Tahawolat
لا يمكن فصل التطورات السياسية في لبنان عن السياق العام لتطور الأحداث على مستوى المنطقة بأسرها، فالحدث اللبناني لم يعد لبنانياً في جوهر استهدافاته ومفاعيله الممتدة الى المحيط ، كما أن الحدث الذي يشهده المحيط يترك مفاعيل واضحة وتأثيرات لا مجال لتجاهلها أو تفادي نتائجها على الواقع اللبناني...
لذا فان أي قراءة متأنية لا بد لها – في النهاية- من الأخذ في الاعتبار هذا التفاعل الديناميكي للأحداث على كامل الساحة القومية في بلادنا. 
من نافل القول... أن تعقيدات الوضع القومي العام مرتبطة بتعقيدات الصراع القائم وتشعباته واستهدافاته التي تطال –وهذا واقع- جوهر البنية المجتمعية بنسيجها الشعبي والاجتماعي وحاضنتها الثقافية والحضارية.
هذا –بالطبع- لا يلغي حقيقة لا بد من الاعتراف بها، وهي أن "لبنان – الكيان " مصاب بتشوهات خلقية منذ ولادته، أدت الى كل هذا الضعف البنيوي الذي رافق تاريخه المعاصر واستولد هذا الكم من أزمات سياسية واجتماعية متلاحقة ...تبدت في انفجارات سياسية وأمنية تجسدت في أبشع صورها أبان "الحرب الداخلية" (الخارجية) التي بدأت في العام 1975 ولم تحط رحالها حقيقةً في العام 1990، لأن شرارتها ما زالت تتوقد في جمر يرقد تحت رماد "التسوية " التي أرساها اتفاق الطائف برعاية عربية- دولية، والتي انتهت – على ما يبدو- صلاحيتها في العام 2005، عام التحولات الكبرى في لبنان، الذي كان ايذاناً باتخاذ الصراع المزدوج (لبنان والمحيط) أبعاداً جديدة، وتفاعلات عميقة، بدأت صورتها تتظهر بعد اجتياح العراق عام 2003، وطفو "مشروع الشرق أوسطية" الجديدة على سطح البركان الممتد من العراق الى فلسطين.
اذاً لا امكان واقعياً للفصل بين الحدث اللبناني وبين منظومة الأحداث المتسارعة في فلسطين والعراق وحالياً الشام،  وهذا يغلب الرؤية القومية التي ترى على مساحة المنطقة "وحدة وتشابكاً لاتنفصل عراه" في معارك الحياة والمصير الواحد...
ان الواقع اللبناني المستجد الآن، هو امتداد لهذا الواقع التاريخي الذي حكمه ويتحكم به "الصراع على الهوية" وما يتفرع عن هذا الصراع من تداعيات ...
والانقسام السياسي الحاصل في لبنان هو جزء من نسق الانقسام الموجود حالياً في المنطقة بأسرها...
ولعل المعيار الحالي للانقسام – وبموضوعية - يحكمه الموقف من الصراع مع المشروع الصهيوني الرابض على أرض فلسطين ، واختلاف الرؤى السياسية في قراءة نسخ هذا المشروع التي يتم تسويقها الآن تحت عنوان "التحديث" و "التطوير" و "الاصلاح".
بالطبع، حقائق الصراع الأساسية لا تخفى على أحد، ولكن، ثمة حاجة للتعمق في تحليل معطيات هذا الصراع وسبر أغوار جوانبه المختلفة والمتعددة...
لايكفي أن نعيد كل المآزق التي تواجهنا اليوم الى "المشروع المعادي" لأن "المشروع الآخر" يمثل جانباً من التحدي، أما الجانب الأخر فهو يرتبط بمسؤوليتنا التاريخية عن كل هذه الأعطاب البنيوية التي تعتري حياتنا الوطنية العامة.
فالتصدع  البنيوي في المشهد الوطني والقومي في لبنان وفي كل كيانات الأمة يشكل أرضية مناسبة للعواصف والهزات لتفعل فعلها في احداث تشققات اضافية تزيد من تعقيد الأوضاع.
ولكن، لنتفق على أمر، "نحن نحيا في منطقة يحكمها صراع كبير" من نوع خاص، ولبنان يقع في قلب استهدافاته...
اذا اتفقنا على هذه "الحقيقة" وخرجنا من خزعبلات الدعوات الى "الحياد" بكل أشكاله الايجابية والسلبية، نكون قد خطونا خطوة هامة في عملية وضع الأصبع على "الجرح".
وهو مدخل لحسم مسألة الهوية والانتماء بأبعادها المختلفة، ولارساء قاعدة جديدة في السياسة والأمن والاقتصاد لا بد لها في النهاية من أن تحكم "الواقع اللبناني".
بالطبع نحن امام خيارين:
الخيار الأول : أن يتقدم المشروع "المعادي" في المنطقة فيصيب بشكل مباشر لبنان – الكيان فيتعمق الشرخ الداخلي ويترسخ الانقسام الروحي والنفسي والمادي العميق بين أبناء الشعب فيه، وندخل من جديد في نفق "الصراعات العبثية" المدمرة.
الخيار الثاني" أن يتقدم  المشروع المقاوم "للشرق أوسطية" بصيغها وأشكالها وأنساقها، وأن يرتبط تقدم "المقاومة"بمشروع قومي حداثوي للتغيير يرتكز على ثقافة قومية انسانية جامعة لا بد منها للخلاص الحقيقي.
باختصار، الخيار الأول هو خيار التدمير والانحلال والتفتت والتلاشي النهائي...
أما الخيار الثاني... فالتحدي الحقيقي أمامه هو حمله اضافة لشعلة المقاومة ثقافة التغيير القومي الديمقراطي الاصلاحي الحقيقي...
لأن الاصلاح حاجة ومسار لابد من حسمه، والسير به وتحقيق خطوات ملموسة تحقق الاستقرار الحقيقي الموعود...

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net