Tahawolat
  تتماشى هذه القراءة مع الحالة الستاتيكية الوصفية للمنظومة المفاهيمية التي تهتم بالظواهر الاجتماعية السياسية، وتشكل مدخلاً الى فهم وتفسير هذه الظواهر وديناميات عملها بوجود محرضات ذاتية أو موضوعية، تساعد في تحديد المسارات الممكنة لحركتها ووجودها في المستقبل .
تستوجب المرحلة الحالية، وهي مرحلة حراك دولي كبير، مرحلة انتقال من نظام عالمي الى نظام عالمي آخر، آن نعيد فهمنا لدينامياتنا الذاتية وموقعها في ظل الديناميات الخارجية، التي بالتأكيد ستؤثر سلباً او ايجاباً على حركتنا وربما على وجودنا في المقتبل من التاريخ. في الانتقال السابق للنظام العالمي من الثنائية القطبية، المتمثل بالحرب الباردة، الى النظام الأميركي الأوحد، المرتكز على الهيمنة والسيطرة للولايات المتحدة الاميركية، كانت منطقة البلقان هي الضحية المباشرة الاولى لاستقرار هذا النظام. غير أنه لم يتسن له الاستمرار طويلاً في السيطرة كمحصلة لجشعه المطلق وظهور قوى كامنة او ظنها غير قادرة على استعادة المنافسة مرحلياً على الاقل. فعادت الى الواجهة مسألة الصراع من أجل تثبيت وقائع جديدة فرضتها الاحداث الجارية التي لم تستقر على صورة نهائية بعد للنظام العالمي المقبل، وان كان من المرجح وصوله الى عالم متعدد الاقطاب.
 
تشكل منطقة الشرق الاوسط، وتحديداً المشرق العربي، المواقع الأكثر سخونة، وعليها يدور الصراع لما تختزنه من ثروات طبيعية، وما تتمتع به من بيئة جيواستراتيجية مهمة في عملية السيطرة على منابع النفط والغاز الطبيعي وبالتالي ممرات تدفق هذه الثروة.
والمشرق العربي يصنّف من المناطق "المتشظية"، من حيث تماسكها القومي نظرا لوجود اثنيات وطوائف عدة، وهو ما ينسحب على جميع كياناتها السياسية بدون استثناء وان بنسب متفاوتة، مما شكل مدخلاً هاماً لمرور الجيواستراتيجيات الدولية والاقليمية عبر الطوائف وبعض الاثنيات التي نحت باتجاه خلق واقع كياني مستقل لها، تداخل فيها المشروع المحلي بالمشروع الخارجي، وتداخلت فيها الجغرافية بالديموغرافيا.
تسود في المشرق العربي ثلاثة انماط من الجماعات التي تتعاطى مع المفاصل التاريخية الكبرى، تستند فيها الى قراءة ذاتية لمكامن قوتها وضعفها، والى رؤيتها لمشاريعها المستقبلية؛ غير ان هذا التقسيم النمطي لا ينسحب على طائفة باكملها، ولا يقتصر على طائفة بمفردها، انما هو توصيف يتناول حتى الجماعات التي تحمل مشاريع سياسية خارج طوائفها. هذه الفئات، او الانماط هي على الشكل التالي :
النمط الاول : يعتمد على الانتظار وكسب الوقت لتحقيق مشاريعهم الذاتية وهم جماعة فقدت الثقة بقوتها الذاتية. "قوة لبنان بضعفه" هي افضل مثال يمكن ان يندرج في هذا السياق، وهو ما صبغ مرحلة تاريخية اساسية في السياسة اللبنانية.
النمط الثاني: وهي الجماعات التي تعاني من مشكلة تحديد الهوية وبالتالي يخرجون عن حساباتهم للوقت في عملية استثمارهم قوتهم التي يعتدون بها وهؤلاء قد يعيشون في حالة تباعد حقيقية عن مجتمعاتهم.
 
النمط الثالث: وهي الجماعات التي تعرف تماماً ماذا تريد على صعيد هويتها ومشاريعها وتستفيد من الوقت والظروف المحيطة لتنشيط ديناميتها وقوتها، وتسعى بشكل دائم لإبراز دورها ورسالتها في مجتمعها ومن خلاله لإيجاد مراكز متقدمة في دوائر القرار التي تعلوها.
استنادا لما تقدم سنحاول ولأسباب منهجية فقط قراءة واقع الطوائف الجيبولتيكي في لبنان كنموذج رغم التداخل المباشر مع المحيط القومي، وفي حالة ستاتيكية صرفة، مفسحين المجال امام دراسات اخرى للتحليل والتفسير وصولاً الى وضع حل للمشكلات المعقدة الناشئة عن هذا الواقع.
 
 
جيوبولتيك الطوائف: ربيع الموحدين الدروز 
 
جذّرت ثقافة المستعمر في بلادنا مفهوم الطائفية، وحولّت هذا المفهوم الى كيان يتغذّى من الانغلاق والتقوقع، ويعيش على حلم الفرادة والنزوع الى الاستقلال. حلم يتغلغل في يوميات بني جلدتها عقيدة وممارسة. يطفو الى السطح حيناً ويخبو احياناً، تبعاً للظروف، او بالأحرى تبعاً لحاجة الآخر المستعمر لجذوة حراكها او حاجته لإبقائها ناراً تحت الرماد .
 
