Tahawolat
ما هي المهمات الاساسية والجديدة للقوات المسلحة الاميركية خصوصاً بعد إعلان وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ان مستقبل السياسة العالمية سيتقرر في اسيا وليس في السياسية هناك. افغانستان ولا في العراق وان الولايات المتحدة ستكون في قلب الحركة العميد الياس فرحات يقرأ عبر "تحولات" الاستراتيجيا الجديدة لأميركا
في خطوة نادراً ما يقوم بها رئيس الولايات المتحدة، زار الرئيس باراك اوباما مبنى وزارة الدفاع - البنتاغون واطل امام الصحافيين يحيط به وزير الدفاع ليون بانيتا، ورئيس هيئة
الاركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، ورئيس اركان جيش البر الجنرال راي اوديرنو، ومسؤولون آخرون واعلن "استراتيجية عسكرية جديدة للولايات المتحدة". عادة تعلن الاستراتيجية من البيت الابيض وتكون الاستراتيجية العسكرية جزءاً من استراتيجية الامن القومي للبلاد ويعمل بها لمرحلة زمنية تقدر بعقد من الزمن. لكن اوباما شاء في النصف الثاني لولايته ان يغير الاستراتيجية العسكرية بناء لاسباب فرضت عليه ذلك.

ما الجديد الذي تحمله هذه الاستراتيجية؟

بناء لما اعلنه اوباما، ترتكز هذه الاستراتيجية على مبدأ تخفيض النفقات العسكرية واقتطاع مبلغ هام من موازنة وزارة الدفاع يقدر بنحو 450 مليار دولار على مدى عشر سنوات، ويأتي ذلك استجابة للتخفيضات التي اقرها الكونغرس في "وثيقة ضبط الموازنة" الصيف الماضي التي تطلب تخفيض الانفاق العام بمقدار 350 مليار دولار في الموازنة القادمة من ضمن معالجة الازمة المالية. وهذا ما دفع بالرئيس الاميركي الى تخفيض عديد الجيش ومشاة البحرية المارينز والانتشار العسكري في اوروبا واجراء تخفيضات في حجم الترسانة النووية.

وكان عديد الجيش قد ارتفع في العقد الماضي الى 570 الفاً اثر الحرب على العراق وافغانستان، وبموجب الاستراتيجية الجديدة سوف ينخفض الى 520 الفاً، واشار عدد من كبار قادة الجيش انهم يتوقعون تخفيضات اخرى في فترة لاحقة. يشيرهذا التخفيض الى تغيير واضح في البنية العسكرية الاميركية التي كانت سائدة خلال فترة الحرب الباردة والتي كانت تسمح بتمكين القوات المسلحة الاميركية بخوض حربين اقليميتين في الوقت نفسه. وقال وزير الدفاع بانيتا ان الاستراتيجية العسكرية الجديدة نصت على أن حملات مكافحة التمرد الثقيلة والواسعة التي اعتمدت في العراق وأفغانستان لن تكون نموذجاً لحروب المستقبل فالجيش ومشاة البحرية لم يعودا بحاجة إلى تنفيذ عمليات دعم واسعة لتحقيق الاستقرارالذي كان من الاولويات العسكرية على مدى العقد الماضي". لكن الجنرال مارتن ديمبسي قال: "لا شيء في الاستراتيجية يقول اننا لن نقوم بعمليات لاعادة الاستقرار، انها مسألة نظرة وقياس وتوقيت ومخاطر وردود فعل"، وسئل الجنرال ديمبسي ماذا عن تهديد "المعتدين الانتهازيين" مثل إيران؟ فاجاب: "أن الولايات المتحدة لن تستبعد شن مثل هذه الحروب في المستقبل". ثم ايد بانيتا كلام ديمبسي حول ايران وقال: "لم تنص الاستراتيجية على أن الولايات المتحدة الأميركية لن تخوض حروباً برية أو لن تنفذ عمليات عسكرية لتحقيق الاستقرار. المسألة ليست ما إذا كنا سنحارب الأعداء أم لا، بل في كيفية محاربة الدول التي تهددنا وتواجهنا".

