Tahawolat

أمة استقبلت الفيلة في خصامها واتفاقها. يتبعثر أبناؤها يتشردون. لكنها لم تمت ولن تموت.


إن اتفاقية سايكس بيكو التي عُقدت بداية القرن الماضي، رسمت خريطة بلادنا والعالم العربي كما تشاء الدول الكبرى التي تحكمت بمسار الأحداث طيلة القرن الماضي واستمرت مفاعيلها حتى يومنا هذا، بالرغم من التغيرات الكثيرة والكبيرة التي شهدها العالم، والمحاولات الخجولة التي قامت بها بعض الدول والقوى والأحزاب المعترضة على هذه الخريطة.


لقد رُسمت الخريطة بشكل يناسب بقاء كيانات الأمة ودول العالم العربي ضعيفة، قاصرة، وغير قادرة على بناء قوة تجعلها مستقلة في مواقفها وحركتها السياسية الداخلية والخارجية، إذا لم نقل إن بعضها منحته دول الانتداب الاستقلال بالاتفاق مع بعض القوى المحلية التي ارتبطت ارتباطاً مصيرياً مع هذه الدول عبر عقد اتفاقات معها تعطي الأجنبي مسؤولية الوصاية على الدولة المستقلة وتجعل من هذه القوى دمى يحركها الأجنبي كيفما يريد وساعة يشاء، من هذه الدول لبنان والأردن، واتفقت معها على محاربة كل اتجاه وطني وقومي. وهي لم تكتف بذلك، بل عمدت إلى التدخل المباشر عبر بعثاتها الدبلوماسية في المنطقة، وعلى سبيل المثال وعلى ذمة النائب والوزير السابق محسن دلول، كلفت السفارة الفرنسية الصحافي التائه اسكندر رياشي إقناع سكان مدينة زحلة بالوقوف ضد الدولة العربية وتأييد فكرة إنشاء لبنان الكبير وأودعته مبلغاً من المال لرشوة السكان، ففعل ذلك وأقنع الزحليين، لكنه احتفظ بالمال لنفسه.


أما الموضوع الفلسطيني الذي هو الأساس في معاهدة سايكس بيكو فقد دعمت وسهلت كل الدول الأجنبية هجرة اليهود إلى فلسطين وزوّدت العصابات اليهودية بكل أنواع الأسلحة لأنها اعتبرتها ممرها إلى الضغط على الأنظمة والشعوب العربية، بحيث تكون فلسطين مادة للشغل تأخذ كل الجهود والعقول فتكون عائقاً أمام عملية تطور شعوب الأمة والمنطقة. وبالفعل كانت فلسطين مادة خلافية بحيث تداخلت فكرة الوحدة مع فكرة التحرير، وأيهما ستكون أولاً وتداخلت فكرة استرجاع الأرض السليبة بأساليب السلم والاعتماد على المنظمات الدولية مع فكرة تحرير الأرض بالقوة، فبين القوة هي الفصل في إثبات الحق وإنكاره واعادة ما اُخذ بالقوة يسترد بالقوة بمقابل فكرة التعايش بسلام مع دولة الاغتصاب، ضاعت الجهود. فلا التحرير اكتمل. ولا السلام عمّ المنطقة.


 سنحاول رصد مواقف الدول الكبرى لحظة اندلاع الأحداث المصيرية في بلادنا والعالم العربي، وخاصة مواقف الولايات المتحدة وروسيا وبعض الدول الأوروبية، وسنظهر كيف أن هذه الدول كانت تحاول دائماً الحفاظ على الحدود التي رسمتها سايكس بيكو.


بعد انتهاء الحرب الكونية الأولى احتدم القتال بين ثوار الأمة واليهود الوافدين من كل العالم إلى فلسطين ووصل إلى أوجه في ثورة عام 1936 التي قادها سعيد العاص واستشهد فيها، مما دفع المملكة المتحدة تشكيل لجنة بيل في العام 1937، أوكلت اليها مهمة دراسة الأوضاع الفلسطينية. لقد توصلت اللجنة إلى اقتراح بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة كيانات (كيان فلسطيني، كيان يهودي وكيان يبقى تحت سلطة الانتداب). ومن ثم وبناء على اقتراح لجنة بيل طلبت عصبة الأمم من بريطانية تشكيل لجنة لدراسة مقترحات لجنة بيل وأوضاع فلسطين، فكلفت المملكة المتحدة لجنة وودهيد في العام 1938 التي توصلت إلى نتيجة تقول بأن مقترحات لجنة بيل غير قابلة للتنفيذ بسبب رفض الفلسطينيين مقترح التقسيم. وبقيت الأوضاع متوترة بين الفلسطينيين واليهود إلى حين أصدرت الأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين رقم 181 تاريخ 29 تشرين الثاني 1947 الذي نص على أقامة دولة لعرب فلسطين ودولة لليهود الوافدين. لكن عرب فلسطين والأمة والعالم العربي رفضوا قرار التقسيم وقرروا خوض معركة تحرير فلسطين وإعادة المستوطنين اليهود إلى بلدانهم الأصلية.


