Tahawolat



رهانات العدالة في الفكر المسيحي

مقدّمة:

تتصدّر القيم الأخلاقية حيّزًا مهمًا في الحياة الإنسانية، ومن بين هذه القيم سأتناول في بحثي هذا رهانات العدالة في الفكر المسيحي من خلال دراسة تحليلية.

يتحلّى الإنسان بالعديد من الصفات التي تجعله شخصًا مميّزًا وموضع احترام وتقدير، وتختلف تلك الصفات وأهميتها باختلاف القيم والمعايير السائدة في المجتمع، ولكن هنالك أخلاق ثابتة لا يُمكن لأي مجتمع أن يتخلى عنها نظرًا لأهميتها وخطورة عدم التقيّد والالتزام بها.

العدالة صفة إنسانية وقيمة أخلاقية وفضيلة أساسية لسلوك الإنسان، تستوي في قرائن الاجتماع البشري السليم؛ لذلك يفهمها الناس استنادًا إلى تصوّرهم للمساواة وللحرية. فبالعدل تستقيم أحوال الناس ويرضى الجميع وتتحقّق الأهداف بنمط يتماشى مع الخير والصلاح. والبعض يتصوّر أن العدل والمساواة واحد ولكن الحقيقة أنّ العدل غير المساواة. فالمساواة هي التوزيع بالتساوي، ويكون التوزيع بالتساوي متطابق مع العدل عندما تُوضع الأمور في نصابها وموضعها الصحيح، وإعطاء كل ذي حقّ حقّه، والعدل ضدّ الجور والظلم وهو الإثابة على الحسنة بالحسنة والمعاقبة على السيئة بالسيئة.

إذًا، لا يمكننا معرفة دور العدالة وتبيان طبيعتها إلاّ بصورة شاملة وضمن الأطر الدينية المسيحية التي تربط الإنسان بالله، والراعي بالرعية، والفرد بالمجتمع. فالعدل أساس المُلك وميزان التشريع ومصدر الأحكام.

تشكّل قيمة العدالة محورًا أساسيًا في الأخلاق والحقوق والفلسفة الاجتماعية وتُعتبر قاعدة مهمّة تنطلق منها بحوث إيجاد المعايير الأخلاقية والمقاييس القانونية والمبادئ الحقوقية. إذًا، هي أساس أخلاقي ورؤية عقلانية للبيئة التي يعيش فيها كل شخص، شرط أن ينظّم هذه الرؤية قانون وضعي يُشارك في صياغتها الجميع بعيدًا عن التحكّم. وهي عكس الظلم والجور والتطرّف. ومن أهدافها التوازن والمساواة والإنصاف وعدم التعدّي. أما نظريات العدالة فلا تختلف اختلافًا كبيرًا من مجتمع إلى آخر، ولكن يختلف في تطبيق مفاهيمها. وعند اختلاف المفاهيم لا يمكن أن تتواجد العدالة التي تتضمن القوانين الطبيعية التي وُجدت مع وجود العالم، وعملية تحقيقها من قِبل البشر يرتبط بمدى فهمهم وإدراكهم لجوهر الرسالات السماوية وغاياتها التي توضح ما أراد منهم خالقهم.

فإن العدالة سبب تعايش الغني والفقير في مجتمع واحد وهي حقّ يتمتع به كلّ منهما. وليس بالضرورة لتحقيقها في المجتمع تطبيق القوانين الموجودة في المحاكم لأنها من صنع البشر وتخدم مصالح الأقوى ومصلحة من يضعها. فالقانون يختلف عن العدالة. العدالة هي القانون الإلهي، أما القانون فهو من صنع البشر. وقد ينسجم مع العدالة وقد لا ينسجم معها.

أمّا إشكالية هذا البحث فهي على النحو الآتي:

ما الذي دفعَ المسيحيين إلى السعي وراء العدل والعمل على إحلال العدالة في الأرض وبين البشر؟ وما الذي جعلهم يأخذون بالوسائل الآيلة إلى تحقيقها انطلاقًا من عقيدتهم الدينية وقيمهم الأخلاقية؟

ومن زاوية أخرى، هل يُمكننا نقل قيمة العدالة في الفكر المسيحي من الشكل النظري والأفهومي إلى حيّز التطبيق العملاني وكيف؟

من هنا كانت أهميّة هذا البحث وضرورته، كمحاولة متواضعة للمساهمة في إيجاد السُبل الملائمة والناجعة لتوحيد جماعة المؤمنين، أي أبناء الكنيسة الواحدة في إطار وحدة القيم المسيحية، وهي المهمّة الأكثر إلحاحًا، والتي يواجهها كلّ منّا في عالم اليوم، ألا وهي إعادة بناء إنسان مسيحي في زمن انقلاب المعايير الإنسانية وانحدار القيم الأخلاقية.

لقد فرضتْ عليّ طبيعة البحث اعتماد المنهج التحليلي، حيث عرضت بإسهاب محللًا ما ورد في أسفار الكتاب المقدّس وإصحاحاته وبعض طروحات فلسفية لآباء الكنيسة الغربية في العصر الوسيط أمثال القديسين أوغسطينوس وتوما الأكويني لمسألة العدالة في الفكر المسيحي.

بعد المقدّمة، تناولتُ بإسهاب في هذا البحث مسألة العدالة في الفكر المسيحي، أولًا في مسارها اللغوي والاصطلاحي، وثانيًا في مسارها الديني والفلسفي. أما في الخاتمة فاستخلصت الاستنتاجات التي توصّلتُ إليها.


أولًا: العدالة في الفكر المسيحي في مسارها اللغوي والاصطلاحي:

يعود جذر كلمة (justice) في اللاتينية إلى (Jus) و(juris) أي ما هو عدلٌ، حقّ، وقويم ثم منصف (Droit, Juste equitable)، مطابق لمعطيات العقل والقوانين الإنسانية. ففعل العدل حرّ ومستقل، فيه ميلٌ صريحٌ لتجنّب الظلم، واحترام حقوق الغير، نظرًا إلى اعتراف الإنسان بما هو حقّ طبيعي لهذا الغير.  جاء في معجم اللاهوت الكتابي ما ملخّصه: إنّ البرّ، عدالة وصدق وخيرٌ، يقوم على طبيعة علاقات الإنسان بالله. فالبرّ فضيلة تشمل جميع الوصايا الإلهية. ويظهر برّ الله، أي عدلُه، في نزاهته التامة عند قيادته للشعب وللأفراد، ثمّ في كونه إله المجازاة، عنه يصدر الثواب والعقاب في الدينونة يوم الحساب. وليست الاستقامة البشرية إلاّ انعكاسًا وثمرة لبرّ الله الأسمى الذي يغمر به مخلوقاته.

وإذا تجاوزنا معاني البرّ أي العدالة هذه في العهد القديم -عدالة اجتماعية، ومحافظة على الشريعة، وربطًا بالحكمة والصلاح- وجدناها في العهد الجديد تتعلّق بتعاليم المسيح التي تحثّ الإنسان على فعل البرّ أي الخير.

والبرّ هذا برّان:

1- برّ إلهيّ لا يتدخل في حياة المؤمن أو الجماعة تفصيلًا، إنما يُترجم عدلًا إلهيًا ككل يوم الدينونة. والعدل الإلهي هذا مرادفٌ للرحمة، وهي صفة إلهية أساسية من صفات الله.

2- وبرّ إنساني يقتضي الإيمان بالشريعة، ويترجم أفعالًا صالحة وفاء لتعاليم الله والمسيح . وكما ورد في معجم المصطلحات الدينية: «العدل هو الإنصاف، الأمر المتوسط بين نقيضين متطرّفين، أما العدالة فتعني الاستقامة، وقضائيًا إجراء الإنصاف وإحقاق الحقّ، أي إعطاء المرء ما له وأخذ ما عليه» .


