Tahawolat

لم تنفع حتى اليوم كل الاعتراضات على انتهاك آثار طرابلس وأبنيتها التراثية. وما يزال تراث المدينة عرضة للاعتداء والتهديم منذ عشرات السنين، إن في مشاريع عامة كمشروع شق اوتوستراد نهر أبو علي الذي أعقب طوفان ١٩٥٦، فقضى على عشرات المواقع الأثرية، أم في مبادرات فردية تهدف أساساً إلى كسب مزيد من الربح المادي كما جرى مع مسرح الانجا. أما آخر الانتهاكات التي أثارتها "لجنة الحفاظ على التراث والآثار في بلدية طرابلس" فهي إزالة واجهة قصر العجم.
 
ويلعب غياب الملاحقة القانونية، والوساطة السياسة، وأجهزة الاختصاص في الحفاظ على الآثار وحمايتها، والفوضى بصورة عامة، دوراً هاماً في مواصلة الانتهاكات لثروة طرابلس التراثية والأثرية الهائلة.

وعملت اللجنة على إقامة إطلاق حملة وطنية للحفاظ على تراث طرابلس وآثارها، بمشاركة هيئات وفعاليات عدة في المدينة.
 
آخر الانتهاكات طاولت قصر العجم، التي أدت إلى إثارة اللجنة فتحركت باتجاهات مختلفة لمنع هدم المبنى، وأقامت اعتصاماً أمامه، ولقاء في مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي، ثم جالت على فعاليات عدة، خصوصاً وزارة الثقافة، حيث التقت الوزير غابي ليون، ومحافظ الشمال ناصيف قالوش، ورئيس بلدية طرابلس نادر الغزال، وكانت مناسبات لتأكيد تأمين آليات تحفظ التراث والآثار حتى ولو اقتضى الأمر وضع قوانين جديدة، وتوسيع لوائح الأبنية التراثية التي يجب أن تدرج على لائحة التراث وممنوع المس بها.

تدمري للحفاظ على التراث المعماري في طرابلس
رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس الدكتور خالد تدمري تحدث عن الحملة التي انطلقت منذ زمن طويل اي منذ هدم مسرح "الانجا"، وتفاعلت من جديد منذ عملية الهدم التي طالت بعض الابنية التراثية في داخل المدينة القديمة، وعمليات هدم أبنية أثرية في منطقتي التل والحدادين وعلى رأسها كان "قصر العجم".

يفيد تدمري أن "الحملة قامت بتحرك شعبي في شهر رمضان الماضي، ونفذنا اعتصامات امام قصر العجم، وقمنا بحملات اعلامية لتسليط الضوء على كيفية التعدي على الابنية التراثية، ومنها العقار 35 – التل الواقع عند مدخل مقهى التل العليا".

بدأت الحملة بتحرك شبابي من نادي آثار طرابلس ومحبي الآثار، فانضمت إليها جمعيات وهيئات من المجتمع المدني، وتم اطلاق موقع على الفايسبوك لهذا الامر، وبدأ  يستقطب الكثيرين وخاصة المغتربين من الطرابلسيين.

الخطوات التي حققتها الحملة، قال تدمري عنها: اولا، اصبح هناك معرفة لدى الكثيرين من الطرابلسيين ان هناك تراثاً معمارياً هاماً في هذه المدينة يجب الحفاظ عليه، حتى وان كانت هذه الابنية ليست ابنية اثرية بل تراثية سكنية، وان لم تكن داخل حدود المدينة القديمة المحمية بالقانون، وحتى ان لم تكن مدرجة على لائحة الجرد العام. فكانت بداية التحرك بلقاء المسؤولين المعنيين مباشرة بهذا الامر، وكان هناك لقاء للجنة المتابعة المنبثقة عن الحملة مع وزير الثقافة غابي ليون، حيث تم التوصل بالتعاون مع الوزارة لقرارين هامين، الاول منع البلدية باعطاء اي رخصة هدم دون الرجوع الى المديرية العامة للآثار في كل الاراضي الطرابلسية، وهذا كان مطلبنا الاساسي".

