Tahawolat

نموذج: "جمعية الميدان، إهدن - زغرتا


ملخص الدراسة


 يحاول هذا البحث الإشارة إلى أهمية القطاع السياحي في لبنان ودوره في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. حيث أصبحت السياحة بكافة أنواعها بالنسبة إلى فئة كبيرة من الناس، ضرورة ملحّة، خاصةً أن القطاع السياحي اللبناني من أهم وأبرز القطاعات الاقتصادية على الإطلاق، وهو الأكثر حيوية وتأثيراً في الحياة الاقتصادية اللبنانية. لذلك، نشير في سياق التحليل العلمي لكل ما سيأتي في هذه الدراسة من بيانات ومعطيات ومعلومات تتعلق بالقطاع السياحي، إلى أن هذا الأخير هو الأكثر حساسية بين القطاعات كلها لتأثره الكبير بالأوضاع الأمنية والسياسية المحلية والإقليمية وحتى العالمية. كما ويتأثر بسياسة الدولة الاقتصادية وتوجهاتها واستراتيجياتها التنموية، حيث تعتبر الخطط الاستراتيجية المسيّر الأهم للقطاع السياحي والدافع الأساسي لتطوره أو لتحجيم دوره.


وعليه، سيتمحور هذا البحث حول عرض بعض تجارب مؤسسات المجتمع المدني اللبناني (نموذج جمعية الميدان، إهدن- زغرتا) في استغلال المقومات السياحية واستثمارها والترويج لها بالشكل الذي يحوّلها مراكز جاذبة للسياح، ويكون لها الأثر المباشر وغير المباشر الذي يمكن أن تحدثه في التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي باتت تمثل هدفاً مهمًا من أهداف استراتيجيات التنمية الشاملة في لبنان.


مقدمة


إن التنمية السياحية في لبنان هي جزء لا يتجزأ من استراتيجية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، التي من المفترض أن تأخذ مكانها في التخطيط القومي والمحلي كقطاع مهم وفاعل في تحقيق التنمية الشاملة. إلا أن التحدي الأكثر جسامة الذي يُطرح على الساحة اللبنانية، هو بلا جدل تحدّي التنمية بمفهومها الشمولي، والتي لن تتحقق إلاّ بحشد كل طاقات المجتمع وتفعيل قواه ودمجها في سيرورة البناء التنموي بكل حلقاته، من مستوى البلورة، إلى مستوى اتخاذ القرار، إلى التنفيذ والمتابعة والتقويم. ويعتبر القطاع السياحي من أهم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية التي تحتاج إلى تحشيد جهود القطاعات العامة والخاصة والأهلية لخططها التنموية، خاصة أن هذا القطاع يساهم في توفير احتياجاتها وسد نفقاتها.


من هنا، نطرح أهمية مشاركة مؤسسات المجتمع المدني في التنمية السياحية اللبنانية، خاصة أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة لم تستطع أن تحلّ وحدها مشاكلها وأزماتها السياحية كلها، وأنه بات من الضرورة أن يسهم المجتمع المدني بمؤسّساته من نقابات وجمعيات… في حل هذه المشاكل. فالمجتمع المدني هو الذراع الأيمن للحكومات، ليس فقط في عملية التنمية؛ ولكن أيضاً في السعي إلى تعبئة موارد وطاقات معطلة سواء اقتصادية أم بشرية، وإشراك مختلف فئات المجتمع في هذه العملية.


إشكالية البحث


ما تزال السياحة في لبنان تعمل في إطار عشوائي غير منظم، فلم تنجح وزارة السياحة إلّا على مستوى ضيّق، وهي الجهة الرسمية القيّمة على تنظيم السياحة وتنميتها، من تنفيذ استراتيجيات وطنية عامة تهدف إلى تحقيق صناعة سياحية متطورة، ومن ممارسة الدور الرقابي على النشاط السياحي. وبالرغم من الجهود المبذولة إلّا أن الإنجازات بقيت ضئيلة. فالسعي إلى خلق صناعة سياحية متطورة يتطلب تضافر الجهود كافة، بدءًا من إيجاد التشريعات الملائمة والتنسيق بين الوزارات كافة، وصولاً إلى التعاون مع القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني. وعلى الرغم من ذلك، فالتنمية السياحية في لبنان لم تتحقق على مستوى التشابك بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ولم تستطع توظيف هذا التشابك في تحقيق إنجازات سياحية وإنمائية متوازنة بين المناطق اللبنانية المختلفة. وعلى الرغم من إشكالية غياب اللامركزية الإدارية التي تقف في وجه العمل الإنمائي المتوازن على المستوى السياحي في ظل غياب الدور الرسمي الراعي للسياحة واستمرار الصراعات السياسية بين الفرقاء اللبنانيين، تبرز إشكالية أخرى، تتمثل بالمجتمع المدني الذي كان من المفترض أن يكون الحل البديل أو المكمّل لدور الدولة في تطوير القطاع السياحي اللبناني. إلّا أن المجتمع المدني في لبنان بعيد كل البعد عن التثقيف والوعي السياحي، وهذا يعود بالطبع إلى ضعف المؤسسات والجمعيات العاملة في هذا المجال رغم تواجدها وانتشارها بكثافة على الأراضي اللبنانية. إلاّ أن هذه الجمعيات تبقى في إطارها الأهلي ولم ترق إلى العقلية المدنية القائمة على الانفتاح الفكري والثقافي باستثناء بعض الجمعيات التي تقوم باستحداث المشروعات ذات البعد التنموي، بعيدًا عن المصالح السياسية والزبائنية الضيقة، حيث تبنّت برامج ومشروعات تنموية وسياحية مختلفة أحدثت حراكًا محليًا أسهم بدفع عملية التنمية في مناطق تواجدها (نموذج جمعية الميدان، إهدن - زغرتا).


تأسيساً على ما تقدم، يحاول هذا البحث أن يناقش، وانطلاقاً من الإشكاليات المطروحة، دور المجتمع المدني في عملية التنمية السياحية. وعندما نقول دور، نقصد ما هي المهام والوظائف التي يمكن لمؤسسات المجتمع المدني (الجمعيات مثلاً) أن تقوم بها في عملية التنمية السياحية؟ وكيف يمكن للجمعيات أن تتحمل مسؤولية المساهمة في الصناعة السياحية والترويج لها، وتملأ الفراغ الذي يتركه دور الدولة في العديد من المجالات؟ بالإضافة إلى تبيان ما مدى قدرة الجمعيات على تعبئة الموارد البشرية والمادية من أجل الاستجابة لأية مبادرة وطنية تهدف لخدمة القطاع السياحي اللبناني؟ لكن إبراز الدور الذي يمكن أن تلعبه الجمعيات في التنمية السياحية يمر من خلال البحث في التنمية السياحية والترويج السياحي، وكل ما يرتبط بهما، بعد تعريفنا للمجتمع المدني ومكونه الأساسي الذي هو الجمعيات. إلا أنه من الصعب أن نطال دور الجمعيات كلها بشكل عام في التنمية السياحية، لذلك سنخصّص بحثنا حول جمعية مدنية فاعلة (جمعية الميدان) التي تمثّل نموذجًا تنمويًا رائدًا على مستوى تفعيل الحركة السياحية الداخلية في لبنان عامة، وفي إهدن – قضاء زغرتا خاصة.


أما فرضيات هذا البحث، فتدور حول النقاط التالية:


- إن التنمية السياحية التي تحدّد أهدافها وبرامجها بشكل جاد قد تحدث تأثيراً مباشراً في التنمية الاجتماعية، من خلال ما يمكن أن تحقّقه من تغيير في قيم وعادات وتقاليد الكثير من المجتمعات التي تستقبل السيّاح، وفي التركيب المهني لهم، ونظرتهم للغرباء/ الوافدين والكثير من أنماط سلوك وتفكير الآخرين داخل تلك المجتمعات. فضلا عما يمكن أن تحدثه التنمية السياحية من أثر على مستوى تطوير الظروف الاقتصادية، ورفع معدلات المداخيل.


- إن النشاطات السياحية التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني من جمعيات وبلديات (نموذج: جمعية الميدان – برنامج إهدنيات) تظهر آثارها بقوة على جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية المختلفة مثل الطابع العام للمجتمع وبعض المظاهر الاجتماعية والثقافية. وأدّت إلى إضفاء جو من السلام والأمن والتقارب بين المجموعات السكانية المختلفة (سياسيًا على سبيل المثال) مما خفّض من حدّة التوتر السياسي وعملت على زيادة روح المودة والتفاهم والعمل المشترك من أجل التنمية المجتمعية.


- إن ضعف مؤسسات المجتمع المدني من حيث الوعي السياحي والثقافة السياحية، إنما يعود إلى غلبة وطغيان الاهتمامات ذات الطبيعة الاستهلاكية الربحية والعلاقات الزبائنية والشخصانية في الأداء والفكر الثقافي الذي يصعب إدراجه ضمن الاهتمامات الثقافية العميقة والجادة.