وبعد اجتماعات ومداولات شكلوا ما يُسمّى بجيش الإنقاذ بقيادة فوزي القاوقجي، وشاركت معظم الدول العربية في إعداد هذا الجيش, ولكن كل دولة على نيتها، ولأن هذا الجيش لم يشكل قوة موحّدة الإيمان والهدف، ولم يعتبر بعض تشكيلاته أن هذه المعركة مصيرية. كانت نتيجة الحرب مؤلمة، بحيث ارتكبت المجازر بحق الفلسطينيين ونزح منهم مئات الآلاف إلى الأردن ودمشق ولبنان ومصر وثبّت اليهود دولتهم التي اعترفت بها مباشرة الولايات المتحدة الاميركية ومن ثم الاتحاد السوفياتي وكل الدول الأجنبية، وهكذا أصبح لليهود كيان رسمي بنظر العالم.


إن قيام الدولة اليهودية الذي كان من أهم نتائج حرب 1948 لم يكن بسبب قوة اليهود، بل كما قال الزعيم سعادة بسبب (أن الدولة لم تنشأ بفضل المهارة اليهودية ولا شيء من الخلق والعقل اليهوديين إذ لا توجد لليهود قوة خلاقة، بل بفضل التفسخ الروحي الذي اجتاح الأمة السورية ومزّق قواها وبعثر حماسها وضربها بعضها ببعض وأوجدها في حالة عجز تجاه الأخطار والمطامع الأجنبية).


وهنا لا بد من أن نذكر أن الموقف السوفياتي كان مستغرباً، لأن اليهود حاكوا مؤامرة ضد ستالين وبعض قيادييه ومثقفي الاتحاد السوفياتي، فمات بعضهم مسموماً والبعض الآخر نجا بأعجوبة وكان ستالين من بين الناجين واللافت للنظر أيضاً أن ستالين قال في العام 1952: أن إنشاء دولة يهودية قومية في الشرق الأوسط سيعني زرع بؤرة حرب دائمة هناك.


عدوان 1956


إن مجهر الدول الأجنبية وخاصة الفرنسية والبريطانية كان يراقب بدقة حركة شعوب المنطقة ويدرس كل تطور أو تحرك على قاعدة ما يمكن أن يحمله من تغيرات في المستقبل رصد:


1-    دعماً مصرياً لثورة الجزائر بالمال والسلاح.

2-    توقيع مصر اتفاقية مع الاتحاد السوفياتي تقضي بتزويد مصر بأحدث الأسلحة.

3-    تأميم قناة السويس في 26 يوليو في العام 1956.

هذه التطورات بالإضافة إلى إرادة دولة الاغتصاب في فلسطين باستكمال مشروع دولتها من الفرات إلى النيل كانت دوافع أساسية للعدوان الثلاثي على مصر. ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي إرادة المعتدين وجاءت نتائج العدوان على الشكل التالي:


أ‌-    انسحاب القوة البريطانية والفرنسية من بورسعيد في 24 يوليو 1956.

ب - هروب دولة الاغتصاب من سيناء.

ج- وضع قوات طوارئ دولية على الحدود المشتركة بين مصر ودولة اليهود في فلسطين.


د- تهديد مباشر من الاتحاد السوفياتي للدول الثلاث بالتدخل المباشر وضرب لندن وباريس وتل أبيب بالسلاح النووي.

هـ- تنديد الأمم المتحدة بالعدوان ومطالبة الدول الثلاث بالانسحاب

و- ضغط أميركي على فرنسا وبريطانيا، لأنها لم تكن مؤيدة للحرب ولأن الولايات المتحدة تريد أن تكون الأساس في كل حدث في المنطقة، على أن تكون أوروبا خلفها وليس أمامها.


حرب 1967


انتهى العدوان الثلاثي على مصر، لكن الحرب لم تنته ولن تنتهي طالما اليهود يغتصبون فلسطين، وطالما أنظمتنا تغتصب قيم الحرية والواجب الوطني والحق والخير والجمال، فتتغلب على حياتنا فكرة المجتمع الذكوري والكيان الطائفي وفكرة النأي بالنفس عن أحداث تضرب خاصرات الوطن.


كل حرب تحمل في نهاياتها مقدمات الحرب المقبلة. ولأن فكرة التوازن الاستراتيجي بين العمالقة الكبار أو فكرة الوفاق الدولي لا يلغيان فكرة استمرار الحرب الباردة أو الحرب الحارة، كانت بلادنا مسرحاً لصراع الفيلة لما تملك من موقع استراتيجي وموارد طبيعية هائلة. ولأن استراتيجية العمالقة تقضي بعدم نهوض أمتنا مهما كلفها ذلك من اثمان باهظة.


وبما أن ديوك العمالقة من عرب وسوريين واجانب على استعداد لتقديم الخدمات حين تتأمّن لهم موجبات الفتنة أو الحرب التي تدبّر لها الزمان والمكان، ومن ثم تكون في طليعة من يعمل على فكّ النزاع بطريقتها وبما يتوافق مع مصالحها.


انتهى العدوان الثلاثي على مصر ولم تنته الحرب، فالعمليات العسكرية استمرت على الجبهات، وخاصة جبهتي الأردن ودمشق حيث هنا يكون التمدد الطبيعي لقيام دولة اليهود من الفرات إلى النيل، ومن هذه العمليات:


أ‌-    اشتباكات في الجولان والأردن.

ب‌-    عملية طبريا التي استمرت أياماً عدة.

ج- عملية السموع التي قام بها العدو ضد الدولة الأردنية.

د- إسقاط ست طائرات سورية من طراز ميغ 21 في شهر نيسان من العام 1967.


