Tahawolat

يتكوّن هذا الفصل من ثلاثة أجزاء، ويرتكز على ثمانية مراجع كتبها وألّفها شاحاك حول الموضوع، وتشمل بالأساس كتيّبات وتقارير ذات توزيع محدود، ومقالات مقتضبة، وكُتُباً، بعضها ألفه بالإنجليزية ونشر وتعمّم دولياً، والبعض الآخر بالعبرية ومنه ما تُرجم محلياً إلى العربية.  يركز الجزء الأول على دور شاحاك في الكشف المبكر عن الطبيعة الشمولية لعنصرية الصهيونية. أما الجزء الثاني فيركّز بالتحديد على تحذير شاحاك المبكر من الخطط الصهيونية للهيمنة والتسلّط على منطقة الشرق الأوسط (بمفهومها العريض) من خلال تشظيتها وإعادة هندسة الدول والمجتمعات الأصلانية. يتناول الجزء الثالث المخططات الإسرائيلية لبيع الأسلحة الإسرائيلية للأنظمة القمعية في العالم الثالث، وتوفير التدريب والخدمات الأمنية لتلك الأنظمة كوسيلة قمع واضطهاد. وينوّه كيف أن شاحاك حذر من التهديد النووي الإسرائيلي المضمر بتطوير الأسلحة النووية والكيماوية.


فعلاً، قدّم شاحاك فكراً ملهماً وتنبؤياً في فترة مبكرة. وجميع الأخطار المتوقعة التي حذّر قراءه منها في منتصف السبعينيات وأواخر من القرن الماضي، تحققت على أرض الواقع، إما سرياً أو علنياً، منذ الثمانينيات؛ وتحيطنا اليوم (في العام 2014) بشكل مفضوح وعلى ملأ البيان كقاعدة ثابتة للسياسة الخارجية لدولة إسرائيل اليهودية.


الجزء الأول: طبيعة الصهيونية العنصرية


في مقدمته "لدوسيه" "الصهيونية: الحقيقة الكاملة"، كتب شاحاك:


إن مجموعة المصادر هذه قد خُصصت لتساعد على معرفة جوهر الصهيونية الحقيقي. لذلك فهي مؤلفة بالأساس من اقتباسات لكبار الحركة الصهيونية ولأشخاص مركزيين فيها، في مجال السياسة والصحافة أو في الجهاز الديني.


لم أضف شرحاً إلى القطع المقتبسة لعدم وجود ضرورة لذلك. وفقط أريد التعقيب على الأهمية الجمّة بنوع خاص للفصل الخامس [من هذه "الدوسيه"] الذي يصف تخطيط عملية طرد الفلسطينيين من أرضهم وتنفيذها. فكل شخص يستطيع أن يعرف ويحكم بنفسه ليس فقط على جوهر هذا الطرد ومضمونه وتنفيذه اليومي والرغبة في طرد البقية الباقية (إلى ليبيا أو الأرجنتين) بل بالأخص على الكذب المتعمّد في جميع الإدعاءات "الرسمية" للمؤسسة الإسرائيلية العالمية بما يتعلق بهذا الطرد.


آمل أن هذا الأمر سيقنع القارئ بصحة الاستنتاج الأساسي الذي توصلت إليه: الصهاينة يكذبون (على وجه العموم، لكن أحياناً يكونون قادرين على قول الحقيقة صدفة... .) وإذ يتوصل القارئ إلى هذه الحقيقة تكون الطريق لتحريره ومنحه تفكيراً مستقلاً مفتوحة. وليستنتج كل واحد ما أراد.


ليُظهِرَ كيف يتجسّد هذا التفكير في دولة إسرائيل، وكيف يطبّق على مواطنيها الأغيار، يكتب شاحاك في تقديمه لمقالته في صحيفة الطلاب في الجامعة العبرية في القدس، التالي:


أعتقد  -  بعد دراسة ملّية للموضوع  -  أن دولة إسرائيل هي دولة عنصرية بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى؛ ففي هذه الدولة يعاني المواطنون من التمييز ضدهم، بصورة دائمة وتحت مظلة القانون وفي أهم نواحي الحياة، بسبب انتمائهم الديني فقط. وقد بدأ هذا التمييز العنصري مع الصهيونية، وهو ينفذ اليوم بصورة رئيسة بالتعاون مع المؤسسات التابعة للحركة الصهيونية. وسأثبت رأيي هذا عن طريق الإشارة إلى الحقائق والقوانين والأنظمة النافذة في إسرائيل والتي يعرفها كل شخص في الواقع، وتنفذها الحكومة. ... في دولة إسرائيل هناك تمييز عنصري ضد كل من ليس يهودياً لمجرد كونه غير يهودي. ... ويظهر هذا التمييز والفصل العنصري بين اليهود والأغيار في جميع المجالات الحيوية.


العنصرية المتأصلة في الصهيونية هي ليست فقط نتاجاً لطبيعة الاستيطان الكولونيالي في الحركة الصهيونية؛ إنما هي نتاج لأيديولوجيتها اليهودية المؤسِّسة لها، والتي تميّز عنصرياً ضد الأغيار، والتي ترى احتلال فلسطين تجسيماً "للحق التاريخي" التوراتي لليهود في هذه الأرض. لذلك يشرح شاحاك، ويهيب بالآخرين أن يفهموا، بأن الضغط الإسرائيلي  -  الصهيوني الحثيث لتوسيع حدود الحيز المحتل، من خلال الاحتلال الزاحف للمناطق المجاورة، يتم في سياق تحقيق "الحق التاريخي" لليهود في "الحدود التوراتية"، على الرغم من المقترحات المتنوعة "لحل سلمي" "والمعروضة من جميع الصهاينة لاعتبارات عملية". ويفصل شاحاك هذا الموقف في مقالة بعنوان "الحق التاريخي والمحرقة الأخرى"، التي نشرت في "مجلة الدراسات الفلسطينية".  ويجزم بالقول:


من الواضح جداً أن جميع الصهاينة - اليسار الصهيوني أكثر من غيرهم - يدّعون بأن لليهود "الحق التاريخي" في فلسطين والأردن، أو كما عبر عنها لوفا إلياف، "الأرض من البحر إلى الصحراء". وأنا أسأل ... على ماذا يعتمد هذا الادعاء حسب الصهاينة أنفسهم؟ لماذا يطالب الصهاينة بعمّان؟ لم تكن يوماً جزءاً من أي دولة أو مجتمع يهودي، في التاريخ القديم أو الحديث. وهذا ينطبق أيضاً على عكا حتى [العام] 1948، وعلى غزة ... ومع ذلك، فجميع الصهاينة يطالبون بعمّان وعكا وغزة، رغمَ أنّ عدداً قليلاً منهم على استعداد أن يتخلوا عن هذا "المطلب العادل" لكي يبدوا "معتدلين". لماذا؟ لأن أساس هذا المطلب هو ديني، رغم أنّ الذين يدَّعونه هم لادينيون في معظم مرافق حياتهم. بالطبع، كلما كان فرد أو حركة لادينياً أو ضد الدين في مرافق أخرى من حياته، لكنه يعتمد على ادعاءات دينية ويعتقد بها فعلياً، كلما أصبحت هذه الادعاءات فاسدة وخطيرة. [التأكيد مضاف].


