Tahawolat


بيّن مصطلح الصهيونية العربية ومصطلح الستار الحديدي الأطلسي وربيع الصهيونية العربية تدرّج منظومة متكاملة من المتغيرات الاجتماعية السياسية التي تفرض دخول هذه المصطلحات في القاموس السياسي الحديث بما يتاءم مع واقع الحالة. “تحولات” فتحت حواراً مع مطلق هذه المصطلحات السياسية، بقصد إعطاء تفسير لما يبدو تناقضاً بين شعارات الدول وسلوكها. فكان الحديث الآتي مع الدكتور حسن حمادة.
تتحدث دائماً عن “الصهيونية العربية” بحيث أن هذا المصطلح بدأ يشق طريقه كي يستقر في القاموس السياسي المتداول إلى جانب باقي المصطلحات السياسية المتعارف عليها. باختصار، ما هي هذه الصهيونية العربية؟
- الصهيونية العربية تعكس واقعاً ليس بالإمكان نكران وجوده. بدأت في ذهني فكرة الصهيونية العربية كمصطلح من خ ل حوارٍ جرى في الأساس مع وزير خارجية فرنسا الأسبق ميشال جوبر Micheal Jobret في العام 1980 . كان عليّ يومها أن أقوم بترجمة مقال لجوبر يتحدث عن القرار الذي اتخذه في قمة دول السوق الأوروبية المشتركة في البندقية والذي صار يحمل اسم “إع ن ا البندقية” والذي اعترف فيه الأوروبيون للمرة الأولى بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بعد مضي اثنتين وثلاثين سنة على النكبة، أي اثنتين وثلاثين سنة من المحرقة اليهودية بحق شعب فلسطين.
طبعاً إن مجرد مرور نيف وثلاثة عقود من المحرقة المستدامة قبل أن تستفيق الدول الأوروبية وكان عددها يومها تسع دول إلى أن شعب فلسطين هو شعب وليس قطعان ماشية وأن هذا الشعب يحق له أن يعيش كباقي شعوب العالم هو في حد ذاته إدانة للأوروبيين وشاهد على عدم صدقية المبدأ الذي لا يكون في التبجح به والمسمى مبدأ حقوق
الانسان. المهم أنهم وأخيراً، اعترفوا بهذا الحق. فسألت جوبر: “ترى ما هي الخطوة اللاحقة التي يمكن أن يقدم عليها الأوروبيون إيجاباً لتعزيز وترجمة هذه الخطوة، أي هل من ضغطٍ إضافي سوف يمارسونه على العدو إسرائيل مادياً، خصوصاً أن إع ن البندقية ا كان قد أثار غضب إسرائيل والمنظمات الصهيونية الدولية”، فكان جواب جوبر: “لن يكون هنالك ضغط
إضافي، لأن الدول الأوروبية إذا ما ذهبت أبعد من ذلك في الانفتاح على الشعب الفلسطيني فإن مصالحها في الدول العربية سوف تتعرّض للخطر!!! ...”. هزني هذا الجواب الفظيع وسألته هل يُعقل ذلك؟
فأجاب: نعم هذه هي الحقيقة.
شكلت هذه الإجابة بالنسبة إليّ منطلقاً جديداً لمواقف الدول العربية لم أكن منفتحاً عليه قب إذ دلني ا ذلك على أن الدول العربية تسهم مادياً/ أي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، في حماية إسرائيل والمشروع الصهيوني، وبالتالي فإنه إن لم يحدث ضغط عربي على الأوروبيين فإن هؤلاء لن يضغطوا على إسرائيل.
إن قاعدة “الأوعية المتصلة” وفي حصيلة الرصد هذا تبلور عندي وجود الصهيونية العربية ومشهدها، هنا الإجابة على سؤالك كالتالي: يمكن لأي كان أن يكون صهيونياً من دون أن يكون يهودياً أو إسرائيلياً. لقد توسع عندي مفهوم الصهيونية إذ صار مرتبطاً بالسلوك وليس فقط بالأواصر الدينية. فكل من يسلك سلوكاً يخدم في نهايته المباشرة والمتوسطة والبعيدة المدى مصلحة إسرائيل يكون صهيونياً، لأنه يكون في الموقع الاستراتيجي نفسه لإسرائيل وللحركة الصهيونية. وصار هذا المفهوم يتأكد يوماً بعد يوم من خ ل سلوك العرب، أفراداً ومجموعات وحكومات ومنظومة “الجامعة العربية”. والأيام التي نعيشها تؤكد صحة ذلك. نعم على الانسان أن يختار الموقف الواجب اتخاذه في مواجهة ذروة الإجرام والصهيونية والاستبداد المتمثل بدولة إسرائيل. فإما أن يكون الانسان أو المجموعات أو الحكومات في موقع مقاومة التمييز العنصري والإجرام والظلم الإسرائيلي أو أن يكون صهيونياً عربياً. هذا طبعاً بالنسبة إلى العرب، والقاعدة نفسها تنطبق على باقي بني الانسان إلى أي ثقافة انتمى. وهذه هي جذور هذا المصطلح.
