أفتّش في دفاتر الشعراء
أسائل الأوتار
أركع في المعابد
أبتهل
كلمة، شحّذوني كلمة
تصدّقوا عليّ بوحي
حورية الجمال تريد أن أقول فيها شعراً
ليرقى القصيد إلى مطاف الشهداء
إنما سموّها أرقى
هل تختفي تلافيف لوحة الجدار
حتى أغوص إلى أعماق النهر؟
قلب الشجرة
أغاني الطير دوائي
أريج الزهر رجائي
اللوحة مليئة الأسرار
ألا يا أسرار!
أريد صورة حورية الوحي
لترقى قصيدة إلى مطاف الشهداء
سموّها أرقى
ضائع في بحر عينيك الأخضر
لغز عينيك سحيق الغور
لغز عمره من الزمان ملايين
مخاض التاريخ في صور
التاريخ يزحف وئيداً، واثق الخطى
بلادي يا بلادي
ارحميني، أشفقي على ضعفي
أستجيرك بحبي
بحبك الأبناء
لك الخيار، اختاري
بين حبي وحبك
أحلّفك بدمي، هبيني القوة
هبيني القوة فأنا أعرف الدرب إلى فلسطين
مزّقيني، فأنا ورقة رفض بين يديك
رصاصة قرار
نادي عليّ، آتيك هبوباً
فأنا حمل يجذبه صوت الناقوس
ألا ليتني مجنون، ألا ليتني مجنون
يا ناس الشعر
هاكم حورية الوحي
فوق صهوة سمراء
سرجها الغيوم
صولاتها نجوم
تهبط شعاعاً لترقى قصيدتي إلى مطاف الشهداء
سموّها أرقى
قسماً بالريح وزخاّت المطر
بالشمس وصلاة الحجر
بالبسمات وأرجوحة القدر
قسماً بسندس السهل ونشيد الوديان
بغمز الذرى وتخلخل الألوان
بالمحبة وابن الإنسان
وشيبة النسر الذهبي
تموز يا تموز
يا محطّم سدّ عموره
يا ساخراً بالقدر
يا صانع القدر
نهتف لك باسم الحرية، أننا كلنا شهداء
ألا ليت نصلب على شمسك يا جبين المشرق والشموس
استشهدوا للتاريخ، التاريخ يشهد
مكتوب في عينيها
عيناها نشور
طوفان الأحرار
همزة الاستمرار
ربما شعري طوفان جديد
يا أرض أخرجي أثقالك
ويا سماء أخرجي أحمالك
يهوه، يهوه …
خسئتَ لن تبني سفينة نوح
لن تبنيها بشكل آذان أتان
لا ، ولا آذان فئران
شعري الطوفان الآخر
فردوس
فردوس دون ملائكة ودون سور
عيناك البراءة … "برقة"
حنيبعل، ابن أليسار
وخالد، ابن الحسين
وصلاح، ابن خالد
وسعادة، ابن حنيبعل
مات الميزان
مات العقاب ومات الجحيم
غداً الثامن من تموز عيد
عيد مشاعل الضمير
المصير ينتفض مثل لدغ
المصير يفرش جناحيه شكلاً للوطن
شكلاً لعينيك
لترقى قصيدتي إلى مطاف الشهداء
سموّها أرقى
طوامث النوى
قلبي صديد، صدَّ
إرزما، أنادي عليك
ألا يا راقي الموت
يا راقي جنازتي
أحلّفك بمنطقها في الناطقين
بالكفن والطاس والصابون
بالحناء والريح
إن نادت عليّ، أرجوك لا توقظني
لا تسترجعني للروح
لا، ولا تغسل جسدي
ما الضروري في الغسل، وما الكمالي؟
أصرخ في الرجال: هيا احملوه
أسرعوا يا رجال
وإن احتجّوا، اختلق حججاً
ولّد أعذاراً
قل لهم مثلاً أنهم تأخروا في الدفن...
آكام عظيمة ستقع
آثام فظيعة ستلمع
وأمراض ستتفشى
وطاعون سيسري
ويحكم، يا رجال إلى اللحد
نخّي فيهم همم الرفوش
ثم ضع فوق صدري صخراً كبيراً
ثم أهّل عليّ التراب
ثم فوق التراب ضع صخراً عظيماً
إياكم أن تتأففوا!
لا شيء مستحيل
وما من مستحيل إلا الجهل
استعينوا بالعلم
استعيروا آلات الجرف
الآلة ليست وخماً
ثم آتوا بعقارب وأفاعٍ
وحجّروها عند قبري
وأنا، بدوري من هناك
سأرسل جيوشاً من الجن والعفاريت،
وشمطاء بيضاء
أنيابها عكاز
تجاعيدها مخابئ تخبئ عيونها
قعيدة تخفي شراهتها بتخمتها
ثم يا راقي الموت،
لا أريد مع الليل منسياً في عزلتي
ولا أحجبة أريد، ولا كتابات وحروزاً
فاسدة... انتهى تاريخها
إنها لا تقي الشرير
وتلك الطقوس والآيات
وهذه البسملات، والذكر والأسماء
برمتها وضيعة، لا قيمة فيها
لا شيء ذا قيمة
ويا راقي الموت قل لحادي الموت
أن يهجو ولا يمدح
أن يقدح، وما الهمّ؟
ويا صديقي، يا أيها الراقي،
قل للنسوة الناحبات:
ألا كفكفن دموعكن
ألا كفى صك وجوهكن
فأنا لست قتيلاً
ولم يؤدّ بي الأنين
ولم أضاجع السنين
أنا، شهيد
وسيفاً أريد
غداً يعلو صوت الشهيد
تفرّ الوحوش
وتهرب الأفاعي
وأزيح الصخر
وأطلع من بين الأموات شاهيناً
نسراً زوبعياً
لترقى قصيدتي إلى مطاف الشهداء
سموّها أرقى
حول مائدة الحرب
الكل سكارى
والقنابل مدام
تموز، يا أشم الشمم!
يا أبي الإباء!
نقرع كأسك عالياً
التموزيون دونهم البشر
يعصرون العنب وحياً
ويشربون الدماء خمراً
لترقى قصيدتي إلى مطاف الشهداء
سموّها أرقى
سقط الإله عن كرسي العرش
استقال
حاملاً بيده سوطاً
شفته السفلى برطمة تلعق سيجاراً كوبياً
جَلَدَ حواء سوطين
وآدم ثلاثةً
وأعطى الأطفال عنقود المصانع
وكأس الخوابي
أطفال بلادي، أكبر من الآلهة
أكبر من الجراح
فلسطين أكبر!
بيروت أكبر، أكبر!
سوريا أكبر، أكبر، أكبر!
كبّروا، وزيدوا تكبيراً
الأرز سجادة صلاة
الثلج وضوء
تموز إمام الصلاة
والمصلّون شهداء
صرخ الردى
دوى الحق، الحق دوى
لترقى قصيدتي إلى مطاف الشهداء
سموّها أرقى!
