Tahawolat

المرأة اللبنانية من أمّة عريقة، عظيمة، حملت رسالة الحضارة والعمران والفنون والعلوم والمعرفة والحكمة والعقل ورفعت لواء العفَّة والطّهارة وصانت القيم الرّوحية والأخلاقيّة والإنسانيّة، فكان لها موقع كبير في تكوين الحالة الإنسانية والحضارة في العالم كلِّه، وإنها الوحيدة في العالم القديم قد حملت قدسيّة الأنوثة وموهبة الأمومة، أعظم مواهب الخالق للإنسان.
المرأة اللبنانية أولُ امرأةٍ في العالم حملت صفة الألوهيّة، من أهم صفاتها: العفّة والطّهارة.
بُنيت لها الهياكل العظيمة وانتشرت عبادتها في العالم القديم، حاملةً أسماء متعدّدة لإلهة واحدة. نذكر أشهر النساء لإلهات اللبنانيات في العهد القديم، وما تقوله الميتولوجيا عن هذه الإلهات ولو كان فيها مبالغة كبيرة فلا يمكن أن نَنفي وقائع تاريخيّة حقيقيّة.
«عشترتا» إنّه الإسم الحقيقي وليس عشترون المحرّف من قبل اليهود. إن المؤرِّخ الفينيقي سانكن يتن يقول: الآلهة هم بشر عمّموا الخير بين الشعوب فعبدوها كآلهة منها عشترتا زوجة إيل وأمّ النساء العملاقات وهي ملكة وفاتحة وقائدة وأم وإلهة. لها تاريخ كبير مليء حالة مهمّة جداً لا يمكن إغفالها وهي: أن عشترتا هي إلهة الجمال الطاهر والحب العفيف والمثل الأعلى للتقاوة والبراءة، فحملت بجدارة كبيرة صفة قدسيّة الأنوثة وموهبة الأمومة.
«الأمازونات بنات عشترتا» الأمازونات نساء فينيقيّات اشتهرن بالفروسيّة وخوض المعارك والحروب وكونَّ مجتمعاً نسائيّاً محضاً وحضارةً من إبداعهنَّ فقط، أتى على ذكرهنَّ هوميروس في الألياذة وبرز وجهٌ ساطعٌ للمرأة اللبنانيّة فبلغت درجة  عالية من النبوغ والحريّة وفاقت الرجل أحياناً
«أناة» أناة فتاة لبنانيّة من جبيل عبدها الفينيقيّون واليونانيّون والإفريقيّون، إنها العذراء إلهة العفّة والطهارة وربّة الحكمة. وأناة هي أثينا العذراء وملكة الطهارة وربّة الحكمة والحرب، الزِّراعة والفنون وناشرة الحضارة في الغرب.
«أوروبة الصَوريَّة» فتاة لبنانية من صور، تكلّم عنها هيرودوت بإسهاب في أم مينوس والحضارة المينوسيّة أساس الحضارة الأوروبيّة التي لا تزال تكبر وتنمو حتى الآن بفضل الفتاة اللبنانيّة أوروبة.
«إليسا أو اليسار المعروفة بديدون الصوريّة» أميرة عظيمة من أميرات لبنان دارت حول حياتها قصص كثيرة يصعب فيها التمييز بين الأسطورة والحقيقة التاريخيّة. المعروف تاريخياً أنها رحلت من صور إلى أفريقيا، وأسست هناك قرطاجة التي تقع بين خليجين، الخليج الشمالي والخليج الجنوبي المعروف الآن ببحيرة تونس، تقع قرطاجة في زاويته وهو موقع استراتيجي من الناحيتين التجاريّة والحربيّة.
إنّ ملك تلك البلاد بارباس سمح لإليسَا ببناء المدينة لقاء وعدٍ بالزَّواج منها لأنه بُهِرَ بجمالها وذكائها. ولمّا أنهت بناء المدينة طالبها بارباس بتنفيذ وعدها، فاعتذرت، لأنَّها لا تقبل خيانة زوجها ولو بعد وفاته، فشنَّ عليها حملة عسكريّة كبيرة.
عندما وجدت أنّ لا مفرّ لها إلاّ الموت أوقدت النّار وسارت نحوها وعندما اقتربت منها طعنت نفسها وسقطت في النّار ضحيّة، وهكذا أنقذت مدينتها وشرفها لأنّ بارباس تراجع عن دخول المدينة لانتفاء الهدف. بلغت هذه الأميرة اللبنانيّة قمّة البطولة مضحّية بحياتها في سبيل شرفها وعزّة وطنها.
