Tahawolat
في مقال نشرته في مجلة "فورين بوليسي" الواسعة الانتشار اعلنت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون عن سياسة جديدة للولايات المتحدة في المحيط الهادئ، واعتبرت ان مستقبل السياسة العالمية سوف يتقرر في آسيا وليس في افغانستان ولا في العراق، وان الولايات المتحدة ستكون في قلب الحركة السياسية هناك. وفيما الحرب في العراق على وشك نهايتها، تقف الولايات المتحدة في نقطة مفصلية وهي تستعد لسحب قواتها من افغانستان
وفي الاعوام العشر الماضية خصصت اميركا موارد ضخمة لهاتين الحربين وفي السنوات العشر القادمة تحتاج الى ذكاء ومنهجية في استثمار الوقت والطاقة لتضع نفسها في وضع تحافظ فيه على ريادتها وقيادتها وتحفظ مصالحها وقيمها. ان زيادة الاستثمار السياسي والاقتصادي والاستراتيجي في آسيا والمحيط الهادئ هي الاعلى في سلم اولويات السياسة الاميركية في العقد القادم.
آسيا ـ المحيط الهادئ
لقد اصبحت منطقة آسيا ـ المحيط الهادئ محركاً اساسياً للسياسة الدولية. انها تمتد من شبه القارة الهندية الى السواحل الغربية للولايات المتحدة ومن على مدى المحيط الهادئ والمحيط الهندي اللذين يتحكمان بالملاحة والاستراتيجية. انها تتسع لنحو نصف سكان العالم وتضم المحركات الاساسية للاقتصاد العالمي وهي اكثر المناطق باعثة للغازات التي تسبب الاحتباس الحراري في العالم. انها تضم عدداً من اكبر حلفاء الولايات المتحدة، اضافة الى قوى صاعدة مثل الصين والهند واندونيسيا.
في الوقت الذي تبني هذه المنطقة هيكليتها الاقتصادية والامنية يبرز الى الاهتمام الالتزام الاميركي بتولي زمام القيادة خلال القرن الحالي تماماً كما جرى بعد الحرب العالمية الثانية. لقد آن الآوان للولايات المتحدة أن توظف إمكاناتها كقوة كبيرة على المحيط الهادئ وهذا مسار استراتيجي اعلن عنه الرئيس باراك اوباما منذ بدء ولايته. مع تفاقم الازمة الاقتصادية في الداخل الاميركي ودخول العراق وافغانستان في الفترة الانتقالية تدعو بعض القوى المحلية الادارة للعودة الى الداخل الاميركي، وتسعى لتخفيض حجم القوات العسكرية المنتشرة في الخارج وزيادة الاهتمام بالشؤون الداخلية. يمكن تفهم هواجس هؤلاء، لكنهم ليسوا بالضرورة على حق، ان مفتاح الامن والازدهار الاميركي هو توسيع الاهتمامات الخارجية، من خلق اسواق جديدة، الى السيطرة على الانتشار النووي، الى المحافظة على حرية الملاحة والتجارة. في الخارج هناك من يريد ان يعرف عن نية اميركا باستمرارها في قيادة العالم، وعما اذا كنا نرغب البقاء في آسيا من دون ان تتحول اهتماماتنا الى مناطق اخرى، وعما اذا كنا نريد ان نحافظ على التزاماتنا الامنية والاقتصادية. نعم اميركا تستطيع ذلك وسوف تفعله.
بموازاة اهمية آسيا ـ المحيط الهادئ للولايات المتحدة تبرز حاجة المنطقة الى القيادة الاميركية والى التجارة مع اميركا اكثر من اي وقت مضى. اميركا هي القوة الوحيدة التي تتمتع بشبكة علاقات واسعة في المنطقة وليس لديها مطامع اقليمية. لقد شاركت مع حلفائها في حفظ امن المنطقة وخصوصاً الممرات البحرية وحفظ الاستقرار وفي خلق الشروط اللازمة للنمو الاقتصادي.
الولايات المتحدة هي شريك استثماري وتجاري ومركز للاعمال والابتكار على جانبي المحيط الهادئ وهي اكبر الاسواق المفتوحة والداعية الاكبر لحقوق الانسان وهي تستضيف 350 الف طالب آسيوي في جامعاتها.