أحد هؤلاء القادة الصهيونيين، "اللادينيين" أو "ضد الدين"، كان بن - غوريون. ففي العام 1937 ادعى أنّ "أرض إسرائيل" مكونة من خمسة أجزاء: جنوب لبنان (أو ما كان يسمّيه "الجزء الشمالي من إسرائيل الغربية")؛ جنوب سوريا وشرق الأردن (الأردن اليوم) وفلسطين (أو ما كان يسمّيها "أرض الانتداب في غربي أرض إسرائيل")، وسيناء". ففي العام 1956، وفي اليوم الثالث للحرب "الثلاثية" على مصر، واحتلال سيناء، نوّه بن - غوريون في الكنيست بأن سيناء جزء منفصل عن مصر، وأنها جزء من "مملكة داود وسليمان".

 

الجزء الثاني: الخطط الصهيونية لفرض هيمنة إقليمية (وعالمية؟

)

قبل أشهر قليلة من اجتياح القوات الإسرائيلية للبنان في صيف 1982، انتبه شاحاك لمقالة في غاية الأهميّة، ظهرت بالعبرية تحت عنوان "استراتيجية لإسرائيل في الثمانينيات" لكاتبها عوديد ينون، وقرر أن يترجمها إلى الإنجليزية لتعميمها على الغرب، لأهميتها.  كنت في تلك الفترة رئيساً لرابطة المتخرجين العرب الأميركيين التي كان مقرها في منطقة بوسطن، وكان هدف الرابطة نشر وتعميم معلومات دقيقة وصادقة حول إسرائيل، الصهيونية، فلسطين والفلسطينيين. حينما توجّه شاحاك إلينا بهذه المقالة المترجمة، لإمكانية نشرها، رحّبنا بها بكل تقدير، لأنه لم يكن لدينا أي شك في أنها أتت في وقتها المناسب، واتخذنا القرار بنشرها لتدشن "سلسلة الوثائق الخاصة". وتم نشرها آنذاك في كتيب، تحت عنوان "الخطة الصهيونية للشرق الأوسط" (في شهر آب 1982).


كتب شاحاك مقدمة لهذه النشرة (في 13 حزيران 1982)، سأقتبسها بالكامل لأهميتها في توضيح ما جاء في هذه الوثيقة: [جميع التأكيدات مضافة]

تقدم هذه المقالة برأيي خطة دقيقة وتفصيلية لتصور النظام الصهيوني الحاكم (نظام شارون وإيتان)  للشرق الأوسط، والتي تعتمد على تجزئة المنطقة بأكملها لدويلات صغيرة، وتفتيت جميع الدول العربية القائمة. سأعقب على الجانب العسكري لهذه الخطة في ملاحظة استنتاجية. ولكن هنا أودّ أن أجلب انتباه القراء إلى النقاط المهمة التالية:


1.    الفكرة بأنه يجب تفتيت جميع الدول العربية، من قبل إسرائيل، وتشظيتها إلى وحدات صغيرة، تتكرّر مراراً في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي. فعلى سبيل المثال، زئيف شيف، المراسل العسكري لصحيفة هآرتس (وربما يكون من أكثر المراسلين اطلاعاً على هذا الموضوع)، يكتب بأن "أفضل" ما يمكن أن يحدث للمصالح الإسرائيلية في العراق: "تفتيت العراق لدولة شيعية، ودولة سنية، وفصل الجزء الكردي منها". (هآرتس 6 شباط 1982). بالفعل فإن هذا الجانب من الخطة هو قديم جداً. [هذا ما يحصل فعلياً اليوم في العام 2014].


2.    إنّ العلاقة القوية مع فكر المحافظين الجدد في الولايات المتحدة بارز للعيان، خصوصاً في الهوامش. فبينما يوجد تملّق كلامي نحو "الدفاع عن الغرب" من الخطر السوفياتي، إلا أنّ الهدف الحقيقي للمؤلف والمؤسسة الإسرائيلية الراهنة واضح جداً: تطوير إسرائيل الإمبريالية إلى قوة عالمية. بكلمات أخرى، إنّ هدف شارون هو خداع الأميركيين بعد أن نجح في خداع كل الآخرين.


3.    من الجلي أن معظم المعلومات ذات الأهمية، إما في المتن أو في الهوامش، مشوّشة أو محذوفة، مثل المساعدات المالية الأميركية لإسرائيل. ألجزء الأكبر من الخطة هو مجرد خيال. ولكن يجب ألا يُنظَر إلى الخطة بأنها غير مؤثرة، أو من غير الممكن تطبيقها في وقت قصير. تتبع الخطة بصدق الأفكار الجيوسياسية التي كانت سائدة في ألمانيا في 1890  - 1933، التي التهمها بكليتها هتلر والحركة النازية، والتي حدّدت أهدافهما تجاه أوروبا الشرقية. وتم تنفيذ تلك الأهداف، خاصة تفتيت الدول القائمة، خلال الفترة 1939 - 1941، وفقط تحالف على مستوى عالمي تمكن من منع توحيدها لفترة من الزمن.


بدوري، كرئيس للرابطة آنذاك وممثل لها، بصفتها الهيئة الناشرة للوثيقة، كتبت المقدمة التالية (في 23 تموز 1982). سأقتبسها بالكامل لوثاقة صلتها بالموضوع قيد البحث:


إن هذه الوثيقة، حسب معلوماتنا المتوفرة، هي الأكثر وضوحاً وتفصيلاً وصراحة حتى الآن في ما يتعلق بالاستراتيجية الصهيونية للشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك، فإنها تمثل صورة دقيقة لرؤية النظام الصهيوني الحاكم تحت إدارة بيغين وشارون وإيتان. أهميتها إذاً لا تنبع من قيمتها التاريخية فحسب ولكن من الكابوس الذي تمثله.


ترتكز هذه الخطة على فرضيتين أساسيتين. لكي تستمر في البقاء، يجب على إسرائيل (1) أن تصبح قوة إمبريالية إقليمية، و (2) وأن تجزّأ المنطقة بأكملها لدويلات صغيرة وذلك من خلال تدمير الدول العربية القائمة. ويعتمد حجم "الصغر" في هذه المعادلة على التركيبة الإثنية أو الدينية أو الطائفية لكل دولة من هذه الدول. وبالتالي، فإن الأمل الصهيوني يسعى لأن تصبح الدويلات الطائفية تدور في فلك إسرائيل، ومن السخرية، مصدر شرعنتها الأخلاقي. [التأكيد مضاف].


هذه ليست مادة جديدة، وكما أنها ليست المرة الأولى التي تظهر في التفكير الاستراتيجي الصهيوني. الحقيقة هي أن تشظية جميع الدول العربية لوحدات صغيرة هو موضوع متكرر. وقد تمّ توثيق هذا الموضوع، ولو بشكل متواضع، في أحد الكتب من منشورات رابطة الجامعيين العرب الأميركيين (AAUG)، تحت عنوان "إرهاب إسرائيل المقدس" (1980)، بقلم ليفيا روكاخ. لقد وثقت دراسة روكاخ المعتمدة على مذكرات موشه شاريت، رئيس وزراء إسرائيل السابق، بتفصيل مقنع، الخطة الصهيونية كما تنطبق على لبنان وكما تم تحضيرها في منتصف الخمسينيات.


