Tahawolat
 
أما وقد إنعقد المؤتمر الذي كان من المفترض أن يجتمع القوميون الاجتماعيون فيه على دراسة واقعهم المأزوم، وفيه يتباحثون في شؤون المستقبل وربما الوصول إلى رؤية مشتركة، تنقل حال الواقع المأزوم إلى واقع أفضل عبر رسم خطط واعتماد منهجية علمية واقعية، يتنفس بعدها القوميون ثم الأمة الصعداء، وتفرح قلوبهم، وتنتعش صدورهم بعد هذا الكمِّ الهائل من الغمِّ والهمِّ والكدر... ولكن تقودنا خطورة المرحلة وراهنية المفصل التاريخي الجاثم بثقله على صدورنا والذي يترتب عليه مجموعة استهدافات تتناول مسألة السيادة والوجود وإلغاء فكرة الوطن ـ الشعب. ولتحقيق مقولة الوحدة الجامعة وتهميش ثنائية التاريخ والجغرافيا، أما المطلوب فهو كسر إرادة الأمة وجعلها مادة، كما البيدق على رقعة الشطرنج ـ سهلة للنقل والتجاذب في معركة نفوذ الإرادات.
وأمام هذه المشهدية الكارثية، والحصاد المرّ المتوقع من جرَّائها لا يكون السؤال، فأين نحن من كل هذا؟.
سؤال لا يستند إلى منطق، ولا إلى واقع، ولا إلى قرينة، بل يجب أن يبقى سؤالاً مسودة ليست للنشر، فأين نحن من كل هذا؟  العقيدة دون مهام هي حكماً عقيدة موت لا حياة، عقيدة جامدة لا تعرف الحركة ولا النمو ولا الانتصار. العقيدة دون أداة تنفيذية لتحقيق أهدافها هي عقيدة برسم الرفوف والمتاحف وأقبية الأراشيف.
ولكن هذه المهام يجب أن تأتي من دينامية الأهداف التي تتقصد الانتصار وفق خطط مدروسة بدقة ودراية وحكمة وتصميم. وليست المهام المعطاة من ضمن الأدوار الوظيفية، التي ترسمها دوائر القرار، ومراكز الدراسات وأجهزة الأخرين أكانوا منظمات أم دولاً.
عقدة الدور الوظيفي لا بدَّ من فكِّها وتحليلها حتى تستقيم سفينتنا القومية على الجودي، وحتى نقيم مؤتمرنا القومي شامخاً جريئاً، صادقاً وفي الهواء الطّلق...
الدور الوظيفي الأول:
- التصدي إلى الفكر الماركسي و«الشيوعيين» إن غياب مفهوم الحرية كما أوضحه سعادة وفي أكثر من مرة، ومكان وإن الحرية هي حرية الصراع، وإن حق الصراع هو حق المتقدم. وإن الأفكار لا تثبت أو تتلاشى، إلاّ في صراعها، أو تلاقحها، وإن النتيجة المتأتية هي النتيجة الحاسمة بالحجة والبرهان بالعلم والدليل، وما بين غياب زعيم النهضة السورية القومية الاجتماعية في مغتربه القسري، وعودته القصيرة والعاصفة بالأحداث والإرباكات ومن ثم استشهاده عام 1949، جعلت من الدوائر المتربصة بهذه الحركة وضيق الأفق عن قيادة الحزب، إلى تنكُّب مسؤولية المقارعة للشيوعية، وفي مقايضة غير مدروسة على الحفاظ على الوجود، فصار الحال نوعأ من إعلان الحرب الفكرية ضدّ الفكر الماركسي، ونوعأ من المواجهات الدائمة في الجامعات والشوارع مع الشيوعيين كانت في كثير من الأوقات شبيهة بالبديل المرسوم عن العدو اليهودي ولا يجوز هنا تناسي عدائية الشيوعيين ضد القوميين ولا حتى تآمرهم مع الآخرين ضدّ الحزب والحركة القومية الاجتماعية  «آنذاك» وما لا يجوز تناسيه أيضاً أن هذا الدور الوظيفي، لم يكن دوراً حددته دينامية الأهداف القومية، بل كان الدور الذي رسمته دوائر الغرب الأميركي، والأوروبي على وقع صراعهم مع الاتحاد السوفيتي وحاجتهم إلى جبهات بدائل، وتنظيمات وأحزاب ودول بدائل يتم تمويلهم واستخدامهم وفق خططهم واستراتيجياتهم.
