Tahawolat
ها أنت في عيدك الرابع عشر تتفتح نهار فرح وموسماً من وعود العطاء.. تطل باسماً كأنك تحتكر النبض وتقبل والآتي طوع اناملك طحيناً للحياة.
أتذكر لحظاتك الأولى باكياً في بيئة غريبة باردة، مساء الثاني من أيلول العام 2000، أضواء وأشخاص ملثمون وكلمات مبهمة عليك، ووجع وفرح الولادة وتهاني الخلاص.
كان يؤرقني ألا تضيع بين مواليد كثر ربطت حول معاصمهم أساور ملوّنة دونت عليها معلومات المولود، رموزاً وأرقاماً لتدل على كل منهم، يا من كنت بلا اسم يشار إليه بالبنان ويدل إليه فيعرف الكافة انه هو لا غيره... لك قبلة البداية، بداية جلجلة الوجع والفرح.
كان خطفك أمراً ميسوراً لو تخلت مشيئة الرب، وتوفر تاجر أطفال في تلك اللحظة يلحظ بهاءك فيغويه. لكن الحياة شفعت بنا أن معطيات الكارثة لم تتكامل، كما يحصل في مستشفيات أخرى.
يا أنت! يا الجميل الذي لم تمهله الحياة سنوات من براءة حتى شرعت تريه ألمها وجراح ذاتها وتفتحها بأعماق سحيقة. لم يكفه بعدُ الأب ليكتمل بانفصال. لكن هذا جَوْهَر روحك لتقوى. دفق فيك دماً شاباً مضمّخاً بالمسؤولية والرجولة اليانعة لتتفولذ ذاتك في عصر الزلازل.
كان يعز عليّ عندما يفصل بيننا باب حديد ليس مفتاحه معنا، فأرى أن العالم على فساحته ليس سوى سجن ضيق وقبو تعذيب مهوَّى.
أتساءل بصمت حيناً وبدويِّ الوجع حيناً آخر، كيف الفكاك ممن تحب؟ كيف التحرر من وجع الذات ومن حصار هويتها ومما تضعك فيه من بيئات مسبقة ومن تصنيفات لم تخترها ولم تنتقها فتفرض عليك واقعاً ليس دائماً يمكن الانقلاب عليه؟ لكني أكتفي بك قدراً جميلاً وأفقاً لمداي ومدى لتضاريسي المتغيرة المعالم في كهولة غاربة.
تعلّمت منك دروساً لم تكن متوفرة في أي وقت: تعلمت حب الحياة ولو كانت جحيماً، قوة الروح ولو ادلهمت علي مصائب لا ألوي ولا أضعف ولا أشكو، تعلّمت أن فينا قوة عظيمة تستحق أن تنمو وأن تُرعى وأن تفعل وأن تعطي وأن تبدع و... أن تكون.
تعلمت أن الذين يمصّون دمنا، الذين يهجّروننا من بيوتنا، ويسرقون طلبات توظيفنا من وزارة التربية لسنوات ليحاربوا رغيف خبزنا، إنما يريدونك أنت ضعيف الروح هزيل العزم.. إمعّة لسياستهم المدمرة الروح والإنسان والوطن المفلس بهم وبشعبه، وان الذين يحشروننا في أوهامهم يخافون مما يأتيه النمو الطبيعي بالانتخاب الطبيعي للروح والحياة وما سيفرضه قانون التغير والاضطراد الكوني.
تساءلت في عصر الذبح والوأد، كيف يحمي أب ابنه او ابنته من طوفان المجرمين باسم الله، باسم النبي، باسم الخليفة، باسم الإيمان وباسم جنون المصالح والصراع على الموارد يدمّرنا ويكاد يغتال قيامتنا. عبقرية مكاننا تصبح عورة، تصبح مجلبة شذاذ السجون ومطاريد القبائل ومغاضيب الدول وعصاة الصحاري ونفايات الشعوب إلى محرقة البشرية عندنا.. وهنا نحن بعض وقودها.
كيف نكسر السكين التي تمسك بها قبضةُ الجزار الشيشاني أو القوقازي او التونسي او المصري او العثماني وتهوي على رقابنا الغضّة ليضحك شيطانهم قهقهة انتصار وتدمع عين الله على ملاك جديد يرتفع إليه ذبيحاً في وهج الظهيرة.
ما حكمتك يا رب، من نحر ملائكتك وثكل أمهاتهم ويُتم أبنائهم، وتعريض أرواحهم لهول حزّ السكين وفوران دمائهم على أرضك العطشى للماء فترويها دماء، للحب فتغرقها بالحقد؟؟!!
أي ذنب يقترفه الجندي ليذبح، وأي ذنب اقترفته العذراء لتنتهك وتباع سلعة تتناقلها الضواري الغريبة الهائمة بمال النفط وشهوة انتقام الجاهلية من حضارة الشمال؟ أي ذنب لأبنائنا ليخطفوا ويجنّدوا مرغمين بعد غسل عقولهم من الضمير وغسل أفئدتهم من الحب فيتراشق رعاعهم رأس ضابط عدو كان من قادة جيش البلاد؟؟؟
لماذا أيها الرب تتخلى عن شعب أحبك وأول من دعا لتسبيح اسمك ولرضوانك والتوب لرحمانك، لماذا يتشتت شملنا عنك وتدب الفرقة بيننا عليك؟؟
وها أنت يا بني أسعد، تقطع كعك هذا العام، بفرحك المعهود، لا تغصّ فإن في الشدة فرجاً غير مستحيل، وفي الصبر على المكاره انتصاراً أول لتجاوزها، تبقى أنت الوعد و... تبقى الأمل الجميل.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net