Tahawolat
 
ثمة قناعة مبدئية وحقيقية لدى القوى المتنورة في المجتمع، أن التناقض الأساسي الحاد والفاصل هو بين مشروع النهضة القومية المتنورة في بلادنا الهادفة الى بناء المجتمع القومي والدولة القومية المدنية الجامعة، والساعية الى ترسيخ مفاهيم المواطنة والهوية والعدالة الاجتماعية والديمقراطية والمساواة وتكافؤ الفرص وبين المشروع الصهيوني المعادي المتسلح بأعتى دعم دولي تم تسخيره وتجييره خارج مصالح الدول والمجتمعات والأمم التي تشكل اطاره الرافد بكل أنواع الدعم المادي – الاعلامي – السياسي ، والتي تقع أسيرة الارتهان لمجموعات الضغط واللوبي الصهيوني المنظمة تنظيماً دقيقاً والمتغلغلة في كل مفاصل القوة في الغرب، والتي تملك مفاتيح أبواب الدخول الى مجتمعنا المفكك والمنقسم والمترهل والمفكك البنية الاجتماعية، والتي اضافة الى كل هذه العناصر، حققت خرقاً على مستوى السلطات القائمة في أمتنا وعالمنا العربي.
خلاصة القول، أن الصراع اشتد في الآونة الأخيرة، وقد اتخذ أشكالاً غير مسبوقة، ويشهد حالياً حروباً بالوكالة تخاض عوضاً عن العدو الصهيوني الذي يراقب تطورات الأحداث لما لها من انعكاسات مباشرة على واقعه واستمراريته في قلب هذه الأمة.
ليس قليلاً ما يحصل، ولكن، لابد من الاقرار أيضاً، أنه وبرغم كل عناصر القوة البادية والتي يملكها هذا العدو، الا أنه يعاني أزمة وجودية على مستوى الكيان برمته، وهذه الأزمة تجد تعبيراتها في العديد من الوقائع والحقائق الدامغة على الأرض.
انها الفرصة الوحيدة والمخرج الوحيد المتاح للكيان الصهيوني الغاصب على أرضنا القومية بالاستمرار، وهذا المخرج يتمثل في قدرته على تحويل الصراع معه، الى سلسلة حروب صغيرة داخلية مدمرة تم وضع القاعدة النظرية لها مذهبياً وطائفياً.
المشكلة، أن البنية الداخلية لمجتمعنا تسمح للعدو بالرهان على استيلاد الحروب العبثية، والتي تم التنظير لها على مستويات مراكز القرار الدولي، وبدأ تسويقها منذ أحداث أيلول 2001، وحملت عناوين «مكافحة الارهاب»، و»صراع الحضارات» ، و «نهاية التاريخ»، وكان الهدف منها احداث وافتعال انقسام على مساحة الأرض بين  «عالم مسيحي» وأخر «اسلامي»، واشغال «العالم الاسلامي» نفسه بصراعات جانبية لا طائل منها، تستنفد الطاقات الكامنة، وتغير البوصلة في معادلات الصراع.
اذاً، الصراع الأساسي «الكبير» تم تلزيمه الى كارتيلات مال وسلطة تخوضه عوضاً عن «العدو» نفسه، ويتم توظيف كل المال وكل السلطة، وكل الأحقاد، وكل الميتافيزيقيا، وكل الانتروبولوجيا لربحه.
طبعاً، هذا الجانب المتعلق بارادة وفعل «العدو» نفسه، وفي المقلب الآخر أي «المقلب المتعلق بنا»، الأرضية جاهزة، تركيبة مجتمعية معقدة، غياب الوضوح في مسائل الهوية والانتماء، الخلط بين مرامي الدين وظاهرات الطائفية والمذهبية المتأصلة –مع الأسف- في عمق الوعي الجمعي لانساننا، فشل الفكر القومي في اختراق عقل الانسان لدينا، تراجع النهضة وفعلها، الفساد على مستوى السلطة والمجتمع في بلادنا، انحلال أخلاقي مرافق ومواكب لكل هذه التحولات.
كل هذه العوامل مجتمعة، شكلت المرتكز لتقدم المشروع المعادي في السنوات الماضية، بالرغم من حالة ممانعة تحاول قلب المعادلات.
ما أردت قوله أننا أمام مفصل جدي،  والفرصة بالرغم من كل السوداوية المحيطة، لا تزال متاحة لأخذ زمام المبادرة وايجاد الحلول السريعة القريبة والبعيدة والمتوسطة لنقل الصراع الى مكان أخر الى قلب العدو، وهناك ارهاصات مشعة في الفعل المقاوم لمجتمعنا، تصلح لأن تكون قاعدةً للانطلاق مجدداً.
نحن بحاجة الى مبادرات «خلاقة» و «طموحة» تزيل الصدأ عن العقول، تحرر الارادات، وتعيد رسم خارطة الصراع مجدداً، وتضع البوصلة الحقيقية للحاضر والمستقبل.
المهمة ليست مستحيلة، فنحن نملك عناصر قوة هائلة  أتت اللحظة التاريخية الحاسمة لتوظيفها في معركة الحرية الحقيقية. فهل نكون على مستوى هذه اللحظة؟ الجواب: نعم. وهذه مهمتنا: تطويع المستحيلات وتحويلها الى «ممكنات» بالوعي والارادة والفعل النهضوي.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net