لقد كان هذا الدور ملهاة للحركة القومية الاجتماعية وملهاة للقوميين، ومضيعة للوقت والجهد القوميين.
- الدور الوظيفي الثاني: التصدي للفكر القومي العربي وتجلياته ـ أحزاباً ودولاً.
قد يكون هذا الدور، هو الأخطر من حيث إنعكاساته على الحركة السورية القومية الاجتماعية وعملها السياسي، ونموها وانتشارها ذلك أنه خالف قاعدة أساسية في علم الفيزياء، إلى جانب السياسة وهو أنه وقف في وجه حركات شعبية ذات بعد قومي، ناشئة فتية ومندفعة بقوة ذاتية يرافقها مناخ إرادة عربية جامعة للرد على هزيمة –48  التي شكلت حينها بالمعنى الافتراضي الرد الوحيد وخشبة الخلاص. حيث أنه يستحيل الوقوف في وجهها وحرف مسارها حتى لا نقول باستحالة مواجهاتها والانتصار عليها.
يضاف إلى هذا غياب الرؤية القومية الواضحة عند القوميين. في مسألة الفهم التعيني والعلمي لعقيدتهم القومية، فالسورية القومية الاجتماعية التي قالت بواقع أمم أربعة رسمت صيغة الشكل الواقعي أو الجغرافي والإجتماعي لعالمنا العربي، وسمَّت بلغة الوضوح والتعيين ذاتها، أمتنا السورية، وأمة وادي النيل والجزيرة العربية، والمغرب العربي الكبير، فلو كان هذا الوعي ثابتاً وراسخاً في عقول القوميين لكان أحرى بهم وبقياداتهم ألا يواجهوا فكراً لا يستند إلى هذه القاعدة العلمية والقومية الثابتة، حيث أن مصير هذه الأفكار والعقائد سيكون إلى زوال، لأنها غير قابلة للتطبيق ولا للحياة أما الذي حصل فهو عكس ذلك، فقد كنا في مواجهة الناصرية والبعثية، حملت الويل والثبوُّر للحركة القومية، وقيدت حركتها وزجَّت بقيادييها وأعضائها في السجون وعرَّضتهم للتنكيل والتعذيب، وأقصتهم عن دينامية المجتمع والسياسة والثقافة والفعل النهضوي وأخطرها إقصاء الحركة القومية الاجتماعية عن فعل المقاومة ومواجهة «إسرائيل».
وكما في الدور الأول، بقي هذا الدور خارج دينامية الأهداف القومية بل كان الدور الذي رسمته دوائر الغرب الأوروبي وتحديداً الإنكليزي والأميركي مطعماً بالنهكة الأردنية والعراقية، وتحالفات مقيتة سخيفة مع اليمين اللبناني ورموزه الفاسدة.
- الدور الوظيفي الثالث: الإنخراط في المقاومة «الكفاح الفلسطيني المسلَّح».
لقد كان هذا الدور من تجليات مؤتمر ملكارت الذي انعقد في العام 1970 وبعد خروج قيادة الحزب القومي من السجون اللبنانية، وبعد بروز حركة المقاومة الفلسطينية المسلَّحة، وعملياتها العسكرية الناجحة ضدّ «إسرائيل» والتفاف العالم العربي وأمتنا خاصة حولها والإنخراط في صفوفها.
إن التوصيات التي جاء بها المؤتمر. عبَّرت عن توق القوميين للعب هذا الدور القومي، الذي قالت به عقيدتهم ونادت به وبشرت منذ التأسيس بضرورة القيام به.
لقد كان هذا الدور في صلب دينامية الأهداف القومية لو لم يغوره نقيضان: قبوله بمقولة: منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وهذا خروج واضح عن العقيدة السورية القومية الاجتماعية.