ثانيًا: العدالة في الفكر المسيحي في مسارها الديني والفلسفي:

هناك تسع وأربعون آية في الكتاب المقدّس تدعو إلى العدل والعدالة، سجّلنا هذه الآيات لتكون نماذج لبحثنا هذا، وهذا يعني أنّ الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد يخلو من اللاعدالة والتفرقة بين الأجناس -وبين الأغنياء والفقراء- بين الرجال والنساء- منها:

1- «إن رأيت ظلم الفقير وما يخالفُ العدل في بعض الأقاليم فلا تعجب من الأمر فإنّ فوق العالي أعلى منه يسهر وفوقهما من هو أعلى منهما...» . أي لا يجب السكوت عن الظلم وخاصة «ظلم الفقير».

2- «افتحْ فَمَكَ وأَحكم بالعدل وأنصف البائسَ والمسكين»... . أي أيّها القاضي في أية محكمة «اُحكم بالعدل» وإلاّ هناك لسان طويل للحقيقة والتاريخ.

3 ـــ «لتفرح الأمم وتُهلل لأنّك بالعدل تدينُ بالاستقامة تدين الشعوب وفي الأرض تهدي الأمم سلام...» . أي عند الله هناك عدالة ومساواة وسلام بين الشعوب.

4 ـــ «إجراء العدل والحق أفضل عند الربّ من الذبيحة...» . أي لا تصوم ولا تصلّي إلا بعد أن تجري العدل وتدافع عن الحقّ وبعدها اذهب وقدّم ما عندك لله.

يُعتبر «العدل» في اللاهوت المسيحي من أهم وصايا أنبياء العهد القديم والتي أكّد عليها السيّد المسيح في العهد الجديد، عندما انتقد الفريسيين المرائين والكتبة، لأنهم أهملوا أهمّ ما في الشريعة: العدل، والأمانة، والرحمة: «الويل لكم أيّها الكتبة والفريسيون المراؤون. فإنكم تؤدّون عشر النعنع والشمرة والكمّون، بعدها أهملتم أهمّ ما في الشريعة: العدل والرحمة والأمانة. فهذا ما كان يجب أن تعملوا به من دون أن تهملوا ذاك» .

إذًا، ما هو مفهوم «العدل» لدى الأنبياء؟ وكيف حوّلوه إلى أهمّ وصية عندهم، تتضمّن إرادة الله في الإنسان المؤمن؟

إنّ أهم صفات إله إبراهيم الخليل المعروف بأبي المؤمنين هي أنه عادل ويرعى العدل: «ينتظر الربّ ليرحمكم ويتعالى ليرأف بكم الآن الربّ إله عدل لجميع الذين ينتظرونه» . فعدل الله هو الذي يكوّن نقطة الانطلاق لكلّ الاعتبارات حول «العدل» في المجتمع الإنساني.

كيف يتحقّق العدل في علاقات الحكّام والقضاة والشعب؟. وكيف يتم في علاقات البشر بعضهم ببعض؟ ومن ثمّ، كيف يستطيع المسيح المنتظر أن يتمّم العدل؟

يرتبط «العدل» بصميم وجود الإنسان وكينونته داخل المجتمع. إنه فضيلة بها يُعطي المرء كلّ إنسان حقّه ويعترف بالآخر الساكن معه في المجتمع، وبما له من حقوق، اعترافًا ثابتًا ودائمًا. فإذا خُلِقَ الإنسان على صورة الله ومثاله . فهو متساو، مهما يكن، في الحقوق الأساسية العائدة للشخص البشري مع أخيه الإنسان، والعدل هو الفضيلة الضامنة لهذه الحقوق.

«العدل» هو سند العرش الملكي. هذا ما أراد النبي أشعيا التعبير عنه حين قال: «فإنه بالرحمة يثبت العرش ويجلس عليه بالأمانة في خيمة داود قاضي يبتغي الحق ويبادر إلى البرّ» .

وحلم أشعيا أن يثبّت كلّ أركان مملكته على الحقّ والعدل «لنموّ الرئاسة ولسلام لا انقضاء له على عرش داود ومملكته ليقرّها ويوطّدها بالحق والبرّ من الآن وللأبد غيرة ربّ القوّات تصنع هذا» .

فالعدل في الحكم والقضاء أوصى به الله الحكّام: «وأوصيت قضاتكم في ذلك الوقت وقلت: «اسمعوا ما بين إخوتكم واحكموا بالبرّ بين الرجل وأخيه ونزيله، لا تحابوا وجه أحد في الحكم، واسمعوا للصغير سماعكم للكبير، ولا تهابوا وجه إنسان، فإنّ الحكم هو الله، وأيّ أمر صعب عليكم، فأتوني به حتّى أسمعه» .

يختار الله الملك لأنه يحبّ العدل: «أحببت البرّ وأبغضت الشرّ، لذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج دون أصحابك» . ولكي يملك في العدل: «ها إن الملك يملك بالبرّ والرؤساء يرأسون بالحق» . ويقيم الحقّ والإنصاف: «وملك داود على كلّ إسرائيل. وكان داود يجري حكمًا وعدلًا لكلّ شعبه» . فعلى الملك أو الحاكم أو ممثليه أن يسهرَ ليطبّق بدقّة قواعد الحياة الاجتماعية والعدالة الجزائية والتوزيعية. مع مراعاة حقوق الضعفاء والفقراء: «بل يقضي للضعفاء بالبرّ ويحكم لبائسي الأرض بالاستقامة ويضرب بقضيب فمه ويُميت الشرير بنفس شفتيه» . وهو يستطيع أن يعلن الإعفاء من الديون. الإله هو الذي يقضي للفقراء بالعدل، ويحكم لبائسي الأرض بالحقّ، يطالب دومًا من ممثّله أن يقف إلى جانب المطلوب على أمرهم والمستضعفين.

تهدف الشريعة الموسوية حماية حقوق المستضعفين. فالسبت أي اليوم على سبيل المثال هو يوم عطلة وراحة لجميع الناس. والسنة السبتية تقضي بتحرير العبيد في كلّ سابع سنة، والسنة اليوبيلية تطلب تخلية عامّة للديون كلّ خمسين سنة . هذا ما يُحقق نوعًا من العدالة الاجتماعية والمساواة التوزيعية. ولكن الواقع كان مختلفًا. هذا ما دفع الأنبياء إلى أن يكونوا صوت العدل لدى الحكّام والقضاة.

وفي أول كتاب نبويّ توراتي نقرأ أقوال نبيّ العدالة الاجتماعية عاموس الذي يشجب مسلك الحكّام والقضاة الظالمين في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد: «ويلٌ لكم، إنكم تحوّلون العدل إلى مرارة وتلقون الحقّ إلى الأرض» .

فإذا كان الله إله العدل فهو يعامل البشر بالعدل أيضًا. والعدل يفرض على الإنسان أن يُعطي كل ذي حقّ حقّه. لهذا يحكم الله على العظماء لأنّهم يظلمون المساكين ويطبّقون عليهم ويسحقون البؤساء .

وإذا أدان الله الرؤساء والملوك والقضاة، فلأنهم تجاوزوا الفرائض التي تطلب من الإنسان أن يعامل أخاه كما يريد هو أن يعامله. وعقاب الله لا يستثني أحدًا. لقد أخطأ شعبه فعاقبه، وأخطأت سائر الشعوب فأنزل بها العقاب أيضًا. ولأوّل مرة تظهر عند النبي عاموس عبارة «يوم الربّ»: «ويلٌ للتواقين إلى يوم الرب ماذا يكون لكم يوم الربّ؟ يكون ظلمة لا نورًا» . يوم التهلكة وانتصار العدل على الظلم والحقّ على الباطل.

