"دخلتُ في التجربة " رواية لا تختصرُ تجربة واحدة فحسب بل تضمُّ مجموعة من التجارب التي ولدت وترسخت زمن الحرب الأهلية في لبنان.
تجارب عائلة محافظة تنزلق الى الانحراف بأشخاصها الأبرياء الذين يجسدون فيما بعد تقلباتها وعبورها من مراحلها المتماسكة الى مراحل منهارة، ارادية حيناً وقدرية حيناً آخر.
رنا، بطلة الرواية، تتوحّد ادوارها بأنوثتها وجمالها الساحر، وبشباب ظل يافعاً حافظ على حضوره طوال فترة قفزاتها الغرامية وحتى عودتها الى قفصها الذهبي وهذا ما أبقى للسرد كل التشويق والاثارة. كذلك فعل زوجها هاني الذي كان يدور حيناً كحجر الرحى بتسلطه الذكوري وأحياناً كمروحة هوائية معرضة لتقلبات هواجسه مع الغيرة ورياحها الهوجاء.
هذا الهاني المتعجرف والحريص على ثروته وعلى كل فلس من مدخراته يجد نفسه مساقاً الى رغبة زوجته الطموح فيؤسس لها مركزاً للتجميل لينقذها من الرتابة ويدر الارباح عليه. وما إن تغيّر "لوك" زوجته، أي مظهرها، بأدوات الزينة التي تتقن الأنثى استعمالها، حتى دخلت خادمتها عدلة على الخط تنيرها على طريق جديدة وبإلحاح مقنع حول فرص سيأسف الانسان الحكيم على ضياعها ان اهملها.. وقعت رنا في شباك عدلة واصبحت شريكة لها. وقبل ان تطردها كان الشيطان قد تملك بخناقها.
لكن الخادمة الحاقدة راحت تنسج شباكها العنكبوتية من بعيد وكان كميل اول صيد يشبع نهم شريكتها بعد أن دخل عنصر المال على الخط.
البخل يقضي على كل شعور نبيل للرجل وهو يشعر المرأة بجفاف في علاقتها الجنسية معه وبالتخصيص عند لقائها بهاوٍ متصاب ٍ يفتح يده السمحاء كما يفتح قلبه وينفخ أنفاسه الدافئة في جسدها وهو في ريعان الشباب لا تنقصه الرجولة ولا ينقصه الجمال.
"دخلت رنا حالة جديدة من حالات الوله الشره.. فصرختْ: ابتعدي عني ايتها
الشيخوخة، ودعيني احلم.. ".
ويكتشف الزوج المخدوع ما حيك له في الخفاء وتجري الحوادث ببطء وبقليل من الاثارة في البداية، وكان كل ما عرفه هاني ويرغب بمعرفته ويلاحقه، والغيرة تتأكله، مفاجآت رنا التي نزعت قلبها ودفنته في التراب ورمت فوقه نيران الضغينة. مفاجآت تصوّب سهامها الى خزانة دخلت بدورها في التجربة وصار الحريص على محتوياتها لا يستطيع ان يتحكم ببابها كما تتحكم به الزوجة الطروب. وقد زاد الطين بلة ان رنا كانت تنكر أي علاقة لها بأي من عشاقها واشتبك الحابل بالنابل ضمن العائلتين، عائلتها وعائلة زوجها. فأم هاني تحاول إنقاذ وحيدها وشقيقتها روزا تصفعها وشقيقها حسان القادم من الامارات يلوح مهدداً بماله. فالدخول في التجربة الغرامية ليس كالخروج منها خاصة عندما يسبق الخروج دخول آخر الى تجربة اكثر اغراء تلوح من بعيدـ لان الحياة معها اكتسبت عادة جديدة، ولم لا، وما الذي يمنعها من التغيير ومن الهرب من ذكريات ماضيها بوجوه أحبتها ثم كرهتها: زوجها هاني الذي لم يستطع ان يسامحها وكميل الذي يصرّ ان يستعملها كقطعة أثاث وأخيرا لا آخرا العشيق الآخر دانيال الذي فرش لها الأرض وروداً كي تبقى عشيقته بعد ان كشفت لها المرآة عن رجل جديد ينتظر دوره في الصف... وأخيراً صار الحل بيد الاب مكاريوس الذي صار سيد النجدة والنجاة.
كان الأب الجليل يمثل دور طبيب شرعي فسألها عن اسمها واسم عائلتها واسماء اولادها ومكان عملها واقامتها، فجاءت اجوبتها واضحة وصريحة وهادئة، ثم اردفت: يا ابونا انا طبيعية جداً ... ابي وامي هما مَن بحاجة الى معالجة".
الروائية مهى جبور نقلت الينا الوجه الصادق لرجل الدين الورع والحكيم والمتمسك بشعائره الانسانية من محبة واحترام وحكمة في حلّ مشاكل رعاياه بعقلانية، والعمل على اعادة الضالين الى الصراط الصحيح من دون رغبات مستورة. وهذه لفتة رطبت أجواء حوادث روايتها التي تتأجج بنيران الغيرة التي كانت تلاحق رنا وتلاحق زوجها هاني قبل الطلاق وبعده وفي تجاربه المماثلة مع عشيقاته.
وبينما تأخذنا الكاتبة الى تحليلات في مسار شيّق وشائك وتدعمه بخبرات ومعرفة بطبائع المرأة المتغيرة وبطبائع الرجل المتردد والخائف من دخول التجربة دخولا يرضي رغبات ذكوريته، كان لا بد من اللجوء الى خاتمة ترضي القارئ بحادثة سير مفتعلة للإبنة العطوف على امها التي استطاعت ضم الشمل بعد غياب عن عائلتها كان بنظرها "بعيداً عنهم، شاقاً ومرهقاً" وتناست ادوات تجربتها:
- الناس؟
- خلفنا.
- ارادة الحياة؟
- رفيقتنا.
- المجوهرات؟
- استردّتها.
- تسجيل الكاسيت لفضيحتها الأخيرة مع عشيقها دانيال؟
- كسَّرتْها.
- لكن شكوك هاني ظلت تلاحقها وقد رضي بمصيره بعد تأكده بأن الكثيرين من امثاله مروا بتجربة لم يخرجوا منها بعد، وهذا ما شكل العزاء له لأنه خرج من تجربته مع زوجته "بأقل اضرار ممكنة"، وشاء ان تكون رنا مرتاحة بدورها لهذا المصير، فجاء جوابها تأكيداً على وجود لوثة نشرتها الحرب في شوارع المدينة وتجولت مع الفلتان الى عادة "عادة في البدن لا يغيرها سوى الكفن" وشاءت من هاني ان يعرف الحقيقة:
- "نحن نسختان مشوهتان تحاولان استعادة ثقة غائبة في تمثيلية الحفاظ على وجود عائلة... نحن سؤالان مرتبطان ببعضهما إجابتهما مفتوحة على الممكن وغير الممكن...
- عودتنا الرسمية؟ اخاف ان افكر فيها..." .
رنا لم تكذب والزوج المتصابي حديثاً يهمه هدوء العاصفة كي يستطيع اكمال تجربته او تجاربه وقد اعتاد على لذاذة طعمها، والمطلوب لتنفيذها هو حكمة الستر التي تفوق حكمة الصبر. وما المانع أن تتحلى بنعمتها الزوج الطروب أيضاً والقافلة تكمل الطريق؟