قبوله بالاختراق الفاضح، والوقح، للأمن الفلسطيني على امتداد دوائر الحزب، قيادة وأفراداً ومؤسسات.
- الدور الوظيفي الرابع: الانخراط في الحرب الأهلية اللبنانية، منتصف سبعينيات القرن الماضي.
يعتبر هذا الدور، الأكثر تعقيداً، وهو بحاجة إلى دراسات معمقة، وفي دراسة أسباب الإنخراط في عمليات الحرب العسكرية، وأسباب الإنخراط في الحركة الوطنية اللبنانية، وطبيعة التحالفات الهشة حيناً والخطيرة حيناً آخر على امتداد سنوات الحرب. أقول أن دراسة موضوعية لا تراعي ظروف الوطن آنذاك والمشروع الكتائبي القواتي الرجعي التآمري على المقاومة الفلسطينية وحلفائها في لبنان، تبقى دراسة خارج السياق التاريخي للحرب ومندرجاتها. وإن الحرب رغم ما حملته من سيئات وآلام وعدد وافر من الشهداء والمقاومين القوميين الأبطال، إلاّ أنها أسقطت مشروع حكم بشير الجميّل واليمين اللبناني في لبنان، أسقطت معاهدة في17 أيار والتطبيع مع «إسرائيل»، وأسست للمقاومة الوطنية والإسلامية، وهذا بحدِّ ذاته، يقع في صلب وقلب دينامية الأهداف القومية رغم كل العثرات والشوائب.
- الدور الوظيفي الخامس: استبدال الدور السياسي بالدور الأمني في مرحلة التواجد العسكري السوري في لبنان.
لقد شكّل هذا الدور انقلاباً بنيوياً على طبيعة الحركة السورية القومية الاجتماعية ومنظومة قيمها وممارساتها، فالعلاقة الأمنية كما يفهمها القوميون، هي علاقة مكتب متخصص في عمدة الدفاع ضمن توجيهات وإرشادات قيادة الحزب السياسية للقيام بما يقتضيه الواجب القومي في تشاركية العمل مع الآخرين، لصيانة حال المقاومة والممانعة ضدّ «إسرائيل» وحلفائها وعملائها.
أما الحزب، وهو الأداة التنفيذية للحركة السورية القومية الاجتماعية فهو لا يقيم إلاّ علاقة سياسية قومية على مستوى التنظيمات والدول أو الكيانات. لقد كان هذا الدور مّقاسه تشوهات، طالت الأفراد والمواقع، تشوهات في الممارسات الحزبية، والعلاقات الاجتماعية طالت منظومة الأعراف والتقاليد والأخلاق، خلقت الرعب والخوف والفتنة، سمحت بلعبة الدم والغدر والتقاتل والتشرذم، وتبنت قاعدة اغتصاب السلطة. على قواعد حقّ القوة، لا قوة الحق.
مردود هذا الدور لم يتعد مشاركة سياسية، باهتة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، بفعل واقع التبعية لأصحاب الأمر والنهي إلى حدَّ أن تقترح مشروع قانون، ثم تصوت ضده، وتقول أنك أديت قسطك للعلى، وإرتقيت إلى سدرة المنتهى. لو كان هذا الدور كما وصفناه أعلاه، لكان حتماً في مقدمة الأهداف القومية، ولكنه كما بيّناه أدناه فهو يصب في دائرة الكارثة الموصوفة التي لحقت بالحركة السورية القومية الاجتماعية وأساءت إليها ودمرت بنيانها. ولم تؤتِ ثماراً.
- الدور الوظيفي السادس: التصدي للأخوان المسلمين والسلفيين.
