Tahawolat

بين فرانسيس فوكوياما وصموئيل هنتنغتون تقاطعات كبرى تحاول القوى الدولية الكبرى التأسيس لها في الواقع المعاصر حول العالم، ففي التسعينيات من القرن الماضي أطلق فوكوياما نظرية نهاية التاريخ نسف فيه المنهج التاريخي القائم في قراءة الأحداث والتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية على مستوى العالم، وفي العام 1993 أشعل هنتنغتون نقاشاً مستعراً حول العالم في العلاقات الدولية بنشره في مجلة فورين أفيرز العلاقات الخارجية مقالاً شديد الأهمية والتأثير بعنوان صراع الحضارات، أعاد صياغتها لاحقاً في كتابه «صراع الحضارات »
واعادة صياغة النظام العالمي، وقد عرض وجهة نظره التي تتمحور حول واقع أن صراعات ما بعد الحرب الباردة ستكون على أسس ثقافية وعقائدية)غالباً وفق نظريته طبعاً( ) حضارية، مثل الحضارات الغربية، الاسامية، الصينية، الهندوسية، ...الخ(.ما يهمنا من كل هذا، يتركز على أن النظريتين شكلتا الأساس العقائدي لشرعنة العدوان الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية على الصين وروسيا ودول العالم التي وقعت تحت «العين » الأميركية بغية اطاق المشروع الأمبراطوري الأميركي الذي نشهد اليوم احدى أعنف حلقاته وأكثرها مأساوية ...
«صراع الحضارات « ،» نهاية التاريخ « ،» الفوضى الخلاقة « ،» مكافحة الارهاب « ،» اشاعة الديمقراطية » هي العناوين التي تم تسويقها على مدى العقود الأخيرة لتبرير النزعة العدوانية، وأحام السيطرة«الأمبراطورية » –بالمناسبة المتهالكة- ذلك أن من يقرأ التاريخ ويتعمق في فهم واقع الدول، يدرك أن الولايات المتحدة الأميركية امبراطورية آيلة الى السقوط والتفكك والانحال في المدى المتوسط والطويل الأمد المنظور وغير المنظور...
 
«الفوضى « التي يعيشها العالم ومن ضمنها منطقتنا ودولنا وأمتنا هي الواقع الذي نتحرك في سياقه اليوم، هي فوضى الصراعات «المفتوحة » على احتمالات وسياقات ومندرجات لا حصر لها... هذه الفوضى التي نظّر لها اللاعبون الدوليون الكبار....لن يكون أحد بمنأى عن تداعياتها وتأثيراتها.... لأنها أصبحت خارج السيطرة....
ولعل ما يشهده عالمنا العربي وبلادنا بالأخص من حراك – بمعزل عن مشروعية ومبررات وجوده الأصلي- يدخل في سياق اشاعة الفوضى وتحقيق الانشطارات العامودية في قلب مجتمعاتنا، بغية ادخالها في أنفاق التناحر والتقاتل الداخلي، وصولاً الى التدمير الذاتي «الممنهج » في قلب نظرية الفوضى...
ثمة بعدان أساسيان، البعد المتعلق بأهداف السيطرة السياسية – الاقتصادية ل «أمبراطورية العم سام » وأذنابها الدوليين على مقدرات وثروات وطاقات لا بد من وضع اليد عليها بالفوضى أولاً، بالحرب ثانياً أو بالعكس، وأما البعد الثاني، فله علاقة بواقع«المؤامرة » وليس كما يدعي مطلقو مصطلح «اللغة الخشبية « » نظرية المؤامرة »، ذلك أن المؤامرة هي نظرية وتطبيقات وأدوات وخطط وظروف مؤاتية نشهد تداعياتها في كل جانب من جوانب الواقع الحي الذي نحياه....
هذا البعد الثاني له علاقة بواقع من نوع أخر، هو واقع قدرة قوى الضغط الصهيوني في دول المنشأ على قيادة هذه العملية المركبة والمعقدة على مدى العالم وفي بلادنا بشكل أخص بما يخدم حماية «الكيان المسخ » كيان الاحتال الصهيوني على أرض فلسطين...
هذا هو السياق الفعلي لما تشهده بلادنا من صراعات من الشام، الى العراق الى فلسطين مروراً –بطبيعة الحال- بلبنان هذا الكيان الهجين بما يحمل من
تشوهات «الولادة القيصرية » منذ العام 1920 ، وما تم زرعه في هذا الجزء من جسد الوطن من جينات ذات طبيعة انشطارية قبل ذلك التاريخ بزمن بعيد... ما أردت قوله، وبما أن سياقات «الفوضى » لا سياقات لها، وبما أن طابع المرحلة هو انعدام الوزن، في سياق
 
الصراع المحتدم على استعادة الوزن أو ضياعه نهائياً.. . وبما أن فضاء «الفوضى » واسع ورحب، فالفرصة الحقيقية المتاحة أمام القوى الحية في مجتمعنا هي استنهاض اضافي في هذا الوقت المستقطع من زمن الضياع، وحشد الطاقات والامكانيات والجهود
على تنوع أصحابها، وعلى اختاف انتماءاتهم الفسيفسائية المتشعبة الى مدارس ومعاهد ومناهج تفكير وطرائق عمل مختلفة بغية خلق تيار منظم و »ممنهج » في واقع «الفوضى » المستجد، تيار يهزم المشروع المعادي بتجلياته كلها، يقوي ارادة المقاومة ويصلّبها، يمنع الانهيار المتدرج، يساعدنا على الوقوف على أرض صلبة، ايذاناً بالهجوم المعاكس بالمعنى السلبي والايجابي انطلاقاً من الشام مروراً بلبنان وفلسطين وصولاً الى العراق.. . « الفوضى » فسحة من الوقت، فلنتعامل معها بذكاء وارادة وتصميم ...لتتحول مع الوقت الى نظام الفعل والانتصار ...
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net