Tahawolat
الخلط بين التحرّر الاجتماعي والتحرّر الاستعماري عند "المثقفين"

الخطأ الأكبر أنه لم تُدرج في المناهج التعليمية ولا في أي من الخطط التربوية التي تلت الاستقلال المزعوم، مادة عن الاستعمار الذي بُلي به الشرق لقرون طويلة في تاريخه. وكيف تُدرج برامج هكذا والوطن ما زال يرزح تحت هذا الاستعمار وإن بأشكال جديدة ومتعدّدة، أهمها الشكل الخفي أو بعبارة أخرى غير المباشر، فليس كلّ استعمار عسكرياً، وإن أشدّ الاستعمار خطورة استعمار العقول والقلوب ذاك الذي يرمي الى التجهيل وسلب الهوية والحضارة. وهناك بعض الجماعات التي ما زالت تدفع جزية لهذا الغرب دون معرفة منها وهذا من البلاء الأعظم على شعوبنا!
 إن أغرب ما تسمعه الى حدّ الآن هؤلاء الذين ما زالوا يلتزمون تعنتاً بعبارة "الربيع العربي" وهي عبارة ليست جديدة على القاموس الاستعماري، بل متجدّدة استعملها المستعمر المحتل مرّات متعدّدة في السابق في محاولاته إخضاع الشرق. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل يدرك هؤلاء المتعنّتون معنى كلمة ربيع؟ هل الربيع دماء برأيهم؟ وإذا كان دماءً، فبئس ما كتب عنه الشعراء وبئس ما عرّف به الربيع في كتاباتهم الذابلة والتي لم تعد تزهر بشيء، والأولى تغيير مفهوم الربيع وتعريفه من جديد: من اخضرار وتجدّد لحياة الأرض بعد موت، الى موت أسود كما نرى من الربيع الذي فلقوا آذاننا ونفوسنا في التحدّث عنه دون هوادة!
 ألا يرى هؤلاء الربيعيون ما يحدث؟ أين يرون زهوراً؟ أو لعلّنا أُصبنا بعمى الألوان ولم نعد نرى ما يرونه هم؟ ألا يشاهدون بأم عينهم ما يجري وما جرى وما سوف يجري وما يرافق ذلك من أنهار دماء؟ هلا توقفوا برهة عن تعنّتهم وأقاموا ولو مقارنة بسيطة استناداً على مقابلة بين ما يجري في مختلف بلدان العالم العربي والشبه الكبير بين الأحداث، والأهم بين مسبّباتها ونتائجها ذات الوجه الواحد؟
 عجباً! المستعمر يقول إننا وحدة متكاملة ذات مصير أسود واحد وأبناء الأرض يصرّون أننا أجزاء مجزّأة لا علاقة لبعضنا ببعض! عجباً! الغرب يدلّ علينا دون تمييز بين "فلتان" و"علتان"، وأبناء الوطن مصرّون أننا مختلفون اختلاف الأرض والسماء! عجباً! القوى المسيطرة على العالم تعمل جاهدة للتخلّص منا ككتلة واحدة وأبناء الأرض يصرّون على التخلّص من بعضهم البعض، والواحد من الثاني، والفئة من الأخرى ولكأن الواحدة فوق رأسها مظلة والثانية معرّضة لكل زخّات الكون من ويلات وفناء! عجباً من هؤلاء المتعاملين الرخصاء كيف هم معتدون بأنفسهم! من أين لكم بتلك الثقة بالنفس، بالله عليكم أجيبونا؟! ألهذا الحدّ غُسلت عقولكم؟ ألهذا الحدّ وصلت بكم العبودية أن تتعاموا عما يجري على أرضكم وفي قلب منازلكم؟ ألا ترون إلا الربيع الذي صنعته مخيّلتكم؟ ألا ترون النار والسواد والدمار والقتل واستباحة الأعراض والإبادات الجماعية والفردية والحضارة التي تدمر؟ ما هذا الحلم الربيعي الذي تعمهون به؟ ألهذا الحدّ وصل بكم إيمانكم بالغيب، تحلمون بمستقبل مشرق مخضوضر غيبي، متى زمنه هذا المستقبل والأهم أين مكانه، في الواقع أم في الخيال؟ هل حصوله بعد الفناء أم قبله وهل سوف تقوم لكم معه قيامة؟ أمن أجل هذا الربيع المزعوم تحضّرون أرضاً محروقة للمستعمر الذي آواكم واستعملكم لغايته من أجل تسليمكم زمام السلطة في أرضكم تقيمون عليها دولاً ملؤها الخضار والربيع والازدهار بعد أن يتمّ تخريبها بالكامل، وبعد أن ماتت أشجارها وتربتها وحجرها ونفوسها وصروحها، وبعد أن عشش الألم في الصدور وبعد أن دمّرت كل أسس الأخلاق التي عليها تبنى المجتمعات والدول المتحضّرة؟ أكان التتر الهمجيون من أهل البلاد حتى يلامون على حرقهم أرضنا التي دمّروها؟ أكان المغول من أهل بلادنا حتى نعتب عليهم لأنهم أحرقوا أخضرها ويابسها دون أسف ورحلوا منهزمين وأصبحوا نكرة ونسياً منسياً لأنهم لم يستفيدوا من خضار وربيع بلادنا، بلاد الهلال الخصيب؟ أكان البيزنطيون أكثر ولاء من ولاء أهل الأرض حتى يخرج هرقل آسفاً على سوريا وهو يقول والدمعة تمطر من عينيه: سلام عليك سوريا! يا بلاد الشام المأسوف عليها! (بتصرّف). هل كان الرومان قبلهم من هذه الأرض حتى يقتل عددٌ من أباطرتهم على أبوابها؟ هل كان الإسكندر، رغم كون والده من الفراعنة كما يقال، من أرضنا حتى يحاصر عواصمها الكبرى شهوراً وينأى عنها وهي تحترق كرامة مع أهلها، كيما لا تستسلم؟ هل كان كل من أتى لاستعمارنا من أرضنا حتى يموت فوق ترابها ولكأنه يمتُّ لها بصلة؟ هل أصبحتم أيها المأجورون القتلة أكثر ملكية من الملك نفسه؟ حسبهم أنهم هم مستعمرون وماتوا من أجل غاياتهم لحبهم لسوريا! نعم، أحبّوها لأنهم عرفوا قيمتها، إنما أنتم، أبناؤها الحقيقيون، لماذا تدمّرونها وتحرقونها بأيديكم وأيدي أعدائها من دون أن تفقهوا لقيمتها من معنى؟ عجب! ما هي غايتكم، أعلمونا؟ تقولون الحرية ولكن ممن؟ تقولون "ربيع"، ولكن كيف ومتى ولمن؟ أتحلمون بحياة كريمة حرّة على أرض أجدادكم وقد أصبحت خراباً ودماراً ولم يبق من قيمتها التي من أجلها استخدمكم المحتل حتى نبتة تنبت في أرضها لكثرة ما استعملت أيديكم من أدوات التدمير والفناء (علي وعلى أعدائي يا رب، منهجكم!) فكل الوسائل باتت لديكم مباحة من أجل الوصول الى هدفكم وهو تحقيق تعنّتكم والتزامكم بموقفكم الاعتباطي والذي سمّيتموه ربيعاً! ألا كان الأجدى تسميته دماراً وكفانا خبثاً وكفانا تلاعباً بالمفردات التي اصطنعوها لكم وردّدتموها كالأغبياء الجهلاء: من ربيع الى ثورة الى حرية الى عبارت وشعارات أفرغتموها كلها من مضامينها؟! فمن مصدقكم بعد إن أنتم صعدتم المنابر تخطبون وتهتفون بهذه القيم التي لا تفقهون شيئاً من معانيها أصلاً! أين مصداقيتكم يا من تدّعون الحرية باسم الثورة الربيعية تلك؟ أجيبونا ولو مرّة بغير لغة القتل، هل تستطيعون؟ هل تمتلكون عبارات غير تلك التي لا تحمل إلا معاني التعنّت والعناد والتكبّر والتجبّر الذي فطرتم عليه في معاهد الغرب؟ لو سؤل من يستخدمك من الغربيين المستعمرين: كيف تريد أن تؤول إليك سوريا أو الشرق كله لقال: بجماله وحضارته وصروحه ومعالمه ومكتباته وذلك لمعرفته بأهميته وهو الآن، ولا شكّ عندي، يتحسّر من همجيتكم المدمرة وقلبه يعتصر على ما تحرقون، فهو يبغي احتلال الأرض لغناها، اسألوا أوباما ذلك المتحدر من اللاحضارة، فحتى هو صرخ: مدهش حقاً! عندما راح يتجوّل بين معالم البتراء الأبية التي لو نطق الصخر الأشم فيها للعن هذا الزائر الذي جاءها معتبراً أنها أرض الصهاينة أي أرضه ومتمنّياً سلبها ليس جمالها فقط، وليس لأنها خالية من كل أثر عظيم، فهو يعرف قيمتها وعراقتها وكم تساوي في حساب التاريخ، فهل عرفتم أنتم شيئاً قبل تدمير ما تبقى لنا من حضارة أجدادانا التي علمت الدنيا الفكر والمعرفة؟ أنتم تعرفون شيئاً واحداً ليس أكثر وهو رقم حسابكم الذي ينمو بتزايد غير طبيعي مما تحصلون عليه من مكافأة وأموال من الزفت الأسود، بترول الشؤم الذي مهمته تلطيخ كرامة العرب وتسويد قلوبهم قبل وجوههم السوداء أصلاً لانتفاء أي حب للجمال فيها!
