Tahawolat
"أم المعارك"، "مالئة الشعر وشاغلة الصحافة"... هي تعبير لمسمّى واحد خاض حرباً لربع قرن بسبب التباس اسم، فبنى اسمه بلمعة الكلمة وعرق المحاكم... ورغم هذا يعرض على من خاصمتها شراء الاسم إن كانت تحتمل عبء صفقة العمر.. فبين الألف والتاء المربوطة يبدو ان سجالاً لا ينتهي..
حاربت أدباً يتسلل إسرائيلياً إلينا وإلى ثقافتنا مغتصباً مناعة، محاولاً جعل الأمر المفعول مسلمة وحقيقة وجود، فحاربها الكثيرون مبررين سطوة السائد في غفلة عقل ناقد...
كانت إحدى عشر شخصيات أولى في الشرق الأوسط في استفتاء مجلة إيوان للعام 2012، هي من ترى ان كل الأعالي ظلها..
الشاعرة والإعلامية والناقدة غادا فؤاد السمان في حوار مع "تحولات".. هنا نصه.
 
  1-  غادا فؤاد السمان شاعرة وناثرة استطاعت أن تترك بصمة مميزة في الأدب العربي الحديث، أظنّ أن الكثير من القراء يجهلون طفولة غادا، وبداياتها الأولى مع الكلمة والكتابة، حدثيني عن تلك البدايات، مَن أشعل فيك جمرة الأدب، ومَن رعاها، وما هي أهم الكتب والكتاب الذين استفزّوا فيك هذا العشق للكلمة؟
·  الكلمة نمط وأسلوب حياة صالح للممارسة المستمرة، لا يتوقف تركيب الكلام عند حدّ، فهو الشراع المفتوح منذ الأزل وإلى الأبد، بالكلمة نعرف الخالق، وبالكلمة نعارضه، بالكلمة نعرف ذواتنا، وبها نتلاشى، بالكلمة نُدين أنفسنا وبالكلمة نخلّدها، إذاً الكلمة مفتاح الوجود، ومفتاح ما بعده، هكذا أدركتها في سنّ مبكرة، وهكذا امتهنتها دون تردد، الكلمة لا تحتاج إلى معلم، بقدر ما تحتاج إلى تجربة وجرأة وإصرار واستمرار وخبرة، طفولتي لم تنتهِ هناك عند حافة عمر معيّن، هي ترافقني أينما كنت، وأحياناً تنقلب عليّ عندما تتدخّل الأمّ، أو الناضجة، المتعبة، الوقور، الغارقة في الهمّ الذي لا يخبو، والمسؤوليات الضارية من الجهات الأربع، وأكثر ما أحرص عليه هو إتاحة الفرصة لحضور الطفلة التي تسكنني، ولا شيء يضمن وجودها غير الكلمة، وسيلتها الدائمة للسخط، للغضب، للنقمة، تماماً كما للحبّ، للوداعة، والعذوبة، أهم الكتب التي بدأت معها، كتب الله.. القرآن الكريم، عندما قرأت قصة يوسف، وسورة مريم، والكتاب المقدّس الذي عرفته بنشيد الأنشاد، وأيضاً البعض من مزامير موسى.
 
2- كيف ترين المشهد الشعري النسوي في العالم العربي؟ وهل هناك ثمة قصيدة نسوية، إن جاز التعبير؟
·  الخريطة الشعرية لم تعد تحدّها حدود، فقد اندلقت محبرة البوح وفاضت وامتدّت، وصارت الكتابة كما الغناء سمة العصر، الجميع يكتب والجميع يغني، والعلامات الفارقة بلا ملامح، فلم يعُد من السهل، الاستماع والاستمتاع في آن، نحن في عصر أجهزة التحكّم التي سلبتنا
الشهقة والدهشة، ولم تكسبنا سوى التكرار والتكرار والتكرار، ففي غمرة الطوفان، لا أحد يلتفت لشيء، ونحن اليوم في عزّ الطوفان، وكلّ كاتب فينا أو كاتبة تقول: اللهم أسألك حبري.
 
