Tahawolat


في هذا البحث عن الكرد والمسألة الكردية عبر العهود يحاول المؤرخ والباحث موسى مخّول أن يبقي هذه المسألة في اطارها التاريخي والطبيعي وايضاحها واخراجها للقارئ ضمن منهج علمي أكاديمي، يستند الى المراجع الموثوقة، والوثائق التاريخية المحقّقة والمنقّحة، بعيداً عن غبار الخيال، السرد القصصي، حلم الشعر وثورة العاطفة.
يقول الكاتب: ان المسألة الكردية تتطلب الجهد واعادة النظر والتدقيق، بعد ان ظهرت وثائق جديدة، وابحاث جديدة في هذا الموضوع، خاصّة أنّها في مراحلها الوسطى والحديثة والمعاصرة، هي لعبة سياسية دولية. وقد أثّر فيها، وزاد في تعقيدها الطبيعة الجغرافية لأرض الكرد، ومن ثم الحدود السياسية لهذه المنطقة.
ويرى المؤلّف ان البقعة التي يتواجد فيها الكرد أو "كردستان" تتقاسمها اربع دول هي: ايران، العراق، تركيا، سورية. ولكل دولة من هذه الدول حدودها الجغرافية والسياسية المعترف بها دولياً ولها كياناتها المستقلة وأنظمتها ودساتيرها المعتمدة في حين فرضت الطبيعة الجغرافية.
والواقع الزمني والسياسي أن وجود الكرد ضمن هذه الدول وضمن هذه الكيانات، وهذه الانظمة والتي يحاولون فكّ الارتباط معها أو تعديل مواثيقها، وقوانينها، ودساتيرها، والسعي إلى إدارة ذاتية عند البعض منهم، والى استقلال وانفصال كلي عند البعض الآخر.
في حين ارتضى فريق منهم العيش ضمن هذه الدول وتحت لوائها كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات الاجتماعية والسياسية.. وقد اخذت الحيز الاكبر من الكتاب.
وعمل المؤرخ مخول في بحثه جاهداً وبنوع خاص على اظهار الناحية الحضارية عند الكرد بما تتضمنه من: لغة، ثقافة، دين، علم، اقتصاد، عادات، تقاليد، أنظمة، أدب وشعر... كما شرح وبيّن ايضاً في كتابه هذا  علاقة الكرد بالشعوب التي يعيشون بين ظهرانيها، ويشكلون جزءاً لا يتجزأ منها.
ويتألف "الأكراد من العشيرة الى الدولة" من 304 صفحات ويتضمن سبعة عشر فصلاً اضافة الى المراجع العربية، والمراجع المترجمة الى العربية والمراجع باللغة الفرنسية والدوريات العربية والفرنسية. وفي كل فصل من فصول هذا الكتاب شرح مستفيض وموسّع وموثق للموضوع الذي تناوله المؤلف. وكل موضوع من هذه المواضيع هو اكبر من مقالة واقل او اصغر من كتاب. إنما قد يغني القارئ في اكثر الاحيان عن كتاب كامل.
وبعد قراءتنا لهذا الكتاب قراءة متأنية ودقيقة واكاديمية بكل ما لهذه الكلمة من حصر ومعنى، تبين لنا ان المؤلف موسى مخول بذل جهداً كبيراً في دراسة القضية الكردية، ولا سيما باستناده الى مراجع موثوقة ودقيقة ونادرة احياناً وقل وجودها في المسألة الكردية التي طمسها الغزاة المحتلون منذ بداية تاريخها ولا يزالون يطمسونها حتى يومنا هذا، وكأن الشعوب الصغيرة والضعيفة في لعبة الأمم هي "سلعة للمساومة والمقايضة" وقد تكون احياناً هبة من الحاكم الى من يشاء ومتى يشاء وكيفما يشاء.
لكن موسى مخول في كتابه هذا حاول ان يظهر القضية الكردية كما هي على حقيقتها وإعطاءها ما لها وما عليها عملاً بقول المسيح "اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، فلم يترك شاردة او واردة الا وتطرق اليها حتى وصل في بحثه وتأريخه الى ادق الامور واصعبها، فأوصلها الى الشاطئ الامين بعد ان أشبعها درساً وبحثاً ومراجعة وتدقيقاً بدءاً من الواقع الجغرافي لكردستان الى اصل الاكراد ووجودهم في التاريخ الى اللغة الكردية والادب الكردي والثقافة الكردية ومن العائلة الكردية وتقاليدها الى العشيرة الكردية ودورها في حياة الكرد الى مراحل الحكم الذاتي في كردستان العراق الى كردستان والاستقلال، ومن الكرد والدين والكرد والدولة الاسلامية الى الكرد والدولة العثمانية والدولة الفارسية الشاهنشاهية، والجمهورية الاسلامية الايرانية المعاصرة. ومن واقع الاكراد في ايران وسورية والعراق وتركيا الى القضية الكردية حتى نهاية الحرب العالمية الثانية حتى يصل بالنهاية الى واقع القضية الكردية الآن.
