Tahawolat


كخطأ طبي مكرر، دائم ومستمر، يبدو أداء الثقافات العربية، في استقراره وإستمراره وتكراره وإصراره، حتى بدت وكأنها تفسد ما تلامسه عمداً أو عن غير قصد، ولما تزل توغل في تشاوفها وعنجهيتها المعلومية، خالطة بين أصناف المعلومات عبر فتح مجاري سياقاتها «المعرفية » الاختصاصية على بعضها منتجة خلطة ذات قداسة مستلفة، تحميها الشعارات الإيمانية الخيرية، في جو من الثقة المضللة بالنفس، واهمة بأنه لن يصح إلا الصحيح، والصحيح هي، لأنها وببساطة على حق. نابشة مظلومية تكتسب إعلانيتها من ماضٍ تقسره على الاستمرار في توليفة تلفيقية بين المعلومات، محجمة في الوقت نفسه عن تحويلها الى معارف، كوعد مؤجل الى حين إحقاق الحق، واضعة مفهوماً مبتكراً للاستراتيجيا على أنها تحريف لغوي غربي لما هو مؤجل من الاستحقاقات.
 
لا يبدو الخطأ الطبي مشكلة في حد ذاته، بل المشكلة في الذهنية العنيدة التي أنتجتها «ثقافة » تقديسية، استقطابية ذات فوضى معرفية فوارة بالحماسة لانتصار حق مفترض على باطل من الصعب إثباته معرفياً، ما ينتج معارك وهمية لا سبيل لإنهائها في المدى المنظور للعقل فتصبح «استراتيجية » بالمعنى الآنف، ويعود الجهاد لإحقاق الحق للبدء من الصفر.
 
انطلاقاً من بدائية معرفية تبسيطية وهلامية وخارجة عن السياقات الاختصاصية للعلم والمعرفة ايضاً، لتتسبب هذه الثقافة في قذف شعوبها )مستهلكيها( الى خارج الزمان وإنجازاته، ليسيل الزمن متبدداً في بحور الفخر والانتظار، بينما التنافس الإنتاجي قابع على «الثغور .»
 
هنا تبدأ معارك الهوية، والقومية، واللغة،والخصوصية، والتراث، والأصالة، والعالمانية،والغزو الثقافي الغربي، والتحرر الجنسي، والإعام، والاتصالات والخ، وكلها معارك بدئية هلامية، وكلها مسائل وصل العالم فيها الى نتائج اختبارية معرفية، لا تحتاج الى إعادة تجريب وصياغة للوصول الى العمليات او الأداءات المنتجة للحضور والاستمرار.
هنا يبدو الخطأ الطبي كدراما مؤلمة من حركتين. الأولى: هي العلم المسبق به، بسبب علانية العلم وعموميته، والثانية: هي الإصرار على ممارسته بالرغم من وضوح نتائجه مسبقاً، فليس من الثقافة في شيء، إذا علمنا أن السم يسمم، ولكنه من الثقافة جداً ان نتناوله، وهنا يبدو توصيف هذه الثقافة متيسراً وواضحاً حتى لغير ذي لب، فعلى ماذا كل هذا التفاخر والشعور بالتفوق والخصوصية والتمايز؟ إنها نوعية الثقافة التي يمكن وصفها بيسر بأنها مستقرة في مرحلة ما قبل مجتمعية، ولما تزل تفشل في تكرار كوميدي في توليد مجتمعاتها، وحتى يومنا
هذا يمتشق إداريو الثقافة ألسنتهم الفصيحة للذود عن أنقاض يصرّون أنها ذات قيمة عليا، فإذا كان أهل الأرض لا يعرفون قيمتها.. ففي السماء لها كل القيمة، وهنا تبدو الاستراتيجيا في أبهى صورها«المعرفية .»
 
