Tahawolat

حين تخرج اللغة من دائرة العقل والروح تصبح ملكاً لمن يتلقفها، ويصبح التأويل مشروعاً ومرتبطاً بثقافة المتلقي. هكذا تترجم الزميلة أمية درغام رؤيتها للكلمة التي تبصر النور على مساحة بيضاء.
تعتبر درغام أن الأفكار تستحق منا المحاولة كي لا تبقى أسيرة زمنها، لذلك ضمت خواطرها ومنحتنا خلاصة تجربتها على إيقاع الوتر في سعي منها لتخطي مرحلة "الخاطرة".
حملت بين سطورها كماً من الصور، لكن تبقى الحرية قضيتها الاساسية بمعاييرها الثقافية والانسانية، واللغة قيمة في مواجهة المؤامرة.. لكونها لا تُسقِط هذه النظرية من حساباتها، ومن قال إن القصيدة أو "الخاطرة" لا ترتبط بالسياسة؟
تشعبت المحاور وقد تعمدنا في لقائنا التعمق والخروج عن النص التقليدي والمألوف فكانت درغام الشاعرة المعجونة بتراب الكلام، والزميلة التي تدرك مفاصل الاستطراد لتثبت ثورتها.
من إشكالية "كانت لي وباتت لكم" بدأ حوارنا لتقول: "ما نكتبه يصبح لسوانا حين يخرج من ذاتنا للآخرين، الصورة التي نرسمها كشعراء أو ككتّاب يراها المتلقي بعين ثانية ترتبط به وبما يختزنه من إحساس، قد يكون إيقاع الموج على الصخور بعين القارئ وثقافته كإمرأة تلطم على صدرها، هو نوع من تفريغ لحزن ما يخص صاحبه".
لكن لماذا التركيز على الحزن؟ تجيب: "جنحت الى الحزن كمشهد وليس كحالة، عملي يضم بعض الحزن وأنا اخترت تقاسيم عود غير مغرقة في الحزن، ولكن من الممكن أن نخرج من الحزن الى فرح ما، حين أقول "تركت الحلق والعطر/ وتركت مشطي الخشب/ وتركت الولد.. من العفن والخبي طلعت" لو لم أخرج من حالة الحزن لما تمكنت من القيام بأي عمل، الحياة عبارة عن تجارب وتفاعل مع التفاصيل".
وتقرّ درغام أن التجربة فيها شيء من المخاطرة، وعن ذلك تقول: "تردّدت كثيراً قبل أن أنفذ "السي دي" خاصة أنه ضم خواطر عمرها 12 عاماً، وتجربتي في الكتابة اختلفت جداً عن تلك المرحلة، بات اللعب باللغة متعة بالنسبة لي الآن، لكني سعيت لفك عقدة قديمة وبدل أن أتركها تسير معي وتكبر أكثر لتعرقلني، فككتها لأتابع طريقي من دون عُقد".
وفي ما يتصل بالنقد الذي يعتبر أن خطوتك الأولى ناقصة، تقول: "سمعت الكثير، وقيل لي إني أغش الناس، بحجة أن من يتابعني الآن عبر وسائل التواصل الالكتروني لن يجد في عملي هذا ما يشبه نصي الذي يقرأه على هذه الصفحات الالكترونية. لكن هذا التفاعل المباشر ليس حلمي الفعلي ففيه شيء من انتهاك الخصوصية وإن لم تقبلي بهذا التواصل يمنحونك صفة الجفاء والتكبّر، لست من الذين يسعون للشهرة وأقدّس الشاعر الذي لا يعرف قراءه ولا يهتم يوماً إذا أحبوه أو لم يحبوه، هناك شعراء يصنعون القصيدة ولكنهم ليسوا تجاراً، وهناك تجار كلمة يبحثون عن وسائل دعائية للترويج. الإحساس يفوق اللغة وإن لم أشعر من المستحيل أن أكتب قصيدة. قد أكتب في الاطار المهني كصحافية، لكن كشاعرة يجب أن أخرج من دائرة الحدث وتدخل الصدمة الى عمق روحي وتلامس طبيعة لغتي من ثم أعبّر عن ذاتي بالقصيدة".
وتتابع في إطار متصل بمفهوم الصدمة: "أنا كنت أرى والدي إنساناً عادياً ولم أنظر إليه يوماً كقديس. وهكذا أردته في ذاكرتي وأردت أن أشبهه بحيث أخطئ مثله وأجرب وأتعلم من أخطائي، وكذلك جدتي التي كانت بنظر الناس قديسة، أما بنظري فهي الإنسانة العادية البسيطة، جميعنا نكذب على أنفسنا سعياً لنشبه محيطنا الذي يبرع في ادعاء المثالية. في ذاكرتي الأب الذي علمني أن الموت مرتبط بالحياة وحين اختاره كنت في وزارة الصحة أجهز الأوراق الخاصة بالمستشفى واتصلوا بي ليخبروني بضرورة العودة وعلمت أنه مات، لكني أكملت المعاملات لأني ابنته وهو ربّاني على الفلسفة الاجتماعية الروحية المادية التي لا تفصل بين جناحيها. من هنا شعرت أن انهياري سيكون بمثابة خيانة له ورفضت أن أخونه.. كل ما أردت قوله في قصيدتي أن الطبيعة البشرية لا تحتمل صفة الألوهية".