«عشتوريم» فتاة بطلة من صيدا، نشأت إبّان الحكم الفارسي. قرر الفينيقيّون الإستقلال عن الفرس. وهذه النّزعة متأصّلة في اللبنانيين منذ قيام لبنان. نشبت معارك ضارية بين الفينيقيين والفرس. انتصر الفينيقيّون فيها انتصاراً ساحقاً. فغضب ملك الفرس أرتحششتا الثالث وزحف من بابل على رأس جيش كبير، مؤلّف من ثلاثمئة ألف جندي مشاة، وثلاثين ألف فارس وأسطول ضخم من ثلاثمئة سفينة. ولمّا اقترب من صيدا عاصمة فينيقيا رأى الصيداويّون هذه القوّة الضخمة فخافوا. خرج ملك صيدا مع الأعيان حاملين شارات الصلح والسّلام. فوافق على تسليم المدينة. لكن أرتحششتا غدر بهم فقتلهم جميعاً بمن فيهم الملك، وبدأ هجومه على المدينة. استلمت القيادة عشتوريم وخاطبت شعبها بقولها: لا يمكنني أن أقدّم لكم النّصر، لكن يمكنني أن أقدِّم لكم الموت بشرف. وطلبت بإشعال النّار في المدينة ثم تقدّمت شعبها ورمت نفسها بالنّار وتبعها كلّ الصيداويّين مفضّلين الموت أحراراً أعزّاء على السّبي والإذلال. إنّ هذه البطولة وهذا الإستشهاد دفاعاً عن الكرامة والعفّة والطهارة وهذا الإرتقاء إلى مصاف الألوهية هو تجسيم لقدسيّة الأنوثة.
«العذارء مريم أمّ الله» أم الله مريم لبنانيّة وليست يهوديّة، قبر والدها يواكيم في قانا الجليل، لا يزال قائماً تحت إسم مزار النّبي عمران. وعرس قانا الجليل الذي صنع فيه يسوع أوّل معجزة. إذ حوّل الماء إلى خمر، هو عرس أحد أنسباء مريم. هذه الفتاة اللبنانيّة التي أشرقت شمس طهارتها. فعمّت الكون بأنوار قداستها. هي أم الله المتجسّد، أرقى وأسمى قدسيّات الأنوثة وأحلى موهبة، موهبة الأمومة. وإذا كانت عشترتا قد لقّبت بالزّهرة فقد غابت إلى غير رجعة لتحلّ محلّها نجمة الصبح المخصصة للعذراء مريم يبتهل إليها المؤمنون في كلّ أصقاع الدنيا: يا نجمة الصبح تضرّعي لأجلنا.
بطولة المرأة اللبنانيّة المسيحيّة بوجه الوثنيّة أفدوكيا الشهيدة البعلبكيّة.
استشهدت في بعلبك أيّام الأمبراطور تراجان، الذي ملك من 98 إلى 114م.
اعتنقت المسيحيّة على يد ناسك إسمه جرمانوس، ففاح عطر قداستها وانتشر صيتها، وأصبحت مثال الطّهر والعفاف واهتدى كثيرون على يدها إلى المسيحيّة. حاول عدّة حكّام على بعلبك إعادتها إلى الوثنيّة فاصطدموا  بإرادة صلبة، فأمر الحاكم فنسنيانوس بقطع رأسها في أول آذار 114.
«بربارة الشهيدة البعلبكية» فتاة لبنانيّة من منطقة بعلبك، إبنة وحيدة لرجل وثني وثري جدّاً، تاريخ ميلادها مجهول اعتنقت المسيحيّة وصنعت عجائب كثيرة وأصبح لها شهرةً واسعةً. ولمّا عجز الوالي عن إعادتها إلى الوثنيّة بعد مرحلة من العذاب والجلد أمر بقطع رأسها، والذي قطع رأسها هو والدها. وعند رجوعه إلى منزله، سقطت عليه صاعقة فقتلته وكان ذلك سنة 237م.
«أكويلينا، قديسة شهيدة من جبيل» ولدت سنة 281 في جبيل. اعتنقت الدّيانة المسيحيّة وتعمّدت على يد أسقف جبيل أوتاليوس. عشقت هذه الفتاة اللبنانيّة الطهارة، فسطعت شمسُ نقاوتها. تنصّر على يدها كثير من أبناء جبيل، استدعاها حاكم المدينة وطلب منها أن تترك المسيحيّة وتعود إلى الوثنيّة فرفضت. أسامها شتّى أنواع العذاب. فشل بإقناعها ترك المسيحيّة، عندها أمر بقطع رأسها في الثالث عشر من حزيران سنة 293م.
