Tahawolat
منذ توقيع وزيرا خارحية انكلترا وفرنسا اتفاقية سايكس بيكو العام 1916 التي قسمت سوريا الى الكيانات القائمة حالياً، وبعد صدور "وعد بلفور" الذي وعد اليهود بوطن قومي في فلسطين، رسم هذان الحدثان خريطة التوازنات التي حكمت المشرق وغيّرا وجه الامة السورية والمنطقة وشكلا من حينها حتى الآن عنواناً للصراع الأساسي لما يسمى حالياً "الشرق الاوسط


وبعد الازمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم العام 1929 وفي بداية ثلاثينيات القرن الماضي، كان العالم يعيش المرحلة الانتقالية الواقعة بين حالة من الثبات النسبي والتناقضات المُسَيطَر عليها، إلى الحالة الجديدة الفاصلة بين بداية الحرب الكونية الثانية ونهاية نتائج الحرب العالمية الاولى.
في تلك المرحلة كانت المانيا ودول المحور تحاول نسف تبعات معاهدتي سان ريمون ولوزان وشروطهما المذلة، وكان العالم يتحضر للحرب الكونية الثانية. يومها التقط المفكر الرؤيوي انطون سعاده، اللحظة التاريخية وأسس الحزب السوري القومي الاجتماعي ظناً منه انه بانشغال العالم بالصراع في اوروبا والتهيئة للحرب يستطيع ان يقتل سايكس بيكو ووعد بلفور وهما جنينان، لكن انتصار الحلفاء وحسم المعركة في اوروبا، بالاضافة الى ضعف الحزب وهو في مرحلة التأسيس والتآمرِ ممن أسماهم سعاده بيهود الداخل اضاعوا تلك اللحظة واستشهد الزعيم وتبدد الحلم، إلى حد ما.
الآن تبدو توازنات العالم والمنطقة مستدعية اعادة ترتيب جديد، يشبه كثيراً ترتيبات معاهدة «سايكس - بيكو»، ما اشبه هذه اللحظة التاريخية التي نعيشها اليوم بتلك. العالم يمر بمرحلة صفرية بين نظامين، نظام عالمي احادي الاستقطاب سقط الى غير رجعة بعد الكارثة الاقتصادية التي عصفت بالنظام الرأسمالي العام 2008 فأفقرته ولا تزال تداعياتها من دون حل، ونظام عالمي جديد متعدد الاقطاب قيد التشكل، ظهر بعد انتقال مركز الثقل الاقتصادي والسياسي من الغرب الى الشرق وتحديدا الى جنوب آسيا بسبب الثورة الاقتصادية التي احدثتها الصين، وبدأت بمزاحمة اميركا على احتلال المركز الاول اقتصادياً وسياسياً على مستوى الكون. وبعد بروز الصراع على الغاز كمادة نظيفة للطاقة نتيجة تبني توصيات قمة الارض (في ريودجنيرو العام 1992 ومؤتمر كيوتو في اليابان) بضرورة تخفيف انبعاث ثاني اوكسيد الكربون بنسبة 20% قبل 2020 والتحذير من كارثة ستحل بالكرة الارضية ان لم تلتزم الدول الصناعية بهذا الامر، والتزام اوروبا بهذه المقررات مما جعلها اكبر سوق ناشئ للغاز حيث تعتمد اوروبا على الغاز الروسي كمورد اساسي لتأمين حاجتها من
الطاقة