وأكد ان الحملة "لا تستهدف اصحاب هذه العقارات، إنما الحفاظ على التراث المعماري في هذه المدينة، والمديرية العامة للآثار بالتعاون مع البلدية ستجد الحلول المناسبة لكل بناء، فربما نطلب منهم الحفاظ على الواجهة الخارجية وهدم الداخل او اضافة طبقات فوقه ولكن ليس ازالة البناء بالكامل كما يطمحون".

 ويبدو انه تفادياً لصدور قرار كهذا عمد تجار البناء الى هدم الأبنية بشكل متعمد في وضح النهار او في منتصف الليل، وفكوا العناصر التراثية من بعض الابنية من قناطر وابواب وشبابيك وموزاييك وارضيات، وكان الهدف انه عندما يأتي الكشف الرسمي من قبل المديرية العامة للآثار لا يجدون سوى خرابة فلا يصنفون البناء تراثيا.

أزاء هذا التطور، قال تدمري: "نحن في معركة ضد اي عملية فيها تحايل على القانون، واستغلال للوضع الامني في المدينة، في الوقت الذي فيه الناس ملتهون بامور اخرى".

وأفصح عن مبادرة هامة للحملة لتغطية نقص في عناصر المراقبة إن لدى الدولة أم البلدية، بـ"تأسيس ما نسميه المراقبين التراثيين الذين يضمون مجموعة من الشباب الطرابلسي المتطوع من اختصاصات عدة ستكون مهمتهم اولاً التعرف على هذه المناطق التي فيها ابنية تراثية غير مسجلة، ومراقبتها بشكل دائم، والابلاغ عن اي تعديات".

أمور هامة حققتها الحملة على مستوى آخر، بالتعاون مع وزير الثقافة، حيث تم استصدار قرار من الوزارة بضرورة اعادة احصاء الابنية الاثرية في طرابلس، واضافة هذه الابنية الى لائحة الجرد العام كي تصبح محمية من القانون.

يوضح تدمري أن "المراقبين التراثيين سيقومون بتصوير هذه الابنية بعد ان نحددها، واعداد الملفات الخاصة عنها".

وأعلن تدمري عن احتفال سيجري في القاعة الزجاجية في متحف طرابلس المصور في غرفة التجارة والصناعة أوائل كانون الأول المقبل لإطلاق الحملة رسمياً، وهناك اكثر من 30 جمعية تساند هذه الحملة وعدد الشباب المطلوب يفوق 100 شاب، وهم موجودون اساساً. وسيتم توزيع كل مجموعة شبابية على منطقة عقارية حسب مساحة المنطقة ونحرص ان يكون بينهم مهندسون او مهندسات لتتم قراءة الخرائط الهندسية ويتمكنوا من تحديد العقارات وارقامها وتصنيف المبنى التراثي.

طرابلس تراث قرون غابرة
تعتبر طرابلس كتلة من الآثار والمواقع التراثية. فكل ما تحتويه حتى الخمسينيات من القرن الماضي يمكن تصنيفه إما أثراً أو مبنى تراثياً. ولا يستثنى من ذلك سوى الأبنية الحديثة التي حلت محل بساتين الليمون ابتداء من اوائل الستينيات، وهي موجودة أساسا في المنطقة الواقعة غربي خط شارع المئتين امتدادا إلى شارع مار مارون، وصولا إلى بولفار طرابلس - الميناء ومنه باتجاه مستشفى النيني - خط مستقيم يفصل المدينة القديمة والوسيطة عن مناطقها الحديثة.

الآثار
أما آثار المدينة وأبنيتها التراثية، فهي متنوعة، وكثيرة، ولا يمكن حصرها، إذ يمكن أن تقسم طرابلس إلى قسمين: القديم الأثري، والحديث التراثي.

الأول، القديم الأثري، هو طرابلس القديمة التي كانت داخل الأسوار منذ آلاف السنين، وتعرف اليوم بالمدينة المملوكية، وتمتد من باب الرمل جنوبا، وحتى باب التبانة شمالا في مسافة لا تقل عن ثلاثة أو اربعة كيلومترات، كلها من المباني القديمة المتلاصقة، تشكل كتلة أثرية ففي كل موقع من مواقعها أثر له وظيفته ودوره ومعناه. وأهميتها أنها لا تزال مكتظة بالسكان والعمل والأسواق التي لا يزال بعضها محافظا على شيء من طابعه القديم التقليدي.