2-  قرأت مقولة للدكتور مروان فارس  تقول إن  جملة غادا الشعرية تعتمد على السياق الفلسفي ماذا يعني بذلك؟
لا أخفيك قلّة من اكتشفوا هذه "السوسة" سوسة الفلسفة التي تنخر أدقّ تفاصيل المواقف على اختلاف أبعادها سواء أكانت شيئاً يُذكر، أو بالكاد، كلّ شيء قابل للمساءلة، وكلّ شيء خاضع للتفسير والتأويل تماماً، كما الحلم بالنسبة لي هو الواقع، أكثر الأمور بساطة وسهولة أخضعها لعمليات مختلفة من التعقيد حتى تتبدّى لي من فضاء آخر، مختلف، غير مألوف، الأشياء المتشابهة تصيبني بالملل والسأم والنفور، لهذا أُضطّر للانقلاب على كلّ شيء، حتى على نفسي إذا راودتها
التهدِئة، الكتابة ثورة متواصلة على كلّ شيء، وأجمل ما في هذه المفردة، نزاهتها ونظافتها، وفاعليتها، وانعكاساتها الإيجابية، على الجملة العصبية أولاً وعلى ما حولها من محيط حيوي قابل للاشتعال بنورانية الحالة، والاشتغال بموجباتها ومبرراتها المختلفة والمتداخلة والمتفاوتة بعوامل وحيثيات لا عدّ لها ولا حصر، وهنا السؤال هل فقط الفلسفة هي نطفة الخلق الإبداعي الأولى، أم كما أشار الناقد الكبير الدكتور حنّا عبود إلى النزعة "الحكميّة" التي تستلّها لغتي من غمد الواقع..! لا أحد يجزم بشيء سوى الزمن والوقت.
 
4- حربٌ شعواء واجهتِها من أقلام اتهمتكِ باستغلال اسم الأديبة غادة السمان، كيف تعاملتِ مع تلك الحرب؟
تركتُ قافلتي تسير... وأهديتُ الاستغلال لمن "يتبجّح" أكثر، فهل يُعقل أن أمضي ربع قرن من الاستغلال؟ وإذا كانت صاحبة العصمة مع "المتبجّحين" الأفاضل صادقة في ما ترمي إليه فها أنا أعلنها عبر منبركم وللمرة الأولى، لتشتري مني الاسم إذا كانت تعتقد أني أستغلّه، وتنازلي لن يكون مجانيّاً، فلطالما اتّهمت بالاستغلال، فليكن ملموساً، وليس مدسوساً وحسب.
 
5- يقال إن النقد لا يواكب التجربة الإبداعية هل أنصفكِ النقد كشاعرة؟
·  بالتأكيد أنصفني النقد، فقد كتب عن تجربة غادا فؤاد السمّان، أكثر مما كتب عن كبار الأدباء والمبدعين، حتى أنهم مثلي تعرّضوا للاستهجان والاستنكار مراراً في مقالات لم تستطع "سواي" أن تصمت أو أن تمرّر أسماءهم دون أن تكتب في محطات كثيرة تعبّر عن استياءاتها المتكررة.
 
7- هناك كتاب وأدباء يكتبون الرواية أو القصة أو الشعر  وفقاً لطبيعتها الأدبية ووجود الحس الإبداعي لديهم وهؤلاء لهم قاعدة جماهيرية، ولكن بالمقابل هناك كتاب وكاتبات ليسوا أدباء في الأساس بل تعاملوا مع هذا النسق الأدبي كوسيلة تعبير!! هل ترين أن طريقة تعاملهم مع هذا النسق كانت فنية أم مجرد تنفيس كتابي لا علاقه له بالأدب كفن أم كتسلية فقط؟ هل ترين إنه عمل مهني أم يقوم على العشوائية، وهل هذا بالفعل ما يطلبه الجمهور؟
 
لا أضع نفسي موضع المراقب لما يدور في فلك الآخرين، ولا أتابع "بورصة" الشلليات الضارية التي فتكت بالثقافة والإبداع والأدب وأهلهم، أقرأ كثيراً، أو قليلاً فهذا هوىً ذاتي، أتنشّقه وفق استطاعتي، وقليلة جداً هي النصوص التي أضْرمُ على شرفها جذوة انتباهي وأولم لأجلها كامل مشاعري وأحاسيسي.
 