إن أول اجتياح ضخم للبنان في 1978 عكس هذه الخطة بتفاصيلها الدقيقة. أما الاجتياح الثاني والأكثر همجية، في 6 حزيران 1982، فهدف لتجسيد بعض عناصر هذه الخطة، والتي توقعت ليس فقط تجزئة لبنان وشرذمته، ولكن أيضاً سوريا والأردن. وكان من المفترض أن يضع هذا الاجتياح ادعاءات إسرائيل العلنية بأنها تسعى لوضع الأسس لحكومة لبنانية مركزية، قوية ومستقلة، في منتهى السخرية. ولكن للدقة، فإن إسرائيل أرادت أن تخلق حكومة لبنانية مركزية تدعم مخططاتها الإمبريالية الإقليمية، وتشرعنها من خلال توقيع اتفاقية سلام معها. إضافة إلى ذلك، سعت إسرائيل أيضاً إلى تحقيق الخنوع لمخططاتها من الحكومات السورية والعراقية والأردنية وحكومات عربية أخرى إضافة للشعب الفلسطيني. الواقع الذي رغبوا في تحقيقه، وخططوا لأجله، هو ليس وطناً عربياً، ولكنه عالم من جزيئات عربية جاهزة للخضوع للهيمنة الإسرائيلية. فبالتالي، يكتب عوديد ينون في مقالته عن "إمكانيات بعيدة المدى للمرة الأولى منذ 1967".


إن السياسة الصهيونية لطرد الفلسطينيين من فلسطين هي ناشطة بشكل مستمر، ولكنها تفعل بقوة خلال فترات الصراع، مثلاً حرب 1947 - 1948 وحرب 1967. ويشمل كتاب "إرهاب إسرائيل المقدس" على ملحق بعنوان "إسرائيل تتكلم عن هجرة جماعية جديدة". السبب لشمل هذا الملحق هو لإظهار السياسات الصهيونية المتواصلة لطرد الفلسطينيين من وطنهم، والمخططات الصهيونية الأخرى الساعية لنقض "فلسطينية" فلسطين.


تعكس وثيقة "كيفونيم" بوضوح بأن "الإمكانيات بعيدة المدى" التي يفكر بها مخططو الاستراتيجيات الصهيونية هي "الإمكانيات" ذاتها التي يحاولون إقناع العالم بأن اجتياحهم للبنان أوجدها. كما يبدو جلياً أيضاً بأن الفلسطينيين لم يكونوا أبداً الهدف الوحيد لهذه الخطط الصهيونية، لكنهم المستهدفون بالدرجة الأولى لأن وجودهم كشعب مستقل وقابل للحياة ينقض جوهر الدولة الصهيونية. ولكن بالتأكيد فكل دولة عربية متماسكة ولها توجّه قومي هي هدف حقيقي [لهذه الخطط]، عاجلاً أو آجلاً.


مقارنة بالوضوح والتفصيل والسلاسة التي تميز الاستراتيجية الصهيونية، إن الاستراتيجية الفلسطينية والعربية، للأسف، تفتقر للوضوح والتماسك. لا يوجد أي مؤشر يدلل على أن الاستراتيجيين العرب استدخلوا كنه الخطة الصهيونية بكامل أبعادها. فالعكس هو الصحيح، فهم يتصرفون بعدم التصديق وبصدمة كلما يبدأ تنفيذ مرحلة منها. وهذا يبدو جلياً من ردة فعل العرب لحصار بيروت. الحقيقة المؤلمة هي أنه ما دامت الاستراتيجية الصهيونية للشرق الأوسط لا تؤخذ على محمل الجد، فإن ردة الفعل العربية لأي حصار في المستقبل للعواصم العربية الأخرى ستبقى كما هي.


وفي ملاحظاته الاستنتاجية لهذه الوثيقة (صفحات 16 - 18)، ركّز شاحاك على إبراز ثلاث نقاط مهمة "لتساعد في فهم الإمكانيات الفعلية التي ستؤدي لتحقيق هذه الخطة الصهيونية للشرق الأوسط، والدواعي التي اضطرته لنشرها". وجمع هذه النقاط في المحاور التالية: (1) "الخلفية العسكرية للخطة"، (2) "ما هو مبرر نشرها في إسرائيل"، و(3) "ولماذا مسلم به بأنه لا توجد أية خطورة من الخارج في نشر مثل هذه الخطط". من الجدير أن يتذكّر القارئ بأن الإطار الزمني لهذه الوثيقة هو شباط 1982، أي أشهُر معدودة قبل أن اجتاحت إسرائيل لبنان واحتلت بيروت؛ وحوالي ثلاثين عاماً بعد ذلك حصلت الهجمة المفضوحة لتفتيت وتدمير بعض الدول العربية، وتحكمت الصراعات الشمولية والعلنية في علاقات الدول العربية فيما بينها، والواقعة بشكل واضح تحت وطأة المخططات الكبرى للغرب الإمبريالي والصهيونية.

 

توضيحاً للنقطة الأولى، قدّم شاحاك الشرح التالي:


من المسلم به أنّ القوات العسكرية الإسرائيلية، بجميع فروعها، ليست كافية للقيام بالاحتلال الفعلي لمثل هذه المناطق الشاسعة، كما فصلنا أعلاه. الحقيقة هي حتى في أوقات "الاضطرابات" الفلسطينية المكثفة في الضفة الغربية، كان الجيش الإسرائيلي ممتداً إلى أقصى حدوده. والحل لهذه المعضلة يكمن في نهج احتلال بواسطة "قوات حداد" [في جنوب لبنان] أو من خلال "روابط القرى" : أي قوات محلية تحت قيادات معزولة كلياً من السكان، بدون حتى أي قاعدة إقطاعية أو هيكلية حزبية. ... "الدويلات" التي يقترحها ينون هي "حدادلاند" (Haddadland) ومناطق "روابط القرى"، وستكون قواتهم العسكرية، من دون أدنى شك، شبيهة لهم. ... تقترح "الخطة"، كما تم شرحه شفوياً، تأسيس حاميات إسرائيلية في مواقع محلية بين هذه الدويلات، مجهّزة بقوات ضرب متحرّكة ومدمّرة ... .


من الواضح أن الفرضيات العسكرية أعلاه، ومجمل الخطة أيضاً، مبنية على أساس أن يصبح العرب مجزئين أكثر مما هم عليه الآن [في 1982]، وعلى غياب أي حركات اجتماعية تقدمية بينهم.