وبعد اكتشاف هيئة المسح الجيولوجي الكميات الكبيرة من النفط والغاز في سوريا والساحل الشرقي للمتوسط. بات العالم بأسره بشكل عام، وقارة آسيا وسورية بشكل خاص يمران في منعطف خطير، ولحظة سياسية ومصيرية فاصلة. وبعد القرار الاميركي التصدي لاحتكار شركة غاز بروم الروسية لسوق الغاز في اوروبا، وإنشائها مع حلفائها شركة غاز نابوكو التي ستحمل غاز الخليج ومصر واسرائيل ومحاولة تمريرالأنابيب بسوريا حتى تركيا حتى اوروبا لتحريرها من احتكار غاز بروم. وبعد القرار الاميركي الانسحاب من الشرق الاوسط والاتجاه نحو الشرق الاقصى ووسط آسيا وجنوبها للتصدي للعملاق الصيني، واعتماد الادارة الاميركية الاطلسي والاسلام السياسي والتكفيري لرعاية مصالحها ومصالح اسرائيل في المنطقة، بتمويل وتسليح من دول الخليج العربي وتركيا، واستهدافهم سوريا والمنطقة لتدميرها بحرب كونية تخاض فيها وعليها بجيش من التكفيريين استقدم من اكثر من 83 دولة لضرب موقع سوريا الممانع والمقاوم للمشاريع الاميركية الاطلسية الاسرائيلية.

 .. ولأن سوريا بموقعها الجيواستراتيجي كعقدة طرق انابيب الغاز العالمية، وبوابة طريق الحرير الصينية الآسيوية الى اوروبا، وكمحطة لخط سكك الحديد السريع الذي يصل شنقهاي بساحل سوريا على المتوسط. اصبحت نقطة صدام جيوبوليتيكي بين محورين: االمحور الاميركي الاطلسي الخليجي من جهة الذي لم يعد متمسكاً بسايكس بيكو بعد ان استنفدت اهدافها ويود تقسيم المقسم الى كيانات اثنية مذهبية جديدة تتصدى لايران بإشعالها الحرب السنية الشيعية، التي تخدم بقاء اسرائيل، وتقيم سداً في وجه المصالح الروسية الصينية الطاقوية في المنطقة وتسيطر على مسارات الغاز لتحرير اوروبا من هيمنة غاز بروم. ومحور المقاومة، الذي يقابل المحور الأول، الممتد من لبنان الى سوريا الى العراق الى ايران حتى الصين وروسيا والذي يعتبر معركة سوريا هي معركته في الصميم وعلى نتائجها يترتب تبلور نظام عالمي جديد متعدد الاقطاب، والسيطرة على معركة الطاقة والغاز ومساراته التي على نتائجها يتحدد من يتحكم بمصير الكون، بعد تسمية هذا القرن بالقرن الذهبي للغاز.

 وعلى معركة سوريا ايضا يتوقف مصير ما سُمي بالربيع العربي (وهو ربيع اميركي اطلسي اسرائيلي غبّ الطلب) غايته تفتيت المنطقة مذهبياً وضرب استقرار روسيا والصين بتحريك الاقليات السنية الموجودة فيهما. وبالتالي أصبح الدفاع عن سوريا هو دفاع عن الامن القومي والطاقوي والاقتصادي لمحور المقاومة، والذي تكمن مصلحته بالتصدي لتقسيم المنطقة ومنع تأجيج الحرب الطائفية والمذهبية فيها لأنها ستتأثر بها في الصميم.
وفي زمن تخاض الحرب الكونية على المجتمع السوري لتفتيته وإسقاطه بقوى التكفير العالمية المأجورة لاميركا واسرائيل بعد ترويض الانظمة العربية واحتوائها، كمرحلة اخيرة من تصفية القضية القومية. وفي زمن سقوط سايكس بيكو لمصلحة مشروع مذهبي اثني جديد يخدم اسرائيل ويستبيح خيرات بلادنا من غاز ونفط.
وفي زمن سقوط الكيانية التي ارتبطت منذ نشأتها بالاستعمار، وسقوط الليبرالية التي أفلست العالم، وفي زمن سقوط الاسلام السياسي بشقيه الاخواني والتكفيري بفكرهما الجاهلي القبلي، وافلاس العروبة الوهمية التي لم تستطع حماية الامة وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية، وحولت الجامعة العربية الى حصان طروادة تستدرج الاطلسي لاحتلال سوريا قلب الامة النابض.