يعني ذلك أن الصهيونية العربية هي قاعدة القياس التي جعلتك تسمّي ما درُجت تسميته بالربيع العربي. ربيع الصهيونية العربية؟
 نعم، هذا بالضبط. فعلى ضوء التحولات التي بدأت مع مطلع العام 2011 ، إن ما يحدث هو ربيع الصهيونية العربية. صحيح أن هنالك مطالب وحقوقاً ديمقراطية تحرك موجات الاعتراض الشعبي ضد المكونات والأنظمة، إلا جرى اختطافها، كما جرى تغيير وجهة سير الاعتراض لشعب في اتجاه الحالات التي ترفع عناوين دينية ومنهجية في دول العربية عدة. وهي حالات لا تقل أبداً من حيث البطش والاستبداد عن الأنظمة التي كانت قائمة وجرى إسقاطها.
 
ويلاحظ هنا أن ثمة مواكبة ورعاية وحرصاً وحماية لهذه الحكومات البديلة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل أولاً، ومن خلفتها من قبل حكومات الصهيونية العربية وحكومات “السيانيم” الأوروبيين والأطلسية عموماً. فلو أخذنا الأمثلة بالتدرج لوجدنا حملة تعاطف أطلسي
وإسرائيلي مع حركة النهضة في تونس. حسبنا الإشارة هنا إلى الخطوة الكبيرة التي يفتيها الشيخ راشد الغنوشي من جانب بريطانيا التي احتضته لسنوات ورعته وقدمت له كل التسهيلات اللازمة ليعود إلى تونس مكل بالغار يمتطي جهد وكفاح النهضة الديمقراطية العارمة التي حققها الشعب التونسي فتقطف حركة النهضة ثمار هذه الجهود وتقدّم الولاء للولايات المتحدة ولإسرائيل تماماً كما كان يفعل الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
أن الوقائع تثبت بأن هذه الحقوق والمطالب لا فرق، استراتيجياً واقتصادياً ما بين الحالتين.
فعلى الصعيد الاستراتيجي نفذ الشيخ الغنوشي ما كان يفترض به تنفيذه وتوجه إلى واشنطن
وألقى محاضرة لتأكيد ولائه أمام مؤسسة واشنطن انستتيوت Washington Institute الصهيونية المملوكة من منظمة إيباك AIPAC التي هي اللوبي اليهودي الأساسي في الولايات المتحدة. واللافت للنظر هنا أن هذه المحاضرة كانت سرية، لكن الإسرائيليين تعمَّدوا كشف النقاب عنها ولو أدى ذلك إلى فضح الشيخ الغنوشي وكشف ما هو مستور عنده. أما على الصعيد الاقتصادي، فإن حركة النهضة، وهي الفرع التونسي لمنظومة الإخوان المسلمين الدولية لا تقدّم أي برنامج اقتصادي مختلف عن النظام الاقتصادي الذي كان يلتزم به حكم بن علي. وهذا النظام يلتحق بمنظومة النيوليبرالية المعتمدة من جانب الأوليغارشية في الولايات المتحدة الأميركية.
وفي مصر الأمور تختلف بعض الشيء، أليس كذلك؟
اخت ف الأمور طبيعي نظراً لاخت ف أوضاع الدول، ولكن على الصعيد الاستراتيجي والاقتصادي لا فرق بين نظام الإخوان المسلمين اليوم في مصر ونظام الرئيس المخلوع حسني مبارك. استراتيجياً كان هم الولايات المتحدة يقتصر بأمرين: الأول أن تبقى مصر مقيدة بأصفاد وجنازير معاهدة كامب دايفيد مع إسرائيل. والثاني أن يحافظ نظام الإخوان على التوجهات الاقتصادية نفسها التي كانت مطبقة في النظام السابق. يتغير الأشخاص وتتبدل الحكومات وتبقى الحدود الاستراتيجية والاقتصادية هي نفسها.
