Tahawolat
في علم الفيزياء، يؤدي خروج أي جسم عن محوره الطبيعي إلى تغيُّر في طبيعته ودوره الوظيفي، فمستوى ونوعية اكتسابة لعناصر جديدة يُحدِّد التركيبة الناتجة عن تحوله كوحدة مستقلة ومتكاملة، إلى تفككه إلى أجزاء صغيرة تكتسب خصوصياتها المتنوعة والمتنافرة في آن، فتتعدد وظائفها وأدوارها الجديدة المناقضة لطبيعتها الأساسية التي خرجت عنها.

قياساً على هذا، يتبين أن أزمة العلمانيين والقوميين في العالم العربي ناتجة عن أن ماضيهم لا يشبه حاضرهم ولا مستقبلهم، فهم لم يتنبّهوا لعلةِ ازدواجية المعايير التي تحولت إلى صفة ذاتية شبه عامّة سهّلت تجاوز حقيقة أن الفكر والممارسة وجهان لعملة واحدة، فخرجوا عن محورهم الطبيعي بملء إرادتهم- دون إكراه- وأنشأوا محاورهم المشبوهة نظرياً بالانفصال والانفصام، وانكفأوا عن الصراع ودخلوا في أبراج فردانيتهم، تحولوا إلى منصات صغيرة ومارسوا السفاح الوطني فنبتت الحركات الدينية من بين أصابعهم وقبل أن تستوي على السُلطة، منهم من طلب اللجوء السياسي إليها، ومنهم من نظّر إلى الاعتراف بالأمر الواقع بصيغة المصالحة، وكلا الطرفين يحاول أن يحجز له مقعداً في التخلّف، ما جعلني أعتقد أن جهنم هي أفضل مكان تنظر منه إلى السماء. فالتهليل للديموقراطية الأكثرية محسوم النتائج، أكان في المغرب العربي أم في الخليج أم في وادي النيل، إذن هو تهليل للصعود الإسلامي المتحالف علناً مع أميركا والمدعوم بعدالة رجب طيب آردوغان وتنمية أحمد داود أوغلو، وتجاهل عن سابق تصور وتصميم لصراع المصالح والتوازنات التي تفرضها موازين القوى المتصارعة في المنطقة.

النظام العالمي الجديد بدأت معالمه تتمظهر وفقاً لموازين القوى المتصارعة، القوي فقط يحجز فيه مكاناً للسلطة والنفوذ، سقطت نظرية دونكيشوت العلمانية، فالقوة هي القول الفصل، وما سواها تابع وملحَق لقوى الأمر الواقع، صراعٌ ليس في معاييره وقيمه أي وجود لحرية وديموقراطية الشعوب، عربية كانت أم تترية أم حتى كردية، مشروعان يصطدمان في سباق محموم على الطاقة، خصوصاً الغاز، مشروع نابوكو (سبي نبوخذ نصّر لليهود) يخوض حرب وجود، أميركا وإسرائيل وأتباعهما من عرب وأتراك، ومشروع خط الحرير القديم الممتد من الصين الى بيروت، التسوية النهائية ستشمل المنتصرين فقط بغض النظر عن الحرية والديموقراطية، التي لا تتحقق إلا بالمجتمعات القومية فلا حرية للفرد في مجتمع أو وطن خاضع ومستعمَر.

سقوط العولمة أعاد فكرة المجتمعات القومية إلى التداول، فما موقف هؤلاء المثقفين من انتصار المشرق العربي المتمايز في تحقيق وحدته وقوته ودولته المدنية وتموضعه الفاعل في النظام العالمي الجديد، أليس هذا أشرف من طلب اللجوء السياسي إلى الدول الدينية والعودة إلى عصور الانحطاط، أم التقدم في ركب التقدم التاريخي والانتصار للدولة المشرقية وحضارتها الرائدة

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net