Tahawolat

الصورة من فيلم "تشابكات ما بعد الظهر" للمخرجة مايا دِرِنْ من العام 1943



1


I

لم أكنْ أعرفُ في صغري

أنَّ وجهَك الباسمَ كان معبراً

ليقينِ الخطيئةِ تحملُها عجلاتُ

كرسيِك في أروقةِ الشكوكِ التي

صلبتكَ. لم تكنْ بسمتُك إلا كفناً

وكنّا, عندما نشربُ قهوتَنا وأسمعُ

صوتكَ, كنتُ أنا عرافةً أنحتُ المساميرَ

وأتلو مراسمَ دفنكْ.


II


حذفكَ هذا اليوم.

وأنتَ المشلولُ على كرسيكَ المكسورةِ.

حذفكَ.

ربيعٌ مقعدٌ في خريفِ وعودِ اللونِ المطحونِ.


وأنا ألعبُ الدورَ. أجلسُ على كرسيّكَ.

أكسرُ المزهريةَ القديمةَ.

وأرمي بباقةِ الزهرِ في الهواءْ.


تعالَ. تعالَ.

أنا ربيعُكَ المحتجِبُ.

نواحٌ تسكنُهُ إشاراتُ اللونِ المبعثرةِ.


III


مذْ رحلتَ، أضعتُ عالماً كنتُ أنا فيه.

أخذَ مكانَك الهواءُ. وحيدةٌ هي الذاكرةُ أمامَ

تلاشيكْ. هل هو سحرٌ؟ أن أقولَ

اظهرْ من القبعةِ؟ أو أن أحركَ قطعةً من ثيابكَ

فأُلاقيكْ. من أين لي أن أطحنَ

قمحَ بيادرِ العوالمِ المجهولةِ.

وأعجنُه, وأخبزُه. علني أجدكَ.

من أينَ لي.


من أيةِ قصيدةٍ ذاهبةٍ خرجتَ. أنا لم

أكنْ إلهةُ الخلقِ ولا الموتِ. إنما إيماءةٌ

مُقعدةٌ تُحاكي كرسيَّك المكسورَ

على رصيفِ الطريقْ. ربما في سفرِ

قصيدةٍ آتيةٍ تلتقيكْ.

--------------------------------------------

2


لم تحترقْ الأرضُ عندما رميتَ بعودِ ثقابِكَ إلى كلمِتَكِ الأخيرةِ.

ترنَّحَ العالمُ مثلَ دخانِ سيجارتِكَ. وزفرْتَ آخرُ أنفاسِك مثلَ ركامْ.

من براكينَ هامدةٍ تنفثُ سحبَ الغبارْ.


أذكرُ أنتَ الذي قلتَ لي لما كنتٌ صغيرةً،

أن أباكَ بنى منزلاً نابضاً.

دفَنَ تحتَ عتبةِ المدخلِ ربعَ ليرةْ. لربَّةِ البيتْ.

سألتكَ. من ربَّةُ البيتِ؟

أنتِ. أجبْتْ.


أنا كنتُ ربَّةُ اللهوِ وقتَها. أبني ناعورةً من أقاصيصِك الورقيةِ.

تطوفُ فوقَ كرسيِّكَ المكسر.ْ

فصلُ شهقةٍ تعلو على كتفيكَ.

وفصلُ زفيرِ انحدارٍ إلى الأرضِ في دورةِ المقعدين.


وأنا، أعرفُ الآنَ، أني لستُ إلهةَ خلقٍ وموتْ.

مذْ رحلتَ أصبحتُ عرافةٌ تقرأُ في زوايا البيوتْ.


أرسمُ من وجهكَ النائمِ في عيْنَيَّ دِيَمَاً.

أمزجُها مع ما تبقَّى من رمادِ سجائرِك نَقْشَا.

أدقُّه في أوردةِ معصمي وَشَمَا.


وأحملُ مطرقةً.

أكسّرُ فيها المداخلَ والعتباتْ.

أنقِّبُ عن وجهِ إلَهَتِكَ.


لأشهقَ من فمِها حِمَماً.

ومن بيتِكَ المتداعيَ نَبَضا.


وأزفرُ, نفَّاثةٌ كالثعابينَ, من عتباتِ هيكلِكَ المحطمةِ نارَ عهدٍ جديدْ.

-------------------------------------------------

3


I


غريبةُ كانت وحشتُك في بلادِ الظهيرةْ.

حيثُ ترتدي الآلهة معطفَ الرجالْ.

وكنتُ أرى الدخانَ الأسودَ من قمةِ الجبلِ

ترسلُه إيماءةُ يدكَ فوقَ النار.

وكنتُ أشعلُ النارَ على السطوحْ.

وأرسلُ إسمي إليكَ.

كنتَ مقعداً تشدُ الرحالَ على الطرقِ الصاعدة.

وأنا أتسلقُ السلالمَ خلفَ البيوتْ.

كي ألتقيكَ. في حلمِ الأرضٍ ساقطةً إلى القممِ العاليةْ.

لتطلقَ منها سحابةَ اسمِكَ يظللُ إسمي.