أولًا: التنمية السياحية ومكوّناتها:


تعرّف التنمية السياحية بأنها توفير التسهيلات والخدمات لإشباع حاجات ورغبات السياح، وتشمل كذلك بعض تأثيرات السياحة مثل: إيجاد فرص عمل جديدة ودخول جديدة. وتشمل التنمية السياحية جميع الجوانب المتعلقة بالأنماط المكانية للعرض والطلب السياحيين، التوزيع الجغرافي للمنتجات السياحية، التدفق والحركة السياحية، تأثيرات السياحة المختلفة. فالتنمية السياحية هي الارتقاء والتوسّع بالخدمات السياحية واحتياجاتها. كما تتطلب تدخل التخطيط السياحي باعتباره أسلوبًا علميًا يستهدف تحقيق أكبر معدل ممكن من النمو السياحي بأقل تكلفة ممكنة، وفي أقرب وقت مستطاع (مصطفى يوسف كافي، 2006). ومن هنا فالتخطيط السياحي يعتبر ضرورة من ضرورات التنمية السياحية الرشيدة لمواجهة المنافسة في السوق السياحية .


1- تعريف السياحة: تعني كلمة السياحة في معناها الأول، السفر والإقامة المؤقتة خارج مكان السكن الأصلي. سافر الناس في الماضي لأهداف مختلفة منها التعرّف على العالم ودراسة اللغات الأجنبية (مروان محسن سكر، 1999). أما السياحة بالمفهوم الحديث، فهي ظاهرة منتشرة في المجتمع المعاصر، والأساس منها الحصول على الاستجمام وتغيير الجو والمحيط الذي يعيش فيه الإنسان، والوعي الثقافي المنبثق لتذوق جمال المشاهد الطبيعية ونشوة "الاستمتاع بجمال الطبيعة"، وهذا التعريف يعود للألماني "جوبيير فولر" بتاريخ 1905. تحدث كثير من العلماء والجهات المعنية عن السياحة وحاولوا وضع تعريف لها بسبب أهميتها المتزايدة. أتى من أبرزهم منظمة السياحة العالمية (world tourism organization) وهي منظمة تابعة للأمم المتحدة مقرها مدريد، تهتم بالشؤون السياحية عند الدول، وتقوم بإصدار إحصائيات تتعلق بأحجام وطبيعة العرض والطلب السياحي في العالم (منظمة السياحة العالمية، 2009).


على هذا الأساس، وعلى الرغم من صحة هذه التعاريف، فإنها غير كاملة وغير شاملة للظاهرة السياحية، كما نراها في عصرنا الحالي، لأن هذه التعاريف لا تشمل سوى جوانب معينة في الظاهرة كالسفر، والتنقل، والإقامة خارج السكن اليومي المعتاد وإشباع حاجات معينة داخل البيئة.


2- أهداف التنمية السياحة: تهدف تنمية الصناعة السياحية إلى تحقيق زيادة مستمرة ومتوازنة في الموارد السياحية. وإن أول محور في عملية التنمية هو الإنسان الذي يُعدّ أداتها الرئيسية (مصطفى عبد القادر، 2003). لهذا فإن الدولة تطالب بالسعي إلى توفير كل ما يحتاج إليه لتبقى القدرات البدنية والعقلية والنفسية لهذا الإنسان على أكمل وجه.


نخلص إلى القول مما تقدّم، إن التنمية السياحية يجب أن تهدف إلى تحقيق زيادة متوازنة ومستمرة في الموارد السياحية، إضافة إلى ترشيد وتعميق درجة الإنتاجية في قطاع السياحة، وبالتالي فهي تتطلّب تنسيق السياسات المختلفة داخل البلد نظرًا لارتباط السياحة مع مختلف تلك الأنشطة الأخرى مثل النقل والجمارك والتجارة والخدمات بصفة عامة.


ثانيًا: أثر التنمية السياحية على التنمية الاقتصادية الاجتماعية:


لا بدّ من محاولة الربط بين موضوع التنمية السياحية وارتباطها بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث تترتب على التنمية السياحية مجموعة من التأثيرات التنموية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والسياسية في المقصد السياحي (الدول المستقبلة).


1-    علاقة التنمية السياحية بالتنمية الاقتصادية:

إن التنمية السياحية تلعب دوراً أساسياً في التنمية الاقتصادية حيث يؤثر رواج صناعة السياحة بشكل مباشر على اقتصاد ورواج الصناعات والأنشطة المرتبطة بصناعة السياحة، فالإنفاق على الخدمات والسلع المرتبطة بصناعة السياحة يؤدي إلى انتقال أموال من جيوب السائحين إلى جيوب أصحاب هذه الخدمات والسلع المشتغلين بها فيتفرع عن هذا الانتقال للأموال سلسلة أخرى من الإنفاق (محمود البلتاجي، 2009).


2- علاقة التنمية السياحية بالتنمية الاجتماعية:


يمكن اختصار أهم روابط العلاقة بين التنمية السياحية والتنمية الاجتماعية على النحو الآتي:


أ‌-    قدرة التنمية السياحية على امتصاص البطالة: تعمل التنمية السياحية على خلق فرص عمالة متعددة سواء في القطاع السياحي نفسه، مثل شركات السياحة، المطاعم، الفنادق، شركات النقل السياحي، محلات بيع الهدايا، محلات بيع المصنوعات التقليدية اليدوية.. الخ، أو في الأنشطة والقطاعات التقليدية (أحمد نظيف، 2006).

ب‌-    قدرة التنمية السياحية على رفع المستوى المعيشي للمجتمعات والشعوب وتحسين نمط حياتهم، عبر خلق وإيجاد تسهيلات ترفيهية وثقافية لخدمات المواطنين إلى جانب الزائرين في المناطق كافة.

ت‌-    قدرة التنمية السياحية على إبراز المقومات السياحية المختلفة للبلد (لبنان، مثلاً): وذلك عن طريق دعوة السياح لزيارة لبنان والتمتع بكل ما يتميّز به هذا البلد من عناصر جذب سياحي.


وعليه، يمكن لنا القول إن التنمية السياحية هي جزء لا يتجزأ من عمل تنموي كامل متكامل على الصعد الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي فهي تخضع لمعايير وأبعاد وشروط التنمية المستدامة. لكن هذا يستلزم شرطاً أكيداً لا بدّ من سلوكه، وهو طريق الرؤى والخطط العلمية عن طريق التخطيط والتسويق.


ثالثًا: دور التخطيط في تطور القطاع السياحي:


يعتبر التخطيط السياحي نوعاً من أنواع التخطيط التنموي وهو عبارة عن مجموعة من الإجراءات المرحلية المقصودة والمنظمة والمشروعة التي تهدف الى تحقيق استغلال واستخدام أمثل لعناصر الجذب السياحي المتاح والكامن وتحقيق أقصى درجات المنفعة الممكنة، مع متابعة وتوجيه وضبط لهذا الإستغلال لإبقائه ضمن دائرة المرغوب والمنشود، ومنع حدوث أي نتائج أو آثار سلبية ناجمة عنه (نور الدين هرمز، 2006). فالتخطيط هو عمل فكري يهدف إلى التنبؤ بما سيكون عليه مستقبل المؤسسات المعنية، ووضع البرامج اللازمة لإنجاز المشاريع، ثم تعيين ما يجب علينا فعله، ومعرفة كيفية الفعل، وما ذلك إلاّ لنستطيع تحقيق أهدافنا من الاستثمارات (محمد فريد عبد الله، 2006).


بشكل عام، لا يمكن لأية مجهودات أو أنشطة في المجال السياحي أن تنجح إلاّ بوجود استراتيجيات مناسبة وعلى المستوى التسويقي خصوصاً. ذلك أن التخطيط السليم للتسويق السياحي بعناصره المختلفة هو الضمانة الأكيدة لوجود قطاع سياحي ناجح كنشاط إنساني من جهة، وكرافد اقتصادي لموازنات الدول المعنية، من جهة أخرى.


رابعًا: مفهوم التسويق والترويج السياحي:


أصبح التسويق والترويج السياحي من العناصر الأساسية التي تعتمد عليها الدول السياحية بشكل عام، والشركات السياحية بشكل خاص، لزيادة نصيبها من الحركة السياحية الدولية التي تتزايد وتتنامى عامًا بعد عام.


1- التسويق السياحي وأهميته:


إن التوجّه المجتمعي للتسويق السياحي، يقوم على فرضية مؤداها أن المشاكل البيئية والقوى السياسية والقانونية والديموغرافية، وكذلك الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية والحضارية والشواهد التاريخية والموروث الشعبي وغيرها، هي الموجّه الأساسي للاستراتيجيات التسويقية في صناعة السياحة. لذلك، كان لا بدّ أن تهتم صناعة السياحة بالموارد الطبيعية كالطاقة والبيئة والمحافظة عليها من الفناء والتلوث وذلك من أجل توفير حياة أفضل وراحة أكبر للسياح. ويأتي مفهوم البيئة السياحية المستدامةSustainable Tourism Environment والتنمية السياحية المستدامة Sustainable Tourism Development في صلب اهتمامات وتطلعات هذه الصناعة الرائدة. كما برزت تسميات مثل السياحة الدينية Religious Tourism والسياحة الأثرية Tourism Of Archaeological Sites وسياحة الترفيه Leisure Tourism والسياحة العلمية Scientific Tourism والسياحة الصحراوية Desert Tourism وسياحة التسوّق Shopping Tourism لتؤكد الطبيعة المتجدّدة لصناعة السياحة ضمن المفهوم الاجتماعي والثقافي والإنساني للتسويق السياحي الحديث (William C. Gartner ,1996).