أعقب هذه التطورات مجموعة من التصاريح والاجتماعات توحي بقرب حصول الحرب، لما كانت تحمله من تهديدات.


أ‌-    تصريح ليفي أشكول رئيس وزراء دولة العدو الذي قال فيه بأنه سيردّ بعنف على أي اعتداء.

ب‌-    تهديد رئيس أركان جيش العدو الذي قال فيه إنه سيزحف إلى دمشق إذا لم تتوقف الاعتداءات.

ج- نفذت دولة العدو عرضاً عسكرياً في مدينة القدس. وهذا خرق للمواثيق الدولية التي أقرّت بأن القدس منطقة منزوعة السلاح.

د- زيارة رئيس أركان الجيش المصري محمد فوزي دمشق للتنسيق بين البلدين وانعقاد مجلس حرب كبير في القاهرة في مقر القيادة العامة للجيش المصري.

هـ – سفير دمشق في الأمم المتحدة يعلن أن دولة العدو تعدّ هجوماً ضد بلاده.

و- مجموعة التدابير التي اتخذتها الدول المتحاربة ومنها إعلان حالة التأهب القصوى في جيش العدو.

تجدر الاشارة هنا إلى أن اجتماعاً حصل بين وزير الدفاع المصري شمس بدران الذي أوفده الرئيس جمال عبد الناصر إلى موسكو وألكسي كوسيغين. طلب فيه الوفد المصري من الاتحاد السوفياتي أن يوافق على ضربة استباقية لجيش العدو الذي يستعد لشن الحرب على مصر والأردن ودمشق، وأصرّ على هذا الطلب طيلة فترة المحادثات التي استمرت أياماً عدة. لكن الموقف الروسي رفض هذا الاقتراح معللاً رفضه بصعوبة أن يكون مع مصر في حال هي شنّت الحرب. وعاد الوفد المصري إلى القاهرة من دون أن يحقق غايته.

هذا ما كشفه السفير السوفياتي ورئيس رابطة الديبلوماسيين الروسي يوغوص أكوبوف لوكالة نوفوستي.


بداية الحرب العسكرية


بدأت الحرب في الخامس من شهر حزيرن من العام 1967 بهجوم العدو على مطارات ومهابط الطائرات المصرية، بحيث عطلّت القدرة على استعمال 420 طائرة مقاتلة والذي ساعد أيضاً على تحقيق أهداف العدو، سوء البنية التحتية للمطارات العسكرية وسوء استعمال الملاجئ التي بُنيت للطائرات وعنصر المباغتة وتعطيل عمل الرادارت، مما ساهم في توقّف عملية التواصل بين الجيش المصري والجيش الأردني. وهكذا انتهت المعركة على الجبهة المصرية قبل أن تبدأ. ولم يكن الوضع على جبهتي الأردن ودمشق مختلفاً عن الجبهة المصرية، وحصيلته كانت فقدان عدد من الطائرت السورية والأردنية.


أما نتيجة الحرب فكانت على الشكل التالي:

أ‌-    اجتياح غزة وسيناء واحتلالهما.

ب‌-    احتلال الضفة الغربية والقدس.

ج- احتلال الجولان.

وباحتلال هذه المناطق تكون دولة العدو احتلت مواقع استراتيجية تكون مفاتيحها إلى تحقيق هدفها من الفرات إلى النيل.

د- على الصعيد الفلسطيني فقد أعلنت مجموعة من المنظمات نذكر منها شباب الثأر وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية توحيد جهودهم ضمن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كما أن حركة فتح التي تأسست عام 1965 كشفت عن هويتها.

هـ- استقالة جمال عبد الناصر ومن ثم عودته عنها بعد المظاهرات التي شهدتها مصر وبعض البلدان العربية تطالبه البقاء في السلطة.

و- عقد العرب مؤتمر اللاءات الثلاث في الخرطوم. لا صلح، لا تفاوض، ولا اعتراف.

ز- نزوح أكثر من ثلاثمئة ألف فلسطيني إلى عمان ودمشق وبيروت.


أما على مستوى مواقف الدول فقد دعمت الولايات المتحدة الأميركية دولة العدو بالمال والسلاح والخبرات اللازمة لخوض المعركة وكسبها. ومن ثم عطّلت عبر استعمالها الفيتو كل اقتراح قرار يدين دولة العدو. أما الاتحاد السوفياتي الذي لم يوافق على الضربة الاستباقية فاكتفى بصياغة القرارات التي تدين دولة العدو التي لا تصدر عن الأمم المتحدة بسبب الفيتو الأميركي.


إن القرار الصادر عن مجلس الأمن رقم 242 والمتضمن طلب الانسحاب من الأراضي المحتلة واعتراف دول الطوق بدولة العدو لم يكن كافياً لوقف العمليات العسكرية. ففي عام 1968 تجدد القتال على خطوط النار مما دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى العمل على اقتراح خطط للتسوية. فكلّفت وزير خارجيتها وليام روجرز الذي اقترح ثلاث خطط الأولى عام 1969 الثانية عام 1970 الثالثة عام 1971، ولم تكتب الحياة لواحدة من هذه الخطط.