لقد نبّه النبي عاموس وسائر الأنبياء بعده إلى أنّ فقدان العدل يجعل الممارسات الدينية، كالصلوات والأصوام، لا قيمة لها ولا تجدي نفعًا إذ لم يرافقها العدل: «لقد أبغضت أعيادكم ونبذتها ولم تطب لي احتفالاتكم. إذا أصعدتم لي محرقات.. وتقادمكم لا أرتضي بها ولا أتطلع إلى الذباح السلامية من مسمّناتكم» . «فحين تبسطون أيديكم أحجب عينيّ عنكم وإن أكثرتم من الصلاة لا أستمع لكم لأن أيديكم مملوءة من الدماء فاغتسلوا وتطهّروا وأزيلوا شرّ أعمالكم من أمام عينيّ وكفّوا عن الإساءة تعلّموا الإحسان والتمسوا الحقّ قوّموا الظالم وأنصفوا اليتيم وحاموا عن الأرملة» . أهكذا يكون الصوم الذي فضّلته اليوم الذي فيه يعذّب الإنسان نفسه. أإذا افترش المسح والرّماد وحنى رأسه كالقصب تُسمّي ذلك صومًا ويومًا مرضيًا للربّ؟ أليس الصوم الذي فضّلته هو هذا: «حلّ قيود الشرّ وفكّ ربط النير وإطلاق المسحوقين أحرارًا وتحطيم كلّ نير؟ أليس هو أن تكسر للجائع خبزك وأن تدخل البائسين المطرودين بيتك وإذا رأيت العريان أن تكسوه وأن لا تتوارى عن لحمك؟ حينئذ يبزغ كالفجر نورك ويندب جرحك سريعًا ويسير برّك أمامك ومجد الربّ يجمع شملك» .

إذًا، يرفض الربّ الذبائح والتقادم وما يريد هو العمل بإرادته في احترام الحقّ وممارسة العدالة لأنه خالق الكون وسيّد التاريخ.

سار النبي أشعيا على خطا أسلافه من الأنبياء، وهو الأكثر شهرة بينهم، ولم يكن هدفه التبشير بأحداث مستقبلية، بل قراءة وتفسير أحداث زمانه. لقد بشّر في أوضاع سياسيّة معقّدة جدًا وفي مملكة منقسمة إلى مملكتين: واحدة في الجنوب وأخرى في الشمال.

أمام قداسة الربّ، تجلّت واضحة أمام عينيه كينونة شعبه الهشّة، فكانت صرخته الأليمة: «ويلٌ للذين يشترعون فرائض الإثم والذين يكتبون كتابة الظلم ليردّوا الضعفاء عن إجراء الحكم ويسلبوا حقّ الضعفاء شعبي لتكون الأرامل غنيمة لهم وينهبوا اليتامى» .

ورأى النبي أشعيا أنّ السبي إلى بابل كان عقابًا قاسيًا من قِبَل الرب لشعبه الذي لم يُحقّق العدل والإنصاف، فإسرائيل ترك إيمانه وشعوب كثيرة تدخلت في شؤونه من دون هوادة. يشبّه شعب الله بالكرمة المختارة المحبوبة ، التي لم يترك شيئًا إلاّ وضعه له. ولكنّه خيّب أمل الربّ. انتظر العدل والحقّ منه: فكان الجواب «سفك الدماء والصراخ: فوسّع مثوى الأموات حلقه وفتح بلا حدّ فمه فينحدر فيه وجهاؤه وعامّته وجمهوره وكلّ مبتهج فيه» .

إذًا، ما المطلوب لكي يتعالى الربّ القدير بقضائه ويتقدّس بعدله؟

إن الشعب لم يسمع كلام الرب. وأصبحت مدينته فاسدة بعدما كانت عامرة بالحق والعدل، يسكن فيها القتلة والأشرار وقطاع الطرق. كيف صارت المدينة الأمينة زانية؟ لقد كانت مملوءة عدلًا وفيها كان مبيت البرّ. أمّا الآن فإنما فيها قتلة. فضتك صارت خيشًا وشرابك مُزِج بماء، رؤساؤك عصاة وشركاء للسراقين .

رفضت المدينة وحكامها وقضاتها إرادة الربّ وتمردت عليه: «فكانوا طعامًا للسيف»: وإن أبيتم وتمرّدتم فالسيف يأكلكم لأن فم الرب قد تكلم . لأن كل الذين يتمرّدون عليه «يفنون» .

أمّا أولئك الذين يسمعون صوت الربّ وهم قلائل فإنّهم سوف يضعون سيوفهم سككًا ورماحهم مناجل ولا يتعلمون الحرب من بعد: فلا ترفع أمة على أمة سيفًا .

تردّدت أقوال النبي أشعيا في سفر إرميا الذي عاش في أوضاع أمنية متردية وسياسية مضطربة. فشاهد اجتياح الجيوش الآشورية مجددًا ثم الكلدانية لمملكة يهوذا وثم نفي البقية الباقية إلى بابل سنة 587 قبل الميلاد.

لقد علا صراخ النبي إرميا منذرًا بخراب إسرائيل ودمارها، لأنَّ الشعب لم يسمع كلام الربّ ولم يحكم بالإنصاف والعدل ولم ينقذ المظلوم من يد الظالم، واضطهد القريب واليتيم والأرملة وسفك دماء البريء: هكذا قال الرب: «أجروا الحكم والبرّ وأنقذوا المسلوب من يدّ الظالم، ولا تتحاملوا على النزيل واليتيم والأرملة، ولا تعنّفوهم، ولا تسفكوا الدم الذكي في هذا المكان. فإنكم، إن عملتم بهذا الكلام، فملوك جالسون على عرش داود، راكبون على مركبات وخيل، يدخلون من أبواب هذا البيت، هم وعبيدهم وشعبهم» .

ما تنبأ به حصل فعليًا لأن بني إسرائيل أهملوا الحق والعدل فأتى المخرّب والمدمّر وحوّل الأرض رمادًا. عاش هذا النبي الكارثة خطوة خطوة مناديًا بالحقّ إلى أن تحول «دمار شعبه» إلى مأساة مدمّرة لشخصيّته بالذات، فمهدت لميثاق جديد يقيمه الله مع شعبه: «وإنّي أجعل شريعتي في ضمائرهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا: ولا يعلّم بعد كل واحد قريبه وكل واحد أخاه قائلًا: «أعرف الربّ»، لأنّ جميعهم سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم، يقول الربّ، لأني سأغفر إثمهم ولن أذكر خطيئتهم من بعد» .

لم يكتفِ الكتاب المقدّس بأن يترك ممارسة العدل للحكّام والقضاة، بل على الإنسان المؤمن المحافظة على العدل في علاقته بالآخرين.

فالعدل يبدأ في سلوك مطابق للشريعة اليومية: لا تجوروا في الحكم ولا في المساحة والوزن والكيل. بل لتكن موازينكم وعيارتكم عادلة. وليكن لكم قفّة عادلة وَهْنٌ عادل. أنا الربّ إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر. فاحفظوا جميع فرائضي وأحكامي واعملوا بها. أنا الرب» .

الويلُ لمن بني بيته بغير برّ وعلّياته بغير حقّ وستخدم قريبه بلا أجرة ولا يعطيه ثمن عمله ، كما الويل للذي عيناه وقلبه على المكسب الخسيس وسفك دم البريء والظلم والعنف . أما النبي حزقيال فيصف من منفاه البابلي الصديق «بأنه يعمل الحقّ والعدل فلا يعبد الأصنام، ولا يظلم أحدًا. يحكم بالعدل بين الناس ولا يسرق ولا يقرض ماله بالربا ويعطي خبزه للجائع ويكسو العريان ثوبًا، ولا يظلم البائس» ، إذًا، من يتبع العدل يجد البركة والحياة الإلهية التي تكافئ المؤمنين.