والجدير بالذكر انه قبل نحو شهرين تحدث بانيتا امام مركز بروكينغز- صابان في واشنطن واجاب على سؤال عن احتمال توجيه ضربة عسكرية الى ايران، فقال: "ان اي ضربة للمنشات النووية الايرانية تؤدي الى وقف البرنامج النووي لمدة سنة او اثنتين على الاكثر وانه يفضل عوضاً عنها اجراءات سياسية واقتصادية".

على صعيد خفض الترسانة النووية، من المعروف ان الولايات المتحدة تملك في ترسانتها "الاف رأس نووي وبموجب معاهدة تحديد الاسلحة الاستراتيجية التي وقعتها الادارة الاميركية مع روسيا والتي صادق عليها الكونغرس في كانون الاول 2010 تفرض تخفيض عدد الاسلحة النووية المنتشرة على الصواريخ بعيدة المدى والطائرات القاذفة الى 1550

رأساً نووياً. هذا التخفيض جاء اذاً تنفيذاً لمعاهدة مع روسيا وقعت سابقاً وجرى الاعلان عنه مع رزمة التخفيضات في الاستراتيجية الجديدة.

اعدت هذه الاستراتيجية استجابة للتخفيض العام للنفقات وليس بناء لرؤية دفاعية بحتة، الا انها ركزت على تعزيز الاستثمار في القوات الخاصة والطائرات من دون طيار وحرب المعلوماتية. وليس سراً ان هذه المجالات هي موضع التنفيذ في افغانستان واليمن واحياناً في الصومال وهي تعتمد على التكنولوجيا العالية والدقيقة وحرب المعلومات والتشويش الالكتروني والوحدات الخاصة المميزة مثل ما جرى في عملية اغتيال زعيم تنظيم "القاعدة" اسامة بن لادن. دعت الاستراتيجية الجديدة وكالات الاستخبارات الى استمرار معركتها ضد تنظيم "القاعدة" ومختلف الجماعات الارهابية الدولية من دون استخدام الوحدات العسكرية التقليدية من الجيش ومشاة البحرية. واوضح ذلك الرئيس اوباما بقوله في المؤتمر الصحافي: "سنواصل القضاء على أنظمة الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن، كي يتسنى لنا الاستثمار في القدرات التي نحتاجها في المستقبل، بما في ذلك الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع ومكافحة الإرهاب ومواجهة أسلحة الدمار الشامل، إلى جانب القدرة على العمل في البيئة التي يحاول الأعداء منعنا من العمل فيه". وعندما اشار أوباما الى ان ذلك سيؤدي لتخفيض عديد الجيش وتحديداً القوات البرية التقليدية حذر من انه "على العالم أجمع أن يعرف أن الولايات المتحدة ستبقي على تفوقها العسكري مع قوات مسلحة ماهرة ومرنة وعلى استعداد للرد في جميع الظروف والتهديدات المحتملة لمصالح البلاد". واضاف "انا اؤمن بقوة، كما اعتقد ان الشعب الاميركي يتفهم انه بامكاننا ان نحافظ على قوة عسكرية كبيرة توفر الامن لأمتنا بموازنة عسكرية تزيد عن موازنة الدول العشر التي تلينا في الانفاق الدفاعي".

وحددت الاستراتيجية الجديدة المهمات الاساسية للقوات المسلحة الاميركية، انه من اجل حماية المصالح الوطنية وتحقيق اهداف استراتيجية الامن القومي، على القوات المسلحة اعادة هيكلة امكاناتها وزيادة جهودها للنجاح في المهمات التالية:

1 - مكافحة الارهاب والحرب غير النظامية: يجب الابقاء على الضغط الدائم على تنظيم "القاعدة" واتباعه ومنعه من اقامة ملاذ آمن في افغانستان. مع انسحاب القوات الاميركية وقوات ايساف من افغانستان، يجب توزيع جهود مكافحة الارهاب، والجمع بين التدخل العسكري المباشر ومساعدة القوى الامنية الخاصة. كما يجب الاستمرار في بناء الامكانات اللازمة لمكافحة الارهاب والحرب غير النظامية بالاستفادة من دروس الأعوام العشر الماضية، ويجب التنبه الى التهديدات التي تشكلها منظمات ارهابية اخرى مثل "حزب الله".