في هذا الوقت كانت دولة العدو منكبّة على تحصين المواقع التي احتلتها فبنت خط بارليف في قناة السويس وخط آلون في مرتفعات الجولان. كذلك حصلت تغييرات مهمة في العالم العربي ففي 28 تشرين الثاني توفي الرئيس جمال عبد الناصر وخلفه مستشاره أنور السادات وفي السادس عشر من تشرين الثاني تسلمت الحركة التصحيحية مقاليد الحكم في دمشق بعد نجاح الانقلاب الذي نفذه حافظ الأسد على صلاح جديد ورئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي.

 

حرب 1973


تسلم السلطة الرجلان بعد سلسلة من الهزائم، فكان من الطبيعي أن تكون الحرب ضد العدو أول أهدافهما، ولو أن لكل واحد منهما غايته وأهدافه وأساليبه.


وطّد الرئيس الأسد علاقته مع الاتحاد السوفياتي الذي بدوره قام بتزويد سوريا بأسلحة حديثة وبكميات كبيرة، خاصة بعد خلافه مع أنور السادات الذي طرد الخبراء الروس من مصر فلم يبق للاتحاد السوفياتي في المنطقة إلا دمشق كدولة وازنة.


اتفق الرجلان على شن الحرب؛ وكانت حرب تشرين بلغة الشام وحرب الغفران بلغة العدو. واستطاع الجيشان المصري والسوري خرق خط بارليف قي قناة السويس وضرب خط آلون في مرتفعات الجولان وكانت هذه المرة الأولى التي تكون نتائج المعركة لمصلحة الأمة والعرب.


ولكن حصول عملية الدفرسوار على الجيش المصري التي قيل وكُتب عنها الكثير كانت نقطة البداية في الخلاف بين الرجلين، فمنها بدأت الخطوة الأولى لمشوار السادات إلى كنيست دولة العدو، ومن ثم توقيع اتفاقات كامب ديفيد ورحلة الأسد بحرب الاستنزاف، ومن ثم الموافقة على الهدنة.


إن ثغرة الدفرسوار وما شكّلته من خطر على الجيش المصري دفعت بوزير خارجية الاتحاد السوفياتي أن يقوم بزيارة سرية إلى القاهرة ويطلب من أنور السادات وقف الحرب.


علمت الولايات المتحدة بالزيارة وهدفها فبادر وزير خارجيتها هنري كيسنجر إلى الطلب من مصر وقف الحرب وأخبر دولة العدو بأنه سيعمل كل ما يساعدهم، وأنهم أي الأميركان أصبحوا أسياد اللعبة. وبالفعل أمسك هنري كيسنجر بملف الحرب والسلم في المنطقة. وأعلن سياسة الخطوة خطوة وغاب الاتحاد السوفياتي عن السمع.


اختلفت الدولتان وقت الحرب فكنا الضحية، واتفقتا على وقف الحرب فكنا الضحية.


إن سياسة الخطوة خطوة منحت الراعي الأميركي فرصة لدوزنة حلّ يكون لمصلحة دولة العدو. لذلك كانت خطتهم فصل دمشق عن القاهرة، ومن ثم العمل بشكل منفرد مع الاثنين فكان قمة ما توصل إليه الراعي الأميركي هو دفع الرئيس المصري لزيارة الكنيست اليهودي. وهذه الزيارة زرعت أسفين الخلاف بين البلدين (مصر والجمهورية العربية السورية) وقوّت خيط العلاقة مع أميركا ودول الغرب وبتمثيلية مضحكة أخرجت مصر من الجامعة العربية.


إن زيارة السادات إلى تل أبيب تعتبر الفاتحة العلنية لعلاقة دولة عربية مع دولة العدو، وتؤكد أنها لم تكسر فقط حاجز الجلوس على طاولة واحدة بل كسرت نظرية تحرير فلسطين وسمحت لمن أتعبتهم فلسطين وللعرب الذين لا يعرفون من فلسطين سوى اسمها أن ينسجوا علاقات رسمية أو غير رسمية اقتصادية أو غير اقتصادية مع أفراد أو مؤسسات أو شركات يهودية.


إن زيارة السادات كسرت المحرّم ومهدّت لأصحاب نظرية السلام العالمي وانتهاء زمن الدولة القومية الطريق للحديث عن صوابية نظريتهم.


أما اتفاقات كامب ديفيد التي رعاها الأميركي منفرداً، والتي أنهت حالة الحرب بين مصر ودولة العدو، فشجّعت أصحاب نظرية الدولتين من الفلسطينيين على إقامة علاقات مع الولايات المتحدة التي تمنحهم جواز سفر إقامة الدولة ولو على مساحة لا تزيد عن كلم واحد.


إن حرب تشرين أظهرت تواضع دور الاتحاد السوفياتي وقصوره لأنه لم يستثمر نتائج الحرب في زمن المفاوضات، وكان هذا مؤشراً خطيراً فقد نجد عذراً لغياب دوره في كل الحروب والأزمات التي سبقت، ولكن لا يوجد عذر لغيابه عن المفاوضات التي أعقبت حرب 1973وتلزيم إدارة العملية للولايات المتحدة. كان هذا مؤشراً لتراحع الحرب الباردة بين العملاقين وميل الكفة لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية.


إن غياب الاتحاد السوفياتي عن حركة الفعل السياسي في المنطقة شجّع دولة العدو على تنفيذ الخطط التي تؤمن له إنشاء دولته الممتدّة من الفرات إلى النيل، فكان لبنان بوابته الأولى التي فجّرها آملاً أن يصل إلى النتائج التالية:


أولاً تقسيم لبنان إلى كيانات طائفية هزيلة.