 
هذا بالإضافة إلى كون الرئيس مرسي ابنا مدل عند ا الولايات المتحدة حيث سبق له أن عمل، كمهندس في مؤسسة النازا Nasa ولا يعقل لأي انسان أن يدخل إلى ال Nasa ما لم يكن مضمون الولاء، موثوقاً، من السلطات الأميركية. ويضاف إلى ذلك في الحالة المصرية، وهنا التمايز عن الحالة التونسية التمايز الذي أشرت إليه هو أن نظام الإخوان المسلمين لا يخدم وحدة الشعب المصري بل يثير أزمة بنيوية داخل هذا المجتمع ما بين المسلمين والأقباط، مما يخ دم اس تراتيجية الفوض ى البناء tive Chaos المعتمدة لهذه المنطقة ككل بهدف منع قيام أي استقرار مجتمعي، وبالتالي سياسي، وفي دولة مثل مصر الأمر الذي يبقي مصر خارج معادلة الصراع مع إسرائيل والصهيونية. كانت مصر محكومة من الصهيونية العربية في زمن مبارك وهي اليوم محكومة في الصهيونية العربية في عهد الإخوان. في الحرب الإسرائيلية على غزة العام 2008 جرت الحرب على قاعدة الحصار مصري والتمويل سعودي والمطرقة إسرائيلية، والحرب التي جرت قبل أشهر على غزة جرت على قاعدة الحصار مصري والتمويل قطري والمطرقة إسرائيلية. ماذا تغيّر؟... الجواب: لا شيء.
أين تضع الخصوصية الليبية في سياق هذا “الربيع”
 لاوجود للربيع في هذا المطلق بل الموجودهو ربيع الصهيونية العربية المقصود كان تمزيق ليبيا إرباً إرباً.
 
وهذا ما حصل عملياً. القذافي، كما زين العابدين، كما حسني مبارك، كان استراتيجياً واقتصادياً مستقراً داخل المنظومة الأميركية الإسرائيلية وهو جزء لا يتجزأ من منظومة الصهيونية العربية. ليبيا اليوم محكومة من الإخوان وهي مقطعة الأوصال مجزأة.
استراتيجياً واقتصادياً لم يدخل أي تمويل عليها.
الحكم الجديد وقع منذ شهر نيسان من العام 2011 على اتفاق مع كل من بريطانيا وفرنسا يقضي بإعطاء كل من الدولتين 35 % من النفظ الليبي. ولقد سرب الفرنسيون نصر هذه الاتفاقية إلى أجهزة الإع م، وبموجب هذا النص تتعهد كل من الدولتين بحماية الطاقم الحاكم في طرابلس. العارفون بخفايا الأمور يعلمون جيداً أن أوساطا أميركية أو أميركية الولاء في باريس هي التي سربت مضمون هذا الاتفاق المشين. وبالمحصلة فإن الأميركيين اليوم قاموا بكف يد الفرنسيين والإنكليز كي يأخذوا هم كل المكاسب، إلا أن من خصوصيات الحدث الليبي هو انكشاف العلاقة الوثيقة بين منظمة “القاعدة في المغرب الإس مي” والحلف الأطلسي. فجرى تسليم هذه المنظمة السيد عبد الكريم بن بلحاج منصب الآمر العسكري لمنطقة طرابلس العاصمة. وجرى تحويل ليبيا إلى مصدّر “للثوار” في اتجاه سورية حتى أن مندوب أمين عام الأمم المتحدة في ليبيا، السفير بن مارتن، تولى بنفسه “نقل الثوار” بحراً، على متن سفينتين تحم ن بيرق الأمم المتحدة، إلى سوريا عبر الأراضي التركية. هكذا بكل وضوح، وصار الوضع في ليبيا كما نعرف اليوم. والتصدير إلى سورية جرى أيضا من تونس؛ حسبنا الإشارة إلى أن في كل من ليبيا ومصر، ظهر دور كبير للكاتب الفرنسي الإسرائيلي برنارد هنري لافي Bernard Henry Levy الذي أطلق عله لقب “أبي الربيع العربي”. هذه حقائق لا يمكن على الإط ق تكذيبها أو التنكر لها.
ولكننا شاهدنا ليفي أيضا في الحدث السوري!! ...