«كريستينا، القديّسة اللبنانيّة من صور» ولدت في صور سنة 285م، والدها أوربانوس حاكم المدينة من ألدّ أعداء المسيحيّة. اعتنقت المسيحيّة وتعمّدت على يد نساء مسيحيّات، وأخذت تحطّم تماثيل الآلهة التي في منزل والدها، اغتاظ منها وطلب أليها أن تعود إلى الوثنية، عندما عجز عن ذلك أمر بضربها وتمزيق جسدها وأذاقها شتى أنواع العذاب، فلم يتمكّن من نهيها عن المسيحيّة. أخيراً أمر بتعليقها على خشبة وقطع ثدييها، ثم رماها بالسّهام فنالت إكليل الشهادة في 24 تمّوز سنة 300م.
«تاوديسيا، شهيدة من صور» فتاة لبنانيّة ولدت في صور سنة 290م، تربّت على الدّين المسيحي وتشرّبت الفضائل والعفّة والطّهارة، وتعبّدت لمريم ملكة العذارى، تعرّضت للتعذيب من قبل الوالي الرّوماني وبعد جلدها وتمزيق جسدها ألقيت في البحر فماتت وكان ذلك سنة 307م، تحتفل الكنيسة المارونية بعيدها في 29 أيّار والكنيسة اللاتينية في 2نيسان.
إنّ مجموعة العذارى الشّهيدات تؤلّف الثريّا اللبنانية المشرقة في سماء لبنان، وكانت خاتمتهنّ القدّيسة رفقة.
المرأة اللبنانيّة، بطلة تشارك في المعارك
«عليا فرنسيس 18421924»: ولدت في حاصبيّا، تاريخ ولادتها غير معروف حصراً منهم من قال 1839 ومنهم من قال 1840 لكن حسب الأب رفائيل نخلة والمرجّح صحّة قوله 1842.
تربّت على التقوى والإيمان وكانت تودّ أن تترهّب في الرّهبة الأنطونيّة، مانع أبوها بشدّة لأنها كانت تساعده في أشغاله وعندما لم تتمكّن من دخول الرّهبنة، قرّرت أن تكرّس حياتها لخدمة الله والوطن وأن تظل عذراء حتى آخر حياتها.
تعلّمت الطبّ من والدها، مارسته كلّ حياتها مجّاناً. قصدتها النساء من أماكن بعيدة لأنهنّ تحاشين الكشف عن أجسادهن لأطبّاءٍ رجال.
تمرّست بالفروسية وضرب السيف والرماية في البندقية الألمانية الحديثة بعهدها، شاركت في معارك كثيرة حصلت في منطقة مرجعيون وكان النّصر حليفها في كلّ هذه المعارك وأمام جحافل كبيرة. كانت تحضر القدّاس يومياً وتتقدّم من المناولة. غادرت القليعة إلى بيروت بعد حوادث 1920 في مرجعيون. كانت الملابس النسائيّة غير المحتشمة قد انتشرت في المدينة، فكانت عليا تقف على أبواب الكنائس وتؤنِّب النّساء غير المحتشمات وتمنعهنَّ من دخول الكنيسة.
شعرت في أيامها الأخيرة بوهن وانحطاط، فاستعدّت للموت، فاضت روحها الطّاهرة بهدوء وسلام سنة 1924.
أقيم لها مأتم عظيم حضرته جموع كبيرة من مختلف الطبقات والأديان.
«سيدة جعجع، بطلة بشرّي»: هذه المرأة اللبنانيّة البطلة، تغلّبت بمفردها على قائد فرقة هاجمها، مدافعةً عن نفسها، فقتلته بعد أن اختلت به ولبست ثيابه وامتطت حصانه وتخلّصت من عسكره بهذه الحيلة.
«رعيدي، بطلة تنّورين»: كانت هذه الفتاة اللّبنانية تجلب الماء من العين إلى البيت، التقت في الطّريق خيّالة متاولة، طلبوا منها أن تسقيهم، أنزلت الجرّة من كتفها وأعطتها لأحدهم ليشرب، فقبض عليها وأراد وضعها على فرسه ليهرب بها، فأمسكت الفتاة بيده وجرّته عن ظهر فرسه ورمته أرضاً وأخذت تدوسه وتصرخ مستغيثة، نشبت معركة بين أهلها والخيّالة فانتصروا على المعتدين بعدما أوقعوا فيهم ما يزيد عن ثمانية قتلى.