طائفة الموحدين الدروز، واحدة من الطوائف التي حاول المستعمر أن يروّض حراكها ويقولّب وجودها ويموضعها في سياق مشاريعه، لما تتمتع به من صلابة وطنية وقوة شكيمة ونخوة ومروءة وتضامن في وجه الأخطار. أعطاها كما اعطى غيرها حيزاً سياسياً مستقلاً في خريطة "سايكس- بيكو" على امتداد جبل العرب، الا ان الشهامة الدرزية، وايمان الموحدين بانتمائهم القومي ووعيهم مخططات المستعمر، جعلهم يرفضون هذه الدولة المصطنعة، بل اكثر من ذلك، جعلهم طليعة المجاهدين دفاعاً عن الوطن، كل الوطن، فكانت ثورة 1925 بقيادة سلطان باشا الاطرش نموذجاً في الغيرية الوطنية ومحطة مشرقة في تاريخ بلادنا.
طائفة الموحدين الدروز، الممتدة من ساحل البحر الابيض المتوسط في الشوف مروراً بمعظم جبل لبنان الى وادي التيم والجليل والجولان وجبل العرب وصولاً الى الزرقا في الاردن، ظلت تحت انظار المستعمر ورقة يمكن استخدامها، بعدما سلك المشروع حلماً في ذهن احد القادة الاقطاعيين من دروز الكيان اللبناني، مستفيدا من ضغوط المشاريع الغربية والصهيونية الساعية لتقسيم المنطقة الى دويلات طائفية، معتبراً ان الوقت قد حان، ليكون جزءاً فاعلاً في مشروع التفتيت والتمزيق، آملا ان تكون الدولة الدرزية التي تراود حلمه هدية وثمناً لموقفه، متماهيا مع موقف "الامير فخرالدين المعني" في معركة "مرج دابق"، مستجدياً إمارته بتقبيله الأرض بين قدمي السلطان العثماني "سليم الاول" مرات سبع.
وليد جنبلاط، الاقطاعي بالمضمون والجوهر، الاشتراكي بالشكل والمظهر، القابض على السلطة اباً عن جد، سليل التعاون مع الخارج، من الأتراك الى التوسكانييين مروراً بالفرنسيين وصولاً الى المحافظين الجدد والقدماء في اميركا، يطالب ويدعو الى "الربيع العربي"، يعطي دروساً في الديموقراطية، يعلم في حقوق الانسان، يحاضر في العدالة الاجتماعية، يتواضع امام هيبة القانون، يحرص على سيادة الدولة.
وليد جنبلاط نفسه من مزّق العلم اللبناني في بيروت وقاتل وقتل ابناءها السنة، ومن قتل وهجّر المسيحيين في الجبل. وليد جنبلاط من احتوى واضعف الحالة الوطنية في اقطاعته، ومنع الوطنييين من أخذ حقوقهم، ما دفع "الياس عطالله" حليفه الأقرب، أن يترشح عن مقعد نيابي في طرابلس.
وليد جنبلاط لم يفتح طريقاً واحداً في الجبل. وليد جنبلاط لم يفتح مدرسة واحدة، لم يفتح مصنعاً أو مؤسسة، لم يفتح مستشفى بل لم يفتح مستوصفاً من كفرسلوان حتى الدامور، لدرجة ان جرحاه في 7 ايار التي افتعلها نقلوا الى مستشفى الساحل. يقبض وليد جنبلاط مئات ملايين الدولارات من السعودية وقطر وليبيا وغيرها ولا يدفع مليوناً واحداً منها لاستمرار مستشفى الجبل.
وليد جنبلاط حين ازدادت عقاراته عشرات الأضعاف في كفريا وجبل الشيخ ووادي التيم، بيعت أوقاف الطائفة الدرزية في بيروت، وبيعت عقارات الدروز في الشويفات وعرمون وبشامون والمتن الأعلى وعاليه لأصحاب الاموال الخليجية.
وليد جنبلاط، رفض استثمار الاموال الفائضة عن ترميم مقام "السيد عبدالله" في عبيه في اي مشروع يعطي مردوداً لهذا الصرح او ان يغذّي اليتيم الدرزي. رغم انها اموال جمعت بجهد ابناء الطائفة واموال الطائفة ومصاغ نساء الطائفة واشغال ارامل الطائفة.
وليد جنبلاط، الذي حكم الطائفة الدرزية وطوّعها بقوة السلاح وشبيحة الحزب الاشتراكي، فرض الناطور والموظف ورئيس الاركان والنواب والوزراء في الحكومات المتلاحقة. ينظّر في اسقاط الديكتاتوريات العربية. وهو القيّم على الطائفة بقوة السلاح وقوة المال منذ خمسة وثلاثين عاماً. لا يقبل التبديل ولا التعديل، ولا يسمح للرأي الآخر حتى من أتباعه.
 
في الطائفة الدرزية رجالات مميزون عديدون، وعقول نيرة كثيرة، وابطال مناضلون، يعشقون الحرية، وشباب يمتلكون قوة التغيير والتقدم.
.. وليد جنبلاط، انتهى عصر الديكتاتوريات، الربيع الدرزي مقبل.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net