كما ويرى أنصار هذا المفهوم، وجلّهم في قطاع الخدمات بالذات، أن السائح يحتاج إلى أن تدرس دوافعه الشرائية وسلوكه الشرائي دراسة متعمّقة. فليس جميع السياح قادرين على معرفة احتياجاتهم بسهولة، خصوصاً أن الخدمات السياحية في الأصل غير ملموسة (Intangible)، مما يصعب على السائح إصدار أحكام مسبقة حول جودتها Theodore Levitt, 1960) ).


على هذا الأساس، كانت صناعة السياحة سبّاقة إلى تطبيق مفاهيم وآليات وطرائق ما اصطلح على تسميته ببحوث السائح (Tourist Research) والذي يُعنى بدراسة دوافع وخصائص وتوقّعات السائح الحاليّ أو المحتمل بغية التأثير على سلوكه لغرض زيادة المبيعات، من خلال ترغيبه بالشراء وتكرار الشراء. كما برز مصطلح بحوث السوق السياحية (Tourism Market Research) والذي يُعنى بدراسة السوق السياحية من جميع جوانبها. وهناك أيضاً مفهوم استطلاع آراء السياح (Tourist Surveys) وهو يعنى بدراسة السوق السياحية والعوامل المؤثرة فيها مع دراسة السياح ودوافعهم لمعرفة آرائهم في الخدمات المطروحة ولاعتبارات تسويقية أخرى Richard Teare,1996) ).


2-    الترويج السياحي وأهميته:

يعرّف كينكيد (kinkid) الترويج بأنه نظام متكامل يقوم على أفضل المعلومات من السلعة أو الخدمة بأسلوب إقناعي، إلى جمهور مستهدف من المستهلكين، لحمل أفراده على قبول السلعة أو الخدمة المروج لها. كما يقول كينكيد إنه لا بدّ أن يكون للترويج دور فعال ضمن استراتيجية التسويق. كما ويعرّفه بأنه: "التنسيق بين جهود البائع في إقامة منافذ للمعلومات، وفي تسهيل بيع السلعة أو الخدمة، أو في قبول فكرة معينة" (بشير علاق، 1998).


أما بالنسبة إلى الترويج السياحي في لبنان فهو لا يرقى إلى مستوى الإمكانات الحقيقية للسياحة في لبنان، وهو لا يعكس الصورة الحقيقية للسياحة فيه، ولا تزال صورة لبنان في الخارج تعاني من التشويه بسبب الأحداث التي مرّت بها البلاد، مما ينعكس سلبًا على قدرة لبنان على استقطاب سياح جدد وبخاصة من الدول الأجنبية.


خامسًا: استراتيجية الدولة اللبنانية في صناعة السياحة:

إن القطاع السياحي في لبنان هو قطاع عشوائي غير منظّم، لا يعتمد خططًا ذات جدوى اقتصادية. فبالرغم من أن الجميع مقتنع بأن القطاع السياحي يشكل الدخل الأكبر في لبنان. إلا أن التعاطي معه لا يتوافق مع أهميته. فوزارة السياحة مهملة، وميزانيتها ضئيلة جداً لا تتناسب أبداً مع أهمية القطاع السياحي ومردوده على الاقتصاد الوطني، ولا تؤهلها القيام بمشاريع تنموية أو تسويقية ضخمة، إذ إن الموازنة المخصصة لوزارة السياحة تصرف بمعظمها على الأجور والرواتب (فادي عبود، 2010).


وبما أن الإنفاق المطلوب على البنى التحتية، وخصوصًا على الكهرباء إنتاجًا ونقلًا وتوزيعًا، إضافة إلى إنشاء مشاريع المياه، وقطاع النقل والطرق، وأهمية النهوض بقطاع الاتصالات، يفوق ما هو مرصود لهذه الغاية في مشروع الموازنة، لذلك، يجب على الحكومة محاولة تأمين تمويل إضافي من الدول والصناديق المانحة، إضافة إلى الشراكة مع القطاع الخاص لتمويل و/أو الاستثمار في هذه المشاريع (علي علوش، 2011).


وفي حال وجود أموال قابلة للاستثمار فسيعاني لبنان من مشكلة أيضاً تكمن في إعادة توجيه قسط أكبر من هذه الأموال نحو الاستثمار في قطاعات أكثر إنتاجية، بالإضافة إلى تعزيز التنمية في الوقت نفسه.


إضافة إلى ذلك، فإن وزارة السياحة بحاجة الى رصد موازنة من أجل إعادة تأهيل المبنى لكي يستحق أن يكون وزارة سياحة، خصوصاً أن الوزارة هي الواجهة. ووضعها في شكلها الحالي محرج، ولا يصلح لأن يكون وزارة للسياحة، وهو لا يعكس أبداً صورة لبنان السياحي، فالمباني قديمة ومستهلكة، والوزراة بحاجة إلى قاعة كبيرة للمؤتمرات، وقاعة للمعارض وأخرى لإقامة متحف يسمح لزوار لبنان والوفود السياحية والاغترابية الاطلاع على ما لدينا (كلبنانيين). وهناك نقص هام في التجهيزات اللوجستية من معدات وأجهزة كومبيوتر، وآلات تصوير، وشبكة الإنترنت ما تزال غير كافية.


كما ونشير إلى غياب استراتيجية سياحية محكمة للدولة في ظل ارتفاع للأسعار بوتيرة عالية، ما يؤدي إلى غلاء قوي من دون حسيب أو رقيب، وبحجة أن اقتصادنا حر، ما يعني حرية في العرض والطلب، هذا بالإضافة إلى ارتفاع الضرائب المفروضة على الأنشطة السياحية، حيث لا تعمل الدولة على تخفيض هذه الضرائب بما في ذلك ضريبة الإنفاق الاستهلاكي أو الضريبة المضافة.


وغياب الاستراتيجية يظهر في ضعف البنية التحتية الخاصة بالقطاع السياحي، حيث تشكل البنية التحتية من مياه وصرف صحي وطرق ونقل بأنواعه البري والبحري والجوي كافة عنصراً أساسياً في تنشيط السياحة. كما يعاني قطاع النقل من غياب الرؤية، ومن فقدان فرص الإفادة الاقتصادية منه. كما ولفوضى النقل البرّي التأثير السلبي المباشر على حياة المواطنين اليومية، مما يجعل ضرورة المطالبة بإعادة النظر الفورية بالخطة التي تعتمدها الدولة اللبنانية من أجل تسهيل أمور الناس، وتنشيط الحركة الاقتصادية مع خفض للكلفة وتأمين سلامة عمليات النقل.


أما بالنسبة للكهرباء والمياه فهي من أهم المعوقات التي يعاني منها القطاع السياحي، خاصة أن مطالب المؤسسات السياحية، تتلخص بتوفير الكهرباء والمياه، خصوصًا في مناطق الاصطياف، ذلك أن غالبية المؤسسات احتاطت للتقنين القاسي، فبادرت احتياطًا إلى شراء مولدات جديدة وبقيت الأسعار على حالها مما يضرّ بالمستثمر.


أما بالنسبة لقطاع الاتصالات فيصنف من ضمن القطاعات الرسمية التي تديرها الدولة اللبنانية، وهو ما زال يشهد جملة من الثغرات الإدارية والفنية والهيكلية التي أعاقت النمو وخلفت التراجع في أداء الدولة وتوفير الخدمة (سابين عويس، 2008). كما تفتقد الدولة اللبنانية لاستراتيجية متطوّرة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي تلعب دوراً هاماً في تطبيق الخدمات السياحة الالكترونية من حيث تفعيل النظم والتطبيقات الخاصة، حيث أصبح تزويد العملاء بالخدمات الإلكترونية واحدة من مقومات نجاح أي من القطاعات الاقتصادية والتي يأتي على رأسها قطاع صناعة السفر والسياحة.


من هذا المنطلق، تجري محاولات جادة من وزارة السياحة اللبنانية  ووزارة الاتصالات  نحو تطوير وتفعيل افضل الحلول وأحدث النظم الإلكترونية للخدمات السياحية من حيث العمل على استراتيجيات التسويق الإلكتروني لتحقيق أداء شامل ومتميّز يسهم في تطوير المنظومة السياحية، لدعم التنافسية السياحية العالمية، ولاستقطاب السائحين والاستثمارات السياحية في ظل توافر البيئة والمناخ الاستثماري والصناعات الداعمة لقطاع السفر والسياحة.


كما ويعاني القطاع السياحي من نقص في الإعلام والإعلان وذلك بسبب عدم الاهتمام بالإعلان والترويج السياحي وعدم وجود دليل سياحي في الأماكن الأثرية يتواصل مع السياح ويعرّفهم على ما تحتويه هذه الأماكن. إضافة الى ضعف في البرامج السياحية التي تعرض آثار ومناظر المناطق المراد تحقيق السياحة فيها.