وبخصوص توضيح النقطة الثانية، أي "لماذا نشرُها في إسرائيل ضروري؟"، قدّم شاحاك الشرح التالي:


يعود السبب في نشرها إلى ثنائية طبيعة المجتمع الإسرائيلي - اليهودي: قسط كبير جداً من الحرية والديمقراطية، خصوصاً لليهود، مقرون مع توسّع احتلالي وتمييز عنصري. وفي مثل هذا الوضع، النخب اليهودية الإسرائيلية... يجب أن تقتنع. الخطوات الأولى في عملية الإقناع هذه هي شفوية... لكن يأتي وقت تصبح فيه هذه العملية غير مناسبة. وحينها يجب إنتاج مواد مكتوبة لمصلحة "المقنعين" و"الشارحين" الأكثر غباء (فعلى سبيل المثال، إن الضباط في الدرجات المتوسطة هم عادة أغبياء جداً). بعدها هم "يتعلّمونها" نوعاً ما، ويستعملونها لموعظة الآخرين. تجدر الملاحظة أن إسرائيل، وحتى حركة الاستيطان [اليشوف] منذ العشرينيات، دائماً تصرّفت بهذا الشكل. شخصياً أتذكر جيداً كيف (قبل أن أنتقل إلى "المعارضة") شرحوا لي ولآخرين عن ضرورة الحرب مع مصر، عاماً واحداً قبل بدء الحرب في 1956؛ وضرورة احتلال "بقية غربي فلسطين حالما تحين الفرصة لذلك" وقدّم [شرح النقطة الثانية] في الأعوام 1965 - 67.


وتوضيحاً للنقطة الثالثة، أي "لماذا مسلم به أنه لا توجد أية خطورة من الخارج في نشر مثل هذه الخطط"، حدّد شاحاك أن هذه الأخطار قد تأتي من مصدرين: "العالم العربي وبضمنه الفلسطينيون، والولايات المتحدة الأميركية".


لقد كشف العالم العربي نفسه بأنه غير قادر بالمرة على القيام بتحليل تفصيلي ومنطقي عن المجتمع الإسرائيلي - اليهودي، والفلسطينيون، بشكل عام، لم يكونوا أحسن من الآخرين. وفي حالة كهذه، حتى أولئك الذين يصرخون وينددون بالأخطار الناجمة عن التوسع الاحتلالي الإسرائيلي (والتي هي أخطار حقيقية)، يفعلون ذلك ليس انطلاقاً من قاعدة معارف حقيقية وتفصيلية، بل انطلاقاً من إيمانهم بالخرافة. ...


وفي الولايات المتحدة الأميركية يسود وضع شبيه، على الأقل حتى الآن. المعلّقون الجيّدون نوعاً ما يستقون معلوماتهم عن إسرائيل، وأغلبية آرائهم عنها، من مصدرين. الأول من مقالات تنشر في الصحافة الأميركية الليبرالية، والتي يكتبها بكليتها يهود معجبون بإسرائيل. ... وفي إطار عبادة نقدية كهذه، من المسلم به أنّ إسرائيل دائماً تملك "نيات حسنة"، وفقط "ترتكب أخطاء"؛ وبالتالي فإن خطة كهذه لا تخضع للبحث - تماماً كما أن جرائم الإبادة الجماعية التوراتية التي ارتكبها اليهود، لا تُذكر. أما مصدر المعلومات الثاني فهو صحيفة "الجيروزالم بوست"، والتي تتبع سياسات مماثلة. لذلك، وما دام الوضع القائم في إسرائيل "كمجتمع مغلق" عن باقي العالم، على حاله، وكون العالم يريد أن يبقي عيونه مغلقة، فإن نشر وتعميم هذه الخطة، وحتى البدء بتنفيذها، هو واقعي ومجدٍ. [التأكيد مضاف].


على ضوء النقاط المثارة أعلاه، يجدر التنويه بأنه قبل سنتين من نشر هذه "الخطة"، نشرت رابطة الجامعيين العرب (AAUG) دراسة أخرى تعتمد على مذكرات موشه شاريت.  وثقت هذه الدراسة أنّ الحكومة الإسرائيلية ناقشت رسمياً الخطط الإسرائيلية - الصهيونية لتفتيت وتشظية العالم العربي، منذ العام 1954، أي فقط سنوات قليلة بعد تجزئة الوطن الفلسطيني في العام 1948. وبالتالي فعندما ترجم شاحاك هذه الخطة من العبرية إلى الإنجليزية دق ناقوس الخطر، وحذرنا بأن خطة كهذه هي جزء متأصل في الاستراتيجية الصهيونية لتحويل "إسرائيل الإمبريالية إلى قوة عظمى". إضافة إلى ذلك، فإن دراسة روكاخ، المعتمدة على مذكرات موشه شاريت الشخصية (التي تتكوّن من 2400 صفحة في 8 مجلدات)، كشفت بمنتهى الوضوح كيف استعملت الحكومة الإسرائيلية آليات لاستنباط حوادث مفتعلة (false - flagging) لنحت دولة مارونية في لبنان، وللتسلط على أجزاء من سوريا الجنوبية، إلخ. وتم تستير كل ذلك بغطاء مزيف من الخداع والكذب اليهو - صهيوني. وتدرّج هذا النهج من الخداع في خط شبه مباشر، منذ بدايات الخمسينيات إلى أوائل الثمانينيات وحتى الوضع الراهن الذي نشهده اليوم على الأرض في العام 2014!


يعود الفضل لشاحاك في نقل "خطة ينون" إلى الإنجليزية، وللإلحاح على نشرها. فمنذ أن نشرت في الغرب، وفي السنوات الأخيرة بالتحديد، هناك مبادرات واعية لإعادة بعثها من جديد باللغة العربية. ففي العام 2007، نشر البروفسور حسن نافعة من قسم العلوم السياسية في جامعة القاهرة ثلاث مقالات عن "الخطة" ، والتي حث فيها الشباب العربي أن يكون واعياً لها ومدركاً لمكنونات وأهداف الاستراتيجية الصهيونية الساعية لتفتيت المنطقة والتسلط عليها. ومن الناحية الثانية، وفي أعقاب بدايات الثورة الاجتماعية في تونس، والخطوات المفضوحة من قبل الإمبريالية الغربية والصهيونية لتشظية الوطن العربي تحت المسمّى اللاإنساني السادي المنعوت "بالربيع العربي"، برزت إلى العلن تحليلات كثيرة في وسائل الإعلام البديلة، والتي تضمنت إشارات متتابعة لهذه الخطة، وتحذيرات صريحة إلى القوى الثورية الحقة في العالم بأن الاستراتيجية الصهيونية الساعية لهيمنة إسرائيل الإمبريالية على المنطقة ما زالت حية، وأن بعض مراحلها آخذة بالتنفيذ. وبالتحديد، وبعد أن أصبحت أهداف الهجمة البربرية لمراكز الرأسمال الغربية على ليبيا، وامتدادها إلى سوريا والعراق، جلية، من حيث مضمونها التجزيئي، برزت بعض المقالات التي أشارت بدون تردد "لخطة ينون" كمرجعية لما يحدث.