2 - ردع أي عمل عدواني وهزيمته: يتحقق الردع بمنع اي خصم من امكانية تحقيق اهدافه وبفرض اثمان غير مقبولة على من ينوي الاعتداء. يجب ان تكون القوات المسلحة الاميركية قادرة على ردع وهزيمة اي خصم انتهازي حتى لو كانت هذه القوات ملتزمة بعمليات عسكرية واسعة النطاق في منطقة اخرى. تخطط القوات الاميركية للتنسيق مع قوات الدول الحليفة في مختلف المهام (يحمل هذا الكلام تلميحاً الى ايران التي تنتهز الفرصة وتتحرك اثناء قيام القوات الاميركية بعمليات في افغانستان).

3 - انزال قوات في المناطق المحظورة او الصعب الوصول اليها: من اجل ردع الخصوم الاقوياء ومنعهم من تحقيق اهدافهم، يجب على الولايات المتحدة ان تحافظ على قدرتها على انزال قوات في مناطق لا يتيح للخصم فيها حرية الحركة او يمكنه تحدي قواتها المسلحة. في

هذه الحالات يستعمل الخصم امكانات غير متماثلة وحرب الكترونية ومعلوماتية وصواريخ بالستية وصواريخ كروز ودفاعات جوية متقدمة ويزرع الغام من اجل تعقيد الحسابات العملياتية. ان دولاً مثل الصين وايران ستستخدم الوسائل غير المتماثلة لمواجهة القدرات الاميركية على انزال القوات كما انها ستنشر الاسلحة والتكنولوجيا المتقدمة على اللاعبين من غير الدول، ولهذا سوف تستثمر القوات المسلحة الاميركية من اجل الحفاظ على قدرتها على العمل بفاعلية في بيئة لا تسمح بالوصول اليها. يتضمن ذلك الحفاظ على الامكانات التحت-مائية وتطوير قاذفات من نوع ستيلث (لا تظهر على شاشات الرادار) وتحسين الدفاعات الجوية واستمرار الجهود لتعزيز فاعلية الامكانات التي تتخذ قاعدة لها في الفضاء!.

4 - منع انتشار اسلحة الدمار الشامل: تتخذ القوات الاميركية اجراءات من اجل منع انتشار او استخدام الاسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية وذلك بملاحقة وتحديد ومراقبة واعتراض تحركات هذه الاسلحة. ويشمل ذلك الجهود من اجل منع ايران من حيازة السلاح النووي. (يلاحظ عدم الاشارة الى كوريا الشمالية).

5 - حماية امن المعلوماتية الارضية وعبر الفضاء من خطر العرقلة واعاقة الاتصالات بالاشتراك مع الحلفاء.

6 - الدفاع على الجبهة الداخلية الاميركية وتقديم الدعم والمساندة للقوات المحلية لمواجهة اي هجوم من دول او منظمات او لاعبين من غير الدول، وتأمين مساعدة السلطات المحلية عند حصول كوارث في البلاد.

في تحول استراتيجي لافت أشار باراك أوباما إلى أن الولايات المتحدة "ستعزز وجودها في منطقة آسيا - المحيط الهادئ، وأن تخفيض الموازنة لن يكون على حساب هذه المنطقة الحيوية"، وذلك في دلالة واضحة الى نقل التركيز الدفاعي والسياسي الاميركي الى منطقة اسيا والمحيط الهادئ وهناك يبرز الخصم او العدو المحتمل: الصين.

