Tahawolat
يتناول الباحثون والمعلقون السياسيون موضوع تنظيم "داعش" وكأنه فكر جديد لم تعتد عليه الدول العربية والاسلامية او انه نمط جديد من السلوك الارهابي لم يكن له سوابق. لكن واقع الحال يشير الى ان ايديولوجية داعش هي نفسها ايديولوجية السلفية الجهادية والتي ظهرت من قبل في تنظيم الجهاد وتنظيم التكفير والهجرة وتنظيم القاعدة بكافة مسمياته. الايديولوجيا التكفيرية تتخذ من تعاليم محمد بن عبد الوهاب التكفيرية وفتاوى ابن تيمية المتشددة منطلقا لها. في هذا المجال يشبه تمدد "داعش" السريع والمفاجئ والكبير في ثلاث محافظات عراقية هي نينوى والانبار وصلاح الدين التمدّد نفسه الذي حصل للدولة السعودية الاولى في القرن الثامن عشر والتمدّد الكبير الذي حصل مع مؤسس المملكة الحالية الملك عبد العزيز والذي كان مفاجئاً. اعتمد عبد العزيز على المجازر والقتل وبث الرعب لينطلق من نجد ويسيطر على الحجاز ومعظم أجزاء جزيرة العرب اي المملكة العربية السعودية بحدودها الحالية تماماً كما يفعل ابو بكر البغدادي اليوم في العراق وسوريا.
في الأساس "داعش" هي اختصار لكلمات دولة الاسلام في العراق والشام, وكانت من قبل دولة الاسلام في العراق, جزءاً عضوياً من تنظيم القاعدة ترتبط بقيادة التنظيم في خراسان. أسس ابو مصعب الزرقاوي تنظيم دولة الاسلام في العراق ونشط في محافظة الانبار وبعد مقتله تسلم القيادة ابوعمر البغدادي الذي سرعان ما قتل في غارة أميركية ايضاً. تسلم ابراهيم البدري المعروف بابي بكر البغدادي قيادة التنظيم وبايع زعيم القاعدة ايمن الظواهري. بعد اقل من سنة على بداية الاحداث السورية انشأ البغدادي جبهة النصرة في سوريا وعهد بقيادتها لأبو محمد الجولاني. لكن البغدادي دخل سوريا وطلب البيعة من الجولاني واعلن دولة الاسلام في العراق والشام واختصاراً داعش. نشأ خلاف بين البغدادي والجولاني الذي ساندته خراسان أدى الى حرب داخلية بين الفريقين بلغ ضحاياها سبعة آلاف قتيل. اعتمدت جبهة النصرة على العمليات الانتحارية ضد القوات السورية وعلى ارتكاب المجازر المروّعة ضد المدنيين، لكن داعش فاقتها وحشية ونفذت اعدامات وارتكبت مجازر واعتمدت مبدأ الصدمة والخوف فاجتاحت محافظة الرقة بسرعة, وكانت كل عماياتها تعتمد على الصدمة والخوف.
 
في 8 حزيران 2014 أفاق العراق والمنطقة والعالم على اجتياح "داعش" لثلاث محافظات عراقية هي الأنبار ونينوى وصلاح الدين وأقسام من محافظة ديالى. احتل "داعش" الموصل وهي ثاني مدن العراق ويبلغ عدد سكانها مليوناً وثمانمئة الف نسمة واحدث ذلك رعباً في الشرق الاوسط. تجاوز "داعش" حدود سايكس – بيكو بين العراق وسوريا وأعلن البغدادي الخليفة في دولة الاسلام, بعد نحو تسعين عاماً على الغاء الخلافة الاسلامية في تركيا. جذب البغدادي المتشددين الاسلاميين في اعلانه الخلافة وتلقى البيعة من عناصر القاعدة في جزيرة العرب ودقّ ناقوس الخطر في دول مجلس التعاون الخليجي. أشارت الانباء إلى ان التعبئة لـ"داعش" في شمال افريقيا والخليج وآسيا الوسطى والقوقاز وغيرها قد ازدادت بشكل ملحوظ وارتفع عدد المنتسبين وبلغ نحو خمسة آلاف مقاتل تركي وآلاف المقاتلين من دول اخرى. اعتمد البغدادي على تنظيم جيشه حسب العراق وجعل لكل عرق وحدة عسكرية تتلقى الأوامر من قيادة "داعش"، فكانت وحدات مغربية وليبية وجزائرية وسعودية وشاشانية وغيرها.
 
كشفت "داعش" ومعها النصرة وباقي التنظيمات المتفرعة عنها هزال المعارضة السورية العسكري والسياسي. حركة الاخوان المسلمين التي اعتبرت نفسها قائدة للمعارضة وسيطرت على الجيش السوري الحر وحوّلته الوية بمسميات دينية مثل لواء احفاد الرسول، وهيمنت على المجلس الوطني في اسطنبول, تساقطت سياسياً مع قرار هيلاري كلينتون بتشكيل الائتلاف الوطني للمعارضة السورية. لكن الاخطر كان اجتياح النصرة ومن ثم "داعش" لمواقع الجيش الحر والاستيلاء عليها وأهمها مخزن هذا الجيش في اعزاز, ولم يعد له وجود عسكري يذكر.
طرح العديد من المراقبين اسئلة حول سر هذا التمدّد المفاجئ لـ"داعش". تشير الوقائع خصوصاً ما ظهر من قدرات عسكرية وتعبوية لـ"داعش" انها ليست وحدها في الميدان وانها ليست قوة ذاتية تتطور ذاتياً بل لها بعد خارجي.
وقد سجلت ملاحظات على ارتباطات داعش اهمها:
 
