Tahawolat
إن توقف الحرب الأهلية اللبنانية لم ينهِ الأسباب التي أدّت إلى اندلاع تلك الحرب،ولم يكن نتيجة لتوصل اللبنانيين إلى مفاهيم جامعة للمسائل كافة التي اختلفوا أو ما زالوا يختلفون حولها.
وجاء اتفاق الطائف ليرسخ العرف الطائفي في توزيع المناصب والوظائف قانوناً، فتكرس التعصب الطائفي وصار المواطن ينتمي إلى طائفته ومذهبه بدل انتمائه إلى لبنان الوطن.
وهكذا أصبح الفرد يعيش في ظل نظام حكم يشبه الدولة ولا يقدم له الحد الأدنى من الخدمات الضرورية كالتعليم، والاستشفاء، والكهرباء، والغذاء السليم، والإنماء المتوازن. ورغم أن هذه حاجات أساسية لا تفرق بين مواطن وآخر مهما كان انتماؤه المذهبي أو المناطقي أو الحزبي. لكن ذلك لم يكن سبباً يشكل كتلة شعبية وازنة موحدة مطالبة بأبسط الحقوق المواطنية. وما يحصل دائماً هو أن الشعب اللبناني يعيد إنتاج الطبقة السياسية الحاكمة ذاتها في كل انتخابات نيابية ويصطف وراء زعيمه سواء كان مصيباً أو على خطأ، دون أن يهتم بالغبن الذي يمارسه هذا الزعيم  عليه و على فئات أخرى من المجتمع خصوصاً إذا ما أختلفت سياستها عن سياسته.
أما النقطة الأكثر جدلاً فهي مفهوم العدو، حيث أن بعض الدول تخترع عدواً لتشد عصب المواطنية عند شعبها، كما فعلت أميركا على سبيل المثال لا الحصر حين صنّعت ما أسمته الإرهاب الاسلامي وجعلته عدواً بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، في حين أن الكيان الصهيوني الذي من المفترض أن يكون العدو الواضح يجد له في لبنان من لا يعتبره خطراً داهماً ويقلل من شأن كل حروبه العدوانية وسنوات الاحتلال والمجازر التي ارتكبها بحق هذا البلد وأكثر من ذلك قد  لا يعتبره البعض كياناً غاصباً لفلسطين.
و كان اللافت في المسألة أيضاً هو إصرار فئة لبنانية كانت طليعية في الحرب الأهلية على ذكر  ما تسميه "ثورة الأرز" في كتاب التاريخ واستعادتها لمصطلحات الحرب الأهلية في خطابها السياسي:"كتاب التاريخ لن يدخل إلى مناقطنا ولا إلى مدارسنا"، رغم أنّ ما حصل عام  لا ينطبق عليه التعريف العلمي للثورة في أنها اندفاع عنيف من الشعب نحو تغيير الأوضاع السياسية والاجتماعية لبلد ما تغييراً جذرياً على شاكلة الثورات الفرنسية والروسية والصينية التي أحدثت تغييرات جذرية على صعيد البنية الإجتماعية في تلك البلدان، أو كما حصل في الجزائر حيث قادت الثورة هناك نضالاً مسلحاً قاوم الاستعمار الفرنسي وقدّم فيه الجزائريون أكثر من مليون شهيد لتحقيق السيادة والاستقلال.
ربما ما زال اللبنانيون يعيدون إنتاج التاريخ الفينيقي ذاته، إذ لم يبن الفينيقيون دولة موحدة إنّما أسسوا مدناً مستقلّة ذات حكومات منفصلة تحميها أبراج وأسوار عالية. ممّا تقدّم يمكن الجزم أن كتابة كتاب تاريخ موحد أمر صعب إنْ لم نقل شبه مستحيل، وإن أي محاولة لإثارة هذا الموضوع يعتبر بمثابة صاعق جاهز لتفجير أزمة ظهرت بوادرها من خلال النقاش الدائر في وسائل الإعلام والذي يتفق الجميع فيه على الاختلاف حول كل مفصل تأريخي مرّ به لبنان.لذا من الأفضل أن يتم تأجيل وضع تاريخنا اللبناني ضمن كتاب إلى أجل غير مسمى في المدى المنظور على الأقل.


آراء القراء

1
26 - 6 - 2012
Thank you so much for this aritlce, it saved me time!

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net