وفي السياق نفسه، نشير إلى النقص في الوعي البيئي وعدم معرفة أهميته في خلق بيئة نظيفة مهيأة لاستقبال السائحين، إذ تنحدر البيئة في لبنان من سيئ الى أسوأ، والمعالجات المعتمدة تبقى دون المستوى المطلوب. فمن أبرز المشاكل البيئية في لبنان مشكلة التلوّث. أما أبرز ضحايا التلوّث فهو الشاطئ الذي يُفترض أن يكون ملاذ الناس صيفاً، ومصدراً لرزق كثيرين منهم في مختلف الفصول. ولكن ما يمنع ذلك آلاف الأطنان من النفايات والملوّثات الصناعية التي تُقذف سنوياً في مياه البحر.


كما أن هناك مشكلة الصرف الصحي التي يعاني منها لبنان بشكلٍ دائم، فالروائح الكريهة تزعج كل السكان وتهدد السلامة العامة. وقد تعرَّضت مصادر المياه في لبنان لكل أنواع التلوُّث بسبب غياب شبكات الصرف الصحي عن مناطق وجودها.


يضاف الى ما سبق ذكره التمدن العشوائي المتمثّل بانتشار المنتجعات السياحية بشكل جنوني على الشاطئ اللبناني، مع ما تمثّله هذه الظاهرة من خطورة ردم البحر وتقليص مساحته البحرية لمصلحة «التمدن الباطوني»، ما يلحق أذى بالغاً بالبيئة، وهذا الأذى ينعكس حتماً على الإنسان.


أخيرًا، كيف يمكن أن يكون هناك استراتيجية سياحية للدولة اللبنانية عبر وزارة السياحة والوزارات المختصة في ظل هذا الانقسام السياسي الحاد في البلاد، وفي ظل التجاذبات السياسية والطائفية والمذهبية التي لم تنتهِ منذ بداية الحرب اللبنانية العام 1975 وحتى الآن (2014)؟ ولا حكومة قادرة، ولا مجلس نواب فاعل، ولا قدرة على انتخاب رئيس قوي للبلاد، وأزمة معيشية وصلت حدودها إلى تعطيل كل القطاعات الرسمية؟ كيف يمكن أن تطلق الدولة خطة استراتيجية سياحية وهي ما زالت تعاني من تنفيذ خطة أمنية من أجل الاستقرار الأمني في لبنان؟ والكل يعلم بأن الأمن والسياحة توأمان.


من هنا، لا بدّ من القول إن السياحة هي إبداع وابتكار، وهي عملية إنتاج مترابطة وفق استراتيجيات وخطط عمل متطورة، وبالتالي هي صناعة لا يمكن أن نستفيد منها إلاّ عبر استراتيجيات وخطط واقعية وتقنيات جديدة، بالإضافة إلى مقاربات جديدة ومتطوّرة وحملات ترويج مبدعة. وهكذا، يتم تحويل السياحة عبر تنفيذ هذه الخطط أو الاستراتيجيات السياحية إلى عملية إنتاجية يومية ناشطة في المحافظات والأقضية اللبنانية كافة.


فهل توجد استراتيجية سياحية فعلية في لبنان؟ هذا ما سنبيّنه من خلال مقابلة أجريت مع القائمقامين اللبنانيين على الشكل الآتي:






جدول رقم (1)

وجود استراتيجية لتنمية القطاع السياحي (ديانا فتوش، 2012- أ)

المحافظة    بيروت    جبل لبنان    الشمال     عكار    الجنوب    النبطية    البقاع    بعلبك الهرمل    المجموع    النسبة

اهتمام الدولة بالسياحة    جيد    1    2    1    -    1    -    1    --    6    24

    وسط    -    4    1    -    1    1    -    1    8    32

    ضعيف    -    -    4    1    1    2    2    1    11    44

    المجموع    1    6    6    1    3    3    3    2    25    100

تعاون مع وزارة السياحة





    نعم    1    2    1    -    1    1    1    1    8    32

    كلا    -    4    5    1    2    2    2    1    17    68

    المجموع    1    6    6    1    3    3    3    2    25    100

استراتيجية وطنية    نعم    1    1    1    -    -    -    -        3    12

    كلا    -    5    5    1    3    3    3    2    22    88

    المجموع    1    6    6    1    3    3    3    2    25    100

استراتيجية على صعيد المحافظة    نعم    1    2    1    -    1    1    1    -    7    28

    كلا    -    4    5    1    2    2    2    2    18    72

    المجموع    1    6    6    1    3    3    3    2    25    100

استراتيجية على صعيد القضاء    نعم     1    2    -    -    1    -    -    -    4    16

    كلا    -    4    6    1    2    3    3    2    21    84

    المجموع    1    6    6    1    3    3    3    2    25    100

يظهر لنا من خلال هذا الجدول المتعلق باهتمام الدولة بالسياحة وتعاونها مع الأقضية ووجود استراتيجية على صعيد الوطن والمحافظة والقضاء لتنمية القطاع السياحي، أن نسبة 44% من القائمقامين تجد أن اهتمام الدولة ضعيف، ونسبة 32% تراه وسطًا، و24% تجد أن الدولة تهتم بصورة جيدة بالقطاع السياحي.


أما بالنسبة إلى تعاون الأقضية مع وزارة السياحية، فإن نسبة 68% أجابت بعدم وجود أي تعاون مع وزارة السياحة، ونسبة 32% أجابت بوجود تعاون متواضع مع هذه الوزارة. أما فيما يتعلق بوجود استراتيجية وطنية لتنمية القطاع السياحي، فإن نسبة 88% من العينة أجابت بعدم وجود هذه الاستراتيجية ونسبة 12% أجابت بوجودها.


على صعيد المحافظة، هذه الاستراتيجية لتنمية القطاع السياحي، موجودة في رأي 28% من العينة، مقابل نسبة 72% أجابت بعدم وجودها.


أما على صعيد القضاء، فإن نسبة 16% من أفراد العينة أجابت بوجود هذه الاستراتيجية، مقابل نسبة 84% أجابت بعدم وجودها .


في تحليل هذه المعطيات، نجد أن محافظة الشمال من أكثر المحافظات اللبنانية التي تعاني من الإهمال المتراكم من قبل الوزارات اللبنانية المختلفة، حيث لم تُشمل بشكل أساسي بأية استراتيجية أو خطة إنمائية وسياحية من قبل الدولة اللبنانية. فالسياحة على مختلف أنواعها تعاني اليوم إهمالاً من قِبَل الوزارات المعنيّة، منها وزارة السياحة التي لم تعطها نصيبها رسميًا من موازنة الوزارة، ولم تصدر تشريعات وضوابط تحميها ولا حتى وسائل لدعمها. في حين أن المجتمع المدني يسهم بالنبض القوي في تقدّم بعض المناطق السياحية في محافظة الشمال، وبالتالي في تفعيل السياحة المحلية والترويج لها في محاولة جادة لتعويض النقص الحاصل والتقصير شبه الدائم من قبل الدولة اللبنانية عبر حكوماتها المتعاقبة.

أما من أهم مؤسسات المجتمع المدني التي تقوم بهذا الدور البديل لدور الدولة، فهي بعض البلديات وعدد قليل من الجمعيات الأهلية التي تقوم بنشاطات تعكس صورتها المدنية، وعلى رأسها جمعية الميدان، موضوع هذا البحث.


بناء عليه، لا بدّ من الإشارة إلى أهمية أن يكون هناك استراتيجية سياحية، تبدأ من الدولة اللبنانية ووزاراتها المختصة، ثم يكون العمل على تطبيقها على مستوى المحافظات اللبنانية وأقضيتها، وصولاً إلى المدن والبلدات اللبنانية، عبر سلطاتها المحلية وخاصة البلديات  التي لها دورها الكبير في دعم القطاع السياحي والترويج له في مناطق تواجدها. لذلك، لا بدّ من الشراكة والتشبيك بين القطاعات والمحافظات والأقضية والمناطق كافة في مشروع الاستراتجية السياحية الوطنية، لأن الشركاء في أي مشروع هم من يؤثر أو يتأثر بذلك المشروع.


وفي الحقيقة، المشروع التنموي السياحي من المشاريع التي تحتاج إلى تكاتف جميع القطاعات الحكومية والخاصة بجانب المجتمع المحلي، في العمل جنبًا إلى جنب من أجل تحقيق الأهداف التنموية لتلك الصناعة، وذلك من خلال الأدوار والمسؤوليات لجميع الشركاء، بجانب الإمكانات الفنية والمالية التي يمتاز بها كل شريك لإنجاح أي مشروع، منها المشروع السياحي، الذي يُعتبر هماً وطنياً يسهم في حل الكثير من التحديات التي تواجهها الدولة اللبنانية.


أما بالنسبة لمحتويات الخطة الاستراتيجية للسياحة اللبنانية فيجب أن تكون متنوّعة ومتشعبة وتصبّ جميعها في إطار تطوير السياحة على الأراضي اللبنانية كافة، وأن تهدف كلها إلى أن يبدأ لبنان في الاستفادة من موارده السياحية عبر خلق قطاع إنتاجي تمتد منافعه على فصول السنة كافة، ويساهم في تنمية جميع المناطق اللبنانية. لذلك يجب أن تشمل الخطة الاستراتيجية مجموعة من الإجراءات التي يجب تطبيقها خلال فترة زمنية محدّدة لتطوير القدرة التنافسية للسياحة اللبنانية، وإعادة وضع لبنان على الخريطة السياحية وتعزيز موقعه وجعله بلداً سياحياً رائداً في المنطقة والعالم.