يقود الرئيس اوباما الجهود من اجل سياسة المحيط الهادئ وآسيا ويشمل الاهتمام كل اجهزة الادارة الاميركية، لكن ذلك لم يظهر على الصفحات الاولى وفي العناوين التي تركز على الازمات الراهنة التي تشغل الناس. خرقت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التقليد وبدأت زياراتها الخارجية باتجاه آسيا ـ المحيط الهادئ، وقامت بسبع جولات قي المنطقة مما يؤكد الاهتمام الاميركي بها. هذه الانعطافة في السياسة الخارجية تحتاج لموافقة الحزبين الجمهوري والديموقراطي معاً، واستمرار اهتمام الرؤساء ووزراء الخارجية في العقود المقبلة.
الاستراتيجية الجديدة
ماذا تعني هذه الاستراتيجية؟ انها التزام اميركي بانتشار واسع للديبلوماسية الاميركية في المنطقة، وهذا يعني ايفاد مجموعات واسعة من فرق العمل وكبار المسؤولين والخبراء الى جميع بلدان المنطقة. ويتركز هذا العمل الديبلوماسي على ستة خطوط هي:
1 - تعزيز العلاقات الامنية الثنائية.
2 - توثيق علاقات العمل مع القوى الصاعدة ومن ضمنها الصين.
3 - المشاركة في المؤسسات الاقليمية المتعددة الاطراف.
4 - توسيع الاستثمار والتجارة.
5 - محاولة ارساء وجود عسكري دائم.
6 - تحقيق تقدم في مجال الديموقراطية وحقوق الانسان.
تشكل معاهدات التحالف بين الولايات المتحدة وكل من اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا والفيليبين وتايلند المنطلق الاساسي للانعطافة الاميركية السياسية باتجاه منطقة آسيا - المحيط الهادئ. لقد نعمت هذه المنطقة بالاستقرار منذ اكثر من خمسين عاماً مما افسح المجال للنهوض الاقتصادي الملحوظ. ان الحفاظ على نجاح هذه التحالفات لا يكفي، بل من الضروري ان يجري تطويرها بشكل دائم وقد اعتمدت ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما لهذه الغاية ثلاثة مبادئ:
اولاً: يجب تحقيق اجماع سياسي داخلي اميركي حول الاهداف الاساسية لهذه التحالفات.
ثانياً: يجب ان تضمن اميركا ان تكون هذه التحالفات لينة وقابلة للتكيف مع المتغيرات بحيث يمكنها مواجهة التحديات واقتناص الفرص بنجاح.
ثالثاً: يجب ان تضمن ايضاً ان تكون الامكانيات الدفاعية وبنية الاتصالات لهذه الدول قادرة مادياً وعملانياً على ردع استفزازات بعض الدول واللاعبين من غير الدول.
اليابان والحلفاء في المنطقة
يعتبر التحالف مع اليابان حجر الزاوية في أمن واستقرار منطقة آسيا ـ المحيط الهادئ. وتتشارك الولايات المتحدة واليابان في نظرة واحدة لنظام اقليمي آمن ومستقر وهي حرية الملاحة والاسواق المفتوحة والمنافسة العادلة. تساهم اليابان بمبلغ 5 مليارات دولار من نفقات القوات الاميركية المنتشرة فيها ويجري تعزيز التعاون في مجال الاستطلاع والاستخبارات والمراقبة من اجل ردع اي تهديد امني والتعامل معه بسرعة وخصوصاً تبادل المعلومات حول امن المعلوماتية. توصل البلدان الى اتفاقية الاجواء المفتوحة بينهما من اجل تسهيل انتقال الاشخاص ورجال الاعمال وتعزيز الروابط بينهما. كما تم اطلاق حوار استراتيجي حول منطقة المحيط الهادئ.
اما التحالف مع كوريا الجنوبية فقد اصبح اقوى واكثر تكاملاً من الناحية العملانية ويجري تطوير الامكانات المشتركة من اجل مواجهة اي استفزاز من كوريا الشمالية وردعه، كما اتفقا على وضع خطة من اجل ضمان انتقال السيطرة العملانية بنجاح خلال الحروب وضمان تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين. ويمتد مجال التعاون الى التنسيق في اجتماعات مجموعة العشرين والقمة النووية والجهود المشتركة في هاييتي وافغانستان.