وللحب صورته المختلفة بين سطور درغام وعنه تقول: "الحب يشمل كل شيء، الآن في عمر التاسعة والثلاثين اكتشفت كيف أحبّ أمي بنوع مختلف وليس في الإطار الطبيعي المسلم به، منها تعلمت كيف أحلم وأفكر فلولا خيالها لما تغذّى خيالي، قد نختلف في بعض الأفكار، لكني بت أنظر اليها ككيان ولذلك كتبت في الإهداء اسمها ولم أقل أمي، لكنها بعقليتها التقليدية سألتني لِمَ لم أكتب "أمي" وأجبتها أني أرى كيانها وشخصيتها بعيداً عن كونها أمي البيولوجية. أعترف بأني أحب الحب بمفهومه العاطفي والدنيا بلا هذا الشعور لا معنى لها، حين أجد الشخص الذي سيقول عنه الناس حبيبي فهذا لأني أحب نفسي كما يراها، وهو بالمقابل يحب نفسه كما أراها، الحب أنانية غير مؤذية، الحبيب نراه كما نرسمه وأنا أرى أن الحب لا ينفصل عن العقل والقلب لا ينبض بعيداً عن الدماغ، الإحساس شيء عقلي، والعاطفة شيء عقلي، قد تختارين ما هو سيئ والسبب أن عقلك الباطني يريد هذا الخيار، ومن قال إن الأنا هي الخير.. يمكننا أن نحب نقيضنا ونجد فيه ما ينقص فينا بعيداً عن فرضية التكامل، لكوننا قادرين على العيش وحدنا رغم كل شيء، في النهاية أنا أبحث عن ذاتي من خلال معرفتي ما أريده في الحياة، وما في داخلي من عاطفة سواء كان إلى جانبي حبيب أم لم يكن".
وتضيف: "أنا لا ألوم الرجل في خواطري، ولعلي اخترت السيئ، لكن الإشكالية تكمن في عدم تقبل الكثيرين جرأتك في التعبير عن مشاعرك كأنثى، فحين تفعلين ذلك يعتبرك البعض أنك امرأة متاحة للسرير، لا أدري لماذا يحق للرجل أن يكتب عن مشاعره ومشاعر الانثى كما يحلو له ولكن من المرفوض أن تكتب هي عن مشاعرها الجسدية من دون أي كلمة مبتذلة. أنا ضد الابتذال والإباحية ويمكنني أن أكتب ما أشعر به بإطار راقٍ. لكن للأسف كثيراً ما فُهِمت خطأ لأنه من غير المسموح أن أفعل ذلك وإلا سيُقال أني خارج السرب ولكن لا أعلم أيّ سرب".
وترى درغام ان اللغة باتت في خطر، فتقول: "أرى أن اللغة باتت في خطر ولذة الانتظار تهشمت، كشعوب عربية بتنا نركض خلف لقمة العيش لذلك حصدنا لقب "أمة لا تقرأ" لأننا لا نملك القدرة على شراء الكتاب والأولويات اختلفت. نحن لسنا مواطنين بل مستهلكون ضمن نظام عالمي تسعى الشركات الكبرى فيه لبيع منتجاتها فتلعب على الدماغ وتسوّق بشكل متقن ما تريده، من هنا أجزم أني مع نظرية المؤامرة بل المؤامرات، في السابق كنا نشير الى نظرية المؤامرة وكان كلامنا موضع تقدير واحترام وبالفعل هي مؤامرة.. فلسطين تم الاستيلاء عليها جراء مؤامرة ولما تزل مستمرة على كل شيء، ولكن اليوم هذا الطرح مرفوض حتى ضمن الوسط الذي يصف نفسه بالمثقف، وبمجرد قولك إن نظرية المؤامرة قائمة تصبح لغتك خشبية بنظر من حولك. برأيي لا شيء يلغي هذه النظرية وكل دولة عظمى تسعى لتمدّد نفوذها، أميركا حين دخلت إلى العراق حمت وزارة النفط، وفتحت المجال بطريقة منظمة لتدمير الآثار العراقية التي هي أول حضارة في التاريخ، معبرة عن حقد تاريخي منذ زمن نبوخذ نصر وسبي اليهود من بابل.. نحن اليوم نفقد لغتنا وباتت اللغة العالمية الوحيدة هي الانكليزية، هم يدمرون القيم كافة حتى قيَم شعبهم. حتى الدين يأخذون منه المقدس ويقنعونك بأنك تجاهدين في سبيل الله والدين، وللأسف حين يغيب الوعي وينتشر الجهل يصبح القتل هو المقياس حتى بين أهل البلد الواحد".
بعين المدرك لحقيقة المشهد ترى درغام أن ما يعيشه العالم العربي لا علاقة له بالربيع فتقول: "جميعنا نريد الحرية ونرفض الظلم، لكن علينا أن نفكر من الذي يسعى لسرقة هذا الحلم، ما نشهده في عالمنا العربي لا يرتبط بالربيع، هو خريف مرتسم ومستمر، الجميع اعتبر أن تونس انتفضت بعد حريق أبو عزيزي، ولكن هل فكر أحد ما الذي كان يفعله الغرب قبل ثلاثة أشهر من خلال الإعلام المنظم الذي بات يضيء على ثروة زين العابدين بن علي؟ حين ننظر إلى المشهد بوعي ندرك كيف كرّت السبحة بشكل يخدم مصالح الدول العظمى ويريح إسرائيل ويضمن أمنها. هذه الدولة المغتصبة التي أخذت أرضاً من أهلها تحت ذريعة الهولوكوست وبكذبة دينية كبيرة".
أما ماذا بعد "كيفني"؟ تجيب أمية: "هناك رواية أكتبها ولم تكتمل بعد، ومجموعة شعرية عنوانها المبدئي "وسادة من تراب" تتضمّن الفرح والحب الذي يحتويه تراب قريتي الأحمر الذي أسعى إليه أينما ذهبت. وربما أصل الى مرحلة تقف عندي التجربة، لا أدري".
وتختم بالاشارة الى غياب النقد في ظل المحسوبيات والتكاذب الاجتماعي، والزمن وحده يحدد قيمة أي تجربة.
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net