سادسًا: دور مؤسسات المجتمع المدني في التنمية السياحية:

يُعرّف المجتمع المدني بأنه مجموعة من المنظمات تنشأ من مبادرات المواطنين الخاصة، وتحتل موقعًا وسطًا بين مشروعات القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية، وهي لا تستهدف تحقيق الربح، بل تسعى في المقام الأول إلى تحقيق النفع العام، بشرط التقيّد بالأنظمة والتشريعات.

وفي التفصيل، فإن المجتمع المدني يتألف من الجمعيات والنوادي والنقابات  والأحزاب والتجمّعات التي تتلاقى، فتخلق مساحة ما بين الدولة والمواطن، وهو شرط ضروري من شروط تحقيق الديمقراطية. أو هو المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال عن سلطة الدولة لتحقيق أغراض متعدّدة، منها أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرار على المستوى الوطني والقومي، وهي هدف الأحزاب السياسية، ومنها أغراض نقابية للدفاع عن مصالح أعضائها، ومنها أهداف متصلة بأغراض كل جماعة، أو للإسهام في العمل الاجتماعي، وهو عمل الجمعيات (عصام نعمة اسماعيل، 2009- أ).

تؤدي هيئات المجتمع المدني، دورًا في التنمية، بخاصة عندما تشارك هذه الهيئات في صنع القرار وتنفيذه، وتحدّ من تسلّط الدولة وتساهم في الإصلاح الاقتصادي والتعزيز المتبادل للحياة المدنية.

وفي الإطار الذي يعنينا، فقد أشرنا إلى أن تسيير القطاع السياحي وتنفيذ معظم نشاطاته هو من اختصاص القطاع الخاص ، لذا قبلت الحكومة اللبنانية بممثلي هذا القطاع كمشاركين فعليين في رسم السياسة السياحية وتنفيذها، كالدور الممنوح للنقابات والاتحادات السياحية، والمجلس الوطني لإنماء السياحة، واللجنة السياحية الاستشارية، والجامعة اللبنانية الثقافية، وغيرها من الجمعيات.


 

يتّضح لنا من حلقة تنمية السياحة، أن تدخّل الجمعيات الأهلية يطال تحسين خدمات الاصطياف وتنويعها ضمن الأسعار المقبولة والجاذبة لحركة اصطياف جديدة. بالإضافة إلى المساهمة في تنمية السياحة البيئية من خلال الترويج لمزايا الموارد الطبيعية، وبالتالي، تنمية السياحة الأثرية والدينية من خلال تظهير المعالم الأثرية التاريخية واجتذاب الزائرين إليها، وكذلك الترويج للمعالم الدينية بالتعاون مع البلديات. أخيراً، يمكن أن تبرز مساهمة الجمعيات الأهلية في تنمية السياحة الثقافية والرياضية، من خلال إطلاق المبادرات والأنشطة من مهرجانات ثقافية وفنية ورياضية، ومعارض وفعاليات تتعلّق بالكتّاب والمسرح والموسيقى..الخ.


1-    الجمعيات الأهلية اللبنانية التي تُعنى بشؤون السياحة:


أولى التشريع اللبناني عناية خاصة لحرية التجمّع، فوردت الإشارة إليها في الدستور، وحرص القانون على عدم تقييد حرية تكوين الجمعيات بأي شرط سوى إبلاغ وزارة الداخلية بنشأة أو تكوين الجمعية. فالجمعية تؤسس بإرادة مؤسسيها لا بموجب ترخيص من الإدارة، وأن هذه الإدارة – وزارة الداخلية - ملزمة بتسليم المؤسسين بعد إيداعها بيانًا بتأليف الجمعية، العلم والخبر من دون إبطاء وهي لا تتمتع في ذلك بأية سلطة استنسابية (عصام نعمة اسماعيل، 2009، ب).


وبسبب سهولة وحرية تكوين الجمعيات، فاق عدد الجمعيات الأهلية في لبنان الـ 6000 جمعية، ولكن الغريب أن عدد الجمعيات الأهلية التي تُعنى بقضايا سياحية أو ذات صلة بالسياحة هي قليلة العدد نسبيًا. وتسعى لتحقيق أهداف عديدة نجملها بالآتي:

- التثقيف السياحي بهدف إعداد المواطن السياحي، والمجتمع السياحي عن طريق إصدار مطبوعات، منشورات تثقيفية، استخدام وسائل الإعلام المتوفرة والتوجه نحو المجتمع، الشباب والطلاب.


- مساعدة المؤسسات الرسمية والبلدية وتفعيلها ودعمها، حيث أمكن معنويًا وماديًا لتأمين أقصى حد من الخدمات والظروف التي تشجع السياحة والسياح.


- الدعاية والإعلام بهدف تعريف العالم بالمقومات السياحية لهذه المنطقة (كتب، منشورات، دليل سياحي، مباريات سياحية، تقديم جوائز..).


- إبراز المقومات السياحية وتتحيفها لتوفير أكبر طاقة لجذب السياح.

- تشجيع الاستثمارات والمستثمرين للقطاع السياحي.

- القيام بالمهرجانات السياحية والمعارض التراثية على المستويات كافة.. الخ.

ونذكر من هذه الجمعيات: جمعية التنمية السياحية، جمعية كلنا سياحة، الجمعية اللبنانية لإنماء السياحة، هيئة إنماء السياحة، جمعية لبناني ... الخ.

في هذا الإطار، لا توجد جمعيات أهلية فعلية تُعنى بأمور السياحة وتقوم بحملات للتوعية السياحية في المناطق السياحية، وتقدم الدعم المادي لتطوير القطاع السياحي. ويمكن أن نبين ذلك ميدانياً من خلال الجدول الآتي:



جدول رقم (2)

وجود جمعيات في القضاء تهتم بتنمية القطاع السياحي (ديانا فتوش، 2012، ب)

   المحافظة

    بيروت    جبل لبنان    الشمال     عكار    الجنوب    النبطية    البقاع    بعلبك الهرمل    المجموع    النسبة

نعم    1    2    3    -    1    1    1    1    10    40

كلا    -    4    3    1    2    2    2    1    15    60

المجموع    1    6    6    1    3    3    3    2    25    100

دور الجمعيات السياحي    تنظيم شهر تسوّق    1    2    -    -    -    -    1    -    4    11.76

    مهرجانات    1    2    2    -    2    1    1    1    10    29.41

    معارض    1    2    1    -    1    -    1    -    6    17.65

    حفلات    1    2    1    -    -    2    1    1    8    23.53

    تقديم تسهيلات    1    -    -    -    1    -    -    1    3    8.82

    تنظيم ماراتون    1    1    1    -    -    -    -    -    3    8.82

    المجموع    6    9    5    -    4    3    4    3    39    100

سبب عدم وجود جمعيات سياحية

    العادات والتقاليد    -    -    4    1    3    3    3    1    15    27.78

    سيطرة المصلحة الفردية على المصلحة العامة    -    3    3    1    2    1    1    1    12    22.22

    عدم وجود وعي سياحي    -    1    2    1    3    1        1    9    16.67

    نقص في الإمكانات المادية    -    1    5    1    2        1        10    18.52

    دور الجمعيات هو اجتماعي فقط ومحدود    -    2    3        2        1        8    14.81

    المجموع    -    7    17    4    12    5    6    3    54    100


يظهر لنا من خلال معطيات هذا الجدول المتعلق بوجود جمعيات تهتم بتنمية القطاع السياحي في القضاء، أن نسبة 60% من أقضية لبنان لا يوجد فيها جمعيات، ونسبة 40% يوجد فيها جمعيات سياحية.

كما أن هذه الجمعيات تقوم بأدوار سياحية على أصعدة عدة: فهنالك 29.41% تقوم بتنظيم المهرجانات و 23,53% تساهم بإقامة الحفلات في البلدات، و 17,65% تقيم المعارض، و11.76% تقيم شهر تسوق في المراكز التجارية، و 8,82% تساهم بإقامة نشاطات رياضية وخاصة ماراتون. هذه النسبة جاءت متساوية مع عدد الجمعيات التي تقوم بتقديم التسهيلات من أجل تشجيع العمل السياحي.


نستنتج من معطيات الجدول المذكور سابقاً أن الجمعيات السياحية في لبنان لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب، ولم تلعب دورها بشكل كامل على المستوى التنموي، علماً أنها تتوزع بين جمعيات تسويقية وترويجية وتنموية شاملة، بالإضافة إلى الجمعيات التي تقدم خدمات سياحية تنظيمية ورعائية وتوجيهية، وهي مسؤولة عن التطوير السياحي في المنطقة التي تعمل فيها.


تقوم الجمعيات السياحية في لبنان، بشكل أساسي، بتنظيم نشاطات مختلفة مثل مناسبات ومهرجانات  تهدف إلى إثراء المنتج السياحي في المنطقة. وتساعد الجمعيات السياحية، بالإضافة إلى ذلك، المبادرين الذين يريدون إقامة مشروع سياحي من خلال الإرشاد والتنسيق مع السلطات. فالتنسيق مع الجمعيات المختصة، يتم مثلاً، من أجل إحياء المراكز السياحية التاريخية والبيوت التراثية وصيانتها وإعطائها الدور المناسب كجزء متمم للسياحة. وبالتالي تقوم الجمعيات السياحية باستثمار المباني التاريخية والخانات والحمامات القديمة والدور الواسعة التي هجرها أصحابها وتحويلها إلى متاحف تراثية ومطاعم وفنادق وأسواق للصناعة التقليدية والسياحية. كما وتقوم الجمعيات السياحية بدراسة القطاعات التي يجب اعتبارها مراكز جلب سياحي، وبالتالي وضع مخططات للقطاع السياحي.