ثانياً القضاء على المقاومة.

ثالثاً إلهاء القوى الوطنية والقومية بالحرب الداخلية، مما يمنعه من التركيز على تغيير النظام وبناء لبنان الوطني المتحالف مع المقاومة.


ولما فشل في تحقيق غايته، لجأ إلى اجتياح لبنان واحتلال مدينة بيروت التي حضنت فرسان المقاومة، فأعطت العدو درساً لم ولن ينساه أبداً.


بيروت كانت بداية المقاومة الحقيقية التي قهرت العدو وأجبرته على الانسحاب من لبنان كله، وسدّدت له ضربة قاسية عندما أسقطت مشروعه في الاستيلاء على السلطة عبر إسقاط بشير الجميل قتيلاً بعد انتخابه رئيساً. ولم تستطع الولايات المتحدة الأميركية بكل قوتها السياسية والعسكرية أن تمنع إرادة الأمة عن ممارسة حقها في الدفاع عن نفسها.


الهدف الوحيد الذي حققه العدو هو خروج أبو عمار ومقاتليه وبعض مقاتلي المنظمات الفلسطينية إلى تونس، حيث من هناك بدأت رحلة محادثات أوسلو ومن هناك اقترب تحقيق أمل ابو عمار في قيام دولة يكون رئيسها.


أميركا تحاول تحقيق حلم العدو بواسطة السلام


بعد كامب ديفيد ونزوح الفلسطينيين إلى تونس وسقوط الاتحاد السوفياتي أصبحت الطريق مفتوحة لمحادثات السلام على الجبهات الثلاث (جبهة الفلسطينيين – جبهة الأردنيين – جبهة الجمهورية العربية السورية).


لم تكن عقبة الاتفاقات في عمان ولا في فلسطين بل كانت في دمشق.


فأوراق الملك حسين في واشنطن منذ أصبح ملكاً، وأوراق أبو عمار أصبحت في واشنطن منذ سقط الاتحاد السوفياتي، وقبل خروجه من بيروت.


الملك والختيار يجنحان إلى السلم مهما كان الثمن رخيصاً.


كان على الدبلوماسية الأميركية أن تلعب بكل براعة وقوة كي تستطيع بناء طاولة الحوار المباشر، لذلك بدأ جيمس بيكر برحلاته المكوكية إلى عواصم القرار في العالم العربي وتل أبيب حاملاً في كل مرة اقتراحاً جديداً لشكل الطاولة دون تغيير الموضوع الذي هو السلام والهدف الذي هو مصلحة دولة العدو. وأظهر ملامح مشروعه في كلمة ألقاها في اجتماع الدول السبع في دمشق إذ قال: آن الأوان لخلق تعاون إقليمي في المنطقة، بغض النظر عن اختلاف نُظمها السياسية والاجتماعية.


الذي ساعد أيضاً بيكر في تحقيق هدفه الحرب الخليجية الثانية التي وضعت الأميركي على بوابات كل العواصم العربية وخاصة عواصم الخليج الموافقة على نتائج أي محادثات وأي نتائج لهذه المحادثات، لأنها تريد أن تنزع ورقة فلسطين من الأنظمة والأحزاب التي تُعتبرعائقاً أمام مشروع تحكمهم بالعالم العربي.


وايضاً ما ساهم في تسريع مشروع بيكر هو اجتماع معظم العرب في جبهة واحدة ضد غزو الكويت، وفتح قنوات اتصالهم مع الأميركيين على مصاريعها.


وهكذا أصبحت الأجواء مناسبة لتركيب طاولة الحوار ولم تعد التباينات مانعاً ومعطلاً لهذه الطاولة. فشروط دمشق التي وافق عليها لبنان أسقطتها الوفود الأخرى المشاركة وتمّ الإعلان عن موعد مؤتمر مدريد.


انعقد مؤتمر مدريد برعاية أميركية وسوفياتية وبصيغة المحادثات الثنائية مع الوفدين الفلسطيني والأردني وصيغة المسار الواحد مع الوفدين السوري واللبناني.


لقد أصرّ الملك والختيار على أن تكون المحادثات ثنائية كي يصل كل واحد إلى غايته دون الالتفات إلى تأثير الاتفاق على الأطراف الأخرى.


استمرت المفاوضات بين عقدة هنا وخلاف هناك، تشدّد في مسألة وتساهل في مسألة أخرى. وكانت القدس عقدة العُقد وطبيعة الكيان الفلسطيني نقطة خلاف جوهرية، لأن دولة العدو ترفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية.


في مدريد كانت المحادثات العلنية، ولكن في مكان آخر من العالم كانت منظمة التحرير تفاوض الولايات المتحدة وإسرائيل، وهناك أي في أوسلو، كتب الأطراف الثلاثة اتفاق اوسلو ووقعه ياسر عرفات عن منظمة التحرير وشمعون بيريز عن دولة العدو في 13 أيلول في مدينة واشنطن وبرعاية الرئيس الأميركي بيل كلنتون.


من أهم ما ينص عليه الاتفاق:


تعترف منظمة التحرير بدولة إسرائيل التي تغطي 78 في المئة من مساحة فلسطين.


