Tahawolat

اللوحة - جان كوليير (1900) بعنوان الملكة غوينفير في عيد قطف الزهور



استحضار من الشاعرة سارة تِسْدِايْل من مطوّلتها الشعرية - غوِينِفِير


كنتُ ملكةً وأضعتُ تاجي.

كنتُ زوجةً وكسرتُ عهودي.

كنتُ عاشقةً ودمّرتُ عشيقي.

لم يعد لديَّ من خرابٍ أكثرَ لأفعله.


لشهرٍ مضى كنتُ ملكةً.

كانتِ الأمهاتُ يرفعنَ أطفالهن لي

عندما على حصاني كنتُ أعبر

شوارع كاميلوت.

وكنَّ يبتسمن. وكان العالمُ يبتسم

أيّةُ أعينٍ ستبتسمُ ليَ الآن؟


يهربُ العالمُ مني وأنا لستُ

مختلفةً عن التي كانت من قبل ملكة.


كنتُ ملكةً والذي أحبّني جعل مني

أمرأةً لليلةٍ ونهار.

واليومَ أمضي منزوعةَ التاجِ إلى الأبد.


(1)


يشعُّ السحرُ من عينيّ

ولم أعرفْ أني لستُ الساحرةْ.


يرتعدُ الشاطئُ من البحرْ.

في المياهِ ملكةٌ تغرقْ.

وعلى الرمالِ وجهي ورسمُ الغيابْ.

وعينا حبيبي في الصّحراء

وقعٌ على الرمالِ يبحثُ عني.


(2)


ليس للملكةِ أن تحلمَ في ليالي الصيف،

لكنه السحرُ، يا ليلُ، مفتتناً بأضوائِكَ الناعمةِ

الحمراءَ تعبرُ الغربْ. يرفرفُ عندي كالنومِ

على غسقِ القلبْ.


أسمعُ الخطى، خلفي، في الممرْ

يَشِي الحُلُمُ بِسرِّهِ إلى الصوتْ.

آهِ في يقظتي لم أكنْ حالمةً عندما

أخبرَني القلبُ سرَّهُ إلى القلبْ.


أمامي تشيرُ الزهورُ في الممرِّ

إليَّ - ألا أنظُري خلفَكِ! أعرفُ

يا لونَ الزهورَ خطاهُ، مسحةً

من رؤى العشيّةِ. لا، ليسَ

للملكةِ أن تحلمَ في ليالي الصيفْ.

هيَ الرؤى مرفرفةً أمامي. أتغاشى

ساقطةً إلى الأرضْ. إلهيَ أينَ

رأيتُ السقوطَ؟ في خطوِهِ المسرعِ

أم في يديهِ إليَّ ترفعُني فأرى وجهَهُ

الذي لم أرَهُ من قبلْ. أهوَ الحبُّ

في يقظةِ الحلمِ أو رؤى اليقظةِ؟

أم سقطتي الأخيرةُ إلى يديهِ

في رؤى الضياءِ حمراءَ

تعبرُ الليلَ من الغربْ!


(3)


أيا رياحُ احمِلي لحظةَ الفراقِ

صدىً يرسمُ وجهكِ يا أرضُ في الرياحِ.


ولن أبكي ففي فراقِنا لقاءٌ.

كما كانَ من قبلِ في اللقاءِ فراقْ،

أبداً يعودُ في لحظةٍ من عناقِ.


أهِ يا لحظةً أحيكُها من خيوطكِ

ثوباً أسودَ أرتديهِ يحملُ صمتي.


أيا أرض اسمعي، اسمعي يا أرضُ

صوتُ صمتيَ الأخيرِ يتهادى:

أنا التي أضعتُ تاجي سأبقى

هتافاً لفراقٍ أخيرِ تفتحتْ

على ممراتِه أبديةٌ

تسكنُها لحظةٌ من اللقاءْ.


(4)


انتهى شغفُ الريح بالحكاية.

وشارفَ الرحيلُ النهايةَ. تحملُ

بين يديكَ صورَ العالمِ في منزلٍ

بنَيْناه من ورقِ اللعبِ.

منزلٌ من بقايا سحرٍ يتداعى.


أنظرُ العوالمَ مكومةً صوراً

في الورقِ تخلطُها بالكلمات.

عميقةٌ لعبةُ الكلام ِ! لا, لا تقلْ لي!

اسحبِ الورقةَ واذهبْ. هي

صورةُ عالمِكَ الجديدِ الذي به أغيبُ،

وفيه تحيا!