إن الربح العادل وعدم استغلال الآخرين هو أمر أساسيّ لدى الأنبياء. وحتى ولو تغيّرت شروط العمل فالعامل يحقّ له الأجر العادل مقابل عمله. وصوت الأنبياء هو الذي يحمي ويصون وينبّه لكي تكون علاقات الناس بعضهم ببعض أقرب إلى المساواة في التبادل وعدم استغلال الآخرين.

أما المرأة القديرة فهي التي تبسط كفّيها إلى البائس وتمدّ يديها إلى المسكين . وأكد النبي أيّوب في سفره أنه ارتدى العدالة لباسًا لينجّي الفقير من الضيق وساعد اليتيم والمعذّب والأرملة، وقاد الأعمى، وأسند الأعرج: وكنت أهشّم أنياب الظالم ومن بين فكّيه أنتزع فريسته .

وهنا لا بدّ لنا من التساؤل: هل عدل الله يشبه العدل القضائي عندما ينجد المظلوم ويدافع عن اليتيم، وهل نستطيع أن نحدّ هذا العدل في العدالة القضائية أو ليس هناك مفهوم أسمى للعدل الإلهي؟

لقد أدرك أنبياء العهد القديم أن الإنسان المؤمن هو دومًا بحاجة إلى الإيمان لكي يفهم العدل الإلهي كعطية مجانية لديه، هو الذي خصّ شعبه بالعدل والحكم بالرأفة والرحمة بحسب النبي هوشع: «وأتزوّجك إلى الأبد أتزوجّك بالصدق والعدل والرأفة والرحمة» .

والذي يلجأ إلى عدل الله يترقّب منه ما هو أكثر بكثير من حكم عادل: فهو يطلب الحياة: «أحكامك يا ربّ هي صالحة، أشتاق إلى أوامرك، فأحيني يا رب بعدلك» . وما يطلبه الإنسان المؤمن أكثر من العدل، فهو مغفرة الخطايا. ويذكّرنا النبي أشعيا بأهمية هداية درب «العدل»، وأكثر من ذلك فإن الرب القدير الذي خلقَ الأرض وهو السّرمدي الذي يمنح المتعَب القوة ويزيده قوة  له وحده العدل والقوة: توجّهوا إليّ فتخلصوا يا جميع أقاصي الأرض فإني أنا الله وليس من إله آخر  وبه، ورغم كل شيء وكلّ الأخطاء، تتبرّر كل ذريّة إسرائيل وبه يفتخرون  وبه يكون الخلاص لشعبه.

إنّ عدل الربّ يعزّي، يسامح ويغفر الخطايا، ويفي بوعوده «يعزّي صهيون في كلّ خرابها... فيعود إليها الفرح والسرور وتنطلق بالحب وصوت النشيد»: «اسمعوا لي أيها المتبعون للبر الملتمسون للرب انظروا إلى الصخر الذي نُحتّم منه وإلى المقلع الذي اقتلعتم منه. انظروا إلى إبراهيم أبيكم وإلى سارة التي ولدتكم فإنه كان وحيدًا حين دعوته وباركته وكثرته. قد عزّى الربّ صهيون وعزّى كلّ أضربتها وجعل بريّتها كعدن وقفرها كجنّة الرب سيكون فيها السرور والفرح والحمد وصوت ألحان» . إن عدل الربّ قريب لأنه مقرون بالخلاص الذي وعدَ به شعبه.

بعد السبي إلى بابل راحَ الأنبياء يعلنون انتظار الماسيا أي المسيح الذي سيحقق العدل بحسب رغبة الرب فيصرخ أشعيا: «إنه قد وُلِد لنا ولدٌ وأعطي لنا ابن»... لنموّ الرئاسة والسلام ولا انقضاء له على عرش داود ومملكته ليقرّها ويوطّدها بالحق والعدل من الآن وإلى الأبد: ودعي اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا جبّارًا، أبًا أبديًا، رئيس السلام لنمو الرئاسة ولسلام لا انقضاء له على عرش داود ومملكته ليقرّها ويوطّدها بالحق والبرّ من الآن وللأبد غيرة رب القوات تصنع هذا .

رأت الكنيسة الأولى أن «عمّانوئيل» أشعيا، هو المسيح المنتظر الذي يحقّق سلام الله دونما اللّجوء إلى البطش والقوّة، وهو من فرع «يسّى» وهو حامل كل رجاء الشعب والبقية التي يكون منها شعب الله الجديد هو يسوع الناصري.

نجد في إنجيل لوقا، وفي بدء رسالته بعد المعمودية، يأتي إلى الناصرة حيث نشأ ويأخذ من مجمعها نهار السبت على عادته، كتاب أشعيا ويتلوه: روح السيّد الرب عليّ لأنّ الرب مسحني وأرسلني لأبشّر الفقراء وأجبر المنكسري القلوب وأنادي بإفراج عن المسبّيين وبتخلية للمأسورين لأعلن سنة رضًا عند الربّ ويوم انتقام لإلهنا وأعزّي جميع النائحين .

ثم تراه يغلق الكتاب ويقول: «اليوم تمّت هذه الكلمات»: ثم طوى السفر فأعاده إلى الخادم وجلس. وكانت عيون أهل المجمع كلّها شاخصة إليه . وكانوا جميعهم يشهدون له ويعجبون من كلام النعمة الذي يخرج من فمه: فيقولون: أما هذا ابن يوسف؟ . هكذا يظهر يسوع المسيح كأنه هو الصديق الموعود به: ها إنها ستأتي أيّام، يقول الربّ أقيم فيها لداود نبتًا بارًا ويملك ملك يتصرف بفطنة ويجري الحكم والبرّ في الأرض .

لخّص لوقا في آن معًا رسالة النبي أشعيا وانتظارات الشعب في العهد القديم في وجه يسوع الناصريّ الذي يحقّق رسالة العدل على أكملها. 

المسيح وحده يكون العدل حزامًا لوسطه والحقّ مئزرًا حول خصره» . كان رجاء أشعيا بأن يُنشئ المسيح المنتظر مملكة سلام: فيسكن الذئب مع الحمل ويربض النمر مع الجدي ويعلف العجل والشبل معًا وصبيّ صغير يسوقهما . ويسكن العدل في البرية ويقيم الحقّ في الجنائن ومع العدل يجيء السلام .

لقد استطاع يسوع المسيح وحده الذي يمثّل آدم الجديد أن يعيد للإنسان كرامته وحقوقه، وأن يحكم بالعدل والإنصاف للمساكين ولمنكسري القلوب والمأسورين والمسبيين. فأدخل الجميع في عهد جديد، عهد العدل والحقّ، فيكون هذا العهد أبديًا: هوذا عبدي الذي أعضده مختاريّ الذي رضيت عنه نفسي قد جعلت روحي عليه فهو يبدي الحقّ لأمم. لا يصيح ولا يرفع صوته ولا يسمع صوته في الشوارع. القصبة المرضوضة لن يكسرها والفتيلة المدخّنة لن يطفئها يبدي الحقّ بأمانة. لا يني ولا ينثني إلى أن يحلّ الحقّ في الأرض فلشريعته تنتظر الجزر .

شدّد يسوع المسيح المنتظر، مثل النبي أشعيا على ديانة القلب والبعد عن المظاهر الخارجية، مبلورًا التطويبات حتى جعل المحبة مرجعه الوحيد يوم الدينونة. وكرّر مرارًا مع الأنبياء أريد رحمة لا ذبيحة .