 

وتباعاً لهذا النهج من التحليل، وبوضوح أكثر في الربط بين الاستراتيجية الجيوسياسية الأميركية و"إسرائيل الكبرى"، نشرت أولغا تشتفيريكوفا مقالة من جزءين، مستفيدة من مبادرة شاحاك في تعميم هذه الخطة في العام 1982.  تربط تشتفيريكوفا الفكرة التي طرحها بعض الاستراتيجيين الأميركيين بخصوص إعادة هيكلة وإعادة هندسة "الشرق الأوسط الكبير"، من خلال عملية تفتيته، مع ما جاء في "خطة ينون". كغيرها من المحللين الذين تمت الإشارة إليهم أعلاه، رأت تشتفيريكوفا أنّ مصلحة إسرائيل تكمن في عملية إعادة الهيكلة الجيوسياسية للمنطقة، تحت مسمّى "الربيع العربي"، وكيف "أنّ الأمر الأهم في هذه العملية، والذي يبقى مستوراً أو صامتاً، هو مصلحة إسرائيل العميقة في زعزعة الوضع في الدول العربية - الإسلامية المحيطة بها، وفي تأجيج الحرب في سوريا". كما ذكَرت القارئ بما صرّح به الحاخام أفراهام شمولفتش، أحد مؤسسي عقيدة "الصهيونية المفرطة" (hyperzionism)، في مقابلة علنية في العام 2011، بأن "الربيع العربي" هو "نعمة لإسرائيل". وقال:


إن العالم الإسلامي يتهور بسرعة في حالة من الاضطراب والفوضى؛ وهذا تطور إيجابي بالنسبة لليهود. حالة الفوضى هي الوقت الأفضل للتحكم بالوضع، ولتفعيل نظام الحضارة اليهودية. الحرب الدائرة الآن هي لتحديد مَن سيكون القائد الروحاني للبشرية - روما (الغرب) أم إسرائيل... الآن هو الوقت [الأفضل] لوضع السيطرة في أيادينا... سوف لا نحمّم [أو نغسل] النخب العربية فحسب، ولكن سنطعمهم وسنربيهم بأيدينا... الإنسان الذي يحصل على الحرية يجب أن يحصل في الوقت نفسه على توجيه لكيفية استعمال هذه الحرية. وهذا التوجيه للبشرية سنكتبه نحن، اليهود... اليهودية ستنتعش في سعير الثورات العربية.

 

الجزء الثالث: أسلحة للقمع وللتحكم العالمي


كيف بالإمكان تحقيق هذه الهيمنة والتحكم الإمبريالي على المنطقة؟


اعتماداً على ما كتبه شاحاك، سيتطرق الجزء الثالث من هذا الفصل، وبشكل مقتضب، لقضية الأسلحة التي تبيعها إسرائيل للأنظمة القمعية في العالم، وخاصة "العالم الثالث". وبالتالي، فإنّ المعلومات المقدمة مستقاة حصرياً من المقالة التي نشرها شاحاك بالعبرية أولاً "للجمهوراليهودي في إسرائيل"، في زو هديريخ، الصحيفة الأسبوعية للحزب الشيوعي الإسرائيلي (أو راكاح).  وبعد عام تقريباً من نشرها في إسرائيل، ترجمها شاحاك إلى الإنجليزية وصدرت في كتيب في الولايات المتحدة الأميركية.  يجدر التنويه هنا بأنّ هذه المعلومات تنطبق على ما كان متوفراً في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، حينما كتب شاحاك مقالته، وما هذه المعلومات إلا "رأس جبل الجليد" المتدحرج والمنكشف بوضوح أكثر راهناً!


كمعظم كتابات شاحاك الأخرى، تعتمد المعلومات في مقالة زو هَديريخ حصرياً على مصادر إسرائيلية وبالتحديد الصحافة العبرية في إسرائيل. ويجدر التنبيه أيضاً إلى أنّ الرقابة العسكرية قد حذفت أجزاءً كثيرة من المقالة في الأصل العبري، وقد أصرّ شاحاك على إبقاء الإشارة إليها في الطبعة الإنجليزية.


لقد شعر شاحاك أنه مضطر لإشعار "الجمهور اليهودي في إسرائيل" وتحذيره من أنّ دولته آخذة، منذ السبعينيات، بتزويد أسلحة للأنظمة القمعية في العالم، بهدف قمع شعوبها. فكتب: "انتحلت دولة إسرائيل لنفسها، في السنوات الأخيرة، مهمة إضافية ذات شأن خطير، ألا وهي أن تتحالف مع أكثر الأنظمة في العالم ازدراء وكرهاً وأن تكون مصدراً لتزويد الأسلحة لها".  ولدعم هذا الادعاء، باشر شاحاك بإعلام الجمهور اليهودي في إسرائيل بأدق التفاصيل حول الأسلحة والتدريبات والأجهزة الأمنية، إلخ، التي توفّرها إسرائيل لأنظمة القمع الأكثر شهرة ورداءة في العالم، وعلى وجه الخصوص، في أميركا اللاتينية وآسيا وأفريقيا. تغطي مقالة شاحاك الفترة 1979 - 1980. وعرض شاحاك أنه في العام 1980 "وصلت نسبة بيع الأسلحة إلى ما يقارب 40 بالمئة من حجم صادرات إسرائيل. بكلمات أخرى، نعيش أكثر وأكثر على فناء وتدمير الغير، الفلسطينيين هنا وشعوب أخرى في أماكن مختلفة من العالم".

 

وكتقديم لهذا الكتيّب، أكدت لجنة النشر في الرابطة (AAUG) بأنه "منذ حرب العام 1967، وإسرائيل تقوم بدور الشرطي الرئيس للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ... وأنّ انتصار إسرائيل في هذه الحرب وفّر على الولايات المتحدة عبء التدخل المباشر. ... وأقرَّ الرؤساء لندون جونسون ورونَلد ريغان بامتنان بدور إسرائيل الإمبريالي - الفرعي. "لو لم يكن هناك إسرائيل بتلك القوة، لكنا اضطررنا أن نقوم بذلك بأنفسنا؛ فهذا ليس بالتحديد حب الغير من طرفنا"".


يقدّم الجزء التالي من هذا الفصل عيّنة مقتضبة من الدول التي استغلت فيها الأسلحة الإسرائيلية كوسيلة لقمع المواطنين العُزَّل في تلك الدول.


أ -  أميركا اللاتينية

دعماً لادعائه أعلاه، أظهر شاحاك بتفصيل مؤلم ومتسلسل، معلومات حول تسويق الأسلحة الإسرائيلية لأنظمة القمع في دول أميركا اللاتينية، مثل السلفادور، غواتمالا، نيكاراغوا، الأرجنتين، تشيلي والإكوادور. فحسب المعطيات المتوفرة من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في العام 1980، كتب شاحاك: "إن دولة إسرائيل زوّدت 83 بالمئة من الأسلحة المستوردة من قبل هذا النظام المجرم [إلسلفادور]. العالم كله (باستثنائنا بالطبع) شاهد على التلفاز المجرمين وهم يحملون بنادق "الجليل" والأوزي".  فكان معلّقو التلفاز في الغرب يعرضون، بكل وضوح، "أن هؤلاء الأشخاص (أو النساء أو الأطفال أو الراهبات أو رهبان الكنيسة) تم قتلهم برصاص بنادق الجليل أو الأوزي، أو هذه القرية تم نسفها بالقنابل المحمولة على طائرات "العرفا" الإسرائيلية الصنع. ... فقط وسائل إعلامنا هي التي تجنّبت ذكر هذه الحقائق. وبعد ذلك تصيبنا الدهشة ونستغرب "لماذا لا يحبّوننا؟" ونلقي بالتهمة على "اللاسامية" أو على "الأموال العربية"، من دون أن نسأل أنفسنا ماذا نفعل بالعالم؟!" .


