Tahawolat
يفعل الفكر فعله في الروح مثلما يفعل الغذاء فعله في الجسد، فإذا كان الغذاء فاسداً كان الجسد فاسداً، وهكذا الفكر فإذا كان الفكر فاسداً كان الروح فاسداً.
ولكن شخصين يتناولان الغذاء عينه ويعتنقان الفكر عينه، فلماذا هذا شخص فاسد ولماذا ذاك شخص صالح؟
هذا فاسد لأنه لم يتناول الغذاء في مواعيده، وأيضاً لم يتناول الفكر في مواعيده.
هذا فاسد لأنه لم ينم لا على غذائه ولا على فكره.
هذا فاسد لأنه لم ينوّع في غذائه، وكذلك لم ينوّع في فكره. فالفكر بحاجة للمقارنة ليفعل فعله في الروح.
هذا فاسد، لأنه لم يُلحق بغذائه ماء، لا ولم يلحق بفكره شراباً.
هذا فاسد لأن فكره وسيلة من أجل مصلحة فردية، شخصية.
الجهل طريق الفساد، وأول خطوة في طريق الفساد الأنا.
الأنا سرطان أعمى يأتي على الأعضاء وعلى الجوارح وعلى الروح.
لا تقتل الأنا ذاتها وحسب، إنما تقتل الناس، كلّ الناس أجمعين.
من أحيا الأنا قتل الناس أجمعين ومن أماتها أحيا الناس أجمعين.
إذا نويت عملاً فسل نفسك أولاً: من ينفع هذا العمل الناس أم ينفع الأنا؟ فإذا كان عملك يعود بالمنفعة على الناس فاقدم. وإلاّ تراجع واعلم أن التراجع يحتاج إلى قوة مضاعفة عن قوة الإقدام.
إن أكلت لقمة شبعتَ وحدك، وإن أطعمتها تحوّلت إلى محبة، إلى وطن، إلى مجتمع وأمة، إلى دولة قوية. ما أكل امرئ أكلة إلاّ وصنع له عدواً، وما أطعمها إلاّ وصنعت له حليفاً!

عجب!
عجب! يجتمع الأميون، وكل الاحترام والتقدير للأميين، باسم الشِعر، فيشعرون ويكتبون وينشرون... بينما يغطّ المتعلّمون المتخصصون في علوم الأدب والفن في نوم عقيم.
        عجب، عجب! يتمحور الجهلة، وكل الإجلال للجهلة، حول الأدب: الرواية، النثر، القصة... ويؤلفون وينشرون. في حين ينام المتعلّمون المتخصصون نوم أهل الكهف ويشخرون ويهلوسون.
        عجب، عجب، عجب! ويلتقي العمال والعتالة، والتقدير لهم، حول طاولة المصير والوطن والحرية، ويؤسّسون النوادي والأحزاب والأحلاف، أما أهل العلم والفكر والفلسفة ممن يدعون العلم والفكر والفلسفة، فيلتقون حول طاولة الجدل والثرثرة، ومثلهم في ذلك في القرآن الكريم: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
      أجل، إن بلاءنا الأعظم في المتعلمين أصحاب الشهادات... ويتنادى الحرفيّون والعمال، ويعقدون مؤتمرات الفكر ويحيون حلقات الحوار والدراسات من أجل الوطن وإنقاذ المواطنين من براثن الجهل... بينما المتعلّمون الجامعيون لاهون يتجادلون حول: "كسرة ضمة، أو فتحة سكون". أما إذا توقّد فيهم الذكاء، وحاشا للذكاء منهم! فإنهم يتحاورون حول بحور الخليل، ويظنون أن بحور الخليل ملح وأمواج، فيكشفون عن مفاتنهم ويتنافسون سباحة، وأمهرهم سباحة يغرق في قطرة ندى.
      عجب، عجب، عجب، عجب!
                أيها المتعلمون، يا أصحاب الشهادات، ماذا تنتظرون؟
                أيها الشعراء والأدباء والرواة، ماذا تنتظرون؟
                أيها الرياضيون والمهندسون والأطباء، ماذا تنتظرون؟
                أيها الفلاسفة والمفكرون، ماذا تنتظرون؟
               هل تنتظرون من الناس أن ينقذوا وطنكم؟
              هل دارت الأيام وأصبح المتعلمون جهلة، والجهلة مثقفين!؟
               عجب، عجب، عجب، عجب، عجب، عجب!
      هل سمعتم آخر حديث؟ هل لكم آذان وتسمعون؟ إذا أبقت لكم الصواريخ والقنابل آذان، فاسمعوا: إن أول من يهرب أثناء الحرب هم العسكريون، العسكريون الضباط وليس الجنود: عقداء وعمداء وأعمدة... يهرب الضباط ويختبئون في أقبية المدارس وتحت انحناءات الأدراج. ولكن، بعدما تهدأ أوار الحرب، ترجع تلك النجوم... وتتصدّر المقاعد الأولى في الصفوف الأمامية.
    عجب...!
                                   




آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net