جاء في الاستراتيجية الجديدة: "أنه على المدى البعيد تبرز الصين كقوة إقليمية ستكون لها القدرة على التأثير في الاقتصاد والأمن الاميركيين بمجموعة متنوعة من الطرق". واعتبرت أن "قوة الصين العسكرية المتنامية يجب أن تترافق مع وضوح أكبر في نواياها الاستراتيجية لتجنب التسبب في اي احتكاك". واشار رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال ديمبسي الى أن: "كل الاتجاهات الديموغرافية والجغرافية والسياسية والاقتصادية والعسكرية تشير إلى التحول نحو المحيط الهادئ"، واضاف: "لدينا تحديات استراتيجية في المستقبل سوف تنبثق إلى حد كبير من منطقة المحيط الهادئ".

هذا التحول نحو اسيا والمحيط الهادئ ليس جديداً. فقد اعلنت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في مقال نشرته في مجلة "فورين بوليسي" في تشرين الثاني 2011 عن سياسة جديدة للولايات المتحدة في المحيط الهادئ، واعتبرت ان "مستقبل السياسة العالمية سوف يتقرر في اسيا وليس في افغانستان ولا في العراق، وان الولايات المتحدة ستكون في قلب الحركة السياسية هناك. ولهذا تجد ان زيادة الاستثمار السياسي والاقتصادي والاستراتيجي في اسيا والمحيط الهادئ هي الاعلى في سلم اولويات السياسة الاميركية في العقد القادم". وقالت كلينتون "في الوقت الذي تبني هذه المنطقة هيكليتها الاقتصادية والامنية يبرز الى الواجهة التزام الولايات المتحدة بتولي زمام القيادة خلال القرن الحالي تماماً كما

جرى بعد الحرب العالمية الثانية. لقد آن الآوان لاميركا ان توظف امكاناتها كقوة كبيرة على المحيط الهادئ".

لكن الاستراتيجية العسكرية اوحت ان الولايات المتحدة تعتبر ان الصين هي الخصم او العدو المقبل وانها تعزز قواتها كمّاً ونوعاً من اجل مواجهتها وهذا ما يتجاوز الاهتمام السياسي والاقتصادي بمنطقة اسيا والمحيط الهادئ الى اعلان نوايا اميركية بالهيمنة على تلك المنطقة تحت ذريعة تولي زمام القيادة الذي تحدثت عنه كلينتون.

لم تتأخر الصين في الرد على هذا التلميح - التهديد، وجاء الرد من وكالة "شينخوا" التي قالت "فيما تتحدث الولايات المتحدة عن وجودها العسكري في اسيا والمحيط الهادئ عليها ان تمتنع عن عرض عضلاتها لان ذلك لا يساعد على تسوية الخلافات الاقليمية". واضافت "اذا استعملت الولايات المتحدة القوة العسكرية صراحة في المنطقة، فانها سوف تصبح مثل ثور في دكان صيني، وتعرض السلام للخطر بدلاً من تعزيز الاستقرار الاقليمي". ونشرت صحيفة "الشعب" تعليقاً للاميرال المتقاعد يانغ يي جاء فيه: "من الواضح ان الاستراتيجية العسكرية الاميركية الجديدة تستهدف الصين وايران واي شخص لديه معرفة محدودة عن الاستراتيجية يمكن ان يعرف من هو حامي المنطقة ومن يثير المشاكل لامنه".

اذا كانت هذه الاستراتيجية قد جاءت نتيجة لتخفيض الموازنة الذي اقره الكونغرس الاميركي، فهل يعني ذلك ان هناك استراتيجية اخرى عند كل تخفيض بهذا الحجم؟ ومن يضمن عدم حصول تخفيضات اخرى في ظل الكلام على تفاقم الازمة المالية الاميركية؟ هل الانتقال الى آسيا والهادئ واثارة الصين ينهي او يخفف ارتباط الولايات المتحدة باوروبا والشرق الاوسط؟ وهل تنجح هذه الاستراتيجية ام يكون مصيرها مثل مصير استراتيجية الحرب الاستباقية التي بوش الثاني مطلع العام 2000؟ هذا ما تحمله التطورات المرتقبة اعتمدها الرئيس جورج والمتسارعة في المنطقة.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net