تنبذ منظمة التحرير الإرهاب والعنف (تمنع المقاومة المسلحة ضد دولة العدو).


تعترف إسرائيل بمنظمة التحرير على أنها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني.


تقرّ إسرائيل بحق الفلسطينيين في إقامة حكم ذاتي.


إسرائيل هي المسؤولة عن حفظ أمن منطقة الحكم الذاتي.


أما على المسار الأردني فقد توصل الأطراف إلى توقيع اتفاق وادي عربة وبرعاية الرئيس الاميركي بيل كلنتون ووزير خارجيته وارن كريستوفر. وهذه الاتفاقية ألزمت الطرفين الخضوع الكامل للقوانين الدولية وشرعة الأمم المتحدة.


وأهم ما نص عليه الاتفاق:


اتخاذ الإجراءات الضرورية والفعّالة، للتأكد من أن الأعمال والتهديدات بالعداء أو التهريب أو العنف لا ترتكب من أراضيها.


الدخول في أي ائتلاف أو تنظيم أو حلف له صفة عسكرية أو أمنية مع طرف ثالث ومساعدته بأي طريقة من الطرق أو الترويج له أو التعاون معه، إذا كانت أهدافه أو نشاطاته تتضمّن شنّ العدوان أو أعمالاً أخرى من العداء العسكري ضد الطرف الآخر.


التعاون بمنع ومكافحة التسلل عبر الحدود.


وبوادي عربة تكون دولة العدو فتحت طريقها إلى الاختراق العلني لكيانات الأمة ودول العالم العربي وتفرّغت لمواجهة المقاومة في لبنان والمقاومة في غزة، والعمل على إضعاف دولة الجمهورية العربية السورية، ومحاولة فكّ التحالف الذي تقيمه دمشق مع المقاومة. وهذا ما طلبه وزير خارجية أميركا الجنرال كولن باول من الرئيس الأسد عندما احتلت أميركا العراق ووعده بجوائز ترضية أقلّها تنصيبه زعيماً على العرب.


نعود إلى الدور الروسي الذي اكتفى بالرعاية وغاب عن تفاصيل المحادثات ورعاية الاتفاقات والمعاهدات كلها.


حروب الخليج


حرب الخليج الأولى.


إن دوافع حرب الخليج الأولى كثيرة نذكر منها:


آ- إلغاء شاه إيران محمد رضا بهلوي عام 1969 اتفاقية الحدود بين إيران والعراق المبرمة عام 1937، وطالب أن يكون منتصف النهر الحد الفاصل بين البلدين.

ب- دعمت إيران الأكراد ضد العراق مما ساهم في نشوب الصدام بين الدولتين.

ج- تدخّلت بعض الدول العربية وتوصّلت إلى عقد اتفاقية بين البلدين في العام 1975، سمّيت اتفاق الجزائر الذي نصّ على أن يكون منتصف النهر في شط العرب خط الحدود على أن تمتنع إيران عن دعم الأكراد.

د- نجاح الثورة الإسلامية في إيران.

ه- سحب السفراء بين البلدين.

و- العراق يلغي اتفاقية العام 1975.

 وفي شهر كانون الأول من العام 1980 هاجم العراق أهدافاً محددة في إيران بعد اتهامه إيران بقصف مواقع عراقية. وهكذا بدأت حرب الخليج التي أنهكت الدولتين وساعدت على توسيع شقة الخلاف بين دول العالم العربي. فوقف الخليج كله مع العراق، أما الجمهورية العربية السورية فدعت إلى وقف الحرب، لأنها ليست في مصلحة أحد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه في السابع من تموز من العام 1981 شنّت طائرات دولة العدو هجوماً على المفاعل النووي قرب بغداد وحوّلته خلال ثوانٍ إلى كتلة رماد.

وبعد مضي ثماني سنوات على الحرب وافق الطرفان على وقف الحرب في عشرين آب من العام 1988، وبدأت المفاضات بينهما في جنيف.


حرب الخليج الثانية


خرج العراق من حرب الخليج الأولى التي اعتبرها حرب كل العرب لحماية الحدود الشرقية، منهكاً وواقعاً تحت ديون مالية باهظة لدول الخليج وخاصة للسعودية والكويت، بلغت قيمتها ما يقارب 60 مليار دولار.


أسباب حرب الخليج الثانية:


أ- الخلاف على الديون.

كان يعتبر صدام حسين أنه يخوض معركة حماية الحدود الشرقية عن جميع كل الدول العربية، لذلك اعتقد أن الأموال التي حصل عليها من العرب هي ضريبة المعركة، لذلك يجب أن لا تُسجل في سجل الديون. ولكن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، لأنه ما أن توقفت الحرب حتى بدأت الدول الدائنة تطالب بأموالها وخاصة السعودية والكويت.


ب- كان يتأمل العراق من دول منظمة اوبك تخفيض انتاج النفط مما يرفع سعره، فيعوّض العراق بعض خسائر الحرب، لكن حصل العكس ولم تنخفض نسبة الإنتاج وبقيت على حالها أي كما كانت زمن الحرب.


ج- اتهم العراق الكويت بقيامها بعمليات تنقيب غير مرخصة عن البترول في الجانب العراقي من حقل الرميلة النفطي، وهو حقل مشترك بين العراق والكويت.


