Tahawolat
القيم الإنسانية هي مجموعة من الأخلاق والسجايا والأصول والقواعد التي تعارفت عليها البشرية عبر أزمنة طويلة، وقرون عابرة طرأ على بعضها بعضٌ من التغيير من حيث الأهمية والأولوية، ومن حيث السعة والمرونة، ومن حيث التداول والرجوع إليها..

ولا أبالغ إذا ذكرت مؤكدًا أن معظمها أو جُلّها قيمٌ سماوية، أي تعود في أصلها إلى الرسالات السماوية التي جاء بها الأنبياء والمرسلون...

والقيم الإنسانية قيمٌ فطرية تتلاءم مع الميل البشري الذي يورث الأفراد والجماعات، بل المجتمعات الأمن النفسي، والاستقرار الداخلي والاطمئنان العام الذي يملأ النفس هدوءًا وسكينة ورضى...

القيم الإنسانية ضرورة حتمية لا تنتظم حياة البشر من دونها.. ولا تستقيم أمور الناس إلا بها وإلا غدت حياة المجتمعات غابة وفوضى..

وإذا علمنا أن الإنسان مدني بطبعه، وأن حياته لا تكتمل ولا تتحقق إلا في كنف بيئة إنسانية يجد فيها نفسه، ويعبر فيها عن ذاته وحضوره فضلًا عن آماله وطموحاته تأكد لدينا حتمية وجود هذه القيم، وقوة مرجعيتها والاحتكام إليها.
فالناس محتاجون لبعضهم وكل يكمل الآخر ويسدده، فضلًا عن إحساسه بمشاعر الأنس والراحة النفسية، وتلاشي مشاعر القلق والتوتر والاحتقان...

وهذه قضايا لا تقل أهمية عن حاجة البشر إلى الدواء والغذاء والكساء..

إنها تكسب الناس شعور الدفء والحب والأمان. تصوروا مثلًا أن أحدًا يملك المال والقصور وأسباب الراحة والرفاهية ولكن –حاشاكم- مهمل في مجتمعه ومرفوض من بيئته وبني جنسه... لا يكاد أحد منا يشعر بما يصيبه من الضغط النفسي الذي يؤرّقه في منامه، وربما أفقده طعم الحياة ولذة العيش...

إن حاجتنا إلى بيئة ومجتمع بل وإلى الآخر هي حاجة عضوية لا تستقيم الحياة من دونها.

أيها الأخوة والأخوات..

إن هذا الذي ذكرته وجعلته مدخلًا للحديث عن القيم هو الذي يعبّر عنه علماء الاجتماع وعلماء القانون بالانتظام العام..

والانتظام العام قضية كلية أشبه ما تكون بإطار جامع لمفردات أساسية هي عين القيم الإنسانية، التي لا تنفصل عن حياة الأفراد والجماعات.

ولعل الأهم أن ندرك أن الإنسان هو الأساس لأنه أعظم ما خلق الله، بل لأنه خليفة الله في الأرض.

نعم. الإنسان هو القضيةُ الأمُ في هذه الحياة من أجله أرسل الله أنبياءه ورسله.. ومن أجله أنزل الله كتبه ورسالاته.. ومن أجله جعل الله في الكون خاصية التسخير.

هذا الإنسان الذي جعله الله أعظم المخلوقات وجعله خليفتَه في الأرض لا يمكن أن يكون مسلوبَ الإرادة أو فاقد العقل... أو منزوع القيمة والكرامة.

ولذلك فإن من أعظم ما ورد في القرآن الكريم بالنسبة لهذا الإنسان كرامته.. وقيمته.. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾ كرّمه فخلقه في أحسن تقويم ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾.

وكرّمه بالعقل والإدراك، فلم يجعله جمادًا، ولا شجرًا، ولا شمسًا، ولا قمرًا ولا أرضًا ولا سيماء ولا ترابًا..
وإنما جعله عاقلًا مفكرًا مدركًا متأملًا يستوعب سُنن الحياة ونواميس الكون، ويكون بذلك أقوى وأكبر من ذلك مما يخضع لإدراكه وقدرته..

وبين لنا ربّنا ذلك في القرآن الكريم فقال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.. وبقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.. وبقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأُوْلِي الأَلْبَابِ﴾..

فالإنسان مكرّم بالعقل.. والعقل هو مناط التكليف كما يقول المناطقة والفقهاء.

والعقل شرط أساسي للتكاليف ودونه يسقط التكليف ويرتفع، ويفقد الإنسان كثيرًا من الواجبات وتحمل المسؤولية.. دون أن يفقد كرامته وإنسانيته، ولأن الإنسان مكرّم منذ أشهر التكوين الأولى، ولذلك حرّم الإسلام الإجهاض، ومكرّم بعد ولادته أيًا كان لونه أو دينه، أو مذهبه، أو منطقته.