 صحيح تماماً. ففي السادس من شهر تموز من العام 2011 وبينما كان الغليان على أشده في ليبيا وفي مصر عقد في باريس مؤتمر فرنسي صهيوني إسرائيلي، بإدارة مباشرة من برنارد هنري لافي بعنوان “نصرة الشعب السوري وإسقاط النظام الديكتاتوري”. هنا تكشفت الأمور التي أكدتها الغارة العدوانية التي شنّها العدو الإسرائيلي على دمشق. تمثل ذلك بمشاركة حركة الإخوان المسلمين السورية بالمؤتمر الصهيوني بحضور ملهم الدروبي، القيادي في حركة الإخوان المسلمين ومسؤول العلاقات الخارجية وهو موجود اليوم في جدة تستضيفه فضائيات عربية. للأسف الشديد أن الإع م المتعاطف مع هذا المحور، لم تخص مؤتمر باريس ولا الدروبي بالاهتمام المفروض. إن مؤتمر باريس لم يكن أكثر من رأس جبل الجليد ice burg في العلاقة ما بين حركة الإخوان، أو بالأحرى قيادة الإخوان وليس القواعد في سورية مع إسرائيل. لم يطرح أحد على الم هذا الموضوع حول الاتصالات التي كانت أ تجري بين إسرائيل وقيادة الإخوان والتي أدت إلى عقد هذا المؤتمر بالشكل العلني الفاضح الذي عقد فيه. لم يطرح أحد ما هي المواضيع التي كان يتم بحثها وما هي الاتفاقات التي عقدت بين الفريقين وما هي التعهدات التي قدمتها قيادة الإخوان مقابل الدعم الهائل الذي صارت تتلقاه من جانب الحلف الأطلسي وإسرائيل والذي أكدته حيثيات المواجهات المحاطة في سوريا على امتداد السنتين المنصرمتين. حتى أن الفضائيات التي أجرت أحاديث حول أحداث الساعة مع الدروبي لم تتطرق إلى هذا الموضوع. أليس غريباً الأمر؟! والواضح أن منذ مؤتمر 6 تموز2011 ، جرى تسخير الإع م الأوروبي لتبييض صورة الإخوان المسلمين الذي سبق لهم وتعرضوا لهجمات شرسة من قبل هذا الإع م في الماضي. وقعت الواقعة في سورية فتبين لمن لم يلحظ الأمور مسبقاً أن هذه العلاقة عميقة جداً. شخصياً، اطلعت على نص التقرير الذي وزعته قيادة حزب الإخوان على قواعدها بخصوص مؤتمر 6 تموز 2011 لم يتضمن هذا التقرير أي إشارة لحضور صهيوني في هذا المؤتمر على الإط ق. إنها عينة عن أسلوب الخداع الذي تتعرض له القواعد من قبل القيادات ليس في حزب الإخوان المسلمين فحسب بل في مختلف الأحزاب أيضا،ً سواء في العالم العربي أو في العالم أجمع.
نلاحظ هنا أن العلا قة ما بين الدول الأطلسية والقاعدة
مجهولة بالكامل في الغرب. كيف يمكن تفسير ذلك؟
نعم هذا هو الحاصل وهذا ما يؤكد رأيي حول وجود ستار حديدي بكل معنى الكلمة في الغرب. إن “ستار حديد” و”غرب” عبارتان درج على اعتبارهما غير قابلتين للتمازج على اعتبار أن المتعارف عليه هو أن الستار الحديدي كان من خصائص المعسكر الشرقي في الماضي، أي المعسكر السوفياتي، أي معسكر حلف وارسو، لأن العملية الأطلسية كانت قد قسمت العالم إلى معسكرين: شرقي يقع خلف الستار الحديدي الذي يرمز إلى الحرمان من الحريات، خصوصاً من الإطلا ع على ما يجري في العالم..... و”معسكر حر” هو الولايات المتحدة الأميركية وكل ما يدور في فلكها بدءاً بدول الحلف الأطلسي، على أساس أن هذا “العالم الحر” يتمتع فيه الانسان بالحريات العامة والحقوق الفردية كافة،
وأولها الإطلاع على كل شيء، ناهيك عن المبادرة الفردية والاقتصاد الحر ..... إلى آخره. والحركة الصهيونية هي التي تتولى إدارة هذا الستار الحديدي. لكن واقع الحال الذي تكشف بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، كشف ويكشف عن الكثير الكثير من الخداع في هذه الدعاية، ومنها خدعة الإطلا ع على كل ما يجري في العالم وبالتالي على كل ما تقوم به الحكومات الأطلسية. فالرأسمالية المتوحشة التي كانت تتحكم بالمجتمعات، في المنظومة الأطلسية