 لقد صرخ نابليون من فوق قمة هرم خوفو بجنوده إثر غزوه مصر: "أربعون قرناً من الحضارة تنظر إليكم! أي انتبهوا واحترموا الأرض التي دخلتموها، إنها أرض حضارة عريقة! ونحا بذلك نحو الإسكندر الذي ذهل من حضارة ما أسماه معلّموه الإغريق، وعلى رأسهم أرسطو، بغباء وتبجّح "بربرية"، فاستنكر تعاليمهم وأمر بتغيير المفردات تلك المجحفة بحق الشرق الحضاري، فلم يعجب احترامه للشرق أنداده ومرافقيه في الغزو، فانقلبوا عليه وقتلوه! أما أنتم فهل فهمتم لمرّة ما قيمة الشرق؟ لو فهمتم لما كانت لديكم أصلاً عقدة النقص هذه إزاء الغرب ولما لويتم أعناقكم خنوعاً وذلاً ولما ركعتم لخدمته!
 
تعدّدت الأسماء والغرب الاستعماري واحد
 غالباً ما يحكى عن القانون الروماني الذي ما زال يُدرّس في كليات الحقوق العالمية الى اليوم كقاعدة في علم الحقوق ونحن نفتخر به لأن واضع أسسه هو أحد أعلام مدرسة الحقوق التي كانت في بيروت، بابيان والذي كان رائداً في هذا المجال وعلّم في روما. وغالباً ما يحكى عن الدستور الروماني وخاصة نظام الحكم الذي نهجت نهجه أغلب الدول الغربية ذات التاريخ الطويل وحتى الحديثة المنشأ، مثل الولايات المتحدة الأميركية وهي التي نسخت النظام الروماني نسخاً كلياً والقائم على مبدأ التوسّع والإمبريالية بواسطة القوة. وهذا ما خوّلها أن تصبح القوة العسكرية والحربية والسياسية الأولى في العالم المعاصر وصار لها من السيطرة ما كان لروما سابقاً وما كان لأوروبا الإفرنجية، ثم ما حظيت به من توسّع نحو العالم الجديد أبان عهود الاستعمار الإسباني، يليه الفرنسي والبريطاني الطويل الأمد قبل دخول القوة الأميركية على الخط وتبوئها الصدارة العالمية بعد أن نشلت أوروبا من المأزق الذي زجّها فيه هتلر خلال الحرب العالمية الثانية. والمهم من هذا العرض المختصر جداً، إذ لا مجال لبحثه مفصّلاً هنا، أن الغرب ما زال الغرب والاستعمار الغربي ما زال الاستعمار الغربي ولم تتغير إلا الأسماء فقط! أما الخطط والمهمات الانفلاشية والأهداف التوسّعية والمطامع في احتلال الأرض وأرض الشرق تحديداً، فما برحت هي هي ولم تحد عن المبدأ الروماني شعرة واحدة! لا بل لقد قويت النزعة الاستبدادية أكثر وأكثر، ليس فقط بفضل ما أمّنته التكنولوجيا الحربية من مقوّمات هجومية مدمّرة ورادعة، بل بفضل ما أمّنته تحديداً نزعات المشرقيين وأهواؤهم وفطرتهم العاطفية التديّنية المتزمّتة والمجزِّأة، وتكالبهم على المادة والمال والمظاهر والعتو بها، وكذلك بعدهم كل البعد عن الفهم القومي الاجتماعي وتعلقهم بقشور الطقوس والعادات المنغلقة، والعنصرية القبيلية المتطرفة والتي شجّعها وغذّاها الغرب الطامع بأرضهم، فأمنوا له أرضية خصبة لنجاح أهدافه، فما من سلاح أقوى من سلاح الجهل، والشرق العربي جاهل بامتياز!