والإنسان مكرّم حتى وهو ميت، فهناك أحكام وحقوق متعلقة حتى بدفنه ومماته.. بل وبعد الممات، ففي الحديث النبوي الشريف «اذكروا محاسن موتاكم».

وإذا كان الإنسان مكرّمًا منذ أن خلق وأبصر الحياة أدركنا بذلك أن التكريم ليس منّة من أحد ولا تفضلًا ولا حتى من الدولة والمجتمع وإنما هو أساس الجبلة والتكوين يثبت له الإرث والتملك وعطاءات الدولة لما يخص الإنفاق عليه.

التكريم صفة لزوم الإنسان لا تنفك عنه ولا تنفصل حتى لا قدر الله إذا فقد عقله وإدراكه فهو -أي التكريم- منّة من الله تعالى كما الخلق تمامًا وكما الرزق وغيرها.

والتكريم للإنسان حصنٌ يحفظه حتى من السخرية أو التعييب والهمز واللمز وسوء الظن، بل إن من أهم معاني التكريم براءة الذمة التي تصحب الإنسان في سائر حياته بل حتى مماته وما بعد الموت.

فالأصل في الإنسان براءة الذمة.. وهي التي ترفع عنه كل سوء يخطر في بال ولا ترتفع هذه البراءة إلا بثبوت قطعي للموبقات كالقتل والسرقة والاعتداء على الآخرين.

التكريم له علاقة حتى باسم الإنسان وكنيته ولقبه فلا ينادى إلا بأحب الأسماء إليه، وبأمتع الصفات التي يتجمل بها والألقاب التي ينالها ويحققها.. ولذلك قال ربنا في القرآن الكريم ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَنِسَاءٌ مِن نِسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلاَتَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَتَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾.. وبقوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾.

وجعل الإنسان للقذف حدًا.. فاتهام الآخرين بما يشين يترتب عليه عقوبة وتأديب.. لأن الأصل براءة الذمة.. وهذا مكتسب بالولادة والإنسانية وتكريم الله للإنسان الذي هو خليفته..

وإذا كان التكريم هو القيمة الإنسانية الأولى والأساس فإن ثاني هذه القيم هي الأخوة الإنسانية وأعني بالأخوة الإنسانية هنا ما كان خارجًا عن أخوة الأب والأم، أو أخوة الأب، أو أخوة الأم كما أعني غير أخوة الدين.

الأخوة الإنسانية هي أن يدرك الناس جميعًا أنهم أبناء أصل واحدٍ وأنهم جميعًا يعودون إلى أب واحدٍ، وإلى أم واحدة، فهم شركاء في أصل المنبت وأصل النشأة والتكوين.

ولذلك قال النبي (صلعم) «الإنسان أخ الإنسان» وقال في حديث آخر «كلكم لآدم وآدم من تراب».

وقبل ذلك وبعده يقول الله تعالى في القرآن الكريم ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [سورة النساء، الآية 1].

وواضح كل الوضوح من هذا النص القرآني أو الآية الكريمة أنها تقرر مبدأ الإخاء الإنساني أو الأخوة الإنسانية.

وهنا لا بد من البيان أن كلمة الإنسان، وكلمة الناس، وكلمة بني آدم إنما هي كلمة عامة تفيد جميع أبناء البشر.. فهي تفيد المسلم وغير المسلم وتفيد أهل الكتاب، بل وتفيد المؤمن وغير المؤمن.

كما لا بد من الإشارة إلى أن جملة «من نفس واحدة» تُلزمنا أن نفهم «واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام» على أنها الرحم الإنسانية العامة التي تسع الناس جميعًا.

وهذا يحتم علينا مهما اختلفت اللغات والبلدان، والأجناس والألوان، والمذاهب والطوائف والأديان ألا نتدابر ولا نتخاصم، ولا نتقاتل أو نتقاطع، وإنما كما قال الله تعالى في كتابه الكريم ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ نعم يحتم علينا التعارف والتواصل والتلاقي ثم التعاون.

لأن الله الذي خلقنا هو الذي قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ فكون الناس أو البشر جعلهم الله تعالى شعوبًا وقبائل أوجب عليهم أن يتعارفوا.. والتعارف ينبغي أن يصدر من كل الفرقاء.