كما نشير في سياق هذا التحليل إلى الجمعيات السياحية الخاصة بالأماكن الدينية، والجمعيات الثقافية وتلك التي تتعلق بالسياحة الاستشفائية. كما وهناك جمعيات سياحية في لبنان تُعنى بالعمل على تنشيط وترويج سياحة المؤتمرات والمهرجانات والسياحة الترفيهية.


أما في محافظة الشمال تحديدًا، الذي يعاني أصلًا من مؤشرات تنموية منخفضة على كل المستويات، وعلى الرغم من تمتّعه بمناطق سياحية بحرية وجبلية وأثرية تشكل مجتمعة عامل جذب للسياح، وتشكل في حال الاستفادة منها مصدرًا مهمًا للأموال التي يمكن توظيفها في مشاريع تنموية شاملة تساهم في إنماء المناطق الشمالية الفقيرة، فنلحظ غياباً شبه كامل للجمعيات السياحية، مع الإشارة هنا إلى بعض الاستثناءات، من بعض الجمعيات المدنية التي استطاعت عبر وعيها لأهمية تفعيل السياحة الشمالية من إقامة عدد من المشاريع السياحية، وأهمها على الإطلاق المهرجانات السياحية ، وأبرزها مهرجان إهدنيات الذي تنظمه جمعية الميدان – زغرتا.


نتيجة لذلك، نرى أن غياب الجمعيات الناشطة سياحيًا في الأقضية اللبنانية، يعود لأسباب عدة، أهمها:

- العادات والتقاليد المتوارثة في المناطق والقرى، خصوصًا العادات الدينية، وهي 27,78%.

- سيطرة المصلحة الفردية على المصلحة العامة، وهي 22,22%.

- نقص في الإمكانات المادية، 18,52%.

- الجمعيات الموجودة تقوم بدور اجتماعي فقط ومحدود جداً، 14.81%.

- عدم وجود وعي سياحي، وهي 16.67%. وهنا، يمكننا تأكيد فرضية أن ضعف مؤسسات المجتمع المدني من حيث الوعي السياحي والثقافة السياحية، إنما يعود إلى غلبة وطغيان الاهتمامات ذات الطبيعة الاستهلاكية الربحية والعلاقات الزبائنية والشخصانية في الأداء، والفكر الثقافي الذي يصعب إدراجه ضمن الاهتمامات الثقافية العميقة والجادة. فالتغذي على المنتجات الاستهلاكية والعقليات الأهلية الزبائنية تخلف ضعفاً في المنتج المعرفي والحياتي، بل وضعفاً في المستوى القيمي والأخلاقي.


ومن المهم تأكيد أن موضوع الوعي السياحي والثقافة السياحية بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدني ليس ترفاً فكرياً، وإنما هو واجب وطني يجب الوفاء به، وأن لا يكون الاهتمام بهذه القضايا مجرد اهتمام موسمي سطحي، بل من المهم أن يكون اهتماماً فعليًا وفاعلًا وفعّالاً، تؤسس له الأطر المؤسسية الرسمية والمدنية والأهلية، كما التشريعات المتكاملة والآليات المتطورة، وكل ذلك من أجل هدف تنمية السياحة عبر تثقيف الإنسان المواطن وتنميته وتحسين مستوى حياته ووعيه السياحي والثقافي. وهذا ما يتطلب وضع استراتيجية سياحية تأخذ بعين الاعتبار كل هذه المواضيع وتركز بشكل كبير على الوعي السياحي وأهمية أن تلعب مؤسسات المجتمع المدني دوراً مهماً في هذا المجال.


2- جمعية الميدان - زغرتا ودورها في تنشيط السياحة الداخلية:


"جمعية الميدان" هي جمعية غير حكومية لا تتوخّى الربح، تأسّست في مدينة زغرتا العام 2004 علم وخبر رقم 2004/71 من خلال مجموعة من الشباب المحترفين المهتمين بالشؤون الإنسانية، الثقافية، التعليمية، الاجتماعية والبيئية. تعتمد الجمعية على الموارد المحلية طبيعية كانت أو بشرية لتطوير برامجها . كما أن جمعية الميدان تعمل على المستوى المحلي، الوطني والإقليمي. هدفها تطوير قدرات المجتمع من خلال تطبيق مبدأ التنمية المستدامة. أما مهمتها فهي خلق صلة وصل راسخة بين المجتمع والطبيعة واعتماد التنمية عبر تطبيق برامج متعددة على الصعيد الريفي، الإنساني والبيئي والسياحي. كما أن لجمعية الميدان من الناحية الثقافية دوراً لا يمكن إغفاله من خلال تعريف المواطنين والسائحين بتراث البلد السياحي وحضارته والتعريف بالبيئة، مما يؤدي إلى إدراك الشخصية القومية للبلد، وبالتالي زيادة الانتماء للوطن من جانب مواطنيه وإعطاء صورة دقيقة عنه وعن سكانه، والمعلومات الصحيحة عن البيئة الاجتماعية والثقافية والدينية التي سيواجهها السائحون.


بالإضافة إلى ذلك، فإن جمعية الميدان قد وضعت الخطط والاستراتيجيات المبنية على الدراسات العلمية الميدانية منها والنظرية من أجل تنمية قطاع السياحة وتطويره، حتى أصبح هذا القطاع يمثّل حجر الزاوية في زغرتا - الزاوية وإهدن، فبدأت رئيسة الجمعية السيدة ريما سليمان فرنجية بتكليف فرق البحث العلمي لتحديد مختلف المواقع السياحية الثقافية والطبيعية وكل مناطق الجذب السياحي فيها من أجل دراستها من النواحي كافة، ومعرفة أفضل الخطط والوسائل والطرق التي يمكن أن تساهم في تطويرها وجعلها منطقة ناجحة في جذب أعداد أكبر وأفواج أكثر من السياح.

أما أهم البرامج التنموية التي اعتمدتها جمعية الميدان والتي ساهمت في صناعة سياحية داخلية، فكان برنامج إهدنيات على المستوى المحلّي والدولي..


أ- إهدنيات: نظّمت جمعية "الميدان" كل عام ولمدة شهر آب مهرجان "إهدنيات" في إهدن قضاء زغرتا شمال لبنان، حيث اختارت الجمعية لسنوات متتالية مبنى الكبرى الأثري لإقامة النشاطات. يهدف هذا المهرجان الفني والتراثي الى زيادة نسبة السياحة اللبنانية عموماً، والشمالية خصوصاً، ويجذب هذا المهرجان عدداً كبيراً من سكان البلدة والجوار لاسيما المغتربين منهم.


يرمي «إهدنيات» إلى تفعيل الحركة السياحية في محافظة الشمال عمومًا، وفي إهدن - زغرتا خصوصًا. وتضع جمعيّة الميدان التي تفوق ميزانيّتها المليون دولار أميركي على رأس أولوياتها الاهتمام بالأطفال المصابين بالتوحّد والسرطان، إذ تعود الأرباح إلى الجمعية المعنية بمعالجة الأطفال المصابين بالسرطان Kids First، وNorth Autism Center (مركز الشمال للتوحد). وهما مركزان خيريان أسّستهما جمعية "الميدان" بشخص رئيستها ريما فرنجية، المعنية بالشؤون الاجتماعية في منطقة زغرتا ومحيطها.

على خط موازٍ، يتمتّع النشاط الثقافي والفني إهدنيات بمزايا اجتماعية واقتصادية مباشرة مثل تشغيل اليد العاملة في الشمال، وتوسيع نطاق الترويج السياحي للمنطقة، خصوصاً بعد إدراج المهرجان على لائحة المهرجانات الدولية إثر دورته الأخيرة العام 2011، فيما حظي بدعم «وزارة السياحة اللبنانية».


وعليه، لا يقتصر المهرجان على الأمسيات الساهرة التي تسعى اللجنة إلى اختيارها على قاعدة التنوّع الشامل ضمن خطة لجذب أفضل الخيارات الفنية وفق المعايير الموضوعة في دفتر شروط وزارة السياحة اللبنانية، بل يضمّ أيضاً مهرجاناً موازياً، ينضوي ضمن حملة خاصة تحمل شعار «ع إهدن شرفونا». وفي هذا النشاط النهاري، توجَّه الدعوة إلى الجميع للتعرّف أكثر إلى إهدن المعروفة بـ«عروس مصايف الشمال»، والاستمتاع بالسياحة الدينية والبيئية.


أما بالنسبة إلى برنامج المهرجان المسائي، فتجمع دورة «إهدنيات» في الصيف أسماء لامعة في مجال الغناء والرقص العربي والأجنبي، كما يتضمّن «إهدنيّات» أسبوعاً خاصاً بأنشطة مجانيّة تُقام للأطفال، فيما تنشط فعاليات المنطقة الرسمية وجمعيات المجتمع المدني في تأهيل إهدن ومحيطها لاستقبال أكبر عدد ممكن من الزوّار.