لقد أوجز السيد المسيح مواضيع رسالة أنبياء، مؤكدًا الوحدة التي تنفصل بين عبادة الله ومحبة القريب، وجعل منها الأساس الأخلاقي للإيمان. 

انتقد بعض الشرائع السارية المفعول في عصره والتي لا تحقّق العدل، كوصية السبت على سبيل المثال، إذ قال إن «السبت جُعِل للإنسان، لا الإنسان للسبت». ذكّرنا يسوع بأنّ شريعة المحبّة، التي تستبق كل الأنظمة الحقوقية وتشرّعها، ترتكز على العدل الإلهي الذي لا يميز جميع المخلوقات بعضهم عن بعض: ولكن أحبّوا أعداءكم، وأحسنوا وأقرضوا غير راجين عوضًا، فيكون أجركم عظيمًا وتكونوا أبناء العلي، لأنه هو يلطف بناكري الجميل والأشرار. كونوا رحماء كما أنّ أباكم رحيم. لا تدينوا فلا تدانوا. لا تحكموا على أحد فلا يُحكم عليكم. اعفوا يُعفَ عنكم. أعطوا تعطوا: ستعطون في أحضانكم كيلًا حسنًا مركومًا مهزهزًا طافحًا، لأنه يُكال لكم بما تكيلون . أما هذا العدل الإلهي فلا يكتمل إلاّ بوجه عبد يهوه المتألم: يسوع الناصري المصلوب الذي هو المسيح المنتظر.

فمن الواضح أنّ المسيح الذي تألم هو صورة عبد يهوه في أشعيا وفي كلّ مراحل آلامه وعذاباته، وأعطى معنى جديدًا خلاصيًا لهذه الآلام: «محتقر منبوذ من الناس، موجعٌ متمرّس بالحزن... حمل عاهاتنا وتحمّل أوجاعنا، وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل خطايانا» لكن «سلامنا أعدّه لنا، وبجراحه شفينا»: فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه. مزدرى ومتروك من الناس رجل أوجاع وعارف بالألم ومثل من يستر الوجه عنه مزدرى فلم نعبأ به. لقد حمل هو آلامنا واحتمل أوجاعنا فحسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذللًا. طُعن بحربة بسبب معاصينا وسُحِق بسبب آثامنا. نزل به العقاب من أجل سلامنا وبجرحه شفينا. كلّنا ضللنا كالغنم كل واحد مالَ إلى طريقه فألقى الربّ عليه إثم كلّنا . بأوجاعه شفعَ فينا وحمل خطايانا، وبوداعته برّر الكثيرين.

وإذا حقّق السيّد المسيح قاعدة العدل الذهبية أن نضع أنفسنا في موضع الآخرين كأشخاص، في كلّ علاقاتنا بهم. فكلّ ما أردتم أن يفعل الناس لكم، افعلوه أنتم لهم: هذه الشريعة والأنبياء . جعلنا متحدّين مع جميع محبي العدل ومقيميه في العالم، من دون أي تمييز ديني أو عرقي، وعلّمنا أن نتخلى عن كل شيء في سبيل الخلاص، هو الذي أخلى ذاته آخذًا «صورة العبد... متواضعًا طائعًا حتّى موت الصليب: تجرّد من ذاته متخذًا صورة العبد وصار على مثال البشر وظهر في هيئة إنسان فوضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب . فرفعه الرب, أعطاه اسمًا يفوق كل اسم لتنحني لاسمه كل ركبة في السماء والأرض.

إذًا، العدل الحقيقي هو عدل الصليب وصوت المصلوب: «اغفر لهم يا أبي، لأنّهم لا يعرفون ما يعملون» .

هكذا أراد الله في النهاية أن يكون طريق العدل طريق عبده يسوع المسيح الذي حمل على عاتقه أوجاع شعبه ومصائبه وآثامه، فكان ذبيحة تكفيرية تقود إلى الخلاص والحياة الأبدية.

يقول السيد المسيح في موعظته الشهيرة على الجبل: «طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ فإنهم يُشبعون» . إنه يعطي الرؤية الإنجيلية لفضيلة العدالة؛ ويوجّه أنظار أتباعه أيضًا إلى العدل في بعده الإنساني الأساسي وملازمته حياة الإنسان في الكنيسة والمجتمع .

إنّ قوام العدل إرادة راسخة وثابتة لإعطاء الله والقريب ما يحقّ لهم؛ فالإنسان العادل تجاه الله، أو البار، هو صاحب فضيلة العبادة، يتميّز باستقامة طبيعية في الأفكار، وسلوك قويم تجاه القريب، أما الإنسان العادل تجاه الناس، فهو يهيئ لاحترام حقوق كلّ واحد، وجعل العلاقات الإنسانية في انسجام يُعزّز الإنصاف بالنسبة إلى الأشخاص، وإلى الخير العام.

لكن أين نحن في عالم اليوم من مفهوم العدل؟ هل نفهم العدل في المساواة المطلقة أو النسبية؟ هل يعني ذلك إعطاء كلّ إنسان ما لهُ أو الشيء نفسه، وهذا أمر مختلف؟ فحيث هناك ائتلاف في الكفاءات، تكون المساواة المطلقة، وحيث هناك اختلاف تكون المساواة النسبية .

إنّ النظر إلى العدل من هذه الزاوية، يُشبه إلى حدّ بعيد ما جاء على لسان بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس حول تنوّع المواهب، ووحدتها، وحول التشبيه بالجسد: «فليسَ الجسدُ عضوًا واحدًا بل أعضاء كثيرة» . لذلك ميّز تعليم الكنيسة في العدل بين: العدالة التوزيعية -من شخص إلى آخر، ومن الفرد إلى الجماعة، ومن الجماعة إلى الفرد- وبين العدالة الاجتماعية.

لم ترتبط المسيحية قديمًا بالضمير الفرديّ كما تبدو عليه اليوم، ولاسيما في علم الأخلاق. فقد تجسدت في الكنيسة، وأضحت في صلب الحياة الاجتماعية. إنها منظومة تشريعية كما فهمها الفلاسفة، باعتبارها سلطة تطبق العدالة من الناحية القانونية، وتُناقش القيم الدينية من ناحية الطاعة والعصيان.

وتجدر الإشارة إلى القول إن العدالة والحرية مفهومان متلازمان، إذ القدرة على اختيار السلوك والفعل هي التي تؤمّن المساواة والعدالة بعيدًا عن الظلم والقهر. أما مفهوم الحرية في الأديان فيظلّ محكومًا بالشريعة بصورة نسبية. لا تكتمل الحرية إلا بالعدل واحترام الحقوق والواجبات.

تقوم مشيئة الله المحبّة على العدل والرحمة. لكن مفهوم العدل الإلهي والحبّ الرّحيم، يختلف عن مفاهيم البشر ونظرياتهم الاجتماعية والفلسفية.

أما بالنسبة إلى واقع البشر ومعايير مجتمعاتهم، فالعدل هو مبدأ جوهري ومفهوم خُلُقي وقانوني؛ بل غاية أساسيّة يقوم عليها المجتمع المدني، وهو صفة إنسانية أمر الله بها البشر، مسؤولين كانوا أم غير مسؤولين، لكي يجروا العدل حسب مشيئته الإلهية، في القضاء والبيع والشراء ومع المساكين والأيتام والأرامل والخدّام .

