Tahawolat

قصة السيناتور الأميركي الذي تعرّض للموت في إيران!


يكشف كتاب "اللكمة الجانبية" لمؤلفه السيناتور الأميركي السابق روبرت ناي، الصادر عن "دار المشرق للطباعة والنشر" في طبعته العربية التي صدرت أخيراً، كثيراً من خفايا السياسة الداخلية في الولايات المتحدة، وما تعرض له هذا السياسي من ضغوط. إنه قصة، وإن تكن شخصية في كثير من جوانبها، تكشف مدى الخطأ الكبير الذي يرتكبه الناس حين يثقون بالسياسيين، لأن ما حصل مع روبرت ناي، يمكن أن يحدث لكثيرين منا، من هم في السياسة وخارج السياسة.


صحيح أن ناي مارس القمار وأدمن الكحول واعترف بأخطائه في ردهات المحاكم وقضى في السجن فترة ثلاثين شهراً كانت كافية لتنهي حياته السياسية، لكن هذه التجربة المرة مكنته ليظهر للناس ما يحدث في أروقة السلطة في العاصمة الأميركية، وكيف تحاك التدابير والخطط. يقول ناي الذي بدأ العمل السياسي وهو في السادسة والعشرين من عمره إن كتابه ليس سلسلة أحداث حول حدث مريع، وليس نكران ذنب، "بل قصة رجل انحرف للمال وشرب الكحول وخذل من جانب الذين وثق بهم".


حياة بوب ناي انقلبت نحو الأفضل بعد الفترة التي قضاها في السجن، إذ تخللها برنامج إعادة تأهيل من 12 خطوة. بعد تخلصه من الإدمان عمل بوب (روبرت) كمقدم برامج بمدينة ويلينغ في مقاطعة فرجينيا الغربية، وهو يعمل الآن محللاً سياسياً في إحدى محطات الأخبار في الولايات المتحدة.


استغرق تأليف "اللكمة الجانبية" خمس سنوات. يقول ناي: "في المرحلة الأولى فكرت أن أدون أفكاري أثناء وجوي في السجن الفيديرالي، ثم قدرت أن كتابة المرء أفكاره وأحاسيسه في السجن ضرب من الجنون، لأن ذلك سيوفر تسلية ممتعة للحراس"! يضيف: "بعد خروجي من السجن في أوهايو كانت كتابة قصة حياتي البند الأخير على قائمة الإنجازات. كنت أحاول ببساطة أن اجمع القطع المتناثرة في عملي، وأعيد النظر في أموري العالقة، أصحو لأجمع حطامي وأواجه الحياة".


في الكتب فصول متعددة منها ما يتصل بحياة ناي الخاصة، تاريخ ومكان ولادته، والأعمال التي مارسها منذ تخرجه في جامعة أوهايو، والمناصب السياسية التي تبوأها إلى اليوم الذي أصبح فيه سيناتوراً في مجلس الشيوخ في ولاية أوهايو، فضلاً عن صفحات مطولة عن فترة السجن، ومعلومات غزيرة عن الناس الذين عرفهم وعرفوه، وأحبهم وأحبوه، والذين خذلوه.


أحب ناي إيران والإيرانيين. بعد تخرجه في الجامعة، وقبل أن يدخل معترك العمل السياسي، سافر إلى إيران ليعمل مدرساً للغة الإنكليزية في مركز التعليم التابع للجمعية الإيرانية - الأميركية في شيراز. كان قبل سفره قد درس اللغة الفارسية وأتقنها. أحب الثقافة الفارسية منذ كان طالباً في الجامعة، واختلط مع بعض الطلبة الإيرانيين وشاطرهم المأكل والسكن. يسرد ناي في أسلوب رومانسي فصولاً ممتعة عن إيران والإيرانيين، كيف ذهب إلى ذلك البلد زمن حكم الشاه، وهو في الرابعة والعشرين من عمره ليعمل مدرساً، وكيف بدأت الحوادث التي أدت أخيراً إلى تغيير إيران، وبدء عهد جديد في البلاد.


في خضم هذه الحوادث يحدث للسيناتور الأميركي في شيراز حادث مروع. كان والده ووالدته قد جاءا إلى إيران لزيارته. لم يكن ناي يريد تلك الزيارة بسبب ما كان يعصف بالبلاد من حوادث.


عن ذلك يقول: "في تموز 1978 قرر والداي المجيء إلى إيران. حاولت أن أتصل بهما ليلغيا الرحلة، لكن الوقت جاء متأخراً.


كان منع التجول يبدأ من الساعة العاشرة مساء. طلبت من سائق التاكسي أن يحضرهما من مطار شيراز. انتظرتهما في مبنى "هاموفارد"، حيث كنت أسكن. مشيت إلى خارج بوابة سياج المنزل. كانت ليلة جميلة ولم تكن حارة. تقدمت نحو خمسين قدماً، ثم سمعت ضربة قوية، ورجلاً يصرخ بهلع على بعد 25 قدماً مني. رأيت جندياً يحمل بندقية أوتوماتيكية ويصوبها نحوي. لم يكن يتحرك، لكنه كان يتابع الصراخ عليّ. كنت رغم إجادتي اللغة الفارسية مذهولاً وخائفاً. تجمدت في مكاني ولم أفهم كلمة واحدة مما كان يقول.


