Tahawolat
لا يُخفى ما لخطب الجمعة من دور وأهمية في حياة المسلمين ووجدانهم وعقيدتهم، إذ من المفترض أن تشكّل مصدر غنى وطاقة للمسلمين نحو بناء واقعهم، والتّفاعل مع قضاياهم الدّينيّة والحياتيّة، وتعميق الانتماء والشّعور الجماعي، والتّركيز على ما يهمّ الواقع من قضايا وأولويّات.
فلخطب الجمعة دور تربويّ وتثقيفيّ واجتماعيّ وإعلاميّ كبير ومهمّ في التّعبير عن مشاغل المجتمع وآلامه وآماله وطموحاته.
والسّؤال: هل خطب الجمعة اليوم على امتداد العالم الإسلاميّ تقوم بالدّور المطلوب منها؟ وهل تتّصف بالمواصفات العلميّة والفعليّة والمؤهّلات الّتي تجعلها تؤدّي رسالتها على أكمل وجه؟
ولا ضير من الحديث عن صلاة الجمعة وقول الفقهاء فيها كمدخل لما تقدّم، فسماحة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله (رض.)، يعتبر "أنّ صلاة الجمعة واجبة وجوباً تعيينياً حتى في زمان الغيبة، ولا يشترط وجود السّلطان العادل في شرعيّتها، وعليه، فإنه لو بادر خمسة من المكلّفين إلى إقامتها، وكان فيهم شخص عادل يصلح أن يكون إمامة جماعة، فقدموه ليخطب ويصلّي فيهم ويصلّي صلاة الجمعة، وأقاموها على هذا النّحو، وجب على المكلّفين على سبيل الحتم الحضور والاشتراك في صلاة الجمعة".
ويتابع: "نحن ندعو المسلمين إلى الالتزام بصلاة الجمعة والمواظبة عليها، مع اجتماع الشّروط المعتبرة فيها، لأنّها فضلاً عن وجوبها، تمثّل حالة اجتماع المسلمين على عبادة الله وتعلّم أمور دينهم، ومعرفة شؤون حياتهم، إضافةً إلى ما في هذه العبادة من أجر عظيم وثواب جزيل. (المسائل الفقهية - العبادات – ص 374).
وعوداً على بدء، فواقع بعض خطب الجمعة في العالم الإسلاميّ، تعتريه شوائب معيّنة ينبغي الالتفات إليها ومعالجتها، بالنّظر إلى ما تمثّله خطب الجمعة من قدسيّة في وعي المجتمعات الإسلاميّة وحياتها..
وفي عرضٍ سريع وأوّلي، فإنّ أوّل ما يلاحظ في هذا المجال، هو ارتجال البعض في خطبة الجمعة، وبلا كفاءة، ونحن نعلم أنّ الارتجال يحتاج إلى موهبة أصيلة في ذات الخطيب، وإلى ممارسة طويلة، وخلفيّة معرفيّة واسعة تسند صاحبها وقت الحاجة، حتّى لا يتمّ إهدار وقت الخطبة في ارتجال غير مترابط، ما يخلّف آثاراً سلبيّة، فليس من العيب أن يستعمل الخطيب الورقة ويلقي ما فيها إن كانت مترابطةً ومؤثّرة.
وما يلفت أيضاً، وقوع بعض الخطباء أسرى مواضيع غير موفّقة أو مناسبة، وإغفال مواضيع أكثر جديّة وحيويّة تمسّ حياة المسلمين وهمومهم، وهذا ما ينعكس سلباً على وقع الخطبة، ويجعل النّاس تعيش الغربة والانقطاع عمّا تريده من تلك الخطب، ما يفقدها تأثيرها المطلوب، ويفقد النّاس التّفاعل معها. لذا المطلوب من الخطباء اليوم، انتقاء المواضيع الأكثر أهميّة وحساسيّة، والتي يكون لها ارتباط بقضايا النّاس ومشاكلهم وآلامهم وآمالهم، كي يشعروا بالتّفاعل والتّواصل والوحدة.
والأخطر من ذلك، استعمال البعض خطب الجمعة منبراً لشحن النّاس عاطفياً وربطهم بموضوع معيّن، دون مخاطبة العقل والفكر والمنطق، ومن ذلك الاجتزاء في الأفكار وعرضها، والمقارنة الخاطئة بين الأمور، والتّبسيط وعدم التّوازن في طرح المشاكل وعرض حلولها ووسائل علاجها.
وما يلفت أيضاً، استغلال خطبة الجمعة ومنابرها في إثارة القضايا الخلافيّة والحزبيّة الضيّقة التي تستهلك الخطبة وتبعدها عن غايتها الحقيقية والأصلية في بناء جو الوحدة والتسامح والروح الاجتماعية الواحدة التي تعمل على إلغاء كل الفواصل والحواجز بينها، ويفقد بالتالي الخطبة رسالتها في تعزيز أوضاع الواقع وبناء ما تهدم على كلّ الصّعد، وربط ما انفصل من عرى المجتمع.
وكثيراً ما تتكرّر المواضيع في الخطب، ما يخلق جوّاً من الرّتابة نتيجة بقاء المضمون، كما هو وعدم تطويره، ما يضعفه ويفقده قيمته المبتغاة.
ومن الخطباء من يعتبرون المبالغة في الحماسة أمراً إيجابيّاً، والواقع أنّ الحماسة أمر إيجابيّ، ولكنّها ليست كلّ شيء، وليست الغاية والمبتغى، إنّما هي وسيلة لتبليغ الأفكار، فكثير من المواضيع قد لا تحتاج إلى انفعالات ومبالغات يقع فيها بعض الخطباء، وكثير منهم قد لا يملكون الخبرة والمعرفة الدّقيقة بجمهورهم، فيعمدون إلى تناول مواضيع غير مناسبة، واستعمال لغة غير مناسبة أيضاً.
وهناك نقطة أخرى لا يمكن إغفالها، وهي الإطالة في زمن الخطبة، ما يورث النّاس الملل والضّجر، فالبعض قد لا يكون موفّقاً في استشهاداته، فيستخدم أقوالاً وقصصاً موسّعة هو بغنى عنها، يمكن أن يستبدلها بالأقلّ المفيد، فيستطرد في أمور تبعده عن جوهر الموضوع الأصليّ والمركزيّ للخطبة، ما يدفع النّاس إلى التّشتّت والملل.
وليس غرضنا في هذا المقام تبيان نقاط الخلل في خطب الجمعة، بقدر ما هو واجب أن ننبّه إلى أنّ منبر خطبة الجمعة يجب أن يحسن استغلاله أحسن استغلال، في سبيل خدمة قضايا الأمّة جمعاء، وأن يكون محطّةً ومناراً تثقيفيّاً ووحدويّاً وتوجيهيّاً يتناسب وأهميتها ودورها الرّساليّ في تشكيل وعي الأمّة، وربطها بقضاياها، وتوجيهها التّوجيه الملائم، بأسلوب يتّفق ولغة العصر والانفتاح على مفرداتها، والعمل على تطويره بإيجابيّة تتناغم وحقائق الشّرع الحنيف.
وما على الخطباء إلا أن يعملوا قدر المستطاع على عودة خطب الجمعة إلى فاعليّتها وحيويّتها وريادتها المطلوبة، والعمل على بثّ وزرع قيمها في سلوك الأفراد والأمّة، وخصوصاً ما يتعرّض له واقعنا من تحدّيات وأزمات..  

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net