(5)


شلالُ سحرٍ واندثرْ.

في الماءِ طيفٌ وامضٌ.

وشجنٌ يهمسُ في الشجرْ-


بعد سقوطِ المدينة لم يبقَ إلّا الرياح.

هل تتسلقُ الريحَ من أجلي؟

في الرياحِ صخورٌ شاهقةٌ تعبرُ منها

إلى وطنٍ يومضُ في المياه.

وفي ورقِ الشجرِ حفيفُ رحيلٍ.

وعلى الضفافِ طيفُ صحارى يلوحُ.


هو لم يكُ شلالَ سحرٍ.

كان رمالْ!


(6)


سقطَتْ خوذةُ الفارسِ. ولم أرَ الوجهْ.

تهالكَ درعُهُ الواقي. ولا جسمَ فيه.


أكنتُ مليكةَ الوهمِ؟ قُبَلاً من هواءْ؟

أم أنني شبحُ امرأةٍ حَلمَتْ بالحبِّ

ذاتَ مساءْ! ربما، مثلُه أنا، لا جسدَ

لي. جنيةٌ باكيةٌ عندَ الضفافْ

أتَتْها في ليلةِ صيفٍ رؤىً من

عناقٍ طويلْ. ولكنهمْ........

في المدينةِ يريدون حرقي.

أَتُحرقُ الأشباحْ؟ أيُسقطُ الطيفُ

مدناً وحصونْ؟


لا, لا..............

أنا ملكةٌ ساقطةٌ هَجَرْتُ

عرشي لرؤى الصيفِ.

أحببتُ فارساً من هواءْ!


(7)


ذَهَبَ. عَبَرَ خطيئتي إلى خيارِهِ

الوحيدْ - قاتلٌ أو يموتْ.

وودَّعّني.

أكانَ عليَّ، يا مَلَكي، أن أُجيبَ

الوداعْ؟ هو ليسَ لي. ليسَ

لي. وأنتَ تقولُ أنني ساقطةٌ

ملوثةْ!


سأقتلُ نفسي! لا. لن تموتَ

الخطيئةَ، في الروحِ تبقى

والخزيُ والعارْ.


هي السّنونُ تنمو في مرتعِ الأيامِ

والشهورْ. وفي الحياةِ، أنا، ساقطةٌ

ملوثةْ!

لكنني لن أسكنَ السقوط.


ألم تكنْ دائمةٌ مسالكُ العالمِ في الخطيئةْ؟

ملكةٌ، أنا، انتصَرَتْ في عارِها. رديفةُ العالمِ

في مسالكِ السقوطِ والهزيمة.


(8)


أيها الضّاربُ في الصحراءْ. أتسمعُ

الضوءَ يسقطُ من مداراتِ السماءِ

إلى الرملِ؟ يُطلقُ من تقوُّسِهِ

الهمسَ، مدمدماً فوقَ الرمالْ.


هوَ صريرُ صواري المنازلِ المبحرةِ في

المدائنِ، والنوافذِ المشرَّعةِ إلى

ممراتِ الزهورِ عندَ الغسقِ الأوَّلِ.

تهمسُ موجةُ الضوءِ في هذيانِ الرمالْ


انْظُرِ النورَ الذي سقطَ. مثلي أنا

ساقطةٌ، قريبةٌ من الرملِ، عارِيَةٌ.

ليسَ بينَكَ وبينهُ إلّا سطوحُ اللهيبِ،

وأرصفةُ الموانئ القادمةِ في السرابْ.


اتبعِ الصوتَ واجفاً يتلوَّى في انحناءِ الرمالْ.

هو جسدي - طلقةُ النارِ الأخيرةِ عندَ المغيبْ.

غسقٌ أحمرٌ يترددُ من لقانا الأخيرْ -

نُبْحِرُ ثانيةً دمدمةٌ من الهمسِ في الهواءْ.


(9)


الراهبةُ تقرعُ البابَ. لماذا السكوتُ؟

أينكِ غوِنِفِير. كنت نائمةً سيدتي،

وأنحني. أراكِ مساءً إذنْ، نتعشى

سويةً. سيدتي، لكِ ما تشائينَ

مني. تنظرُ في الغرفةِ. أحبُّ الزجاجَ

الملوّنَ. أيقونةٌ جديدةٌ هيَ من يديكِ؟

نعمْ سيدتي. وتمضي.