"راودتني الأفكار: وصول والداي ليجداني متخبطاً في بركة من الدم. تذكرت تلال أوهايو الجنوبية، وأطفال لي لم يأتوا إلى الحياة بعد، شقيقتي وعائلتها. مضت لحظات خلتها أسبوعاً. وعلى الرغم من أن الرجل كان واقفاً أمامي لم أر سوى هذه الخيالات في رأسي. نظرت إليه وبادرني النظر. تساءلت في ما كان يفكر بي (أجنبي، إرهابي، محرض؟) وتحققت كلياً بأنه سوف يقتلني لا محالة. أردت أن أقول له إن عندي عائلة، لكني لم أقل شيئاً. أقفلت عيني وأدرت ظهري باتجاهه رافعاً ذراعي مستسلماً. لم أشأ أن أراه يطلق النار عليّ. لم أسمع شيئاً، لا كلمات، لا أصوات، لا صراخ.


بعدئذ، وبينما كنت ما أزال رافعاً يدي في الهواء، مشيت ببطء متراجعاً نحو البوابة الرئيسية، ومع كل خطوة كنت أنتظر سماع صوت طلقة، أشعر بالألم وأصلي أن تنهي الطلقة كل شيء. تابعت المشي بتؤدة إلى أن دخلت البوابة. قفلتها خلفي. وقفت مسنوداً إلى الحائط. تنفست الصعداء بسرعة أولاُ، ثم ببطء، من دون أن أفكر في أي شيء. بعدئذ سقطت على الأرض وأنا مذهول كلياً، مثل ميت إعيد إلى الحياة، عاجز عن الكلام، عن البكاء، عن الحركة.


بعد بضع دقائق سمعت صوت التاكسي في الخارج. فتحت البوابة لأجد أبي وأمي أمامي، ينزلان من السيارة. كانا سعيدين برؤيتي لكنهما كانا منبهرين. أخبراني ما حصل لهما على المطار من مضايقات وسوء معاملة سائقي التاكسي، وبعد أن أنتهيا من إخباري كابوس ما حصل لهما على المطار، قلت: حسناً، ليلتي كانت أكثر تشويقاً!

كانت إيران تغلي بالحوادث. أتذكر الشاه نفسه يظهر على التلفزيون، ويقول للشعب: نقلتكم من ركوب الجمال إلى ركوب السيارات. من الطرق الترابية إلى طرق الإسفلت، من الأمية إلى الثقافة، وإذا سمحتم لهذه العناصر الخارجية والشيوعيين بالسيطرة على الدولة، فسوف يدمرونها ويخربونها.


منذ تجربتي مع الموت وزيارة والديي، تبين لي أنه على الرغم من أنني أحببت البقاء في إيران، شعرت أن وقت الرحيل قد حان. استعرنا أنا وأبي هاتفاً وأمضينا ساعات لنتمكن من التحدث مع الخطوط الجوية الأميركية، ومن ثم أخذنا أول رحلة مغادرة إلى اسطنبول. عندما وصلنا إلى مطار مهرباد في طهران، كانت الفوضى منتشرة. كان هناك أناس عديدون يحاولون أن يتركوا إيران ويأخذوا أموالهم وأقاربهم خوفاً من تأزم الأوضاع. قال لي موظف الحجز في شركة "بان أميركان" إن ليس لديه مقاعد. طلبت مقابلة المدير، لأنني علمت من بعض الأصدقاء، أن موظفي الحجوزات كانوا يبيعون المقاعد في السوق السوداء، مقابل مبالغ كبيرة يدفها المذعورون الذين يريدون السفر قبل غيرهم. قلت للمدير: "أنا أميركي وأريد المقاعد التي حجزت لي، فتجاوب معي".


"كانت عملية نقل أمتعتنا أشبه بكابوس. حملناها فوق رؤوسنا، وبعناد شديد جررناها بين الجموع المزدحمة في المطار. كان الجو متأزماً، والناس منزعجون يريدون الرحيل. وعلى الرغم من أن الشاه كان لا يزال في الحكم، والثورة لم تتمكن من قلب نظامه، كان بعض الناس يعيشون حالة ذعر طارئة ويريدون أن يتركوا البلاد.


كان الجو مخيفاً ونحن نجلس في غرفة ننتظر رحلتنا. بدأ رجلان إيرانيان يطرحان علي الأسئلة، لكني حاولت أن أتجنبهما معظم الوقت، خصوصاً أني لم أكن أعرفهما. ساورني الشك في أنهما من الشرطة السرية. أخيراً صعدنا إلى الطائرة. وصلنا إلى اسطنبول، ثم انتقلنا إلى روما، بعد كل الغليان في إيران ورؤية الجنود في كل مكان. كنا نترقب وقتاً نطمئن فيه ونرتاح. قبل بضعة أشهر من وصولنا إلى روما، وجدت جثة آلدو مورو، رئيس وزراء إيطاليا في صندوق سيارة، لذا كان رجال الأمن لا يزالون في حال استنفار تامة، والشرطة المسلحة تملأ مطار "ليوناردو دافنشي" بنسبة تزيد عما شاهدناه في إيران. نزلنا في فندق "أكسليسيور" بالقرب من السفارة الأميركية في روما. أمضينا بضعة أيام جميلة عدنا بعدها إلى الولايات المتحدة. عندما وصلنا إلى هناك استدار والدي نحوي وقال: إذا انتقلت إلى أي مكان خارج حدود مقاطعة ولايتنا فلن نزورك ابداً!


جلسنا نتساءل، هل بدأت الثورة فعلاً في إيران؟ هل احتل الثوار المطار؟

تلك الأيام في إيران، لم يكن المرء يعرف ما يمكن أن يحدث، وخلال ستة أشهر، كان الشاه القوي نفسه، يركب الطائرة مغادراُ إيران"!


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net