هـ- من نتائج حرب الخليج الأولى تدمير موانئ العراق على الخليج العربي مما شلّ حركة التصدير العراقي للنفط، ولأن العراق يضع في حساباته نشوب حرب جديدة مع إيران، وهو يحتاج إلى مساحات أكبر من السواحل المطّلة على الخليج والكويت فرصته الوحيدة لتحقيق هذا الهدف.


و- اعتبر صدام حسين إعلان السفيرة الاميركية في العراق كيربتريك حياد أميركا في مسألة الصراع العربي العربي موافقة ضمنية على غزو الكويت.


ز- اعتبار العراق الكويت محافظة من محافظات العراق ويجب أن تعود إلى العراق ساعة تسنح الفرصة.


بدأ يخرج الخلاف الكويتي العراقي من غرف الاجتماعات إلى العلن، فكانت المشّادة المشهورة على شاشة التلفاز بين عزة الدوري وملك الكويت حيث اتهم الأول الملك الكويتي بالعمالة والخيانة. واشتهرت حادثة ضرب المندوب العراقي المندوب الكويتي بصحن الطعام في أحد الاجتماعات قبل يوم واحد من دخول العراق الكويت. هاتان الحادثتان كانتا السببين المباشرين لاندلاع الحرب بين العراق والكويت.


في الثاني من آب عام 1990 دخلت القوات العراقية الكويت وبأقل من يوم كانت جميع المؤسسات الرسمية وكل الكويت تحت سيطرة القوات العراقية وتمّ اعتقال آلاف المدنيين الكويتيين وأعداد من الأجانب. وأعلن عن تأليف حكومة للكويت استمرّت أياماً عدة ومن ثم أعلن الكويت محافظة من محافظات العراق.


بعد ساعات من الاجتياح عقد مجلس الأمن اجتماعاً بناء لطلب من الكويت والعراق وأصدر قراراً طالب فيه العراق الانسحاب من الكويت وترافق ذلك مباشرة التحضير لتحرير الكويت وبدأت القوات الأميركية تتدفق إلى السعودية بهدف حمايتها والاستعداد لحرب تحرير الكويت التي سُميت حرب الخليج الثانية أو درع الصحراء.


انقسمت مواقف الدول العربية بين مؤيد ومتحفّظ وداعم، ولكن لم يكن لها أي تأثير على مسار جولات الحرب التي بدأت بهجوم جوي أعقبه هجوم بري أديا في النهاية إلى خروج القوات العراقية من الكويت وعودة العائلة الحاكمة إلى مواقعها لتسلم السلطة من جديد.


وسجلت هذه الحرب أيضاً غياب روسيا عن ميدان الأحداث في السلم والحرب وحفرت عميقاً في خلافات الدول العربية وزادت في مشاكل العراق الاقتصادية والاجتماعية وأبعدت العراق عن ميدان صراعنا مع عدونا في فلسطين.


حرب الخليج الثالثة


إن حرب الخليج الثالثة أثبتت أن أميركا كانت تريد من العراق اجتياح الكويت لتبرر شنها الحرب عليه لأن مبررات الخليج الثالثة لم تكن واقعية، ولم تكن صحيحة بل تراكيب وفبركات كي تغزو أميركا العراق، ولها في ذلك مجموعة من الأهداف الاستراتيجية المتعلقة بالثورة الإيرانية وامكانية امتدادها باتجاه العراق وخاصة أنه يوجد في العراق أكثرية شيعية يمكن أن تتجاوب مع الثورة. وبالمقاومة في لبنان التي سجلت انتصارات على دولة العدو والمتحالفة مع دمشق التي كانت مع الثورة الإيرانية من لحظة انتصارها. والانتفاضة في غزة التي نالت اهتماماً كبيراً من الثورة الإيرانية التي استبدلت علم دولة العدو بعلم فلسطين.


لذلك كان احتلال العراق ضرورة لدولة العدو ولأميركا ولدول الخليج المرعوبة من إمكانية أن يشن العراق حرباً لاحتلالها بمجرد عودة القوة إليه.


استطاعت أميركا التي قادت تحالفاً هي رأس حربة فيه من احتلال العراق ورسم خريطته كما تريد هي، فحلّت الجيش العراقي وأعطت الأكراد صلاحيات بناء كيان مستقل، وسلّمت السلطة لرجالها من الشيعة ودرّبت مجموعة من أتباعها وأوكلت إليهم عملية بناء الدولة والجيش من جديد، وأسّست لإمكانية اندلاع حرب أهلية تكون الضربة الأخيرة التي تضع العراق خارج الفعل السياسي والعسكري لأجل غير منظور.


بعد إنهاك العراق لا بد من إنهاك المقاومة في لبنان التي كسرت العنفوان الإسرائيلي وحررّت معظم المناطق اللبنانية فكانت حرب تموز 2006 التي استمرت أكثر من شهر واستعملت فيها دولة العدو كل ما تملكه من قوة في البر والجو والبحر مع الدعم الأميركي الذي تمثل بالجسر الجوي الذي ربط تل أبيب بواشنطن وأيضاً مع الإصرار الاميركي على الاستمرار بالمعركة ولم تستطع أن تتقدّم باتجاه الجنوب وتحتلّ ولو بضعة كيلومترات، لذلك كان انتصار تموز هزيمة كبيرة لدولة العدو ولأمريكا وكانت المرة الاولى التي تذوق فيها أميركا المتحالفة مع دولة العدو طعم الخسارة في المنطقة.