قديسةٌ صامتةٌ. أيقونةٌ من يديّ على

النافذةْ. وجهُ لِقايا القديمِ من زجاجٍ ملوّنْ.

ظلالٌ من اللونِ تفترشُ الأرضَ. هنا أحمرٌ

من مغيبٍ مضى. وأزرقُ يبتعدُ على

الناظرينْ. كحبّيَ البعيدْ. أفترشُ البعدَ في

زرقةِ الأرضْ. أسافرُ في حمرةِ الشمسْ.

ترميني عندَ ممرِ الزهورْ. أسرقُ العطرَ

حيثُ كان لقانا.


هو شفقٌ عابرٌ مرَّ بي.


أذكرُ منه ارتمائي. أمْ حلمٌ هو الآنَ في

غرفتي عَفَّرَتْهُ ظلالُ النوافذِ على الأرض؟

أحبكَ. صارخةٌ. تمتدُ من حمرةِ الشمسِ

إلى زرقةِ الوهمِ الملونَ قربي.


هو شفقٌ عابرٌ مرَّ بي.


أنا، يا حبيبي، في لقائنا الأولِ سرقتُ

من مواكبِ الزهورِ عند الممرِ عطراً.

سجينُ حبي هو الآن في زجاجي الملون.

أيقونةٌ ساحرةٌ من يدِ سارقةٍ. في انكسارِ

الزجاجِ أطلقُ سراحَ اللقاءْ. أنا لم أرتمِ إلى

يدكَ يوماً. كانَ ذلكَ وهماً في ممرِ المغيب.

من شظايا لقاءٍ وُلِدْتُ حلماً. وفي شظايا

الزجاجِ المكسّرِ أعودُ كاذبةً بأني لم أحبكْ.

أنا قديسةُ الإثم. أيقونتي من عبقِ

لقاءٍ أتتْ وتعودُ نتفاً من العطرِ المكسرْ.


(10)

في البدءِ كان الدلالةْ. لقاءٌ

على معبرٍ في الغيابْ. هوَ

الغسقُ القادمُ في الولادةْ.

وأنتَ مثلُ جنينٍ تكوّرتَ في

رحمي. جسدٌ كنتَ، أخبئُ

فيهِ معبراً كي تمرُّ دروبُ الغوايةْ.


مثل هذا الممرِّ أمامي.

حيثُ التقيْنا. لا. لا تراه.


دعني أريكَ. هنا جزءُ نصِّ.

ترى المدنَ. محروقةٌ. وأنا

الخائنةْ. وهنا الزهرُ. لم يبقَ

منهُ إلا رماداً. معبرٌ مغلقٌ

في لقاءٍ بعيد. هنا النصُّ

يروي. كيف الجنينُ تهاوى

من يدٍ ساقطةْ.


في البدءِ كان الدلالةْ. وأنتَ!

لماذا أتيتْ؟ من أيّ شرقٍ

نجوتَ إليَّ؟ بعدَ السقوطِ

كنتَ تسارعُ خطوكَ للغربْ.


كنتَ جنينً الرحيلْ. وها أنتَ

قد عدتْ. من الشرقِ. وأنا

نصُّ عراءٍ. من الخلقِ في

دروبِ الخطايا.


احرقِ النصَّ.

في البدءِ كانَ سقوطُ الإشارة!


(11)


غريبةٌ هذه المياهْ. كاتمةُ السرْ.

للآلهةِ الذين مضوا. على لغةِ الموجْ.


بماذا تبوحْ؟

بخطوكَ على جسدِ امرأةٍ في الرملْ.

بقيظِكَ كأنّه السحبُ ماطرةَ.

يبعثرُ وجهَها في الهواءْ.


شقيةٌ هذه المياهْ. كتومةٌ.

وأنتَ نبيٌ شقيٌ تنظرُ طيفَها.

على الريحْ.


تحملُها الريحُ.

يا رياحَ المياهِ الشقيةْ.

إحمليها.

إلى قعرِ بئرٍ عميقْ.


مثلُ أيقونَتي. من زجاجٍ عميقْ.

رمالٌ وذابتْ.

علقْتُها على حائطي.

خبَّأتُ في نارِها سقوطَ المدينةِ عند الظهيرةْ.


ووجهي شراعُ السقوطْ.

يعلو على الموجْ.

يشقُ دروبَ خلاصِكَ في الرملْ.

وعلى قدميكَ تعلو صواري الرياحِ البعيدةْ.






آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net