هذا فضلًا عن أن الله تعالى لو شاء لجعلنا أمة واحدة وشعبًا واحدًا، وجنسًا واحدًا، وعلى دين واحد وملة واحدة وهو القائل سبحانه وتعالى ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَيَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾.

ولا يغيب عن البال أو الذهن أن التعدد والتنوع والاختلاف أمرٌ طبيعيٌ وبدهي وهو ثروة للمجتمع وغنى له.. لكن علينا أن نتعارف والتعارف هو سبيل التآلف.

والتعارف يبتدئ بالتحية والسلام ولذلك جاء في حديث النبي (صلعم) أنه قال: «ألق السلام على من عرفت وعلى من لم تعرف».. وقال في حديث آخر: «أفشوا السلام بينكم» بل جاء في حديث صحيح ونصه: «لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا.. أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم. أفشوا السلام بينكم»... فالسلام، والتحية هما مفتاح المعرفة.. وهما مفتاح الأخوة والألفة والمحبة كل ما هنالك تحتاج إلى جرأة أدبية لنبادر إلى تحية بعضنا البعض.. وبهذا تسود المحبة والأخوة مجتمعنا..

واسمحوا لي هنا أن ألفت إلى أن هذه الأخوة وهي رصيد لكل واحد منا وهي قوة له وسند. والأخوة تحتم علينا حقوقًا، وواجبات على بعضنا، والمجتمعات الراقية والمتحضرة هي التي لا تقوم على قوة القانون والنظام وحده.. وإنما هي التي تقوم على الحب والأخوة والمشاعر الإنسانية المتبادلة والتي هي حقيقة الإنسان ومضمونه.

واسمحوا لي ثانية أن أقول إن مطلق خلاف يقع بين اثنين.. أو مجموعتين.. أو عائلتين فيؤدي إلى خصومة أو كيد أو فُرقة وكراهية هو أقل أهمية بكثير عن خسارتنا لبعضنا أو توتر الأجواء واحتقان وتصلب المواقف التي كثيرًا ما تؤدي إلى التصادم والتدابر وسوء الأجواء العائلية أو بين الجيران أو أبناء العائلة الواحدة أو الحي الواحد أو المحلة الواحدة.. الأخوة الإنسانية رصيد وثروة وقوة لبعضنا البعض والخصومات والنزاعات والفرقة عذاب وضعف وخسارة كبرى ولذلك قال ربنا في القرآن الكريم: ﴿وَلاَتَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ...﴾.

أما ثالث هذه القيم فهي الحرية بكل أنواعها وبكل أبعادها ومضامينها.

الحرية الدينية، وحرية المعتقد، وحرية الكلمة والتعبير، والحرية السياسية والحرية الاقتصادية كما الحرية الاجتماعية المعبر عنها بـ(الحرية المدنية) ولكن ذلك كله ضمن الانتظام العام. أو بعبارة أوضح شرط عدم الاعتداء على أحد فليس من الحرية أن يُشتم الآخر ولا أن يُسخر منه أو يُستهزأ به.. وليس من الحرية أن ينام أحد في الطريق لأنه اعتداء على الطريق، فالطريق ليس مُعدًا للنوم وإنما للسير وليس من الحرية أن يعتدي على معتقد الآخرين حتى لو كان من بوذا أو الهندوس أو الصابئة، ولقد نهى القرآن الكريم عن ذلك قال ربنا تبارك وتعالى: ﴿وَلاَتَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ الله﴾ الحرية مقدسة، وحصانة، ولا تعصر ولا تغتال ولكن شرط عدم الخروج عن الانتظام العام وعدم الاعتداء بالمطلق على أحد ولا على الحق العام.

الحرية لا تقل أهمية عن الكرامة الإنسانية، بل هي الترجمة العملية لمضمون الكرامة.

ولا أدري إن كنتُ مبالغًا إذا ذكرت بأن الحياة تفقد قيمتها دون كرامة ودون حرية.. بل ربما عدم الحياة أولى..

الحرية هي التي تعطيك الأمل في تحقيق الأحلام والطموحات.. وهي التي تعبّر عن كل ما تكتنزه نفسُك من رؤى ودوافع وخير..

الحرية هي المناخ أو الفضاء الواسع الذي يُمكّنك من أن تستوعب ما فيه، وتملأ أرجاءه وأبعاده وأعماقه بدفق الحياة.. وينبوع العطاء دون كلل ولا تعب ولا ملل.

الحرية هي الحياة.. وهي الكرامة.. وهي الإنسان.. لا تُتجزأ.. ولا تقصر، ولا تسلب، ولا تغتال، ولكنها تنظم، وترشد، وتضبط..

