Tahawolat
ظاهرة باتت تطفو بقوة على سطح المشهد السوري الذي ركن طويلاً للأنباء العاجلة وأخبار الانفجارات والسيارات المفخخة، فالواضح أن السوريين بدأوا بالتقاط أنفاسهم أخيراً ليعودوا إلى خيار العمل على الثقافة والدفاع عن الحياة بالفن، والأهم من ذلك كله هو العودة إلى الجذور الفكرية والثقافية للأزمة التي يبدو أنها الأسلوب الأنجع في معالجة الكثير من تفاصيل ما يجري على الأرض.. فاليوم لا تكاد صحيفة أو موقع ألكتروني يخلو من خبر عن جمعية ثقافية جديدة تهتم بالفنون وورشات العمل والتدريب على الأساليب والتقنيات الخاصة بكل فن، فعدا عن النشاطات الرسمية التي تصاعدت بشكل لافت في هذه المرحلة بدءاً من دار الأوبرا إلى صالات السينما وصالات المعارض التشكيلية، فإن جزءاً مهماً من النشاطات الأهلية الثقافية بدأ يأخذ دوره بشكل واضح وكأنه ردة فعل على مشهد عسكري وعنفي مناقض أخذ مجده في المرحلة السابقة وبات عليه اليوم أن يسمع صوتاً آخر، هو الوجه الأكثر رصانة وحضارة حتى في حالات الخلاف والاختلاف..


اللافت اليوم أن تبدأ بعض الأحزاب بالإعلان عن نشاطات ثقافية ومعارض في الحدائق العامة، كذلك الأمر بالنسبة لجمعيات فنية بدأت تتكاثر بشكل كبير في الآونة الأخيرة حيث شهد مشغل مصطفى علي بدمشق معرضين لجمعية "نحنا" الأول فني خاص بالتصوير والثاني موسيقي قدمت فيه فرقة "نبض" المنبثقة من الجمعية بعض الأعمال لمجموعة من الشباب والشابات في الموسيقا والأغاني.. على الجانب الآخر تتابع مجموعات أخرى لقاءاتها الأسبوعية الدورية بشكل فيه الكثير من التصميم على الاستمرار، فقد اشتهر لقاء أربعاء "شعر وخمر" كل أسبوع في دمشق القديمة أو نادي الصحافيين، كذلك هناك لقاء أسبوعي خاص بالشعر اسمه "ثلاثاء شعر" يعقد كل ثلاثاء في أحد مقاهي باب توما، وإذا ما استرجعنا ما فعله مشروع "ومضة" الذي قدم حتى الآن أغنيتين في شوارع دمشق الأولى في سوق الشعلان والثانية في شارع الحمراء، نستطيع أن نتصور حجم التصاعد في هذه الأعمال التي يقوم عليها في الغالب مجموعة شباب بمبادرات فردية شاؤوا أن يُسمعوا صوتهم عبر الفنون والثقافة بعدما تعب الجميع من أعمال الكر والفرّ على صعيد الحرب..


يقول بعض الشباب أن المشكلة التي تعانيها سوريا اليوم هي ثقافية بامتياز، لذلك كان من الطبيعي اللجوء إلى الفنون كخيار في معالجة مختلف التفاصيل لأن الفن ليس من شأنه أن يعيد صهر المجتمع بأهدافه وأمنياته وأحلامه وحسب، بل إن ذلك سيساعد في فتح باب الحوار المنطقي الرحيب حول مفاهيم الدين والسياسة والحرية وعلاقة ألوان الطيف الاجتماعي مع بعضه كمزيج يُراد له أن يتشظى في حرب وانقسامات لا أحد يعلم بالضبط إلى أين ستصل بالبلد..


يستطيع الشباب السوريون اليوم أن يسهروا رغم مخاطر الطريق على أطراف باب توما، حيث اعتادت قذائف الهاون أن تصل حتى الكنيسة المريمية، وبإمكان الشعراء القادمين من حي الميدان ونهر عيشة وأطراف المتحلق الجنوبي، ألا يكترثوا كثيراً بالوقت المتأخر من الليل عندما يحسمون أمرهم بالاستماع إلى الموسيقا في دار الأوبرا بساحة الأمويين، أو حين يحيون إحدى أمسياتهم الشعرية في أحد مقاهي المدينة القديمة، حتى الشباب الشعراء في لقاء "ثلاثاء شعر" اختاروا شعاراً للقائهم الأسبوعي منذ أن بدأت التهديدات الأميركية بقصف دمشق، وهو "لا تتركوا دمشق وحيدة في الحرب".. تلك العناوين والمفردات والنشاطات تشكل جانباً آخر من ذهنية السوريين وخياراتهم في هذه المرحلة.. البعض يقول أنه انتصار للعامل السوري المراهن دائماً على الثقافة، والبعض الآخر يؤكد أنها حالة من المجابهة والدفاع عن الجمال في ظل ما نراه على الشاشات يومياً من خراب وبشاعة وقتل!

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net