إنّ العدالة الإلهية تُظهر الله في صورة الديّان؛ وقد ذُكر في عشرات فصول الكتاب المقدّس أن الله يطلب العدل، وأنه يرتضي به، ويعطي كلمة لإجرائه، ويشمئزّ من عدم وجوده ويُجازي من أجله. ولكن إن تمّ وضع مبدأ العدل خارج سياقه الصحيح فقد يُؤدّي ذلك إلى الوقوع في حرفية الشريعة القديمة والحرف الذي يقتل، حسب مفهوم قداسة البابا فرنسيس نفسه. إذ قد تبدو العدالة في العهد القديم وكأنّها حفظ حرفي للشريعة.

يُمكننا وصف البابا فرنسيس بأنه «بابا الرحمة» بامتياز، إذ يظهر ذلك جليًا في تصرفاته ومواقفه وأحاديثه وأفعاله وتعاليمه: فهو ما برح يكشف عن وجه الكنيسة الرّحوم، وعن محبة الله الرحيمة التي ستبقى دومًا أكبر من أي خطيئة. «إن العدل القائم على الرحمة هو السبيل الواجب اتباعه للوصول إلى حياة كريمة، يحقّ لكل إنسان أن يحيا في كنفها» .

إذًا، إنّ العدل والرحمة هما أساس المُلك وجوهر الصلاح.

إذا أردنا أن نفهم نظرة المسيحية إلى الدولة والعدالة، يجب علينا أن ننظر إليها كمنظومة تشريعية وباعتبارها سلطة تُناقش القيم الدينية من زاوية الطاعة والعصيان وتطبيق العدالة. أعتبر من هذا المنظور أن العدالة مفهومٌ قانوني قبل أن يكون مفهومًا أخلاقيًا.

وسنحاول، من زاوية فلسفية وليس من زاوية لاهوتية، أن نفحص صلة العقيدة المسيحية بالعدالة من زاوية مفهوم الدولة والمؤسسات السياسية، بالرجوع إلى القديسين أغسطينوس وتوما الأكويني.

ولعلّ الامتياز الخاص الذي يتمتع به مؤسّسو المذاهب الكبرى، مثل أغسطينوس والأكويني، يعود إلى أنّ الحاجة إلى التفكير في السلطة الدنيوية قد أجبرتهم على مراجعة المنظومة اللاهوتية في جوانبها الأخلاقية والقانونية. فكيف نظرت المسيحية في البداية إلى مفهوم العدالة وكيف تعاملت مع الحكم السياسي في هذا الشأن؟

وبما أن الله مصدر الحق الطبيعي والمعايير القانونية التي بها تُقاس الشرائع، اعتبر القديس أغسطينوس أنّ طاعة الحكام هي أمّ الفضائل ما داموا يستقون القوانين من المصدر الإلهي. لكنه أردفَ أن ظُلم هؤلاء إذا تجاوز الحدّ الذي لا يُطاق، فالعُصيان يمسي واجبًا. مع العلم أنّ المقاومة في مفهومه لها طابع روحاني يتجلّى بالتفكّر والتأمل لا بالعنف المادي. وهذا ما سُمّي بـ«لاهوت التحرير» الذي تنامى حينًا وجمُد أحيانًا على مرّ تاريخ الكنيسة. وفي «مدينة الله» كما تصوّرها، رأى أغسطينوس «أنّ روما ما كانت قطّ جمهورية حقيقية لأنها ما عرفت العدالة الصحيحة... إذ إن العدالة الحقيقية قائمة فقط في هذه الجمهورية التي أسّسها ملكٌ عليها، هو المسيح... بكل تأكيد العدالة الحقيقية هي مُلك هذه المدينة التي قال فيها الكتاب المقدّس: «يُحدث عنك بالمفاخر يا مدينة الله» (مزمور 3:86)» . لذا فلا عدالة على هذه الأرض التي عليها نعيش إلاّ إذا أتت صورة لتلك الهابطة من فوق.

وبِما أنّ الجمهورية تخص الشعب بأسره، فلا قيام لها بشكل أو بآخر إلا إذا سرى فيها الصلاح وطغت على سلوكات أهلها الحكمة. وهذا ما دفع أغسطينوس إلى القول إن «الشعب غير العادل يكفّ عن أن يكون شعبًا إذا لم يكن حقًا جماعة ترتكز على احترام القانون والمصلحة المشتركة، لا جماعة طارئة وليدة الصدف... ألم تذهب الأخلاق بذهاب الرجال» .

إذًا، الدولة التي لا تُحقّق الإنصاف والعدالة لشعبها، لا تختلف في شيء عن قطّاع الطرق. إن فقدان العدل يحوّل المملكة إلى مغارة لصوص، رئيسها شرّير وشعبها فاسد.

يعتبر القديس أغسطينوس أنّ العدل والسلام صديقان يتعانقان. 

لقد حسم أغسطينوس الجدلية الواقعة بين الرحمة والعدل قائلًا: «لا يظنن أحد أنّ رحمة الله تترك الذنب بلا عقاب، لأن الله عادل، وليس واحدًا ممّن صلح سلوكه يخاف قضاء الله لأن رحمته سابقة له»؛ ويُتابع مستدركًا: «غالبًا ما ينقاد الناس وراء الرحمة في أحكامهم فتسيطر وحدها عليهم دون العدل؛ ثم يفقدونها أحيانًا حفاظًا على صرامة أحكامهم. 

أما الله فلا يفقد صرامة حكمه في طيبة رحمته ولا طيبة رحمته في صرامة حكمه» . بيدَ أن العظمة في رحمة الله هي أنها لا تترك الآثم بلا عقاب؛ وها أننا نراه يضرب بعصا تأديبه، كيلا يضطر في النهاية إلى المعاقبة في جهنّم . إنّ الرحمة والعدل يسيران جنبًا إلى جنب، فبقدر ما نجد آيات عن تفوق الرحمة على الذبيحة، نرى في سفر المزامير مثلًا، أن فعل العدل والحق أفضل عند الله من الذبيحة.

وهنا يُوجّه أغسطينوس نصيحته الذهبية: «احفظ جيدًا في قلبك ما أردّده عليك من جديد؛ لا تعتمد على برّك لتملك، ولا على رحمة الله لتخطَأ» . «فبقدر ما يجب عليك أن تتكل على رحمة الله بقدر ذلك يجب أن تخشى عدله. أمّا وإذا صنعت رحمة فسوف تُدان برحمة؛ ذلك هو العدل» .

انطلاقًا ممّا ذهب إليه هذا القدّيس العظيم بأن «الرحمة لا تسلب من الله العدل، والعدل لا يسلب منه الرحمة»، نستنتج أنّ العدل والرحمة لا يتعارضان؛ بل هما بُعدان لواقع واحد يكتمل في المحبة . غير أنهما وبالرغم من عدم تعارضهما، فهما في منطق الله لا يتساويان، بل ثمّة جنوح واضح في الكتاب المقدّس تجاه الرحمة، شرط أن يرعوي الإنسان عن غيّه ويرجع عن خطيئته ويتوب توبة نهائية. وذلك «لأني أنا الله لا إنسان ؛ أي لا يستطيع الإنسان أن يفهم منطق الله لأن طرقه غير طرق البشر. أما المثال الدامغ على ذلك فهو مشهد حدث صلب المسيح. إنه الديّان العادل المرتفع على عرش الصليب بين لصين مجرمين، على اليمين واليسار. وكأنّها صورة مسبقة لمشهد دينونة الحبّ في اليوم الأخير بين آل اليمين وآل اليسار. فلصّ اليمين يجسّد الرحمة، ولصّ اليسار يمثّل العدل. لص اليمين تاب ونال الخلاص، بل كان أوّل من نال الحياة الأبدية، وهذه هي الرحمة؛ ولص اليسار لم يتب، فنال ما استوجبته أعماله، وهذا هو العدل. 