8- هناك شعراء  تختفي أعمالهم الجميلة بسبب طغيان قصائد متواضعة فنياً، ولكنها مثيرة جنسياً أو سياسياً ما رأيك؟
إذا كانت النرجسية والغرور والأنا دين بعض الشعراء ومعتقدهم الخالد، فالجنس ديدنهم في العصر الحالي، وثيقتهم السرية لبلوغ هيكل التكليف والانطلاق نحو النجومية والشهرة، وخاصّة الأنثى التي تعمّدت بالحبر، فكلما خرجت من عفافها وكلّما أوغلت في فحشائها ضمنت العالمية بلا تلكؤ أو تعثّر أو صعوبات، بل ستفتح أمامها كلّ الدهاليز التي تلبي طموحاتها وأكثر، 
لتبقى الحقيقة الماثلة أمام النُدرة أنّ الخيبة وحدها هي وسام استحقاق القابضين على الجمر، وأنا منهم.
 
9- تنبع أهميّة الدراسة التي قدّمتها في كتاب يحمل عنوان «إسرائيليات بأقلام عربية/ الدّس الصهيونيّ»، والذي يُناقش نصوص أدباء الأرض المحتلّة كمحمود درويش وفدوى طوقان، وأعمال لأدباء عرب كأحلام مستغانمي، قمت بتناولها بتحليل دقيق، إلا إنكِ لم تسلمي من بعض النقاد الذين اعتبروكِ تهاجمين رموزاً قومية.. ماذا تقولين؟
قلتُ الكثير ولم ينفع الكلام، لأنهم أدخلوا في جماجمهم المحدودة فكرة واحدة لا أكثر، أنّ هؤلاء الكبار، قاماتهم برسم العرض والاستعراض المتواصل فقط، ومنع سِيَرهُم من التداول، وتداولي كما ترجموه وحسب تصوراتهم هو تطاول فادح، وكان لا بدّ من القصاص، ولم يقصروا، فقد وضعوني في اعتبارهم قيد التصفية المعنوية، وهذا ما حصل، فقد أحكموا دائرة التعتيم حولي، وحاصروني حصاراً مستيمتاً طال لقمة عيشي، ورموني خلف الهوامش، لكنّ مفردتي وإرادتي أكبر وأمتن من جميع محاولاتهم، وإيماني بذاتي وبموزع الأرزاق لا يثنيها عن عزيمتها عظيم المحاولات...
 
 
10- هل تكتبين مستعينة برؤية جمالية مسبقة أم أن الأدب هو دائماً رحلة إلى المجهول؟
·  كوني ابنة عاصمة كبيرة وقديمة ونائية كدمشق، وأقيم في بيروت العاصمة الصغيرة المتنوعة المتناقضة وأحبّها كوطن مستعار منذ أكثر من عشرين عاماً، أعتبر نفسي كائناً شبه مشلول، حبيس الجدران الأربعة على الدوام، ومعظم دروبي محفوفة بالإسفلت، يعني الطبيعة لم تتدخّل في جملتي الشعرية، لأنني لستُ على تماس معها، ومن هنا أسلمت نفسي لما أسميته المجهول، ورحتُ أجوب الطبيعة البشرية، في أفعالها وأقوالها وأعمالها، ومن هنا بدأت حرفة الكتابة لتحريف السخافات عن مساراتها الإلزامية، والانحراف عن سذاجات الأكوان المحيطة السابحة عبر فضاءاتها، غصباً عن أمزجتنا العصية على الترويض والمواكبة.
 
11- لمَن تكتب غادا؟ لنفسها أم للآخر؟
·  بالتأكيد القارئ الأول هو أنا، وأنا قارئ نهم، أمام صفحاتي، والأمر يتعدى الرغبة، فالنصّ هو مرآتي الحقيقية التي أرى نفسي من خلالها، بالطقوس الممكنة كاملة، وبالملامح الراسخة والمستجدة والطارئة أحياناً كافة، والآخر إن وُجِدْ فهو تحصيل حاصل لا أكثر.
 