مع استراليا توسع الولايات المتحدة تحالفها من شراكة المحيط الهادئ الى شراكة المحيط الهادئ ـ المحيط الهندي الى شراكة عالمية.كان التزام استراليا اساسياً ولا يعوض بدءاً من توفير أمن المعلومات الى الربيع العربي الى افغانستان الى تقوية البنية الاقليمية في آسيا ـ المحيط الهادئ. وفي جنوب شرقي آسيا تجدد الولايات المتحدة تحالفاتها مع حليفيها الفيليبين وتايلند ومن علائم التحالف زيادة زيارات السفن الى الفيليبين وتدريب قوات مكافحة الارهاب الفيليبينية من خلال قوة العمل المشتركة المتمركزة في مينداناو. وفي تايلند وهي اقدم حلفاء اميركا في المنطقة، تعمل الولايات المتحدة على تخطيط جهود مشتركة لمواجهة الكوارث وعمليات الاغاثة في المنطقة.
فيما تستمر اميركا بالمحافظة على حلفائها وتقديم الدعم اللازم لاستمرار التحالف، تقوم ببناء تحالفات جديدة من اجل تسوية المشاكل التي تواجهها معاً. اتجهت الولايات المتحدة نحو الصين والهند واندونيسيا وسنغافورة ونيوزيلاندا وماليزيا ومنغوليا وفيتنام وبروني وجزر المحيط الهادئ. تطلب الولايات المتحدة من هذه الدول ان تنضم اليها في اعداد نظام اقليمي ونظام عالمي ملائم.
الصين.. الشريك الصاعد
تعتبر الصين اهم الشركاء الصاعدين وهي حققت ازدهاراً وتقدماً بفضل نظام العمل الذي ساعدت الولايات المتحدة في وضعه واستخدامه. الكل يعلم ان هناك سوء فهم وسوء تقدير على جانبي المحيط الهادئ، البعض في الولايات المتحدة يخشى ان يشكل الازدهار الصيني تهديداً لها فيما يرى البعض في الصين ان الولايات المتحدة تعمل على كبح النمو الصيني. رفضت كلينتون كلا النظرتين واعتبرت ان الصين المزدهرة هي في مصلحة الولايات المتحدة. والبلدان يجنيان من التعاون بينهما اكثر مما قد يجنياه من التنازع، لكن لا يمكن بناء علاقات بين دول على اساس الامل والرغبة فقط. يعود لكلا الجانبين ان يحولا العواطف الى افعال وتعاون مثمر وتلبية متطلبات المسؤوليات الدولية بكافة اوجهها. يجب ان تحل جميع الخلافات بشكل صريح وشفاف. في السنوات القليلة الماضية كان من اولويات السياسة الاميركية تحديد مساحة المصالح المشتركة بين البلدين وتوسيعها والعمل مع الصين لبناء ثقة متبادلة وتشجيعها على اتخاذ تدابير فاعلة في حل المشاكل العالمية. لهذه الغاية اطلقت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الخزانة تيموثي غايتنر حواراً اقتصادياً واستراتيجياً مع الصين شاركت فيه اعداد كبيرة من الوزارات والوكالات الحكومية في كلا البلدين وشمل الحوار مواضيع كثيرة من الأمن الى الطاقة الى حقوق الانسان. وتعمل الولايات المتحدة على التقليل من اخطار الخطأ في الحسابات والتقدير بين القيادات العسكرية. راقبت الولايات المتحدة الصين وهي تطور امكاناتها العسكرية وهي تسعى لتوضيحات في هذا الشأن وتسعى لحصول اجتماعات بين القيادات العسكرية من البلدين من اجل زيادة الشفافية وتعزيز الحوار. في هذا المجال عقدت كلينتون اجتماعات عدة مع مستشار الدولة الصيني دياي بينغو ووزير الخارجية يانغ جيشي وبحثت مع كل منهما الاوضاع في كوريا الشمالية وافغانستان وباكستان وايران والتطورات الاخيرة في جنوب بحر الصين.
على الصعيد الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين يجب على البلدين العمل معاً لضمان تحقيق نمو قوي ومستمر ومتوازن في المستقبل. خلال الازمة المالية العالمية عملت الولايات المتحدة والصين معاً من خلال مجموعة العشرين الاقتصادية لمنع الاقتصاد العالمي من السقوط في الهاوية. يجب البناء على هذا التعاون وافساح المجال للمؤسسات الاميركية بتصدير انتاجها الى اسواق الصين لما يساهم ذلك في خلق فرص عمل جديدة في الولايات المتحدة، بالاضافة الى تأكيدات ان الاستثمارات الاميركية في الصين والبالغة 50 مليار دولار سوف تخلق اسواقاً جديدة وفرص استثمار عالمية، وفي الوقت نفسه تشتري الشركات الصينية منتجات التكنولوجيا العالية من اميركا. وتتطلع الولايات المتحدة الى الصين من اجل انهاء التمييز غير العادل ضد الشركات الاميركية وشركات اجنبية اخرى بشأن الابتكارات التكنولوجية وازالة افضليات الشركات الوطنية وكذلك تتطلع الى الصين كي تتخذ اجراءات تسمح بتقدير عملتها بسرعة تجاه الدولار وباقي عملات شركائها التجاريين. وقد اوضحت الولايات المتحدة للصين قلقها الكبير من انتهاكات حقوق الانسان وعبرنا عن ذلك اثناء المحادثات وفي العلن. عندما نطلع على تقارير حول كتاب وفنانين ومحامين يتعرضون للتوقيف او يختفون فان ذلك يستوجب منا اعلان موقف علني وفي الاقنية الخاصة.