في بلادِ الظهيرةِ والآلهة.


II


أنتَ كنتَ إلهَ الظّلالْ. وأنا سيدةُ الأدراجْ.

كنتُ مثلُ كرسيكَ. أتسلقُ السلالمَ الخشبيةَ المكسرةْ.

في طريقي الصاعدةِ إلى بلادِ الدخانِ.

وحريقِ الشجرِ وإيماءةِ اليدِ فوق النارْ.

------------------------------------------------

4


كنتُ أسمعُ في حديثِك صدىً.

لزمجرةٍ من رياحٍ بعيدةْ. تهبُّ

على السُّهُبِ وتأتي إلى حيثُ

تبتدأُ المدنُ. مثلَ الفريسةِ

تعوي. لا. لا أنتَ. بل الطرقِ.

أنتَ كنتَ نزيلُ العواءْ. عندَ فصولِ

التحوّلِ. ولم ترتدِ معطفاً يقيكَ

العواصفْ. ولم تنكسرْ عندَ دروبِ

السؤال - أيُّ فصلٍ أتى؟ كان صوتُ

انكسارَ الخريفِ إلى لونهِ الأوليّ.

في العشبِ. تساءلَ أي الفصولِ

أتى. ومضى. إلى الأرضِ مثلُكَ.


كانَ شتاءٌ. يشقُّ الترابَ بالزمهريرْ.

وأنا أرتدي معطفكَ وأرحلُ عند هبوبِ

المطرْ. أقرأُ اللونَ في شقوقِ الترابْ.

دليلُ طريقٍ في هجرةِ العصافيرِ إلى

قوسِ قزحٍ أسودا.

حيثُ تبني لها منزلا.

حيثُ أنا الآن في هجرتي.

كي ألتقيكْ.

----------------------------------------------

5


رحلتَ بعد أن نفذت رصاصة القاتلِ في جذوع الشجر الأول.

وأنتَ كنتَ نزيل الحرائق في الحقول. تعجن من غبار الفحم

و"المشحرة" خبزاً لأفواه أولادك الجائعين.


نلتقي حيث تشاء السهوب.

في رحاب الأفق الوارف.

حيث تشاء الرياح التي تحمل طبقات المدن المهاجرة.

في مواكب عرش كرسيك الكسير. حيث لا زلت

تخبز البسمة الداكنة على الوجوه.

للمقعدين.

الذي يجرون كراسيهم المكسرة في وطن الشظايا.

والحاقدين.


وأنا، مثلك، مقعدة. أجر متاعاً فقيراً وأشلاء قتلى.

وصِيفة عرشك في شرفات المدائن حيث يعلو الحريق.


فوق السهوب.

يعلو.

صواري دخان.

يلقي الرحال على النائمين.


قوس قزح أسود.

للجباه التي ما عرفت غير عبور

المياه العميقة.


فوق. فوق. يعلو.

على الريح.

نلتقي حيث تحملنا السهوب.

في الهواء.

بعد حين.

---------------------------------------------------------

6


أنتَ كنتَ شاعر هذه الأرض.

ولم تكتبْ كلمةً واحدة.

ولم تنتظرْ عربات القطارات المسافرة.


أنتَ سافرتَ على تراب الحدائق.

مداوراً عجلة كرسيك الذي تصطك مفاصله.

مثل كواكب تتفكك.

وما انتظرتكَ غير هذه العربات.

وكان كرسيك دائماً الأخير.

تنظر إلى الخلف.

إلى الزنود القوية. والأوجه الباسمة.

ترشرش ماء الورد. وزهر البرتقال.

على المقعدين.

----------------------------------------------

7


أسقَطَتْكَ السماءُ من حساباتِها.

كان يوماً ماطراً فهويتَ أمامي.

ودخلتُ. بسمتُكَ تقتحمُ دخانَ السجائرْ.

جلستَ امامي. نشربُ القهوةَ.

أذكرُ طعمَها الحادْ. ليس مراً.

هيَ المياهُ تجري مريرةً على الأسفلتْ.


كأنها الأرضُ منتهى الخلقْ.

وهذا المقهى رسالةُ الأنبياءْ.

قلتَ لي: نرتقي للمياهْ. سوداءَ! لا بأسْ.


كانَ ذاتَ مساءٍ ماطرٍ.

تتراءى لي الضفادعُ تقفزُ في البركِ الموحلةِ.

أذكر أني كنتُ ملاكاً. أبيضَ مثل غيمٍ قديمٍ.

أبحرُ على السطحْ.

أذكرُ ثوبي. الذي غابَ عني مثلكَ الآنْ.

ردائيَ الجديدُ مثلُ كرسيِّكَ. للمقعدينْ.

لونُهُ يرتعدُ أمامَ أبوابِ المقاهي التي أقفلتْ.

مثلُكَ الآنَ أنا. مقعدةٌ أبحرُ في الماءِ الذي شقَّ دربَهُ في الصخرْ.

مثلُ بسمتِكَ بطعمِها الحادْ.

تَرَكَتْ لونَها. مثلَ ثوبْيَ الجديدْ. وهَوَتْ في طريقِها إلى الأرضْ.


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net