بالإضافة إلى السلفادور، "كانت إسرائيل [حُذف من الرقابة العسكرية] مزوّداً رئيساً للأسلحة لغواتمالا، والتي كان نظامها الوحشي مساوياً للنظام في السلفادور، إن لم يفُقه وحشية" . كردّ فعل على القمع العنيف في غواتمالا "عندما تمّ سحق مئات الطلاب المتظاهرين بالبنادق في الساحة الرئيسية في العاصمة، غواتمالا سيتي... جمّدت الولايات المتحدة مؤقتاً تزويد الأسلحة لغواتمالا. ولكن خلال فترة قصيرة، شوهد رئيس قوات غواتمالا مع ماركوس كاتس (أهم عملاء الأسلحة الإسرائيليين ...)". [حٌذف من الرقابة العسكرية].


كان لإسرائيل "تعاون وثيق وطويل المدى مع نظام سوموزا في نيكارغوا. ففي السنة الأخيرة من تلك الدكتاتورية، زوّدت إسرائيل 98 بالمئة من واردات أسلحتها. تستحوذ هذه المعلومة على أهمية عظمى إذا ما أدركنا بأن نظام سوموزا قتل في السنتين الأخيرتين ما يقارب من 50 ألف شخص، وأنه دمّر ونسف أحياء الفقراء في ماناغوا، إضافة إلى تجمعات سكانية أخرى، وبالأساس باستعمال طائرات العرفا والوست وند إسرائيلية الصنع".


وفي تعليق نهائي، يستنتج شاحاك التالي:


دم الناس، النساء والأطفال، ليس مهماً، كما أن النفاق السحيق ليس حاسماً. إسرائيل التي تدّعي بأنها "ضد الإرهاب" تزوّد أسلحة لأسوأ الإرهابيين. الاعتبار الوازن الوحيد هو "الضرر السياسي"؛ أي بكلمات أخرى، إذا الدم الذي أُهرق، دم النساء والأطفال، أتى، وفقاً لرأي خبراء المؤسسة، بمنافع سياسية، بدل المضار، لدولة إسرائيل، فكل شيء على ما يُرام! لا يمكن تصورُ نفاق أكبر من هذا.

 

اعتماداً على تقرير في صحيفة "دافار"، الناطقة باسم حزب العمل آنذاك (في 13 نوفمبر 1979)، أبرز شاحاك بتفصيل كامل الدائرة الضيقة لتجار الأسلحة الإسرائيلية، والتي أحاطت بتلاحم وثيق مناحيم بيغن والنخب السياسية والعسكرية، التي حافظت بشكل حثيث على صداقات حميمة وعميقة مع دكتاتوريات أميركا الجنوبية، سيئي السمعة، في تلك الفترة. كما وعرّى شاحاك، للجمهور الغربي الناطق بالإنجليزية، العلاقات الحميمة التي تطورت بين بعض قيادات الصناعات العسكرية الإسرائيلية وبعض الجنرالات الكبار المتقاعدين، مثل سوموزا وبينوشيه وغيرهما. وأكد بيقين "أنه لا توجد دولة واحدة تبيعها إسرائيل أسلحة بكميات كبيرة ونظامها ليس سيئ السمعة".


لم تفلت الإكوادور من دائرة استيراد الأسلحة الإسرائيلية. لكي نفهم السبب وراء استهداف الإكوادور، يجب أن نعي أنه منذ العام 1963 ولفترة خمسة عشر عاماً وقعت الإكوادور في خضم حكم الطغمات العسكرية نتيجة انقلابات متلاحقة. كما التحقت الإكوادور خلال تلك الفترة، مع دول أخرى في أميركا اللاتينية، مثلا التشيلي والأوروغواي وغيرها، في شبكة "كوندور" الإرهابية، التي هدفت إلى ملاحقة المعارضين السياسيين لتلك الأنظمة، عبر الحدود السياسية القائمة، وتصفيتهم بكل الوسائل القتالية. وهكذا، أوجدت هذه "الشبكة" (كوندور) البيئة الحاضنة للقتل والإرهاب، والطلب المتزايد لوسائل القمع القتالية.  فها هو الجنرال الإسرائيلي المتقاعد (والمتوفّى) رحبآم زئيفي (والمعروف أيضاً بلقب "غاندي")، وبالشراكة مع الممثل الإسرائيلي حاييم طوبول (المتوفّى)، وبزالييل مزراحي (الذي اشتهر اسمه بعلاقته مع الإجرام المنظم في إسرائيل)، يبيع لحكومة الإكوادور "معدات تقنية متقدمة وتقنيي صيانة في الحرب ضد "الإرهاب"" . وفي مقابلة طويلة في صحيفة "يديعوت أحرونوت" (1 نيسان 1977)، دافع زئيفي عن دوره كتاجر أسلحة، وأعلن إضافة إلى ذلك أنّه، "لا يرى أي شيء مشين بكونه تاجر أسلحة... كما أن ذلك مصدر دخل جيد". وجاء تبريره "لنياته الجدية بتأسيس شركة للاستشارات الأمنية خارج إسرائيل" بأنّ "كثيرين من الذين ينهون خدمتهم في الأجهزة الأمنية... يواجهون صعوبات في إيجاد عمل ملائم لخبراتهم في إسرائيل... وأن شركة كهذه ستحل مشكلتهم". ويخلص شاحاك إلى الاستنتاج بأن القارة الأميركية أصبحت "مشبعة بالدم والدموع نتيجة لتصدير الأسلحة الإسرائيلية إليها". وفي مقالة ظهرت مؤخَّراً تحت عنوان "يد إسرائيل في إبادة الشعب في غواتمالا"، يؤكد روبرت باري ما كتبه شاحاك قبل ثلاثين عاماً.  يُصرّ باري على أن "الإبادة الجماعية لشعب غواتمالا في الثمانينيات لا تورّط الرئيس رونالد ريغان ومساعديه الكبار فحسب بل أيضاً الحكومة الإسرائيلية التي زوّدت [النظام] سراً بمروحيات مقاتلة وأسلحة وحواسيب استعملت جميعها في ملاحقة وإبادة هنود الإيكسيل [Ixil] وباقي أعداء الدولة الوهميين أو المتخيَّلين". وهذا ما كشفته الشهادات التي قدمت في المحاكمة الجديدة لدكتاتور غواتمالا السابق، إفران ريوس مونت، بتهمة الإبادة الجماعية.


يقول روبرت باري: "وفي قمة المذابح التي ارتكبها النظام في غواتمالا في ثمانينيات القرن الماضي، والتي شملت الإبادة الجماعية لهنود الإيكسيل، عملت إدارة ريغان مع مسؤولين إسرائيليين على تزويد مروحيات مقاتلة للجيش الغواتمالي التي استعملت لمطاردة القرويين الفارين، حسب معطيات موثقة وبيّنات شهود عيان".