العلاقة مع الولايات المتحدة:
 
- كشفت بعض المصادر عن نوعية التدريب العالية التي خضع لها عناصر "داعش" واظهرت العمليات العسكرية التي نفذتها مهنية عسكرية عالية المستوى وترقى الى مستوى القوات الخاصة وقوات النخبة في الجيش الاميركي وجيوش العالم. أشارت بعض المعلومات إلى أن مخيمات التدريب التي اعلنت الولايات المتحدة اقامتها في الاردن منذ العام 2012 لتدريب المعارضة السورية, أنها كانت تدرب من اصبحوا اليوم اعضاء في "داعش" ولم يسجل اي ظهور لهم في الجيش الحر الذي هو بوضع الانهيار حالياً.
- كشفت معلومات اخرى عن دخول الولايات المتحدة على نظام سويفت للتحويلات المالية واطلاعه على جميع التحويلات في العالم لمصلحة الامن الاميركي وليس لغاية تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 1373 المتعلق بمكافحة الارهاب لا سيما التحويلات المالية. لم تسجل الولايات المتحدة اية اعتراض يتعلق بأموال "داعش" او القاعدة، فيما فرضت عقوبات وجمّدت حسابات بسبب تعامل بعض البنوك مع السودان او اكتشاف حساب صغير باسم القيادي في حماس اسامة حمدان. يشير ذلك الى تسهيلات اميركية لـ"داعش" او على الاقل غض نظر، خصوصاً ان "داعش" يتوجب عليها إجراء تحويلات مالية لتمويل عمليات التعبئة واستقدام المقاتلين من دول عديدة.
- وصلت الاسلحة الاميركية التي ارسلت الى الجيش الحر الى "داعش" غبر جبهة النصرة التي تنهار ايضاً كما تسلّحت "داعش" بسلاح الجيش العراقي الاميركي الصنع من دون ضجة اميركية. العام 2010 أثارت الولايات المتحدة ضجة كبيرة لأن جندياً لبنانياً دافع عن نفسه وأطلق النار وقتل جندياً اسرائيلياً قرب بلدة عديسة في جنوب لبنان وفرضت الحكومة الاميركية حظراً على تسليم الاسلحة الى لبنان. أما سيطرة "داعش" على الاسلحة الاميركية في العراق وسوريا وارتكاب المجازر وتهجير الاقليات المسيحية والايزيدية فلم يثر اهتمام الادارة الاميركية التي تحركت ضد "داعش" عندما اقتربت من مواقع الاستثمارات النفطية الاميركية في اربيل.
- تشير الوقائع العسكرية إلى أن "داعش" مجهزة بأعقد أنواع اجهزة الاتصالات وهي منيعة على اعتراض القوات السورية. كما أفادت انباء ان اتصالات "داعش" شوّشت على اتصالات الجيش العراقي اثناء اجتياح المحافظات الثلاث. موضوع الاتصالات هو حيوي من اجل كسب المعارك ومن دونه لا يمكن قيادة القوات ولا تشغيل غرف العمليات. ويرجّح منطقياً أن هناك اما دعم واما غض تظر او تسهيلات اميركية لاتصالات "داعش".
 
العلاقة مع تركيا:
 
- تعتبر تركيا من الناحية الجغرافية القاعدة اللوجستية لـ"داعش". من تركيا يتدفق المقاتلون للانضمام الى داعش ومن تركيا تتدفق الأسلحة والآليات والمؤن والوقود. لا يمكن لجيش "داعش" الذي يبلغ عشرات الآلاف أن يعيش من دون اللوجستية التركية.
- اتضح أن اتفاقاً عقد بين الحكومة التركية و"داعش" حول ضريح سليمان شاه وهو جد مؤسس الدولة العثمانية في الرقة. أبقت "داعش" على الضريح مع أنها دمرت ضريح الصحابي عمار بن ياسر في الرقة وأضرحة العديد من الصحابة بحجة أنها تخالف الشريعة، لكن في حالة سليمان شاه مررت مخالفة الشريعة وسمحت للقوات العسكرية التركية المولجة بحراسة الضريح بالتنقل بحرية عبر حواجزها بين الرقة وتركيا.
- تبين من الاشتباكات التي جرت في شمال سوريا أن المستشفيات التركية كانت تستقبل الجرحى وتعالجهم بتسهيلات من السلطات التركية ومعظمهم من "داعش" وهذا امر مهم في العمليات العسكرية.
- على الصعيد التعبوي أقامت تركيا مراكز استقبال لإرهابيي "داعش" و"النصرة" القادمين من جهات متعددة في العالم وسهلت استقبالهم ودفعهم الى الانضمام الى وحدات "داعش" في سوريا والعراق.
 
لا شك في أن ايديولوجيا "داعش" هي محلية وليست مستوردة كالايديولوجيا الشيوعية او الليبيرالية لكن "داعش" التي تعتنق الوهابية التكفيرية استفادت من النظام التعليمي التكفيري الموجود في بلاد عديدة والمموّل من دول وشخصيات خليجية. لقد حرفت "داعش" تعاليم الاسلام وأقرّت التكفير وارتكبت المجازر ضد من يخالفها الرأي انطلاقاً من اسس ايديولوجية، لكن الاستثمار السياسي لداعش بقي بيد من يملك القدرات السياسية والعسكرية والتقنية والاقتصادية أي الولايات المتحدة، ومن يملك الموقع الجغرافي أي تركيا.
 
خبير استرتيجي وعسكري

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net