هذا الدور لا زال في حالة الإمكانية، في حالة القوة لا الفعل ولكنه بدأ يأخذ طريقه للتحضير الذهني والتشكل المزاجي شبه الطبيعي في أوساط الحركة السورية القومية الاجتماعية ومناصريها انطلاقاً من أن الفكر القومي الاجتماعي هو المرجع الجامع الموّحد وتبيان الخطورة مما يحدث في الشام ومنذ ما يقارب العام حتى الآن من تهديد لوحدة الشعب، ومحاولة تهديم مؤسسات الدولة، والقضاء على السلم الأهلي. في حرب مكشوفة على سورية ودورها وتاريخها وحضارتها. مموّلة من قبل الأنظمة الملكية العربية. مدعومة من الغرب الأميركي والأوروبي و«إسرائيل» بشكل كامل ومطلق. وقد حصدت حتى الآن ما يقارب العشرة آلاف سوري ما بين مدني وعسكري، ودماراً يكاد يكون شاملاً في بعض المدن السورية وأحيائها. وخراباً للبنى التحتية ومظاهر الإزدهار والرقي السابقين. وانتهاكاً فاضحاً للنسيج الاجتماعي السوري في تشكيلاته المدنية وتحضيرها عبر دورة القتل والدم إلى شبه خندقة مذهبية  بدت بعض ملامحها جلية للعيان. وكل هذا على يد مجموعات مسلحة يشكل «الأخوان المسلمون» عصبهم الأساس ولا يشمل هذا التوصيف المعارضة السورية الوطنية بل الأخوان المسلمون والسلفيّون والمعارضة الخارجية.
وحيث أن مجموعة العقائد والأفكار في الأمة لا تحمل في مضمونها أو تجاربها ما يؤهلها لمواجهة هذه الحالة القديمة ـ المستجدة فتذهب مخيلة القوميين إلى التنطح بهذا الدور في مواجهة هذه الحالة الغاضبة الناشئة المندفعة بقوة غير عادية الحاقدة حدّ ما بعد التصوّر، بما لديهم من مخزون فكري وثقافي، وحتماً لا نعني لا القدرات العسكرية ولا الاحتضان الشعبي لمواجهة هذه الحالة ـ كمشورع مواجهة لإنقاذ الكيان، وبعده الأمة. إنه دور وظيفي نحذِّر منه لخطورته، فنشر التعاليم القومية الاجماعية والعمل النهضوي لا يستوي مع فكرة البندقية المأجورة ولا عقيدة غب الطلب ولنا في أدوارنا السابقة ما يكفي.
إن الظروف الموضوعية لهذه الحالة هي ظروف مغايرة، لمجمل سابقاتها لذا فأسلوب التصدي والمواجهة، يجب أن يكون تصدي ومواجهة المجتمع بالكلية، لأن الحرب المعلنة بنظرنا وكما يقول المفكر القومي الاجتماعي يوسف الأشقر إنها حرب على المجتمع وليست فقط على النظام في سورية، نعم إنها الحرب الأميركية والأوروبية الإسرائيلية العربية والرجعية، المملكيات والمشيخات، والعثمانية الجديدة، وأحفاد Black waters من المرتزقة في لبنان وعمان، إنها أوقح حرب وأعظمها تمويلاً وأخطرها إعلاماً. وهذا يستدعي أن يعلن المجتمع إستنفاره لمواجهة هذه الحرب الجارفة، وأن يستنبط وسائل دفاعه ورسم خططه للمواجهة والنزال. فالمسلم المؤمن منوط به معرفة الخطر المتأتي من مسلم متطرِّف، لا يؤمن إلا بالعنف، والذبح من الوريد إلى الوريد والمسيحي منوط به أن يعرف خطورة التشكل الأكثري والأقلوي خارج معادلة المواطنة الجامعة، وكذلك الكردي والدرزي والعلوي وكل المكونات الدينية والعرقية في الوطن. وكذلك حال كل العلمانيين والتقدميين والوطنيين، شيوعيون وقوميون وبعثيون وقوميون عرب ناصريون. ومواطنون مستقلون وكذلك حال كل منتم إلى جمعية ونادي ومنظمة وفرقة كشفية أو إسعاف أو نادي صحافة أو فكر أو شعر أو أدب.
إنها حال تستدعي وقوف المجتمع رُمةً، وعندها فقط لا تكون وقفة غب الطلب ... بل تكون وقفة لرد التحدي المصيري، وعندها فقط سيكون الانتصار انتصاراً للمجتمع وهذا هو أجمل الانتصارات.
``

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net