في التحليل السوسيولوجي، تركت إهدنيات آثارها على مختلف نواحي الحياة في زغرتا. ومن أهم العوامل لحدوث هذه الآثار هو التداخل بين المواطنين والسائحين – خاصة - من لهم علاقة مباشرة مع السائحين مثل العاملين في شركات السياحة والفنادق والإرشاد السياحي، ولهذه الفئات من العاملين مواصفات خاصة تمكنهم من أداء مهاراتهم بكفاءة تامة.

كما ونشير في سياق هذا التحليل، إلى أهمية إلقاء الضوء على إهدنيات والأنشطة المرافقة لها، باعتبارها نوعاً هاماً من أنواع الأنشطة الترويجية والاستثمارية، والتي أصبحت صناعة رئيسية على النطاق المحلي، ومن المتوقع أن تنمو نمواً متواصلاً، حيث زاد عدد السياح بشكل غير مسبوق بين عامي 2005 و 2013.


ويمكن أن نلحظ هذا التطور في أعداد الوافدين إلى إهدن للمشاركة في إهدنيات (فلكيات، سينمائيات، بيئيات، حرفيات)  حيث ارتفع من 10.000 سائح العام 2008-2009 من المناطق الشمالية المجاورة لإهدن – زغرتا، وبعض المناطق اللبنانية، وعدد كبير من المغتربين اللبنانيين والأجانب (خاصة من أفريقيا وأستراليا وألمانيا وبلجيكا وغيرها إضافة إلى سياح من الأردن وقبرص)، إلى ما يقارب الـ 14.400 سائح للعامين 2010-2011 موزعة على ست حفلات ترفيهية وثقافية.


أما في العام 2013، وبعد أن توقف برنامج إهدنيات العام 2012، بسبب الأوضاع الأمنية في لبنان عامة، وطرابلس خاصة، فقد وصل عدد الوافدين إلى إهدن للمشاركة في إهدنيات إلى 18.000 سائح موزعين على ست حفلات. ومن المتوقع أن يرتفع عدد الوافدين إلى 27.000 سائح في صيف الـ 2014 .


كما استطاعت جمعية الميدان إحداث نقلة نوعية، وخلال فترة زمنية قصيرة، على مستوى تفعيل السياحة المحلية، حيث استطاعت أن تحوّل السياحة في إهدن، من سياحة بدائية، إلى صناعة سياحية متطورة، ما كانت لتحدث لو لم يحصل برنامج إهدنيات الذي انتقل بدوره من برنامج سياحي محلي إلى برنامج إقليمي ودولي بفعل النجاحات المتتالية التي حققها والتي تخطّت حدود الوطن إلى العالمية.


هذا البرنامج ساهم ببروز أهمية السياحة كقطاع اقتصادي اجتماعي يتأثر ويؤثر في باقي القطاعات. فمن المنظور الاقتصادي أثبت برنامج إهدنيات السياحي بأنه برنامج إنتاجي يلعب دوراً مهماً في زيادة الدخل لشرائح مختلفة من السكان. كما ساهم برنامج إهدنيات السياحي بشكل فعّال في اتساع دائرة التنمية لتشمل معظم القرى والبلدات المجاورة لمنطقة إهدن، لأنه استطاع أن يؤدي إلى تغيّر واضح في مواقع الاستهلاك السياحي وخاصة في المناطق الريفية، فساهم في زيادة الطلب على أنواع السلع والخدمات من قبل السائحين الوافدين إلى المهرجان، والذين يتمتّعون بقدرات شرائية عالية، فتزداد حركة المبيعات لتلبي الحاجات المستجدة ويتأمن العمل للعديد من أبناء الريف بهدف توفير الخدمات كافة للسائحين. هذا كله أدى إلى زيادة عدد المؤسسات التجارية من مطاعم وفنادق وموتيلات وشقق مفروشة ومحال تجارية لتلبي الطلب المتزايد للوافدين الذين تزداد أعدادهم بشكل كبير (كما سبقت الإشارة).


في هذا السياق، وبسبب ما أحدثه برنامج إهدنيات من تطورات اقتصادية واجتماعية وثقافية وصناعية في محافظة الشمال عمومًا وقضاء زغرتا خصوصًا، ومع تزايد عدد السياح منذ العام 2005 وحتى العام 2013-2014، كان من الطبيعي جداً أن يواكب العمل الفندقي في منطقة إهدن والمناطق المجاورة هذه التطورات. فمع تحوّل إهدنيات إلى العالمية، أضحت الحاجة ملحة لتلبية ما يحدث من تطور على مستوى الوافدين المحليين والمغتربين اللبنانيين والأجانب. فبدأ يظهر العديد من المنشآت الفندقية التي أقيمت بمعظمها في إهدن - زغرتا. وهي تشهد موسمًا سياحيًا ممتازًا سنة بعد سنة، حيث إن الحجوزات الفندقية وصلت الى 100% بعد إعلان بدء مهرجان إهدنيات لصيف2014  .


ومن منظور اجتماعي وحضاري، أثبت برنامج إهدنيات بأن السياحة هي أيضًا حركة ديناميكية ترتبط بالجوانب الثقافية والحضارية للإنسان؛ بمعنى أنها رسالة حضارية وجسر للتواصل بين الثقافات المختلفة. إذ يساعد التبادل الثقافي على إظهار أهمية تعزيز العلاقات الثقافية بين لبنان والبلدان الأخرى، والتي تتم عن طريق القيام بتعليم اللغة، دعم المشروعات التنموية الثقافية ورعاية مؤتمرات ومهرجانات، وتبنِّي المبدعين الشباب ودعمهم في مجالات السينما والمسرح والتأليف. كل ذلك لتعريف اللبنانيين على ثقافات وتقاليد وعادات البلدان الأخرى من خلال هذه النشاطات، والتفاعل مع هذه الثقافات من أجل فتح آفاق ومجالات جديدة. كما تؤدي مخالطة السائحين لأبناء المناطق المضيفة، إلى تزايد الانفتاح الثقافي والسياسي ، وإزالة الحواجز بينهم وانتقال بعض عاداتهم إلى أبناء الريف المضيفين، لأن الاحتكاك المباشر بين السائح وابن المنطقة السياحية بواسطة رجل الشارع والبائع والمزيّن وعامل الفندق وسائق التاكسي وغيرهم يزيد في المستوى الثقافي لهؤلاء، بما يسهّل تفاعلهم مع السائحين الذين يتعرفون بدورهم بصورة أفضل، على المنطقة السياحية وعلى تقاليد سكانها وعاداتهم.


في هذا السياق، تمثل التنمية السياحية التي تسعى إليها جمعية الميدان في منطقة زغرتا – إهدن عبر برنامج إهدنيات، خطوة هامة في طريق تفعيل التنمية الاجتماعية والاقتصادية فيها. فالتفاعل بينهما والتساند كبير، إذ لا يمكن اعتبار وجود تنمية اجتماعية حقيقية بدون تحقيق تنمية سياحية فاعلة. فالتنمية السياحية تُحدث تأثيراً مباشراً في التنمية الاجتماعية، من خلال ما يمكن أن تخلقه من تغيير حقيقي في قيم وعادات وتقاليد الكثير من سكان زغرتا - إهدن والمناطق المجاورة التي تستقبل السياح، وتغيير في التركيب المهني لهم، ونظرتهم للغرباء والكثير من أنماط سلوك وتفكير الكثير من الأفراد داخل تلك المجتمعات، فضلاً عما يمكن أن تحدثه التنمية السياحية من أثر غير مباشر في التنمية الاقتصادية (كما سبقت الإشارة)، من خلال ما يترتب عليها في مجال تغيير وتطوير ظروفهم الاقتصادية، ورفع معدلات دخولهم، وبالتالي ما يمكن أن ينعكس عن ذلك، من أثر إيجابي كبير في رفع قدرتهم الشرائية، وتوفير خدمات أفضل لأفراد أسرهم من تعليم وصحة وإسكان ونقل.. الـخ. كما أن البحث عن الآثار الإيجابية التي يمكن أن تحدثها جمعية الميدان عبر رؤيتها التنموية، يتطلب أيضاً التنويه إلى أنها تساهم في الحد من الآثار السلبية التي يمكن أن تتمخّض عن النمو السياحي الارتجالي أو التلقائي أو غير المخطط له في النسق القيمي والأخلاقي في المجتمع وما يمكن أن يترتب على ذلك من بروز ظواهر اجتماعية سلبية في حياة الأفراد والأسر والبيئة التي يعيشون فيها.


مناقشة ختامية:


بناءً على كل ما تقدّم، يمكننا الوقوف مطوّلاً عند ما يشوب قطاع السياحة في لبنان من سلبيات تتعلّق في جزء كبير منها بالقيّمين على هذا القطاع من مؤسسات الدولة المركزية إلى الوزارات المختصة فالدوائر السياحية، مروراً بالسلطات المحلية، ووصولاً إلى المواطن اللبناني العادي الذي لا يقدّر ما يمتلكه لبنان، بلده، من مقوّمات سياحية يستطيع باهتمامه وبوعيه السياحي القيام بالترويج التسويق لهذه المقوّمات، واستثمارها في مشاريع سياحية قد تدرّ عليه وعلى أهله الكثير من المداخيل، وتساهم في دعم خزينة الدولة وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني.