ممّا يتفق مع ما وصل إليه أغسطينوس نفسه: «إنّ الرحمة تسمو على الدينونة وتفضّل عليها» .

أما القديس توما الأكويني فيعتبر أن العدل هو أفضل الفضائل الأدبية، إذ يهدف إلى الاستقامة والخير. وكان تصوّره لعلاقة الدين بالدولة السياسية اجتهادًا غير مسبوق لا يزال قائمًا إلى اليوم. سعى في البداية إلى التقيد بوصايا الرسالة إلى مؤمني روما. ذلك أنّ الانصياع للحاكم يضمن حفظ الأمن داخل الحياة الجماعية، كما أن الفرد الواحد لا يضمن الأمان إلاّ داخل الجماعة. لقد رأى الأكويني أنه على الحاكم أن يوفر الخير العام، ويحقّق العدالة بمعاييرها الدينية. ولذا يجب على القوانين الوضعية أن تحتكم إلى القانون الإلهي والحقّ الطبيعي معًا حتّى تصبح ملزمة. ويبقى الدين أُسَّ العدالة وعلّتها ومنتهاها، وما على الإنسان إلاّ أن يتمثل به بالقول والفعل من جهة، وبالعقل والحكمة الفلسفية من جهة ثانية .

تفترض العدالة لدى الأكويني وجود قوانين أزلية تنبع من الحكمة الإلهية. ولذلك، يتوجّب على القوانين الوضعية أن تحتكم إلى القانون الإلهي وإلى الحق الطبيعي حتّى تصبح هذه القوانين ملزمة. وعليه، يملك الحاكم الحقّ في إصدار الأوامر إذا ما ظلّت ممارسة السلطة منسجمة مع القانون؛ بينما يملك المحكوم الحقّ في المقاومة إذا ما انتهك الحاكم منزلة العدالة يحقّ للمحكومين أن يتمرّدوا على سلطة الحاكم لسببين رئيسيين، هما إذا ما اغتصب الحاكم السلطة واستولى عليها بالقوة من غير وجه حقّ أو إذا ما أصدر الحاكم أوامر ظالمة، بالرغم من أنّ الجميع يعترف بأنّ حكمه شرعي. يشير الأكويني إلى مبرّرين رئيسيين يدفعان إلى شقّ عصا الطاعة، وهما عدم شرعية الحاكم وعدم عدالة القوانين. الدافع إلى عصيان سياسي في الحالة الأولى، بينما هو فلسفي في الحالة الثانية. عندما أجاز الأكويني أن يتمرّد المحكومون على حاكم اغتصب السلطة، عزّز حجج لاهوت التحرير، بعدما وضع بين يديه مبرّرات لاهوتية لمقاومة الاستيلاء على الحكم. ذلك أنه عندما أجاز العصيان ضدّ الحاكم المستبد، ميّز بين نوعين من الاستبداد: النوع الأول هو المستبد الذي اغتصبَ الحكم واستولى عليه بالقوة؛ أما النوع الثاني فهو الحاكم الذي وصلَ إلى الحكم بطرق غير شرعية، غير أنه تحوّل بعد ذلك إلى حاكم مستبد. بينما لا يتمتع المتسلّط على الحكم بأدنى مشروعية ويجب تنحيته، يصبح الحاكم الظالم بمثابة سيف الله المسلول على المذنبين، عقابًا لهم على آثامهم التي اقترفوها. إنّ تحول الحاكم من العدل إلى الظلم بعد مدّة من الحكم، يفيد أنّ المشيئة الإلهية قد غضّت الطرف عن ظلمه. لكن الفرد الواحد يملك مع ذلك الحقّ في أن يبادر إلى التمرّد على الأفعال العنيفة. شريطة ألا تكون مخلفات التمرّد أسوأ من آفات الشطط في استعمال السلطة. 

فالكنيسة أي السلطة العمومية بالنسبة للأكويني، هي من يحقّ لها أن تتمرّد على الحاكم الظالم وليس الفرد المعزول، بما أن التمرّد لا ينبني أخيرًا إلى تحقيق الخير العام. وفي حالة ما أدّى فيها مراد العدالة إلى الفتنة أو الفوضى، يجب تفضيل حفظ النظام العام على تحقيق العدالة.

وقد وضع الأكويني معايير للعدالة من حيث الهدف والمصدر والمضمون. تهدف العدالة إلى حفظ الصالح العام، بينما يسعى المشرّع غير العادل إلى الاستفادة الذاتية من التشريع. أما من حيث المضمون، فإن العدالة توزّع المسؤوليات بشكل ملائم ومتوازن، بينما يختلّ ميزان العدل حينما توزّع الحقوق والواجبات بشكل غير متوازن بين العبيد والسادة، في غياب مساواة الجميع أمام القانون. وفي الأخير، قد نكون أمام نصين قانونيين، بشري وإلهي.

نختار في حالة التنازع الانصياع للقانون الوضعي، إذا ما كان عدم الانصياع يؤدّي إلى ضرر أكبر من ضرر الانصياع. غير أنّ الأكويني أشار إلى حالة لا يُعتبر فيها القانون عادلًا ولا يجوز فيها الانصياع له، وهي الحالة التي يتجاوز فيها القانون الوضعي حدود صلاحياته. يحقّ للحاكم أن يضع قوانين تضبط السلوك الظاهر للأفراد، غير أنّه لا يجوز له أن يتحكّم بواسطة القانون في ضمائر وحياتهم الروحية، لأن هذا المجال من اختصاص القانون الإلهي غير البشري.

نستنتج مما سبق أنّ العدالة تفيد تحصيل الصالح العام، كما تفيد العدل، أي إصدار الأحكام أو القوانين وفقَ إجراءات متفّق عليها. علاوة على المعاني السابقة، تُفيد العدالة الإنصاف وإعطاء كلّ ذي حقّ حقه.

بناء على هذا التصوّر للعدالة يميّز الأكويني بين ظاهر النص القانوني وروحه، ويعتبر أن القانون الوضعي لا يستوعب غير الأفعال الإنسانية التي تقبل التعميم. ولكنّنا عندما نكون أمام حالات خاصة لا يستغرقها التعميم يجوز لنا من الناحية الأخلاقية اللجوء إلى تأويل ظاهر النص بما يتفق مع ما تمليه العدالة والمصلحة العامة. لا يقبل فقهاء القانون المعاصرون إقامة مفهوم العدالة على أحكام قيّمة ترتبط بالمنفعة العامة، لأنه يتعارض مع العدالة بما هي حرص على تطبيق القواعد القانونية بصورة واضحة. ومع ذلك، لا يعتقد توما الأكويني أن تصوّره للعدالة يتعارض مع تحقيق الأمن القانوني، ما دام أنّ الإنسان الذي خلقه الله على صورته ومثاله قد يصل إلى درجة النضج التي تتيح له حسن تطبيق المعايير القانونية.


خاتمة

في الختام، تُعتبر العدالة فضيلة سامية، ترمز إلى الكرامة الإنسانية، وهي لسان حال الحرية الفردية والاجتماعية، نمت وترعرعت في ظل احترام الحقوق الإنسانية. ظلّت مسألة العدالة في الفكر المسيحي مرتبطة بمسارها الديني حتّى تحولت أحكام النظام الملكي- الإقطاعي إلى جمهوري، دستوري وديمقراطي. فارتدت طابعًا اجتماعيًا ضمن ركائز سياسية، وأضحت ذات علاقة بالقانون الوضعي وبالسلطة الدستورية- القضائية.

ويمكن القول إن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد ركّز على قيم العدل، جاعلًا من العدالة جوهر الفكر المسيحي ومنشود العقيدة الإيمانية، فلا جدوى من دين لا يحقّق العدل ولا يمارس العدالة بين الناس ولا يحارب المظالم والاستغلال.