العلم المسبق بالخطأ الطبي والإقدام عليه هو ثقافة حقيقية، ولكنها بمقام جريمة، لأنها تعبير عن رفض- وفقط رفض - الإنجاز الإنساني من موقف عنصري واضح وجزافي وعلى سبيل الاستقطاب العبثي)المجاكرة(، لتبدو الشعوب وهي تستخدم وتمارس هذه الثقافة في «برادوكس » وذهول تحشيشي وقح، حيث يبدو وكأن عطباً في الجينات الثقافية تتوارثه الأداءات الثقافية، مع تطوير في ماكينات )بالمعنى المشخص(نشره وتوزيعه، وهكذا يتحوّل الأنترنت الى ماكينة يحق استخدامها في تعلم وتعليم القتل، لأنه هو نفسه الأنترنت( مجرم، ومذنب كونه يبث افلاماً جنسية مثاً، لتصبح المجاكرة المحور المفهومي الوحيد الذي تدور عليه ثقافة كهذه، ناهيك عن تعاكس مفهومي المقاطعة والحاجة، التي تبيح لما قبل المجتمعي لاستخدام منجزات المجتمعي، إما بمبرر التسخير أو بذريعة السبي او الغنيمة أثناء الرد على الغزو بغزو انتقامي «محق ». ثقافة كهذه لا تنفع مع الحياة... خصوصاً مع الإصرار على تكرار هذا الخطأ الطبي والإيغال به عن سابق إصرار ومعرفة به، لا بل تمنيه والتحضير له بكل عناد ثقافي، وكأن، وعلى سبيل المثال، مئة وخمسين عاماً من التنبيه والفضح والإشارة الى الخطأ الكارثي المسمى طائفية، والذي يمنع توليد المجتمع )ليس أقل من ذلك( من الحراك الثقافي البشري، وعلى الرغم من قناعة الجميع بذلك، كأنها لم تكف ولم تقنع، ولما تزل هذه الثقافات متوحدة على الطائفية وإنتاجها وتغذيتها ومسؤولة عن استمراريتها طرداً لفكرة المجتمع المتحرك المنتج المنافس على البقاء والاستمرار، لم تكف؟ لأن ثقافة كهذه مصرة على توليد مجتمع على أسس غير التي أرساها العلم والمعرفة وأرستها التجربة العملية للشعوب في أرجاء الأرض، لا بل ما زالت هذه الثقافة
مصرة على تفكيك وإنهاء ما أنجزته شعوب عديدة من تجربة توليد مجتمعاتها وإلحاقها بركبها الثقافي، الذي أنتج فخر منتجاته... الطائفية، وما عليهم )في حال نجاحها( إلا الانتظار لبضعة قرون لحصد نتائجها الباهرة، بينما العالم لم يستقر على ثقافة معرفية بعد!!!! لآ يبدو الخطأ الطبي سهل الإصاح، فالفناء كما الموت لآ يمكن الرجعة فيه، والفناء الاجتماعي هو أقل ما يمكن تحقيقه من ممارسة ثقافية كهذه.. وهنا لا نقصد قبيلتي عاد أو ثمود، بل نقصد تلك الحالة الإنتاجية التنافسية التي تصنع الهوية واللغة، وتقدم المجتمع كهيئة إنسانية فاعلة ومشاركة في مصير البشرية جمعاء، أما ثقافة إفنائية منتجة للدم والأحقاد كهذه فعليها النظر في مرآتها، مشخصة أمراضها بصراحة، من دون مسايرة او مواربة أو تخفيف من حدة الصدمة، حتى ولو كانت صادمة أو مؤلمة، فالمصاب بالسرطان هو مصاب به، وليس مبتلياً به، وليس من مؤامرة عليه، ولا تمكن مجاملته على أنه مصاب بالقرحة مثا لأنه مهم أو جميل، ولا يمكن التعامل معه كواقع مفروض، ولا اتخاذ الإجراءات على رأي الأغلبية او الأكثرية من دون مقاييس اختصاصية، للخطأ والصواب، أو للمفيد والضار، فالأمراض ليست حقاً أو باطاً، وليست عاراً أو فخراً، والاعتراف بها ليس جلداً للذات، ولا تدلياً لها.. إنها ببساطة تحتاج الى عاج ورعاية.. وبداية العاج – كل عاج – هو العلم بالمرض والاعتراف به، للوصول الى «معرفة » العاج وأساليبه وطرقه وأدواته، وهذه ايضاً لا تحتاج إلى أوهام الفخر والعزة
والأصالة.. والخ.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net