 
المشكلة ليست بالمصطلحات بل بفهمها
 وفهمها يعني فهم التاريخ ولكن ما هي نسبة من يقرأ التاريخ جيداً، والأهم من يتعظ منه؟
الكل يريد الوطن، الكل يدافع عن الوطن، الكل يكيل الشتائم على الكلّ من أجل الوطن! الكل يقتل الكل داخل الوطن وباسم الوطن! فإذا كان الكل مع الوطن وليس ضد الوطن وكان الكل متفقاً على حب الوطن، فلماذا الخصام والخلاف إذن؟ وما هو مصدرهما؟ المصدر السبب هو أن الكل يستعمل قيم الوطن ويوظّفها حسب أهوائه ومصالحه وكم يُدفع له!
 ونحن من باب التجرّد التام، نعرض لهذه المعضلة وندرس هذه الظاهرة بموضوعية وعلمية ولقد وضعنا نفسنا موضع الدارس والباحث للوصول الى تحديد من يقول الحقيقة بين طرفي النزاع، حتى نخرج بفهم لهذا اللغط الحاصل، فخلصنا الى أن هناك جهلاً محدقاً على صعيد المفاهيم والأخلاق وخاصة أن هناك غياباً كلياً للمعرفة بالتاريخ الصحيح وبالتالي بالهوية الحقة عند الطرفين! فلا أحدَ يعرف أمثولة أنه أُكل الثور الأبيض يوم أُكل الثور الأسود، أو العكس، صحّحوا مسار الألوان ما شئتم فسيان ولا فرق!
 وخلصنا أيضاً، الى أن من يستعين بالغرب هو الخاسر الأكبر لأنه سوف يقضي على نفسه قبل أن تقضي عليه اليد التي حرّكته، فلا مصلحة لها متى وصلت الى غايتها بإبقاء عمالة خائنة بحقّ وطنها، إذ كيف يبقي المستعمر على اليد التي نفذت مآربه؟ كيف يأمن الى من خرّب بيته بيده؟ وهناك ثمّة من يذهب الى أن البعض من المتعاملين مع الغرب يستخدم هذا الغرب للوصول الى مبتغاه بإزالة الظلم اللاحق به في وطنه بسبب زعيم دكتاتوري ظالم، ومن ثم يسوّي حساباته مع هذا الغرب المأجور له! فهل الغرب بهذا الغباء كي لا يفطن لحيل من هذا النوع من قبل خونة أوطانهم؟ والحقيقة أنه قد خلط هؤلاء المدعون ثقافة التغيير الفوضوي والذين يديرون الزمر المتعاملة مع المستعمر بين الاستعمار الغربي والاستعمار الاجتماعي المتمثّل بدكتاتور من جلدتهم لم يستطيعوا الإطاحة به إلا من خلال الاستعانة بقوى غربية حتى ولو كان المستعمر طامعاً بالأرض وحتى لو كانت الشياطين نفسها وحتى لو كانت الصهيونية نفسها وكل الاستعمار الغربي! فصار ابن الوطن عدواً والمحتل الطامع صديقاً على قاعدة "عدو عدوي صديقي". ونحن نردّ وبكل تجرّد إلا من إخلاصنا لوطننا، أنه حتى ولو كان الديكتاتور ظالماً فهو ألف رحمة من المحتل الغربي، أما سبل التخلّص منه فهي كثيرة ولكنكم لم تفعلوا أيها المستعينون بالغرب شيئاً إزاء ذلك، ولم تكن ردّة فعلكم إزاء أعماله الوحشية إلا الهروب والتبكبك والارتماء في أحضان الشيطان وهذا ضعف منكم وليس قوة منه! والغرب قد استغل ضعفكم هذا أحسن استغلال، فحالتكم تشبه تماماً المرأة التي هجرت زوجها الظالم لترتمي في أحضان من هو أظلم، فراح يشبعها تعنيفاً وتجريحاً وشماتة، أين منها ظلامة الأول الذي بدا ملاكاً إزاء الثاني! والمستعمر الغربي قوي بكل ما للكلمة من معنى لذا لا مجال لإيجاد ثغرة تنفذون من خلالها للتخلّص منه بعد استعماله كما تدّعون، فهل يستعين الضعيف بمن هو أضعف منه أم بأقوى؟ والغرب قوي وإلا لما أعانكم، ولا مجال للتخلّص منه أو استعمال الحيلة معه، بل المصير لكل متعامل معه هو هلاك المتعامل الخائن لوطنه ولعرضه ولدينه!