وملحقاتها في دول العالم، زادت من توحشها لأن هذه الرأسمالية باتت تتمتع بغطاءٍ من الآحادية الدولية المتمثلة بالولايات المتحدة الأميركية التي أصبحت بمثابة روما الأزمنة الحديثة. إنها سلطة الإمبراطورية التي لا سلطة تعلو عليها ولا إرادة توازي إرادتها ولا قوة تحد من طغيانها. إن هذه المرحلة الجديدة من الاستباحة الرأسمالية المتوحشة، تجسد ما بات يعرف ب “العولمة”. والعولمة هذه ترافقت مع التطورات والاكتشافات التي حصلت في ميدان التقنيات الحديثة وأبرزها ميدان المعلوماتية. فرغت الساحة أمام الرأسمالية والليبرالية، فكان من الطبيعي الانتقال إلى مرحلة تعميم ال “نيو ليبرالية” التي هي أشرس أنواع الليبرالية المتوحشة. صحيح ان شعوب العالم المستضعفة وقعت فريسة هذه النيوليرالية، لكنها لم تقع وحدها بل وقعت معها المجتمعات الأطلسية، حيث جرت وتجري استباحة شعوب هذه المجتمعات التي باتت خاضعة لأحد أبشع أوجه الإرهاب: الإرهاب الاقتصادي وإرهاب الجهل. والإعلا م هو الأداة التي تعمم هذا الجهل. الإعلا م الذي كان في زمن الرأسمالية التقليدية يعتبر بمثابة “السلطة الرابعة” )إلى جانب السلطات الثالث  التي تقوم عليها الدولة ا الدستورية، دولة القانون( هذه السلطة الرابعة وقعت بالكامل في قبضة الكتل الصناعية العسكرية وبيوت المال، ليس في الولايات المتحدة فقط، حيث هذه الحالة موجودة منذ أكثر من قرن من الزمن، أي منذ ما قبل قيام المعسكرين بعشرات السنين، بل أصبحت متفشية أيضاً في باقي الدول التي دخلت مرحلة العولمة بطريقةٍ أصبحت فيها العولمة مراوغة للأمركة. هذا التطور، المختلف في أساسه مع القواعد المسماة “ديمقراطية” في أوروبا، تمثل ببدء الانهيار التدريجي لمفهوم دولة القانون لمصلحة السلطة الفعلية التي باتت موجودة خارج المؤسسات الدستورية بحيث صارت هذه تابعة لتلك، ممثلة لمصالح تلك، أي للكتل الصناعية العسكرية ولبيوت المال “وللمنظومة الخفية”، أي الاستخبارات، حيث القرار الفعلي، وبالتالي الملكية الفعلية لوسائل الإعلا م. صار الانسان الأوروبي لا يطلع إلا على ما تسمح له بيوت المال والكتل الصناعية العسكرية وال..... بأن يطلع عليه. لذا وبما أن حكومات الغرب كانت قد شحنت شعوبها بنظريات وإيديولوجيات مكافحة الإرهاب لا ترغب أبداً بأن تطلع شعوبها بأن حكوماتها متحالفة مع منظمات الإرهاب، خصوصاً مع منظمة مثل “القاعدة”.
هذا يعني أن الانسان داخل هذا الستار الحديدي الأطلسي الذي هو أشد دهاء ومكراً وقسوة من ذاك الستار الحديدي السوفياتي، هذا الانسان بات مستباحاً عقلياً لأن طبيعة النيوليبرالية تحوله من حالة المواطن المسؤول إلى حالة المستهلك المنقاد بشكلٍ أعمى. فإذا ما حافظت النيوليبرالية على سطوتها وزادت منها فإن الإنسان داخل هذه المنظومة سيفقد إنسانيته بالكامل ويتحول إلى شبيه بالمخلوق الذي يمكن تسميت mo-Americus يحسب نفسه أنه يعرف كل شيء في ما هو يجهل تماماً ما يفترض به أن يعرف. وهنا يذكرني بالقول الشهير ل”غوتيه” Gotteh : “إن ثمة عبودية لا يمكن أبداً الانعتاق منها وهي تلك التي يعيشها الإنسان، فعلياً، ويظن نفسه خطأً أنه حرٌّ “. وهذه في واقع الحال ال homo – Americus المطلوب تعميمه في أوروبا أولاً، وهي الخاضعة بالكامل إلى الاحتلا ل، ومن ثمة في العالم.
 
 
 
يتبع في العدد المقبل

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net