في ذكرياته، غنائم الحرب، والتي كتبها في العام 1992، تتبع أريه بن مناشيه، ضابط المخابرات الإسرائيلي السابق، العلاقة بين الأسلحة الإسرائيلية وغواتمالا. ووفقاً للكاتب، فإن شبكة بيع الأسلحة الإسرائيلية لغواتمالا تعود "إلى شبكة خاصة أسسها الجنرال أرئيل شارون في السبعينيات خلال الفجوة التي كان فيها خارج الحكومة. كان ممثل شارون الرئيس في غواتمالا رجل الأعمال المدعو بيساخ بن أور، وخلال تلك القناة زوّدت إسرائيل قوات الأمن الغواتمالية في الثمانينيات بمعدات عسكرية". وتابع بن مناشيه أن "الإسرائيليين زوّدوا غواتمالا ما مجموعه ست مروحيات مقاتلة مع حواسيب وبرامج تشغيل لمتابعة المخربين المزعومين، وتحديد مواقعهم وإبادتهم". كما أكد إضافة إلى ذلك بأن "الإسرائيليين كانوا يدركون بأنهم يساهمون في مذابح جماعية للمجموعات الغواتمالية ذات البشرة السمراء... وكما رأيناها، كانت السلطات العسكرية الغواتمالية تستهدف جميع القرويين غير البيض، الذين كانوا ساكنين على أراضٍ خصبة رغب الغواتماليون البيض بالحصول عليها".


ب -  القارة الإفريقية

في هذا الجزء من الفصل يركز شاحاك على تطور "التأثير الإسرائيلي القوي" على ثلاثة أنظمة قمعية في القارة الإفريقية، وهي ساحل العاج وجمهورية أفريقيا الوسطى وملاوي. تظهر ملاوي، كحالة خاصة، "حيث إن الحكومة الإسرائيلية قامت بتنفيذ مهمة سوداء ومروّعة، على وجه الخصوص". الدكتور بندا، أو "الأب"، والذي حكم هذه الدولة منذ استقلالها، كان صديقاً وفياً وعلى العلن لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وممّا قاله شاحاك في حالة ملاوي:


ولكن ما يميّزه [أي نظام بندا في ملاوي] على وجه الخصوص أن جرائم القتل والتعذيب التي كانت تطال معارضي الدكتور بندا كانت تنفذ من قبل الصبيان. إن حركة الشباب الحكومية، والتي تم تأسيسها بمساعدة مستشارين من الغدناع والناحال (تكوينات عسكرية وشبه عسكرية إسرائيلية)، استعملت كآلية الطاغية الخاصة لقتل معارضيه السياسيين، ولإرهاب العمال بواسطة جلدهم، وتعذيب أي شخص يجرؤ على الشك بالحكمة الإلهية "لأب" الشعب، الدكتور بندا. ما زال حتى هذا اليوم [1981] المستشارون الإسرائيليون يدرّبون "حركة الشبيبة" في ملاوي، رغمَ أنه من غير المعروف ما هي طبيعة هذا التدريب. ولكن الصحافة الإسرائيلية تصفه بأنه شيء شبيه للغدناع والناحال. [حذف من الرقابة العسكرية].


بخصوص علاقة "التعاون" بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، فتركيز شاحاك هنا هو مثبت على ثلاثة مستويات. لقد أظهر كيف أنه في البداية وفي ثلاثينيات القرن الماضي "كانت جنوب أفريقيا تقدم دعمها للفئات الأكثر تطرفاً داخل الحركة الصهيونية". ومنذ إقامة إسرائيل كدولة نشأت صداقة "رسمية" بين إسرائيل ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؛ وقد اعتمدت هذه العلاقة على ثلاثة مجالات مهمة: "التعاون الاقتصادي"، "التعاون الصناعي"، و"التعاون السياسي". وقد وثّق شاحاك كل واحد من هذه المجالات، بوضوح وبمنتهى التفصيل، ضمن ما سمحت به "الرقابة العسكرية".


ج -  القارة الآسيوية

استعرض شاحاك بيع إسرائيل للأسلحة في هذه القارة بالتركيز على تايلاند وتايوان وسنغافورة وإيران تحت حكم الشاه.


بالنسبة لتايلاند، ففي العام 1976، وحالاً بعد أن قام الجيش التايلاندي "بانقلاب بربري وثورة مضادة دموية"، نوّه شاحاك لقرائه الإسرائيليين اليهود بأن وفداً رسميّاً تايلاندياً قد زار إسرائيل لأيام عدة. ورغم أنّه لم يُسمح للصحافة الإسرائيلية أن تكشف عن زيارة هذا الوفد وعن أهدافها، إلا أن الصحافة الأميركية كشفت بأن "حوالي 20 ألف من بنادق "الجليل"، وعدداً غير معروف من الأوزي" أُرسِلت إلى تايلاند في أعقاب تلك الزيارة.


"أقرب علاقات لإسرائيل في آسيا ... هي مع تايوان"، إذ إنّ هناك تقارير تفيد ببيع "صواريخ الغابريل البحرية" إضافة إلى تعاون "في تطوير أنواع أخرى من الأسلحة". أما العلاقات بين إسرائيل وسنغافورة في هذا المجال فركزت على تدريب عسكري إسرائيلي لوحدات من القوات المسلحة في الجيش السنغافوري. كما أن علاقات مثيلة كانت تتطوّر مع كوريا الجنوبية والفليبين.

 

لكن علاقات إسرائيل المتشعّبة ومتعددة الجوانب كانت في تلك الفترة مع نظام الشاه في إيران. ولقيت هذه العلاقات تغطية صحافية مفصلة، كما أن الصحافة الإسرائيلية العبرية نقلت كثيراً من التقارير حول العلاقة بين الموساد والسافاك ( جهاز المخابرات السري الإيراني)، وحول إرسال "مستشارين" إسرائيليين متخصّصين في التدريب على "الأساليب النازية في التعذيب" إلى إيران، إلى ما غير ذلك. وعلى ضوء انزعاج شاحاك من المقالات والتقارير التي قرأها حول هذه العلاقة "الخاصة" مع الشاه، كتب متأملاً:


تتطلّب هذه الحالة تركيزاً ومجهوداً مميّزاً لفهم ما يحدث. إسرائيل تحت قيادة حزب التجمّع [العمل]، كما تحت قيادة الليكود، لم تطور فقط علاقات صداقة مع نظام التعذيب الذي يستعمل الوسائل النازية؛ مع النظام الذي امتصّ كل ثروات البلد واحتفظ بها في أيدي العائلة المالكة، بل إن إسرائيل استغلّت تأثيرها السياسي وسط يهود العالم لكي تساعد هذا النظام في تكثيف التعذيب والقمع.


لقد عبّر شاحاك عن ذعره وامتعاضه من الوقع السلبي على المجتمع الإسرائيلي للتزايد المتصاعد في بيع الأسلحة الإسرائيلية وتصدير "الخبراء" إلى الأنظمة القمعية. ففي فترة سنتين فقط، 1978 - 1980، ارتفع حجم تصدير الأسلحة الإسرائيليّة بحوالي 341 بالمئة. "هذه المعطيات"، كتب شاحاك، "مذهلة ليس فقط لحجمها، بل لأنها تدلل على عمليتين متوازيتين: الدور العالمي للمؤسسة الإسرائيلية، والتغيّرات الاجتماعية العميقة التي سيحدثها هذا الدور في المجتمع الإسرائيليّ". كما ردد شاحاك صدى الإنذار الذي حذرت منه صحيفة هآرتس "حول المخاطر الناجمة من خلق طبقة من الضباط". واستنتج باضطراد "أنه ليس من الصعب الإدراك أنّ هذه التطورات تسير يداً بيد ليس فقط مع الاحتلال، ولكن أيضاً مع انغماس إسرائيليّ عميق ... في بيع الأسلحة للأنظمة الأكثر ظغياناً. ... لا يوجد أي شك بأن الجنرالات الذين يزورون الأرجنتين وتشيلي، وأصدقاء رئيس السافاك في إيران لم يدرّبوا ويُعَلِّموا فقط، بل تعلّموا الكثير. والذي تعلّموه سيطبقونه أولاً في المناطق المحتلة، ومن ثم في إسرائيل".