 ونحن إذ لا نريد أن نكون طرفاً، بل يهمّنا جمع أبناء الوطن الواحد، بل الأمّة الواحدة، إلا أننا لا يمكن أن نرى الحقيقة ونتعامى عنها وهي واضحة وضوح الشمس! وذلك أننا نستدلّ على مظاهر التعامل مع الغرب من خلال أدلّة دامغة تسمى بعلم الأوطان خيانة وليس رأي أو وجهة نظر، ولا تدخل في معادلة المنطق من أجل تقبّلها أو عذرها ولو على مضض عند الذين اتخذوا من الوطنية ديناً ومنهجاً وصراطاً ورفضوا وضع رقابهم تحت سكين العمالة وأبوا إلا الدفاع عن شرف الوطن ومصير أهله، فهل يتساوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ هل يستطيع من يرى الحقيقة أن يعذر من يبيع الوطن لقاء بضعة من الفضة؟ والدليل على التعامل مع الغرب، في الأزمة السورية الحالية والتي جهد المستعمر إحلال الفوضى والخراب فيها، كثير:
-  إن عَلَم "الثورة" المرفوع حالياً (علم الانتداب) هو علم رسمته فرنسا وفرنسا دولة من الغرب الاستعماري وسبق أن اندحرت من دمشق عاصمة سوريا ولها أطماع بالعودة والسيطرة، ومن يرفع هذا العلم يتعاون معها على ذلك وهذا دليل تعامل وخيانة، فمن ينكر؟!
-  إن القوى التي تدافع عن الثورة قابعة في الخارج في أندية الاستعمار الغربي، وهذا تعامل فاضح، وفي أقسى حالات التفاؤل لن يديرها الغرب نحو مصلحتها بل نحو مصلحته هو ألا وهي الاستيلاء على أرضها!
-  إن أنكى ما يكون في عملية التضليل هذه هو استعمال المفاهيم والقيم بازدواجية المعايير في حين أن القيمة الحقّة لا تتحمّل الازدواجية لأنها صافية وإلا لانتفى كونها قيمة، والأمثلة على ذلك كثيرة فيما اتخذته الجماعات الثورية من أسماء لفيالقها وفرقها: فمن سمّى نفسه سرّية عمر بن الخطاب أو جماعة خالد بن الوليد أو أعطى نفسه الحق أن يكون من أتباع محمد الرسول الى آخره من الألقاب والأنساب، ومنطقياً، هذا يتعارض كلياً مع الحقيقة التاريخية لهؤلاء الأشخاص المكنّى بهم ودليلنا أنهم حاربوا الغرب المتمثّل بروما - بيزنطيا وجاهدوا ضدّها، وروما ما زالت اليوم قائمة بشكل الغرب الاستعماري، فكيف يتبنّى من يتعامل مع الغرب الاستعماري اليوم هذه الأسماء التي حاربت الغرب وقضت عليه وحرّرت أرضها من براثن احتلاله؟ ﴿غُلبت الروم...﴾، (سورة الروم، الآية1) فالرسول محمد حارب روما وهرقل قائدها كنّ لقادة العرب أشدّ عبارت الاحترام، وتابع الخلفاء والقادة العرب بعد الرسول محمد مسيرته في نضالهم ضد الروم والتاريخ يشهد على ذلك بكل وثائقه، فكيف يتخذ من جيّر نفسه لخدمة الغرب رموزاً قومية شريفة كهذه شعارات لقضيته الربيعية المزعومة؟ اللهم إلا إذا كانت لديه، وهذا محال، أدلّة عن تعامل تلك الرموز الكبرى مع الغرب ونحن لا ندري بها، وهي تلك الوثائق المزوّرة التي حرّفت أمجاد العرب ورجالاتهم والتي يعتمد عليها الجهلة ومنهم "مثقفو" الثورة الربيعية الحالية وهم ينتهجون نهجها منذ عقود، والسؤال من زوّرها ولفّقها لهم؟! لا أيها الأعزاء من مواطنينا المضللين، الغرب يعرف تماماً قيمة هؤلاء القادة ولكنه أوعز إليكم تدمير حضارتكم ورموزها للقضاء عليكم، وهذا أكبر دليل على ازدرائهم بكم ومن ثم رميكم في مزبلة التاريخ بعد استعمالكم! وهكذا يبيّن لنا المنطق أن كل من تعامل مع الغرب هو خائن ليس إلا!
