Tahawolat
يعاني واقعنا اليوم مختلف الأزمات الاجتماعيَّة والإنسانيَّة والفكريَّة الَّتي باتت تتمدّد وتترنّح وتتراكم، من دون أن يكون لعلاجها منفذ وسبيل، بالنّظر إلى الضَّوابط الكليَّة الحاكمة لهذا الواقع، والّتي ينتج منها ما ينتج من أزمات، باتت تندرج في دائرة التّوصيف المملّ من الجميع.
 
وأضحى السّباق فيمن يوصّف أكثر، وكأنّه هو من يملك الحقّ والحقيقة، ناسين أو متناسين أنَّ اقتراح الحلول هو من يعطي للدّور الإنسانيّ والحضاريّ هويّته الأصيلة المتجذّرة الَّتي تحاول رفع الهموم، ومقارعة الأزمات، أو على الأقلّ محاصرتها، والتّخفيف منها، وهو ما يُعطي أيضاً البعد الحقيقيّ لشخصيّة الإنسان المتَّزنة المنتمية إلى واقعها المعيش، الباحثة على الدّوام عن حلول مفترضة في دائرتها، ليكون الخلق والإبداع والسّير الحضاريّ البنّاء في بنى المجتمعات وإحيائها.
 
وبالعودة إلى الضَّوابط الحاكمة واقعنا، فمن جهة، هناك هيمنة لاستحضار سلوك أو فهم دينيّ ناقص وغير ناضج تماماً، وتحكيمه على ممارساتنا الاجتماعيّة والإنسانيّة، فتختلط الأمور وتتشابه، فأيّ تصرّف أو موقف مسيء، يُنسب مباشرة إلى الدّين، ويتسبَّب بشرخ كبير بين الدّين والإنسان، حتَّى باتت نظرة الإنسان إلى الدّين، نظرة العاجز والخاذل له على الدّوام. ولمصالح آنيّة وظروف خاصّة، تزدحم المنافسة على استغلال الدّين لإدارة الأزمات باسمه، حفاظاً على نظام الوصاية الّتي تتيح لأصحابها بقاءهم مدّة أطول، والاستزادة قدر الإمكان من مظاهر الجاه والسّلطة، ويبقى التّبرير والتّوصيف قائماً دون اقتراح الحلول من هؤلاء، فهذا يبيّن الموقف.
 
ومن جهةٍ أخرى، من المفترض أن تكون الممارسات الفكريَّة والاجتماعيَّة والإنسانيَّة النابعة من صميم رؤية أخلاقيّة معبّرة عن تطلّعات النّاس وهمومهم وآمالهم هي الحاكمة، ولكنّ للأخلاق عامّةً معياراً شبه مفقود عن كلّ ما يصيب الواقع الّذي ينبغي عمليّاً أن يكون ساحةً لتجسيد السّعادة الدّنيويّة للإنسان وتحقيقها، كمقدّمة لتربيته وتأصيله بمسؤوليّاته ودوره، استعداداً لسعادته الموعودة في الآخرة.
 
هل أصبح التّسامح كقيمة إنسانيَّة ودينيَّة واضحة وصريحة، يمثّل تعدّياً على الفهم الدّينيّ المشلول والمريض، بحيث أضحى غائباً كلّياً عن كلّ الموازين والحسابات، ويُستحضر لإطفاء النّار عندما يريد أصحابها ألا تتّسع دائرتها أكثر، بدل أن يكون أداةً لتنظيم كلّ الاختلافات، وتنظيم العلاقات الّتي صارت فاضحةً كليّاً لنظام المنافع والحسابات المدمرّة على حساب الفعل الإنساني الواعي والإيجابي والبنّاء؟
 
واليوم، تبقى الشخصيَّة اللاعب الأكبر في إزالة عناصر القلق والتوتّر، ولكنّها تعيش حالة اللاتوازن والتّأرجح، نتيجة ارتباطها الشّكليّ بقيم ومفاهيم وظَّفتها تراكمات زمنيَّة لخدمة انفعالاتها ومشاريعها الآنيَّة على حساب الأهداف الكبرى، فلم يكن هذا الارتباط فعليّاً وعميقاً، وافتقدت الشّخصيّة دورها، وحسّ تحمّل المسؤوليّة، وبالتّالي، فإنّ محاكاتها الظرفيّة والعاجزة لقيمها ومفاهيمها، ينعكس على الواقع عجزاً وتأرجحاً في التّعاطي مع الأزمات، بانتظار حلولٍ غائبة تنتظر حسّاً إنسانيّاً مسؤولاً مُغيّباً.


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net