان يُتيح للرئيس السوري ان يعلن إنتصاره في معركة المصير التي فُرِضت عليه بسبب موقعه الاستراتيجي كقابض على ممرات الغاز والنفط والطاقة الكهربائية وكمنافس قوي لتركيا وإسرائيل وإستمراره رغم كل الحروب التي تقام على اراضيه كلاعب إقليمي ودولي مُحترف إستطاع حتى الآن مواجهة كافة المخاطر والتحديات التي واجهته، ورغم الاضرار التي لحقت بنظامه وبلاده لا زال يملك زمام المبادرة والحسم ، وهذا يُعيدنا الى المأزق الكبير الذي واجه الرئيس الراحل حافظ الاسد بعد سقوط حليفه الإستراتيجي آنذاك الاتحاد السوفياتي ، ما إضطره لإجراء مفاوضات مدريد بعدما كان قد خسر مصر أنور السادات بعد إتفاقية كمب دايفيد والاردن بعد إتفاقية عربة والخليج الذي يتماهى مع المشروع الاميركي ، ورغم شعوره بالوحدة والضعف لم يقبل الشروط التي وضِعت على طاولة المفاوضات برعاية أميركية ما أعاد الامور الى نقطة الصفر ، وقد شكّل إصرار الرئيس الحالي بشار الاسد على مواجهة النفوذ الاميركي والعنجهية الاسرائيلية سبباً إضافياً لشن الحروب عليه وإسقاطه وإحلال الاسلام المعتدل تماشياً مع تجربة العدالة والتنمية الذي تبين ان التطرف والإرهاب هو صفة القوى الإسلامية حينما تمتلك عناصر القوة ، وهذا ما ظهر جليّاً في التجربة السورية .
في الإستنتاج لا زال واقع المشرق العربي يشكّل خللا في التوازنات وإن بقاء الوضع على حاله قد يُطيل أمد الحرب لعدم توافر عناصر التسوية ، ولكن إذا ما توافرت ظروف تفرضها المصالح المشتركة والتحديات الكبيرة التي تقع على دول المشرق العربي دفعت بالمسؤولين عن هذه الدول الى الشعور بأهمية قيام شكل من أشكال الوحدة والإتحاد كرد على الصعود الإسلامي التركي الخليجي المدعوم اميركياً وكرد على مشروع الشرق الاوسط الجديد الهادف الى تفتيت مذهبي للمنطقة ضمانة لبقاء اسرائيل القوية بعدما فقدت هيبتها في حرب 2006  ، نكون قد دخلنا مرحلة جديدة أو حقبة تكونت معالمها كنتيجة لتراكم حضاري ثقافي سيكون لها الدور الحازم في حروب التوازنات الدولية .

آراء القراء

1
14 - 8 - 2012
Your post caputers the issue perfectly!

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net