12- ما رأيك بدور الإنترنت في استقطاب أسماء أدبية مهمة عدة وهل ساهم فعلاً في تغير الكتابة؟
·  لا زلنا في طور التكوين، بمعنى أننا في خضمّ عصر التقانة الحديثة، ونحن مجتمعات استهلاكية بجدارة، نتقبّل جميع الوافد إلينا، ومعظم الوافد لا يحمل نواياه الإيجابية دوماً، فلو كنا مجتمعات جاهزة ومستعدة بشكل علمي محضّر وممنهج لكنا أقرب إلى الإنتاج منا إلى الاستهلاك، وكنا ساهمنا في عملية التصدير لا الاستيراد المتواصل. نحن عالة على أنفسنا، وما يتراكم من تطور سريع يصيبنا بالعطب الروحي الذي كنا نتباهى ونزهو به، كامتياز حصري لا يطاله الغرب، لهذا فقدنا قدرتنا وسحرنا وبتنا كائنات تصلح للعبث العالمي في مصيرنا ومسارنا وحتى ساعة موتنا، والانترنت وسيلة من وسائل السطو على الفكر والوقت وحتى السلوكيات، والحديث هنا يحتاج لمساحة تضاهي ما سبق.
 
13- ماذا تقولين عن دور المثقف العربي في صناعة الأحداث في منطقته، خصوصاً بأن العالم العربي يمرّ بصياغة تاريخية جديدة في صناعة الثورات؟
 
·  المثقف العربي وأنا معه، وقعنا في فخّ التهويم، والتنظير الأجوف، والمغالطات المميتة، الثورة شرف ومبدأ وعزم وعقيدة وقيادة، وثوراتنا العربية، تفتقد إلى الرأس، ولكونها حصيلة لمجموعة "أذناب" تعكس رغبات الغرب الدجّال والمستعربين بالهوية لا الهوى، فهي مكيدة ومطبّ ودمار للمنطقة الأكثر إشراقاً وتطوراً وتقدماً وصدارة في العالم العربي، وما يحصل في سوريا لا يمتّ إلى الثورة بصلة، فالثورة كرامة شعب، لا تشريد وتذليلاً ونكبة، ومن يقول: النظام السوري وحده المسؤول، "وأنا لستُ مع النظام"، أقول له: وبكلّ ثقة،
لا شكّ في أنّ النظام السوري أخطأ أخطاء فادحة، بلعبةِ المفاضلة بين المتحازب معه، والمستقلّ عنه، لكنّ أن يصل الوضع إلى انتهاك حرمة الشعب والأرض، هو الذل بعينه، وكلّ من لم يرتقِ ذهنه لاستشراف الصورة الحالية، وأراد أن يجرّب، ليعلم ويدّعي أن قد تفاجأ مما يحصل اليوم، فهو مجرّد أحمق بمنتهى السذاجة والغباء.
 
14- إنجازاتك المستقبلية ما هي؟
·  تقوم دار فضاءات ـ عمّان للطباعة والنشر والتوزيع مشكورة بجمع مقالات عدة لي منشورة في صحف ومجلات عدة ومتوفرة على محركات البحث، بجمع معظمها، ونشره في كتاب خاص، وهو التعاون الثاني بعد "كلّ الأعالي ظلّي"، والذي كان من المفروض أن ننجزه أنا وصاحب دار فضاءات الشاعر جهاد أبو حشيش خلال معرض الكتاب الدولي اللبناني 2012، لكنّ الغيبوبة الطوعية التي أستسلم لها بين آونة وأخرى، والعزلة التي ضربتُ طوقها حولي دون تردد منذ سنوات، جعلتني أنأى بطموحاتي كافة إلى المغيب واللامبالاة، إلا أنني أنتظر اللحظة الخارجة عن مزاجيتي الصعبة، لأنهض من جديد وأتابع بجدارة بحثاً عن الجدوى بيقين المحارب ولو بعد حين.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net