وفي دراستنا لكتاب "الاكراد من العشيرة الى الدولة" لمؤلفه موسى مخول، حاولنا التركيز على المنسيات عند شعوب الارض المستضعفة وهي: الفكر، الادب والثقافة. وقد دوّنا بعض العينات من هذا الادب والثقافة المأخوذة من الكتاب.
في الشعر الغربي:
"لنعقد عهداً في ما بيننا / انت على قرطك/ وانا على خنجري/ تعالي لأضع يدي على جيدك/ لتبتعد عنّا عيون الشيطان ونفاق المفرّقين/
انقشي اسمي على الخاتم في اصبعك/ اقرإي اسمي المنقوش على خاتمك/ اذا متنا فلا يتذكروا الذنوب التي اقترفناها.
في وصف القتال:
ايه ايها الفتيان/ ابذلوا ما بوسعكم الجهد/ لا تتركوا ساحة الوغى/ حقاً هناك ايضاً الفرار/ ولكن الفرار من شيم العجائز/ هلّم فقد دقت الساعة انها لحظة حرجة.
وفي الفصل السابع والأخير يرى المؤلف: إن القضية الكردية بقيت عقوداً من الزمن عرضة للاستثمار من القوى الدولية والاقليمية والمحلية على السواء وهذه القضية بالاضافة الى كونها نزاعاً داخلياً في كل من: تركيا، ايران والعراق في الدرجة الاولى، فانها ايضاً تصدر للخلاف والتحريك الصراع بين هذه الدول التي يجمعها قاسم مشترك هو عدم قيام دولة كردية منفصلة في دولة واحدة او متحدة في الدول الثلاث.
 ويتابع المؤلف فيقول: كما ان الدول الكبرى وبخصوص الولايات المتحدة الاميركية منها لم تقم بأي عمل بناء على إنهاء هذه القضية بطريقة او بأخرى. وقد كانت حريصة ان لا يحصل اي اتفاق بين الحركات والاحزاب الكردية والحكومة العراقية في تسعينيات القرن العشرين، فالقوى الخارجية كانت تستثمر هذه القضية دافعة بالامور باتجاه التباعد والتصادم وتشجيع النزاعات على حساب التعايش والوحدة الوطنية... ومن المفارقات الأخرى ان الحركات الكردية العراقية والايرانية والتركية كانت علاقتها تسوء في ما بينها بحسب القرب او البعد من الحكومات. ويختم المؤلف كتابه بالقول اذا اعتبر الاكراد انفسهم أمة مميزة عن غيرها من القوميات المتواجدة في المنطقة بالحفاظ على تميزهم القومي، فإن كل الحوادث التي مرت بها كردستان يجب ان تجعل القيادات الكردية تدرك الحقيقة الواضحة التي تقول: في عالم اليوم فان مصالحهم تبقى مرتبطة بمصالح القوميات التي يعيشون فيها... وعليهم أن يربطوا مصيرهم ونضالهم مع مصير ونضال القوميات الأخرى التي يتعايشون معها، فإن وضع كردستان المحاط بدول تتأرجح بين الصداقة والتباعد وخلافها بالغ الغموض وتحيط بها الشكوك، وهو مرهون إلى حد كبير بتغيير الحكام والأنظمة، كما ان التجارب لا تثبت ان الولايات المتحدة لن تتخلى عن حلفائها وان الاميركيين ذرائعيون يعيشون واقعهم هم، وان التجربة التاريخية أثبتت ان القوى الخارجية كان همها الاساسي اضعاف العراق لضمان حقوق الاكراد وانهم في لحظة تناقض يتخلون عن الشعب الكردي ويتركونه للأقدار.
وهذا الكتاب في نظرنا، وبعد الدراسة التي اوفيناه اياها يعتبر "معلماً في بحث القضية الكردية ومرجعاً موثقاً وموثوقاً للباحثين والدارسين والمؤرخين على السواء ويتضح أن المؤلف موسى مخول وضع جهداً كبيراً ومضنياً لإخراجه للقارئ بهذا الشكل.
ويقول المؤلف في مقدمة هذا الكتاب "لست الأول الذي كتب وبحث في تاريخ الكرد والمسألة الكردية ولن أكون الأخير من هؤلاء، كما أن هذا الكتاب لن يكون خاتمة الكتب وأكملها. لكني قد اكون من بين الذين شاركوا ويتشاركون في إعادة بحث هذه القضية بعد أن ظهرت وثائق جديدة بصدد هذا الموضوع ونحن نكمل ونقول ايضاً: إن هذا الكتاب كما سبق وقلنا هو معلم ومرجع ومدماك جديد في حائط القضية الكردية وهو جدير بالقراءة بكل جدية، وجدير ان يكون في صدر كل مكتبة وعند كل قارئ وباحث ومثقف.
ملاحظة: إن جميع المراجع الموجودة في هذا الكتاب والتي استند اليها البحث موجودة في مكتبة المؤلف موسى مخول بالذات وملك شخصي له.
"تحوّلات"

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net