الهند واندونيسيا
تعتبر الهند واندونيسيا اهم دولتين ديموقراطيتين صاعدتين في آسيا وقد اقامت ادارة اوباما معهما علاقات اوثق واوسع من غيرهما. ان البحار الممتدة من المحيط الهادئ الى مضيق ملقا (مضيق بين ماليزيا وجزيرة سومطرة التابعة لاندونيسيا) الى المحيط الهندي يضم اهم الطرق البحرية للتجارة ونقل الطاقة في العالم ويبلغ عدد سكان البلدين نحو ربع سكان العالم. انهما محركان كبيران للاقتصاد العالمي وشريكان مهمان للولايات المتحدة ويساهمان بشكل متزايد في الأمن والاستقرار في المنطقة ومن المنتظر ان تزداد اهميتهما في المستقبل القريب. قال الرئيس اوباما امام البرلمان الهندي العام الماضي ان العلاقة بين الهند واميركا هي من محددات القرن الواحد العشرين وهي متجذرة بالقيم والمصالح المشتركة. الا انه لا تزال هناك بعض العوائق يجب التغلب عليها واسئلة يجب اجابتها من كلا الفريقين. لكن الولايات المتحدة لا تزال تراهن استراتيجياً على مستقبل الهند لان دورها على المسرح العالمي يعزز الامن والاستقرار واسواقها المفتوحة تمهد الطريق امام الازدهار والرخاء العالميين. كما ان التقدم الهندي في العلوم والتكنولوجيا يسهم في تحسين الحياة الانسانية والمعرفة الانسانية في كل مكان في العالم. ان الديموقراطية الهندية الحيوية تؤدي الى نتائج وتحسينات ملموسة على مستوى المواطنين جميعاً وتلهم باقي الامم إتباع طريق الانفتاح والتسامح نفسه الذي تتبعه الهند.
تقيم الولايات المتحدة علاقة شراكة مع اندونيسيا وهي ثالث اكبر دولة ديموقراطية واكبر دولة اسلامية في العالم بعدد السكان وعضو في مجموعة العشرين. استأنفت الولايات المتحدة تدريب القوات الخاصة الاندونيسية ووقعت عدداً من الاتفاقات في مجال الصحة والتعليم والعلوم والتكنولوجيا والدفاع. وفي هذه السنة سوف يفتتح الرئيس اوباما مؤتمر دول شرق آسيا. لكن هناك مسافة يجب قطعها لبلوغ العلاقات مقصدها وهي ازالة الشكوك التاريخية والتغلب على المصاعب البيروقراطية وردم الفجوات بين الفريقين وزيادة التفهم لمصالحهما المشتركة. تحركت الولايات المتحدة للدخول المباشر على المنظمات الاقليمية متعددة الاطراف في المنطقة اهمها: تجمع امم جنوب شرق آسيا المعروف "اسيان" ومنظمة آسيا ـ المحيط الهادئ للتعاون الاقتصادي المعروفة "ابيك". ان العمل مع التنظيمات الاقليمية يكمل العلاقات الثنائية ولا يتم على حسابها. وتمهيداً لزيارة الرئيس باراك اوباما وقعت الولايات المتحدة معاهدة صداقة وتعاون مع "اسيان". اسهمت اميركا في معالجة الخلافات في جنوب بحر الصين وخلال مؤتمر "اسيان" عام 2010 المنعقد في هانوي، ساعدت الولايات المتحدة في تشكيل جهد اقليمي من اجل رفع القيود عن الملاحة في بحر الصين الجنوبي والتمسك بالقواعد الدولية في تحديد المياه الاقليمية للدول الواقعة على ساحل ذلك البحر مع الاشارة الى ان نصف حمولة الشحن البحري في العالم تمر عبر بحر الصين الجنوبي. وقامت الولايات المتحدة بجهد ديبلوماسي لحل الخلافات حول الملاحة في تلك المنطقة في شكل سلمي ووفقاً لقواعد القانون الدولي.