حدود هذه المدينة جلية من الجهتين: الجنوبية، حيث يوجد ما يشبه البوابة في باب الرمل تحت الجامع المعلق، لكن يرجح أن البوابة الحقيقية للمدينة من جهة الجنوب قد أزيلت، ومن الجهة الشمالية، توجد بوابة قديمة هي بوابة السور الذي كان يحوط بالمدينة، والبوابة تقع قرب جامع محمود بك في السوق المعروف بسوق القمح، ولا تزال قائمة. أما البوابات الأخرى فقد قضى عليها التوسع العمراني الحديث.

في هذا القسم من طرابلس، تقوم الكتلة الأثرية الضخمة، منها المساجد، وابرزها، المسجد المنصوري الكبير، والحميدي، وطينال، والتوبة، والبرطاسي، والمعلق، وأرغن شاه، والرفاعية، والحجيجية، وغيرها كثير. ومنها المدارس مثل المدرسة القرطاوية، والمدرسة الناصرية، والسقرقية، والشمسية، والطواشية، وسواها ولا يزال أكثرها قائما.

من الآثار أيضا، الخانات، وأبرزها خان الصابون، وخان الخياطين، وخان الدباغين، وخان العسكر، وخان المصريين. ومن الحمامات، حمام العبد الذي لا يزال يعمل، وحمام عز الدين الذي رمم مؤخرا، وحمام النوري المخرب، والحمام الجديد، وحمام الحاجب، وحمام العطار. والتكايا أبرزها المولوية، والقادرية، إلى آثار عدة أخرى متفرقة منها سوق حرج، وزوايا عدة، وبرك، ومزارات، وسبل ماء، وأضرحة، ومصليات، وخانقاه، وبيمارستان. وبعض من الآثار المسيحية ككنيسة يونس، وآثار دير صليبي.

وأكبر الآثار في المدينة القلعة التي بناها الصليبيون الافرنج على أنقاض بناء فاطمي، ثم أكملها المماليك وأضافوا أقساما عليها بطابع القلاع العربية.

وقد دمر السور الذي كان يحوط بالمدينة، ولا يزال بعض من أجزائه ظاهرة في الميناء. وبديلا من السور، أقام المماليك سبعة أبراج على الشاطئ لحماية المدينة من الهجومات الخارجية، وأبرزها برج السباع القائم بكل عناصره، وبرج عزالدين الذي تقوم عليه بناية البرج، وبرج العدس، وأبراج أخرى.


الأبنية التراثية
وهي الأبنية التي نشأت مع خروج المدينة من نطاقها المملوكي إلى تشكل المدينة الحديثة التي بدأت أواخر القرن التاسع عشر ببناء السراي العثماني على الساحة المعروفة بساحة التل، وقد تم هدم السراي أواخر الستينيات.

وانطلاقاً من السراي على التل بدأت الأبنية والأحياء الحديثة تتكون لتكون مدينة طرابلس الجديدة. وراحت الأبنية تنشأ انطلاقاً من التل بكل الاتجاهات، وأبرز الأبنية التي تلت السراي، كان مبنى الحسيني، فقصر نوفل، فمسرح الانجا، وتكر السبحة بعد ذلك، باتجاه الزهرية شمالا، وساحة الكورة جنوبا وشرقا، وشارعا عزمي والبولفار غربا.

أحياء المدينة الحديثة تكونت في بقعة ظلت تتسع عمراناً وأسواقاً حديثة بكل الاتجاهات، فبنيت الأبنية في حقبة العشرينيات الأولى وطغى عليها الطراز الإيطالي الجميل، أو ما يشابهه.

أخطار وتحديات
تعرض العديد من هذه الأبنية لتشوهات، وتهدم جزئي، أو كلي، مما حدا ببعض رؤساء البلدية مدفوعين من الحريصين على طابع المدينة التراثي، لوضع لائحة بالأبنية المصنفة التي زاد عددها على الثلاثين مما حمى الكثير منها من الدمار.

ورغم التصنيفات، وسعي غيارى على تراث المدينة وآثارها، فقد تعرض الكثير منها للتخريب وأزيلت معالم عدة منها في مشاريع مختلفة.

ويبقى التحدي اليوم أمام الحملة للحفاظ على ما تبقى من ثروة أثرية لا تزال كبيرة وهامة تميز طرابلس عن سواها من المدن.

 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net