لذلك، وعلى الرغم من أن السياحة، وهي القطاع الأهم بين قطاعات الاقتصاد الوطني اللبناني كافة، لم تصل، بعد، إلى المرحلة التي من الممكن أن نطلق عليها اسم المرحلة المتطورة، على الرغم من المقومات السياحية الموجودة. أما الأسباب فهي متعدّدة ويمكن استخلاصها من معطيات وبيانات ومعلومات جاءت في سياق هذا البحث، ولكن أهمها على الإطلاق يرتبط بغياب الخطة الاستراتيجية للسياحة في لبنان، وهذا يرتبط أساساً بغياب السياسات الحكومية المناسبة، وعدم وجود قرار إداري على مستوى الدولة اللبنانية بوجوب وضع مخطط شامل لإنعاش القطاع السياحي في لبنان والوصول به إلى المنافسة العالمية. إلاّ أن الواقع السياسي اللبناني وما يرتبط به من أحداث أمنية، وتخبط اقتصادي، وانهيار اجتماعي، قد أدّى إلى عدم وجود آلية واضحة يمكن الخروج بها لدعم وترشيد وتوجيه القطاع السياحي اللبناني.


من سياسة الدولة التعسفية والانتقائية، ومروراً بالثقافة اللبنانية الممزوجة بالعادات والتقاليد التي لا تشجّع في كثير من جوانبها النشاطات السياحية وغيرها، ووصولاً إلى الواقع الأمني والاقتصادي الذي يفرضه غياب سلطة الدولة، من جهة؛ والتدخلات والسياسات الخارجية من جهة أخرى؛ يعاني القطاع السياحي اللبناني حالة من عدم التوازن، وعدم الاستقرار في ظل غياب مؤسسات وجمعيات مدنية فاعلة قادرة على التشبيك مع مؤسسات الدولة والقطاع الخاص لتنفيذ برامج سياحية فاعلة على مستوى الوطن ككل.


في الإطار نفسه، نستنتج أن المجتمع المدني في لبنان بعيد كل البعد عن التثقيف والوعي السياحي. وهذا يعود بالطبع إلى ضعف المؤسسات والجمعيات العاملة في هذا المجال، على الرغم من تواجدها وانتشارها بكثافة على الأراضي اللبنانية. إلاّ أن هذه الجمعيات تبقى في إطارها الأهلي، ولم ترق إلى العقلية المدنية القائمة على الانفتاح الفكري والثقافي. لذلك، من المهم أن يكون للمجتمعات المحلية ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية والمهتمّين دور في إبراز السياحة المحلية اللبنانية، والحفاظ على مقوّماتها ومكوّناتها. فجمعية الميدان، كما ورد في سياق هذا البحث، تعتبر نموذجًا يجب الاقتداء به من أجل التحوّل نحو الفكر والعمل المدنيين اللذين يسعيان إلى تحقيق أهداف تنموية وصناعة سياحية بعيدًا عن التجاذبات السياسية والانتماءات العائلية والمناطقية. والجمعية كما تبين لنا، بذلت كل الجهود للحفاظ على السياحة المحلية في منطقة إهدن – زغرتا ومقوّماتها التراثية والأثرية والدينية والبيئية الطبيعية، وهذا طبعًا لا يتم إلا من خلال القيام بجهود مضاعفة من أجل نشر الوعي السياحي والثقافة السياحية، والقيام بجهود تثقيفية لتشكيل قاعدة اجتماعية تحتضن فكرة الاهتمام بالسياحة وبالتراث والآثار والاهتمام بها، والعمل على ترسيخ قيمتها في أذهان مختلف الأطياف والطبقات الاجتماعية، وإحداث نقلة نوعية في نظرة الناس لبلدهم من خلال إبراز قيمته السياحية.


أخيرًا، إن استبعاد أو ضعف دور مؤسسات المجتمع المدني في تطوير صناعة السياحة يؤدي إلى:


ـ ضعف تنمية السياحة على النحو المطلوب، لأن سيطرة المركز على عملية تطوير صناعة السياحة في المحافظات لا تتيح التعرف على إمكانات التطوير ولا إلى الوسائل المناسبة للتطوير، وبالتالي إلى حاجات المجتمعات المحلية في التنمية أو إشراكها في منافع تلك التنمية.


ـ سيطرة المركز (إدارات الدولة) الذي يقود إلى روتين معقد وأداء إداري ومالي بطيء، وضعف في التمويل يؤدي بالضرورة إلى تعطيل أكثر في القدرات الفنية التي تتوفر لديها، وتبديد كثير من الجهود وأوقات عمل وصرف أموال ـ أحياناً ـ في غير محلها، وذلك يجعل الضعف في تطوير صناعة السياحة واضحاً والأداء متعثراً.


ـ يمنع تطوير كثير من الصناعات ذات الصلة بالحرف التقليدية، والأغذية المحلية أو النشاطات الترويحية التي تعود بالمنفعة على الزائر والسكان المحليين.


ـ يؤدي إلى شح الموارد المحلية مما يؤدي بدوره إلى ضعف تنمية المجتمعات المحلية وإعاقة تحقيق منافع اقتصادية واجتماعية متزايدة للمجتمعات المحلية، وبالضرورة للمجتمع اللبناني.


ـ لا يتيح ـ بالضرورة ـ تحقيق الاستثمار المحلي «للمجتمعات المحلية» في مشروعات سياحية صغيرة أو متوسطة تساعد على تشغيل أيادٍ عاملة أكثر لتستفيد من ذلك التشغيل، وتساعد في تقليص حجم البطالة.


أما الفوائد المتوقعة ـ والمنطقية ـ من إشراك مؤسسات المجتمع المدني في عملية تطوير صناعة السياحة في لبنان، فيمكن رصدها جوهرياً في ما يأتي:


ـ تجاوز العقبات الناشئة عن روتين الإدارة المركزية لتطوير السياحة وإشراك المحليات في التخطيط لصناعة السياحة وتنفيذ البرامج السياحية.

ـ تحديد مجالات الاستثمار السياحي ونوع الاستثمار في المحافظات، استناداً إلى معرفة ملموسة للموارد السياحية فيها، ومتطلبات المجتمعات المحلية من السياحة والتشغيل، وبالتالي توسيع نطاق الاستثمار السياحي.

ــ


المراجع

-    البلتاجي، محمود، أهمية السياحة والتنمية السياحية وارتباطها بالتنمية الاقتصادية الشاملة، (دار النشر غير مذكور)، القاهرة، 2009.

-    دخيل، محمد، إشكاليات الإنماء المتوازن وأبعاده، أطروحة دكتوراه، الجامعة الإسلامية في لبنان، أيلول، 2008.

-    ديانا فتوش، القطاع السياحي في لبنان واقعه وإسهاماته التنموية، أطروحة دكتوراه (غير منشورة)، الجامعة اللبنانية - معهد العلوم الاجتماعية، 2012.

-    السكر، مروان محسن، مختارات من الاقتصاد السياحي، مجدلاوي للنشر والتوزيع، الأردن، 1999.

-    عبد القادر، مصطفى ، دور الإعلان في التسويق السياحي، الحواسب الجامعية للندوات، بيروت، ط.1، 2003.

-    علاق، بشير، علي محمد ربابعة، الترويج والإعلان، مدخل متكامل، دار اليازوري العلمية، الأردن 1998.

-    علوش، علي، وزارة المال ترفع مشروع موازنة 2012 إلى مجلس الوزراء، جريدة السفير، العدد 12004، تاريخ 5 تشرين الاول 2011 .

-    فريد عبد الله، محمد، التخطيط السياحي وآفاق السياحة المستدامة، دار المواسم للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، بيروت، 2006.

-    كافي، مصطفى يوسف، صناعة السياحة كأحد الخيارات الاستراتيجية للتنمية الاقتصادية، دار الفرات، نينار للنشر والتوزيع، ط1، 2006.

-    نظيف، أحمد، في مجال جذب الاستثمار، بيان الحكومة أمام مجلس الشعب، مصر القاهرة، 2006.

-    هرمز، نور الدين، مجلة جامعة تشرين للدراسات والبحوث العلمية – سلسلة العلوم الاقتصادية والقانونية المجلد 28، العدد 3، سنة 2006.



-    Theodore Levitt. (1960). Marketing Myopia. Harvard Business Review. pp.45-56.

-    Richard Teare. Josef A. Mazance, Simon C-W, Stephen C. (1996), Marketing in

   the Hospitality and Tourism. A consumer focus. CASSELL.p99.   


-    عبود، فادي، نحو صناعة سياحية متطورة مستدامة مسؤولة وتنافسية، برنامج عمل 2010-2014، وزارة السياحة، أنظر الموقع على شبكة الإنترنت:

http://www.fadyabboud.com/Ministry.pdf تاريخ شباط 2010

منظمة السياحة العالمية، ar.wikipedia.org/wiki/ 2009.

-    عويس، سابين، قطاع الاتصالات في لبنان رافد أساسي للخزينة ومصدر خلاف السلطة، أنظر الموقع على شبكة الإنترنت،

khiyam.com/news/article.php?articleID=4015 تاريخ 30

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net