وفي زمن يطرح محور المقاومة والمثقفين السوريين والعرب وكل النخب والعامة، وحدة الجبهة الشمالية الشرقية المقاومة من لبنان الى العراق، ويطرحون "المشرقية" اي وحدة بلاد المشرق العربي او وحدة بلاد الشام او السوق المشرقية الاقتصادي او وحدة الهلال السوري الخصيب كمشروع نضالي استراتيجي وجيوسياسي يتلاقى ويتكامل مع مصالح روسيا والصين وايران. (وهذه كلها تسميات ترمز لوحدة الأمة السورية التي نادى وعمل واستشهد من اجلها أنطون سعاده). وفي زمن تمزيق المقاومة البطلة حدود سايكس بيكو وتحويل لبنان من خاصرة رخوة ضعيفة للشام الى درع قوي ناصر لها في حرب الوجود التي تخوضها. يبرز فكر سعاده الوحدوي الجذري المقاوم كمنقذ وحيد لحال الامة من الموت المحتم، وكعلاج ناجع لإعادة وحدة الامة والمجتمع ومنع تفتيتهما.
ان التصدي للحالة التكفيرية لا يكون بسحقها عسكرياً فقط. بل بفكر مدني جامع موحد كفكر سعاده الذي نادى بفصل الدين عن الدولة وإلغاء الحواجز بين مختلف المذاهب والطوائف واقامة الدولة المدنية العصرية الحرة القوية العادلة التي تحقق المواطنة والمساواة بين كل مكونات المجتمع وتساهم في صيانة وحدته، وتطمئن الاقليات في سوريا التي تعيش هاجس الخوف جراء التصفيات على الهوية. واقامة الاقتصاد القومي على اساس الانتاج مكان الاقتصاد الريعي وتحقيق العدالة الاجتماعية وضرب الاحتكار واعادة انماء الريف الزراعي بتحقيق الإنماء المتوازن وضرب الفساد والمفسدين.
 وكما عملت سكك الحديد في بداية تأسيس اميركا كشرايين الدماء الاقتصادية التي ضخت ضرورة وحدة الولايات المتحدة الاميركية. ستكون لطريق الحرير وخط سكك الحديد السريع الذي يصل الصين بسوريا، وخطوط الغاز التي تصل غاز ايران الى الساحل السوري على المتوسط، وغاز المتوسط الى الصين عبر سوريا والعراق وايران وباكستان بعد انتهاء الحرب في سوريا واستغلال غاز الساحل السوري (الذي يعتبر من اكبر حقول الغاز في العالم) سيكون لتلك الأنابيب الأثر البالغ في تسريع وحدة الهلال الخصيب كضرورة وحاجة سياسية واقتصادية واستراتيجية عالمية لمحور المقاومة، الى جانب كونها ضرورة قومية اجتماعية وجغرافية من الجانب العقدي لفكرنا.
 سوريا امام مخاض كبير، سترسم نتائج الحرب فيها خرائط وتوازنات جديدة قد تحكم المنطقة لفترة طويلة. أميركا وأزلامها في المنطقة يتساقطون ويحاولون الاستعجال لركوب قطار الحل. محور المقاومة منتصر والمتوسط اصبح بحيرة روسية والمشرق سيكون منطقة نفوذه ومصلحتُه ان يتوحد.


هكذا يتقدم فكر سعاده ليشكل راهنية للحل، لا يجوز لحزب سعادة ان يبقى مقسماً. كيف يمكن ان يطرح فكر سعاده كحل وحدوي لحال الامة المقسمة وحزب الوحدة القومية عاجز عن إنجاز وحدته. اي مصداقية للقوميين الذين يتشاركون مع المشرقيين العمل لتحقيق وحدة المشرق وهم منقسمون لا يغلّبون مصالح الامة على مصالح تنظيماتهم الضيقة.
لم يكن الحزب السوري القومي الاجتماعي منذ تأسيسه غاية بحد ذاته بل وسيلة لتحقيق غايات الامة الكبرى بالوحدة والحرية والديمقراطية والاستقلال والعدالة الاجتماعية والاقتصادية.
لقد باتت وحدة القوميين ومن ضمن هذا المشروع النضالي وهذه القراءة أكثر من ضرورة وملحة فهل نلتقط هذه الفرصة؟
إن الامة بحالها الراهنة التعيسة تناشدنا وتستحلفنا لإنقاذها فهل من يسمع ويستجيب؟
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net