توقّفنا عند العهد الدقيم لما فيه من غنى كبير وصور واقعية هي حاضرة اليوم في مجتمعنا. فكأنّ التشريع القديم كُتب لنا، ويا ليتنا نطبّقه في مجتمعات يسيطر فيها حبّ المال وما يجلبه من مكاسب. وكأنّ ما قاله الأنبياء يتوجّه إلينا ويدعونا إلى معرفة الله التي هي أساس الحياة في مجتمع أكثر عدالة، في مجتمع يتوق إلى الوحدة والتناغم بين مختلف فئاته. وخبرة العدالة أو اللاعدالة والظلم، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمفهوم الله، بحيث راح الناس ينكرون وجود الله أمام الظلامات التي تحلّ بالمساكين في الأرض. مقابل هذا، أراد الناس أن يكون الله ذلك العادل، منذ هذه الأرض، فيعاقب الظالمين الجشعين والقاتلين المستبدين. لهذا كان الكتاب المقدّس وحيًا عن العدالة كسمة أساسية في علاقة الإنسان بالإنسان، وفي علاقة الله بالإنسان. والله نفسه هو ذاك الذي لا يرضى الظلم لشعبه، لمؤمنيه، سواء جاء من خارج البلاد، أو من قلب المجتمع. الله هو العادل في أحكامه، وعلى مثاله يتصرف المؤمن، لا انطلاقًا من حسابات بشرية، بل مما يطلبه الربّ.

يتضح لنا من خلال ما سبق وذكرناه أنّ العدل كان مطلبًا أساسيًا في المسيحية. فهذه التجربة الدينية أكدت أهمية العدالة وحاولت ترسيخها في كل المجالات الحياتية، واستطاع مطلب العدل أن يصبح مع تطوّر المعرفة الدينية مسألة تستدعي البحث والاستدلال.


الهوامش

(1)العدالة في الانتظام الاجتماعي والسياسي العربي- الأبعاد الفلسفيّة، مجموعة من المؤلفين، إعداد: د. مشير باسيل عون، دار الارابي- بيروت- لبنان، ط1، كانون الثاني 2019م، ص47.

(2) معجم اللاهوت الكتابي، Vocabulaire de théologie biblique، ترجمة المطران أنطونيوس نجيب، بيروت، دار الشروق، ط3، 1974م، مصطلح البرّ، ص ص 150 ـ 155.

(3)أبو العزم، عبد الغني، معجم المصطلحات الدينية (عربي، فرنسي، إنكليزي)، المغرب، مؤسسة الغني، 2005م، ص 118.

(4) الكتاب المقدّس، العهد القديم، سفر الجامعة، 8:5.

(5) سفر الأمثال، 9:31.

(6) سفر المزامير، 5:67.

(7) سفر الأمثال، 3:21.

(8) الكتاب المقدّس، العهد الجديد، متّى 23:23.

(9) الكتاب المقدّس، العهد القديم، سفر أشعيا، 18:30.

(10) سفر التكوين، 27:1.

(11) سفر أشعيا، 5:16.

(12) سفر أشعيا، 6:9.

(13) سفر تثنية الاشتراع، 1: 16 ـ 17.

(14) سفر المزامير، 8:45.

(15) سفر أشعيا، 1:32.

(16) سفر صموئيل 2، 15:8.

(17) سفر أشعيا، 4:11.

(18) سفر الأحبار، 25: 8 ـ 17.

(19) سفر عاموس، 7:5.

(20) سفر عاموس، 9:3 و4: 1 ـ 3.

(21) سفر عاموس، 18:5.

(22) سفر عاموس، 4: 4 ـ 6 و5: 21 ـ 27.

(23) سفر أشعيا، 1: 10 ـ 17.

(24) سفر أشعيا، 58: 5 ـ 8.

(25) سفر أشعيا، 10: 1 ـ 2.

(26) سفر أشعيا، 7:5.

(27) سفر أشعيا، 14:5.

(28) سفر أشعيا، 1: 21 ـ 23.

(29) سفر أشعيا، 20:1.

(30) سفر أشعيا، 27:1.

(31) سفر أشعيا، 4:2.

(32) سفر إرميا، 22: 3 ـ 4.

(33) سفر إرميا، 31: 31 ـ 34.

(34) سفر الأحبار، 19: 35 ـ 36.

(35) سفر إرميا، 13:22.

(36) سفر إرميا، 17:22.

(37) سفر حزقيال، 18: 5 ـ 24.

(38) سفر الأمثال، 20:31.

(39) سفر أيوب، 17:29.

(40) سفر هوشع، 21:2.

(41) سفر المزامير، 40:119.

(42) سفر أشعيا، 29:40.

(43) سفر أشعيا، 22:45.

(44) سفر أشعيا، 25:45.

(45) سفر أشعيا، 51: 1 ـ 3.

(46) سفر أشعيا، 9: 6 ـ 7.

(47) سفر أشعيا، 61: 1 ـ 2.

(48) إنجيل لوقا، 4: 20 ـ 21.

(49) إنجيل لوقا، 22:4.

(50) سفر إرميا، 5:23.

(51) سفر أشعيا، 5:11.

(52) سفر أشعيا، 6:11.

(53) سفر أشعيا، 16:32.

(54) سفر أشعيا، 42: 1 ـ 4.

(55) إنجيل متى، 13:9.

(56) إنجيل لوقا، 6: 35 ـ 36.

(57) سفر أشعيا، 53: 1 ـ 6.

(58) إنجيل متى، 12:7.

(59) رسالة بولس الرسول إلى أهل فيليبي، 2: 7 ـ 8.

(60) إنجيل لوقا، 34:23.

(61) إنجيل متّى، 6:5.

(62) العنداري، نبيل أنطوان، تخلّقوا بأخلاق المسيح، (البطريركية المارونية في منطقة جونهي: الرسالة الراعوية الخامسة إلى أبناء الأبرشية بمناسبة عيد العنصرة 15 أيار 2005م)، ص 4.

(63) المرجع نفسه، ص4.

(64) رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، 14:12.

(65)سفر تثنية الاشتراع، 16: 18 ـ 20.

(66) وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، أبو ظبي، 4 فبراير/شباط 2019م، ص 4.

(67) القديس أوغسطينوس، مدينة الله (مجلدان)، ترجمة الخور أسقف يوسف الحلو، بيروت، دار المشرق، 2002م، المجلد الأول، الكتاب الثاني، ص 94.

(68) مصدر سابق، ص ص 92 ـ 93.

(69) خواطر فيلسوف في الحياة الروحية، نقلها إلى العربية الخور أسقف يوحنا الحلو، طبعة سابعة، دار المشرق، الأشرفية ـ بيروت، لبنان، 2004م، ص 52.

(70) خواطر فيلسوف في الحياة الروحية، مرجع سابق، ص 25.

(71) خواطر فيلسوف في الحياة الروحية، مرجع سابق، ص 107.

(72) خواطر فيلسوف في الحياة الروحية، مرجع سابق، ص 288.

(73) سفر الملوك 2، 24:1.

(74) سفر هوشع، 9:11.

(75) خواطر فيلسوف في الحياة الروحية، مرجع سابق، ص 288.

(76) عزّ العرب لحكيم بناني، «إشكالية العدالة والدولة والقانون في اللاهوت المسيحي في العصر الوسيط»، حكمة، مجلة إلكترونية (من أجل اجتهاد ثقافي وفلسفي: (Info@hekmah.org)؛ عبد الرحمن بدوي، فلسفة العصور الوسطى، الكويت وبيروت، وكالة المطبوعات ودار القلم، الطبعة الثالثة، 1979م، ص ص 156 ـ 157.


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net