في "ملاحظته الاستنتاجية - 16 حزيران 1981" للطبعة الإنجليزية التي نشرت في العام 1982 في الولايات المتحدة (مصدر 50 أعلاه)، يشرح شاحاك تبريره لنشر هذا المقال بالإنجليزية للعالم الخارجي:


المقال المترجم هنا إلى الإنجليزية كتب أصلاً بالعبرية للجمهور اليهودي الإسرائيلي، وبالتالي فإن عدداً من القضايا المهمة حذفت لأنها واضحة بالنسبة لذلك الجمهور. أما بالنسبة للجمهور خارج إسرائيل، فأودّ أن أذكر قضيتين رئيسيتين تساعدان في شرح كيف ستحقق إسرائيل دورها العالمي المذكور أعلاه. هاتان القضيتان هما: الأولى، دعم اليهود خارج إسرائيل لها، والثانية، الصمت المشين لكثير من الأشخاص (يهوداً كانوا أم لا) الذين يعتبرون أنفسهم "تقدميين" (في الولايات المتحدة هم "متطرفون" أو "على يسار المركز")، ولكنهم ينقلبون ليصبحوا أسوأ من المحافظين في الجناح اليميني حينما يتعلق الموضوع بإسرائيل.


ومن ثم تدرّج شاحاك ليوضح عن أي يهود خارج إسرائيل يتكلم. وحدد أنه "بشكل عام، يوجد نوعان من اليهود في الغرب: أولئك الذين إلى حد ما اندمجوا بنجاح في مجتمعاتهم ["اليهود المنظّمين"]، وأولئك الذين يحافظون على "حياة يهودية" اجتماعياً. ... في كل الأحوال، يبدو أن "اليهود المنظمين" يدعمون الآن دولة إسرائيل في كل شيء يشمل تحقيق أرباح من مذابح الناس الأبرياء".


في هذا السياق، يبرز شاحاك مشكلة النفاق التي تميّز تعامل الغرب مع إسرائيل وأعمالها. وفي استنتاجه لهذا المقال، لا يتردد شاحاك في توبيخ الرأي العام الغربي وما يسمّى "باليساريين":


باختصار، يواجه الإنسان الحقيقة الجلية كيف أن الرأي العام الغربي، بجبنه، يدعم تلك الأنشطة؛ والأكثر من ذلك، التناقض الواضح كيف أن أولئك الذين يدعمون الإرهاب والمجازر الجماعية، ما دامت هذه الأعمال تنفذ من قبل دولة إسرائيل، يتظاهرون في الوقت ذاته كأناس "يكرّسون أنفسهم لحقوق الإنسان"، أو "ليبراليين"، أو "اشتراكيين" بينما هم في الحقيقة قريبون جداً من النازية في تصرّفاتهم تجاه السلفادوريين والفلسطينيين. ... وتسود هذه الظاهرة على وجه الخصوص بين ما يُسمّى "اليسار" ... . إنّ معارضة "اليساريين" لمناقشة المشاكل "الإسرائيلية" علناً أصبحت الآن برهاناً واضحاً على انحطاط أغلبية "اليسار"؛ إذ إنّ البديل المثير للاشمئزاز هو أن يقولوا بشكل شخصي ومستتر، "أنا آسف لأن هذا حدث لليهود (أو إسرائيل)، لأنني أحبهم جداً ولهذا فلا أقولها علناً"... أما "البرهان" الأفضل فيكمن في حقيقة كون أغلبية المهنيين "المناهضين للستالينية" هم الأسوأ بهذا الخصوص، والذي يشير بالطبع إلى أنهم استبدلوا ستالين بآخر جمعي. ... لكن النقطة يجب أن تُقال بوضوح: غياب النقاش الحرّ لقضايا سياسية مهمة يهدد القاعدة الأساسية للديمقراطية. شؤون الدولة هي "شيء عام". أولئك الذين يسمحون لهذا المبدأ بأن ينتهك هم ليسوا "أصدقاء لليهود"، كما يدعون، وليسوا أصدقاء للحرية في بلادهم، وإذا كانوا من "اليسار" فجريمتهم أكبر بكثير.


بعد بضع سنوات، في العام 1992، نشر شاحاك مقالة بعنوان "أهداف إسرائيل الاستراتيجية والأسلحة النووية"، وألحقها فيما بعد لتصبح الفصل الثاني من كتابه "أسرار مكشوفة".  في هذه المقالة كان شاحاك مباشراً وواضحاً أكثر في تشخيصه لما نجم عن تلك العمليات التي حللها في أواخر السبعينيات وبدايات الثمانينيات. فأعلن "... ما أعتبره الأهداف الحقيقية للسياسات الإسرائيلية [هي] تأسيس هيمنة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها، "ترسيخ" الأنظمة التي لا تزعج كثيراً التقدّم الإسرائيلي نحو ذلك الهدف، وإمكانية استعمال الأسلحة النووية لهذا الغرض".


وعلى ضوء هذه الاستراتيجيات الإسرائيلية - الصهيونية المحددة، أصرّ شاحاك أن يُذَكِّرَ أولئك الذين لا يقرأون الصحافة الإسرائيلية، بأنه:

بما أن استراتيجيات إسرائيل هي إقليميّة بتوجّهها، يبقى اهتمامها بالفلسطينيين ثانوياً. الحقيقة هي أنّ قمع الفلسطينيين لا يهمّ الاستراتيجيين الإسرائيليين بالمرّة. وتباعاً لذلك ما يقع تحت مسمّى "حل القضية الفلسطينية" ... لا يمكن أن يأتي بالسلام، لأن الاستراتيجيّة الإسرائيليّة تهدف إلى تأسيس هيمنة على كامل الشرق الأوسط، من منظور امتداده من الهند إلى موريتانيا. فبكل تأكيد، إن الضحية الأولى لهذا التوسّع الإسرائيلي في فرض هيمنة كهذه هي الشعب الفلسطيني. ... إن فرض الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط بأكملها يحظى باهتمام أكبر في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي من تأبيد التسلّط اليهودي على كامل أرض إسرائيل، بالرغم من الإفراط في ترسيم حدودها.  [التأكيد مضاف].


 تأكيداً على حقيقة أهداف إسرائيل الاستراتيجية، يطرح شاحاك بكل وضوح نقتطين: الأولى، في سعيها لتحقيق الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية الفعلية، تخسر القضية الفلسطينية إلحاحها؛ والثانية، أنّ "الجمهور الأميركي يجب أن يُخدع بنجاعة بما يخص الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية الحقيقية".


على ضوء ما جاء أعلاه، قد يُثري هذا النقاش أن نرى كيف يحلل شاحاك السياسة الإسرائيلية الرسمية تجاه الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال منذ العام 1948. وهذا ما سيتم عرضُه في الفصل التالي.



آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net