من الطبيعي أن لحظة وقف النار في لبنان كانت لحظة بداية التحضير لحرب جديدة.


من هنا لا يمكن لنا أن نفصل بين ما جرى في العراق ولبنان وما يجري الآن في الجمهورية العربية السورية. وإذا أردنا أن نزيد فنقول إنها حرب الخليج الرابعة. والمقصود هنا حرب أميركا ودولة العدو على أمتنا، فبعد سقوط الأردن وقيام السلطة المسخ في الضفة الغربية التي تعيش تحت رحمة دولة العدو مالياً وأمنياً لا بد من ضرب دمشق التي بضربها تُضرب المقاومة في لبنان والانتفاضة في غزة.


وسيلتهم الوحيدة حرب المجتمع على نفسه. لذلك عملت الدول الأجنبية على خلق المبررات لنشوب الحرب الداخلية. فكان شعار الربيع العربي والثورة أنجح المبررات. لأنهما يخاطبان إحساس كل مواطن في العالم العربي.


انتقلت مرجعية الثورة والتغيير من الاتحاد السوفياتي إلى أميركا ومن دمشق وبغداد والقاهرة إلى الرياض والدوحة وأصبح أمراء الخليج مرجعيات الثوّار، وأصبحت الجوامع مراكز الثورة، تنطلق منها كل يوم جمعة وبعد الصلاة الجماهير التي تُطلق عنواناً من عناوين الثورة، واعتقدت أميركا أنها ستفعل في دمشق ما فعلته بطرابلس الغرب.


إن الحرب على سوريا قلبت كل المقاييس وكشفت كل الأوراق المستورة، وطردت الخجل من نفوس العملاء والخونة وأحرقت كل موانع التواصل مع الأعداء، وأكدت نظرية صديق صديقي صديقي، وقصّرت المشوار على عرب الردة والخيانة إلى تل أبيب، فاستبدلوا الزيارة بواسطة واشنطن بخط ساخن فتحوه مع تل أبيب مباشرة، واستبدلت عملية المصالحة بالواسطة بالمصالحة المباشرة. انتقلت تجارة تحت الطاولة إلى تجارة علنية. قطر تشتري أبو مازن وفلسطين، السعودية تشتري نبيل العربي وتمرر قرار اتهام حزب الله بالإرهاب، قطر تشتري خالد مشعل فيخرج من بيت الثورة المتواضع في دمشق إلى فخامة القصر الكبير في الدوحة. الدوحة صدرها واسع حمل النقيضين الماركسي عزمي بشارة والمسلم المتحضّر خالد مشعل.


قطر تشتري حماس وتدفعها للمشاركة في القتال ضد دمشق وحزب الله الذي درّب مقاتليها وزوّدها بالمال والسلاح.


السعودية تشتري القاهرة لتضمن حيادها.


السعودية وقطر يدفعان لأميركا ودول التحالف بسخاء ليدمروا دمشق وكل مرافئ الحياة في الجمهورية العربية السورية.


تركيا تشتري نفط الشمال السوري بأرخص الأسعار من داعش والنصرة وتدفع لهما المال نقداً.


نصف العرب ونصف الغرب ونصف الشرق، وكل على نيته دخل الحرب ضد دمشق، ونصف النصف اعتقد أن اللقمة أصبحت على فتحة الفمّ خاصة عندما وصلت أساطيل العم سام البحر السوري.


ليلة واحدة أسقط فيها الدب الروسي فارس الكاوبوي فرضي الخيال بتخريجة السلاح الكيميائي وخرج من البحر السوري.


هذه الليلة كانت ليلة مفصلية، منها بدأ الروس رحلتهم الجدية إلى دمشق وبدأت ترتسم خريطة المواجهة بين أميركا وروسيا. إنها المرة الأولى التي تصّر روسيا على انتصار استراتيجيتها في الشرق الأوسط عبر وجودها على شواطئ سوريا في الحرب وفي المفاوضات.


لم تعد أميركا ديك الساحة الوحيد الذي يخطط وينفذ ويكون دور الآخرين من روس وغربيين انتظار لحظة التوقيع ليشهدوا على صحة التواقيع.


انتهى زمن كيسنجر وبيكر ووارن كريستوفر وغيرهم من وزراء خارجية أميركا الذين لعبوا في مصير المنطقة وحيدين دون شريك دولي.


نحن اليوم نعيش زمن صراع المصالح الحقيقية بين أميركا وروسيا وزمن اتفاقات تكون نتيجة هذا الصراع الدائر بين العملاقين.


روسيا لن تكرر القبول بالخديعة منذ معاهدة كوتاهية مروراً باتفاقية سايكس بيكو، فحرب النكسة، فخطة إسقاط الاتحاد السوفياتي.


روسيا تثأر لخديعة استمرت قرناً من الزمن.


واذا كانت اتفاقية سايكس بيكو رسمت خريطة المنطقة طيلة قرن كامل فإن المنطقة تسير نحو خريطة ترسمها اتفاقية لافرو – كيري أو من يخلفهما أو يخلف أحدهما، ولا يزيد سوى بعض الحواشي على اتفاقهما.


والفرق بين سايكس بيكو ولافرو كيري أن الأولى أّبرمت بين طرفين اتفقا بالحرب والسلم والثانية اُبرمت بين طرفين اختلفا في الحرب والسلم.


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net