الانتقال والأسئلة المطروحة
في العقد الماضي انتقلت السياسة الخارجية الاميركية من فترة ما بعد الحرب الباردة الى مرحلة الالتزامات في افغانستان والعراق وفيما هاتين الحربين تشرف على نهايتهما، يجب تسريع الجهود لنقل السياسة الخارجية الى حقائق عالمية جديدة. هذه الحقائق تحتاج الى منافسة وابتكارات واسلوب جديد في القيادة. وتعترف هيلاري كلينتون بان هذا النوع من الانتقال ليس سهلاً لكن الولايات المتحدة مهدت له منذ تسلم باراك اوباما السلطة اوائل 2009 وهي ملتزمة بتحقيقه من خلال اكبر جهد وتحرك ديبلوماسي في ايامنا المعاصرة. واستحقت وزيرة الخارجية الاميركية التقدير على اعداد هذه الحركة السياسية الاستراتيجية التغييرية نحو الشرق الاقصى آسيا والمحيط الهادئ. لا شك انها قدمت افكاراً سياسية جديدة للعمل بها خلال العقود القادمة والخروج من دائرة الروتين الحالي الغارق في الشرق الاوسط. لكن هناك اسئلة جدية تطرح حول هذا الانتقال السياسي:
1 - مسألة الطاقة، المعروف ان اهتمام الولايات المتحدة في الشرق الاوسط يتمحور حول امن تدفق النفط من هذه المنطقة الى الاسواق العالمية وخصوصاً السوق الاميركية. هل ضمنت كلينتون تدفق النفط؟ هل هناك خطر ما؟ وهل تحتمل الادارة الاميركية وقفاً لنفط الشرق الاوسط؟ ويبرز سؤال آخر، هل هناك في الافق حلول معينة بشأن الطاقة البديلة؟ وهل تبلغ الابحاث في هذا المجال الجانب التجاري فنجد سيارات ومحركات تعمل على الطاقة البديلة وبالتالي تكون الولايات المتحدة قد اتجهت الى آسيا من اجل التجارة وتركت الشرق الاوسط غير المنتج والذي لا يزال مصنفاً كسوق استهلاكية تدفع ثمن السلع من ارباح النفط؟
2 - هل تضمن كلينتون ان يبقى توازن القوى العسكري القائم حالياً الى جانب الولايات المتحدة وهي التي ذكرت في عرضها شكوكاً اميركية حول تسلح الصين؟ ادارة اوباما التي تسعى الى الاتجاه شرقاً نحو آسيا هي نفسها التي قررت خفض النفقات العسكرية تريليون دولار في العقد القادم، وفي ظل هذا الخفض الاميركي والتسلح الصيني هل تقدم الولايات المتحدة على وضع تكون فيه الصين معادلة لها او اقوى منها؟
3 - الصين بكل بساطة دولة منافسة للولايات المتحدة وليست حليفة مثل اليابان وليست ديموقراطية عريقة مثل الهند ولا تسهم في الحرب على الارهاب التي تشنها وتقودها في العالم الولايات المتحدة وتشارك فيها الهند وباكستان وافغانستان وغيرها. كيف تنتقل الولايات المتحدة الى التحالف مع الصين الى حد ما على حساب الحلفاء الدائمين في المنطقة؟
4 - لم تعرض كلينتون للأزمات الاقليمية في منطقة آسيا ـ المحيط الهادئ التي لا تخلو من الاهمية وخصوصاً المطالبة الصينية بضم تايوان والرفض الاميركي والدولي لذلك بالاضافة الى دور الصين في التحالف مع باكستان في وجه منافستها الهند وتأثير ذلك على نتيجة الحرب على الارهاب في افغانستان. وأين تكمن مشكلة كشمير المزمنة في هذا التحول السياسي؟
بالتأكيد ان كل تحول سياسي يكسر الروتين الراهن يطرح تساؤلات تبدو تعجيزية لكن يمكن لهذا التحول ان يحصل بفضل البراغماتية الاميركية والادارة المنظمة للسياسة والأزمات. وهنا نطرح سؤالاً: هل نشهد يوماً يطرح فيه وزير اميركي اعادة الاتجاه نحو اميركا اللاتينية كما قال مونرو في القرن التاسع عشر؟

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net