«أم خزعل، بطلة عاميّة لحفد 1921»: جرى في عهد الأمير بشير عاميّتان بسبب الضّرائب، عاميّة أنطلياس 1820 وعاميّة لحفد 1821.
طرد أهالي جبيل والبترون الجباة رافضين دفع الضّرائب مما اضطر الأمير بشير إلى التوجُّه على رأس جيش كبير لإكراه الناس على دفع الضرائب، نشبت معركة بين الأهالي وجيش الأمير، انتصر فيها الأمير بعد عناء، فنكّل الجيش بالأهالي. هنا تدخّل فريق من النساء على رأسه أم خزعل، وكُنَّ يولونَ ويهتفنَ ضدّ الأمير ويحرّضن الأهالي على متابعة النّضال ضدّه، عندما شاهد الأمير هذه النقمة العارمة، أمر جيشه قائلاً: هيّا إلى الرّحيل، لقد أتت النّساء، ورحل عن لحفد.
مريم طعمه، بطلة معركة راشيّا»: قام الدروز في حوران بثورة ضد الفرنسيين امتدت إلى راشيّا. واشتدّت المعركة بين الفريقين، فسُحق الثوار وقد بلغ عدد قتلاهم حوالى الثمانمئة قتيل، كان دور نساء راشيّا اللبنانيات في هذه المعركة بطوليّاً إلى جانب القوّات اللبنانية العاملة في الجيش الفرنسي، تميّزت واحدة منهن هي مريم طعمة التي أوصلت رسالة إلى قلب القلعة المطوّقة من الثوّار، هذه الرّسالة تطلب من المحامية الصّمود ريثما تدخّل الطيران. وقد قلّدها المفوّض السامي الفرنسي دي جوفنيل وسام الصليب الحربي مكافأة وتقديراً على شجاعتها.
بطولة المرأة اللبنانية في حرب 1975:
فضّلت الفتاة اللبنانيّة في حرب 1975 البندقيّة على التبرّج والموضة، وهذه أسماء بعضهن ممن اشتركن في القتال: كابريس ـ فحظة ـ كاتيوشا ـ أم طلال ـ أم الروز ـ جوسلين خويري...
استشهد من هؤلاء البطلات حوالى خمسين مقاتلة وأكثر من أربعمائة فتاة وامرأة في ظروف مختلفة. يا فتيات لبنان، أنتنَّ من أمَّة عريقة كانت منارةً للعالم، حضارة هذا العالم صنعها أربعة نوابغ ثلاثة من لبنان، إقليدس، وماوس، وقدموس، وأنشتاين من أوروبا. أتت رسولة القيم الإنسانية وقائدة حضارة ورائدة معرفة. حرّري نفسك من عبوديّة الموضة فأنت ارتفعت في كل حقبات التاريخ ارتفاعاً شاهقاً يشبه جبال لبنان، فلا تتشبَّهي بالمرأة الغربية لأنها لم تحقق ذاتها فهي ضحية، يقول سعيد عقل، المرأة اللبنانية يتزوجها الرجل والمرأة الغربية «يزَوبِنُها».
يا فتيات لبنان، بين أيديكن وديعة أثبت التاريخ خلودها وعظمتها ومدى اتصالها بجوهر الحضارة الإنسانيّة.
إذا كانت بعض القوانين الوضعيّة مجحفة بحقّ المرأة، ناضلي من أجل إلغائها، قولي للنائبات في مجلس النوّاب أن يقدّمن مشاريع قوانين لإلغائها. ، فهنّ في المجلس منذ سنين ولم يفعلن شيئاً في هذا الخصوص. إقلعي عن الطروحات السخيفة: مجتمع ذكوري، وحقوق المرأة من الرجل: هل البطلات اللواتي ذكرتكن في غير مجتمع؟ كانت حقوقهن منقوصة وقد حققن ذاتهن بكل فخر واعتزاز؟.
عندما أقرأ Ester Weber الألمانية تطالب بحقوق الرجل من المرأة وأقرأ George Blaquier إسم الكتاب La Grace d’être femme وأقرأ المتنبي في رثاء والدة سيف الدّولة
وما التأنيث لإسمِ الشمس عيبٌ ولا التذكير فخرٌ للهلال.
وأقرأ أيضاً أن التي تهز السرير بيمينها، تهز العالم بيسارها وقيل عنها أنها ملهمة الشعراء، عندما أقرأ كل هذه الأقوال أرى بوضوح عظمة المرأة اللبنانيّة.
* المفوّض العام المتقاعد
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net