Tahawolat
أخشى أن خاصية "المجتمع الاستهلاكي" التي تطبع -  مع الأسف - مجتمعنا، قد تجاوزت مفهوم "الاستهلاك" في بعده "الاقتصادي"، الى أبعاد أخرى...
ولعل مصطلح "الاصلاح" قد دخل ضمن مفهوم “السلة الاستهلاكية” - وفق المفهوم الرأسمالي- باعتباره عنصر من عناصر انتاج “الفتنة” في بلادنا، وباعتباره أداة تستعملها قوى دولية واقليمية ضمن لائحة “عناصر انتاج” لا بد منها لتحقيق أهداف "مغايرة" " بالطبع " لما هو معلن...
ثمة من يسوق "الاصلاح" باعتباره سلعة تُصلح للمقايضة في أسواق نخاسة "التآمر"، وتفريخ المشاريع المشبوهة التي تطل برأسها من جديد بعنوان "التغيير" وتحت مسمى "الاصلاح"...

ولكن، السؤال هو: هل الاصلاح ورقة؟، هل الاصلاح سلعة؟، هل الاصلاح مجرد شعار؟

الجواب، - بالطبع - كلا، الاصلاح حاجة ضرورية تنبع من صلب المجتمع واشكاليات الواقع التي يصطدم بها...
"الاصلاح" هو رؤية لتجديد الحياة الانسانية والاجتماعية، وايجاد الآليات التي تفعل قدرة الانسان على تحسين البيئة السياسية والاجتماعية التي يتحرك فيها..
هذا هو السياق "الطبيعي" للاصلاح مفهوماً وآليات وأهداف... وبهذا المعنى، يكتسب الاصلاح قيمته الفعلية الحقيقية في تحقيق التطوير والتغيير والتقدم الحقيقي باتجاه المستقبل الواعد...
ثمة من يسوق "الاصلاح" شكلاً ولا يقدم لنا مضموناً لاصلاحه المزعوم...

في فترة الحرب الباردة السابقة، تم تسويق مصطلح "الحرية" و"الديموقراطية" و"حقوق الانسان"، ومواجهة "المد الشيوعي" في سياق تبرير التدخل الأميركي والغربي، وفي اطار الصراع على المصالح على مدى هذا العالم المترامي الأطراف...

واليوم، لازمة “محاربة الارهاب” تواكبها لازمة "الاصلاح" التي يتم تظهيرها في أوسع ترويج اعلامي قل نظيره ماضياً وحاضراً...

لكن، قلة تنتبه الى المضامين التي يغلفها كليشه "الاصلاح" المزعوم...

ما هو نموذج الاصلاح المراد تسويقه في بلادنا؟ وما هي خطوطه العريضة؟ وما هي آلياته؟ وكيف يتم اسقاط هذا الاصلاح على الواقع الاجتماعي؟

في نهاية التسعينات تم التسويق لمقولة "صراع الحضارات"، ولمقولة "نهاية التاريخ"، فكان واضحاً ان الهدف هو تسعير الاختلاف "المفتعل" بين "عالم اسلامي" له قيمه ومفاهيمه ونظرته التي تم استنساخها وتشويهها، وبين "عالم مسيحي" له نظرته وقيمه، عالم مسيحي متحضر في مواجهة عالم اسلامي متخلف، وكانت أحداث الحادي عشر من أيلول التي عززت فرضية هذا الانقسام على مستوى العالم...

الاسلام "حسب المشروع " هو مرادف الارهاب، وتم استحضار مصطلحات "الحروب الصليبية" وغيرها من الاستعارات اللفظية التي حاولت اسقاط رؤية تؤيد مشروعية "الحروب الاستباقية" و"الحرب الناعمة" و"الحرب الأخلاقية" التي قادتها الولايات المتحدة الأميركية على طول الكرة الارضية وعرضها...

فكان غزو أفغانستان، وبعدها غزو العراق...
تم قتل مئات الآلاف من البشر بداعي انقاذهم، وتم تفتيت العديد من الدول والمجتمعات بداعي اصلاحها...

تم تقسيم العراق على قاعدة اتنية وطائفية ومذهبية... وبعدها نظروا للتعددية....

انتبهوا “التعددية” ليس على قاعدة "المواطنة" أي انتساب الانسان الى "الجغرافيا"، بل "التعددية" على قاعدة استيلاد "انقسامات" عامودية ضربت في الصميم مفهوم “الأمة الواحدة" و"المجتمع الواحد"... أي تعددية الانشطارات التي شظت المجتمع وقضت على وحدته...
فاصبحت “التعددية” بدل ان تكون تنوعاً للرؤى في المجتمع الواحد، تحولت الى "تعددية" في البنى على قاعدة رؤية واحدة تحكمها نزعة التدمير الذاتي...

وما مشروع "الشرق الأوسط الجديد" الا نسخة معدلة من هذه الرؤية...

"الكيان الصهيوني" مأزوم وجودياً، وعوامل تفككه وتحلله ذاتية قبل أن تكون مرتبطة بواقع الصراع مع شعوب المنطقة...

ثمة جدار عازل ... كان ايذاناً بتقهقر مشروع هذا "الكيان – الحلم" ... والمفارقة أن هذا الجدار بناه الصهاينة أنفسهم...

الكوة الوحيدة الممكن فتحها في هذا الجدار... لها علاقة وثيقة برؤية "الاصلاح" المزعوم...

باختصار، نموذجان يصطرعان، نموذج "الاصلاح" وفق رؤية ترى مجتمعنا ركاماً يتم استيلاده في جغرافيا "الحروب العبثية" المدمرة على خلفية "تحديد جنس الملائكة"... فيما شياطين الأرض يبلون حسناً، استيطاناً للأرض، وقضماً للتراب، وسلباً للعقول، وتدنيساً للمقدسات، والغاءً للوجود...

ونموذج “الاصلاح” وفق رؤية مجتمعية - انسانية تعيد الاعتبار للجغرافيا باعتبارها الحاضنة للولادة "الجديدة" ولادة مفاهيم كـ"المواطنة" و"فصل الدين عن الدولة"، و"ترميم المشهد التاريخي"، و"الحفاظ على الهوية"، و"الوحدة" و"الديموقراطية" و"الحرية" و"المقاومة"، والتغيير نحو أفق مفتوح على الزمن القادم...

آراء القراء

1
13 - 5 - 2012
انه فعلا مشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يريدونه! دويلات عرقية وطائفية ومذهبية وكلها ضعيفة متقاتلة وتسهم في المزيد من التفتت والشرذمة، لصالح المشروع الصهيوني

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net