 
لا مثقفين ولا جهلة مأجورين، بل تجار بالجملة!
 إنهم يردّون الجميل لمن مدّ يده لاستئصال الديكتاتور الذي عانوا من جنونه لسنين عديدة ويعمّمون هذه التجربة على أبناء جلدتهم لنجاحها، فيهبون أنفسهم وأعراضهم وأرضهم بكل ما أوتوا من كرم مشرقي أصيل يمتاز به الشرق العريق، وفاءً لعطاءات من ساندهم على دحر هذا العدو الأكبر، والتخلّص من السلطان الذي استعبدهم طويلاً، هذا ما فقهته مؤخّراً، ولم أكن لأصدق ترّهات كهذه، حتى كنت في جلسة ثقافية مع أحد "المثقفين" ولن أقول جنسيته لأن هذه الجنسية براء من الخونة من أشباهه وحتى نعتهم بها أصبح شيئاً كثيراً عليهم! هؤلاء "المثقفون" الذين يمتازون بأنهم يلقون المحاضرات من دون تحضير ولا ورقة بين أيديهم، ولكأنه هكذا تعرّف الثقافة الجليلة! ما كنت لأتخيل التخاذل لو لم أسمع آراءه التي أفرغها بكل بساطة وبضحكة عريضة حين قال وبصراحة إنه ما بالسبّ واللعن والشتيمة يكافأ الأميركي الذي حرّر الوطن من دكتاتوريين نهبوا الأرض والبشر واستعبدوا الخلائق، فأقلّ ما يكون هو شكرهم وردّ الجميل لهم على هذه المساعدة، "نحن نكنّ، على حدّ تعبيره، الشكر العميق والاحترام الكبير لهذا الغرب الذي بديموقراطيته خلّصنا وحرّرنا من الطاغوت"! فتخيلوا! نعم بديمقراطيته الصاروخية الكيماوية التدميرية ينصف الغرب المظلومين هؤلاء إنصافاً وعدلاً، فهل يكافأ بالسبّ أم بوهبه الأرض مقابل عطاءاته؟ فكروا ملياً بالأمر وأجيبونا بكل تجرّد وموضوعية من فضلكم، لأننا عجزنا عن الكلامّ!
 تجار رقيق يبادلون الأرض والوطن مقابل التخلص من ظالم! يبادلون العرض بالجملة وليس بالمفرق فهم لا صبر لهم على الفتات ولا يفقهون الا بالكميات الكبيرة، وهل أضاع حنا بعل بلاده بغير تآمر وتكالب تجار قرطاجة الذين قبضوا ثمن خيانتهم من روما ورفضوا إمداده بما يلزم من أجل اجتياحها وهو على بعد كيلومترات منها؟ (وليس بسبب دماثة أخلاقة كما يقول القائلون!) وهل صلب المسيح بغير أمر من تجار الهيكل الذين نعتهم بالأفاعي وضربهم بالسوط ونادى بطردهم من بيت أبيه بعد أن باعوه بثلاثين من الفضة؟ وهل يتحرك الربيعيون السود اليوم إلا بالبترودولار الملطخ بالدم؟
 يُتاجَر بك يا وطني، بضاعة رخيصة بخسة، فهل سوف يبقى من يشتريك؟
 
 
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net