Tahawolat

ان دينامية «الحدث» الذي يشهده العالم بالاجمال، ومنطقتنا وأمتنا بشكل خاص، يحمل جملة من دلالات لا بد من التعمق في سبر غورها، لاستكشاف حقيقة الواقع الذي نعيشه، ولتبيان صورة ما هو آتي...
لا شك، أننا في طور تشكل عالم جديد يؤشر الى نهاية حقبة وبداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية، أي العلاقات بين الأمم والشعوب والدول.
بيد أن الصورة النهائية لم تكتمل، بسبب أن الصراع الذي يرافق عملية التشكل هذه لم ينته، وما زال في أوجه...
ان عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية الذي نشأ في نهاية النصف الاول من القرن الماضي، ومفاعيله وتداعياته والبنى التي  استولدها لقيادة العالم، كلها  أصبحت منتهية الصلاحية، ولم تعد تستطيع أن تشكل أساساً أو قاعدةً لبناء العلاقات  بين أطراف هذا العالم، فقد نشأت - أو هي في طور النشوء - توازنات دولية جديدة ستفرض ذاتها على المشهد المستقبلي العالمي... 
المأزق الحقيقي ، أنه في زمن هذه المتغيرات والمتحولات، نعاني من تصدعات بنيوية داخلية  تعطل امكانية مشاركتنا وبفعالية في صوغ ملامح العالم الجديد...
لا شك، أن الموقع الجيو – سياسي لبلادنا، والأحداث التي نشهدها اليوم ولا سيما منها، تطورات الصراع مع الكيان الصهيوني، والتطورات الداخلية التي تشهدها مجتمعاتنا، ستنعكس بحسب نتائجها اما زيادة في فعالية الدور المستقبلي على مستوى المنطقة والعالم، واما تراجعاً اضافياً وتقهقراً وزيادة في التبعية لقوى خارجية والتصاقاً بأجنداتها التي لا تمت الى مصالحنا القومية بصلة...
نحن اليوم على مفترق خطير، وثمة حاجة قصوى لأن تأخذ القوى الحية والمتنورة في المجتمع المبادرة والفعل باتجاه احداث نهضة حقيقية جذرية تقلب رأساً على عقب المفاهيم القديمة التي تكبل حركة انساننا، أي مفاهيم التخلف والقدرية والاستكانة الى الأمور المفعولة، ومثل هذه الامكانية متوفرة على مستوى الطاقات والامكانات التي يزخر بها مجتمعنا، والتي ينقصها التأطير والتنظيم والتفعيل العلمي الممنهج، وينقصها ارادة مصممة على قلب المعادلات باتجاه مستقبل مشرق نحجز فيه لأمتنا وبلادنا موقعاً محترماً بين أمم العالم...
 كذلك ينقصنا أن نربط الوعي الجديد لحقيقتنا القومية – الانسانية الكبرى بارادة الفعل، وربطهما معاً بالفعل نفسه، فالفعل النهضوي هو المحك الأساسي لانتصار الوعي والارادات الحية...
أمامنا تحديان: تحدي الانتصار في المعركة القومية – الانسانية الكبرى التي يخوضها تيار «المقاومة» في بلادنا عوضاً عن العالم أجمع ضد المشروع الصهيوني – الأميركي – الغربي (باعتبار أن مفاعيل هذا المشروع هي ذات طابع أممي عالمي) والذي يحمل بنك أهداف استراتيجية واضحة، تقع على رأس أولوياتها زيادة التفتيت والتقسيم الأفقي والعامودي لمجتمعنا واعادته الى عناصر تشكله الأولى من طائفية ومذهبية وعصبيات اتنية وقبلية مدمرة، باعتبار أن تقسيم المجتمع على هذه القاعدة يضعف مناعته الداخلية، ويضعف مقاومته للخطر الخارجي المتمثل في الاحتلال ومحاولات الهيمنة والسيطرة المستمرة.
أما التحدي الثاني ، فهو لا يقل أهمية عن الأول، هو تحدي التغيير والتحديث والتطوير عبر مشروع قومي نهضوي – انساني ثقافي يحقق أهداف بناء المجتمع والانسان على قاعدة تعزيز البعد المواطني – الدولتي، وتعزيز الهوية القومية – الانسانية الجامعة، وتفعيل الحريات والديمقراطية، وتوسيع وتعميق مشاركة الشعب في السلطة وآلياتها، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وعدالة توزيع الثروات والطاقات على مجموع الشعب، والنجاح في مشروع التنمية الحقيقية بأبعادها المختلفة.
اذا، في زمن التحولات الكبرى، يبقى  الرهان على تنمية قدراتنا والمواكبة الفاعلة – الايجابية لهذه التحولات، بما يحفظ موقعنا في  العالم الجديد المتشكل ولو بعد حين...

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net