وهنا لا بد لنا من لفت النظر إلى نقطتين أساسيتين: أولهما أن الحرية تولد مع الإنسان.. فالإنسان يولد حرًا.. وليست منّة من أحد ولا حتى من الدولة أو النظام الديمقراطي.. وإنما هي مكتسبة بالإنسانية.. والولادة.. والحياة.. ولذلك قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا» فالحرية نعمة ومنّة وفضل وعطاء من الله سبحانه وتعالى وهو خالق الإنسان ليميزه على سائر الخلائق ولأنه خليفة الله في الأرض.

والنقطة الثانية أن الحرية مقيدة وليست مطلقة.. أي لها حد تقف عنده.. فبمقدار ما يتيح الإسلام ويعطيك حرية في اختيار دينك ومعتقدك وممارستك لما تعتقد وتدين.. بمقدار ما يُلزِمك باحترام ما عند الآخرين ولو كان مخالفًا مئة بالمئة.. حتى لو لم يكن مؤمنًا.

وعندما تخرج عن حدودها ويمارَس الاعتداء من خلالها تنقلب إلى نقمة ومحنة وبلاء. وليس من الحرية الاعتداء على الأفراد ولا على الجماعات.. ولا على الأديان.. ولا على المذاهب والطوائف.. وليس من الحرية الاعتداء على ممتلكات الدولة، أو ممتلكات الأفراد.. أو ممتلكات حتى الخصوم. وليس من الحرية الاعتداء على دور العبادة والتعليم الدينية والكتب السماوية.. ولا على الأنبياء والمرسلين.

ليس من الحرية أبدًا ممارسة التطرف والكراهية، ولا حتى بالكلمة.. الحرية هي قوة للتعبير البناء.. والعمل الجاد النافع والصالح.. والتملك دون احتكار فليس من حق أي تاجر أن يضع يده على مطلق مادة غذائية ويستبد بثمنها بحجة حرية التجارة والاقتصاد. ففي الحديث النبوي الشريف المحتكِر في سوقنا كالملحد في كتاب ربنا.

وغني عن القول والبيان إنه لا تجوز التجارة بما يضر الأفراد والمجتمع. الحرية لها مضمون إنساني، ولذلك كانت من القيم والمعاني ولم تكن يومًا صنو الغرائز والاستبداد أو الاحتقار.

إن إطلاق الحريات عن قيود الانتظام العام يحيل مجتمعاتنا إلى غابات تهدر فيها الكرامات وتذبح فيها المعاني والقيم، وتضيع فيها الحقوق وتتلاشى فيها الملكيات.. وتؤدي بنا إلى حياة الفوضى والقلق.

إخواني وأخواتي:

الحياة لا تستقيم إلا بالضوابط، والحريات تبقى نعمة ومنحة طالما أنها في إطار حدودها وعدم تعديها أو خروجها عن المألوف والمتعارف عليه وهو الذي سمّيناه وأطلقنا عليه (الانتظام العام)...

وإن من أعظم الأدلة على احترام الآخرين المختلفين معك في الدين والمعتقد والسلوك ما جاء في القرآن الكريم من بيان حال النبي محمد (صلعم) مع قومه المشركين عبدة الأوثان الذين كانوا يعبدون الأصنام التي كانت حول الكعبة طلب منه ربّه أن يقول لهم: «لكم دينكم ولي ديني» والخلاف في الدين بين المسلمين والمسيحيين بل وبين اليهود، بل وبين من لا دين له لا يستوجب التقاتل ولا التصادم ولا القطيعة والعدوان.

إنه لا يجوز في شريعة الإسلام أن يُقتل أحد لأنه اختار دينًا غير ديننا..

وإلا لما كان هناك اختيار، ولما كانت هناك حرية المعتقد والتدين.. ولما كان هناك معنى لقول تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ فإذا قال الله تعالى لا إكراه في الدين، إذًا لا يُقتل الإنسان لأنه اختار غير ديننا، بل ولا تسقط حقوقه وعليه واجبات مثلها وهذا يقودني إلى رابع هذه القيم وهي المساواة.

نعم المساواة في الحقوق والواجبات المدنية والإنسانية (كلكم لآدم وآدم من تراب)..

(الناس سواسية كأسنان المشط).. (لا فضل لعربي على أعجمي، ولا أبيض على أسود إلا بالتقوى)..

العالم كله يعيش في نظام الدولة العادلة على قاعدة المساواة وهي (لكم ما لنا وعليكم ما علينا) هذه قاعدة شرعية يتساوى فيها الناس والمواطنون مهما اختلفت ألوانهم، وأديانهم وطوائفهم، ومذاهبهم، وسياساتهم.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net