Tahawolat


(خص الشاعر شوقي أبي شقرا مجلة "تحولات مشرقية" بهذا النص عن شعراء فلسطين في بيروت (محمود درويش ومعين بسيسو) وتلك العلاقة التي جمعتهم بالوهج والثورة والشعر).


-1-


الصفحة الثقافية في جريدة "النهار" كانت لي الروح والكيان، وكانت على مخيلتي الاتكال والقبض على الجيد وعلى المسكين، وفي ما يخطر على الأرض وعلى شتى الأمكنة، وأنا لها ذلك الزارع وذلك المنجل وذلك الحصاد الذي لا يغيب والذي يعطي نفسه ويعطي أفكاره في الفصول جمعاء.


وحتى في الحرب القائمة آنذاك كانت القطار ولا ضرورة للسكة، لأن القلم كان القيم وكان ينوب عن الخطر وعن الشرود،  وكان في المنزلة الواحدة وفي المنزلتين.


وهي وأنا عريس وعروس ونحن نضيء الساحة بالمصباح العجيب بالكلمة التي تغزل المعنى وتلتف الخيطان بين أصابعي، وبين الأصابع الأخرى قادمة من فلسطين ومن العراق ومن العروبة بعيدة أو قريبة. وكنا نحن الحراس على الباب، على النوافذ وعلى المقاعد التي هي في ترحاب طويل بمن يأتي الديار، من يأتي الغرفة حيث أجلس وعلى الطاولة جنون الأوراق، وجنون الدفاتر وجنون العمل الذي يأخذنا إلى فوق وإلى كل ظلام وكل مطرح حيث الثمرة في صحنها الملائم وحيث علي وعلى الآخرين من رفاقي، أن نسرّ الضيوف والمتعبين الذين نحن نساهم في الحركة ونسهم في الشفاء ونذبح لهم العجل المسمن، وبارقة الأمل بأننا هكذا نحن في ملء الواجب وفي المقام الطيب، ليكونوا في رحابة الرجاء وأن الأمور الصعبة تحلو وكأس الأيام أحلى. وكان الإقبال العروبي على غرفتي وعلى قلمي وعلى المساحة التي لي حتى أن نصير إلى الأمام وأن نكسر الصخرة ولا ما يدعو إلى أن نحملها وندحرجها طلوعاً ونزولاً.


وهذه الصخرة هي التي نزيحها قليلاً، والتي تتحدانا أن نرفعها وأن نخلدها. لأنها العذوبة حيناً والمشكلة حيناً. ولأنها انوجدت لكل شاعر وكل كاتب وكل فنان. وعلى الصالحين وعلى الملهمين أن يحسبوا أنها الكرة وأن من الأجوبة ومن الحلول أن نلبطها أو ان تكون على جانب الغرفة حيث أنا وحيث الوحي لي يدفعني إلى أن أظنها أنها الحصان وأنها مركبتي. وفي البرنامج المزدحم، أنها تتيح لي القعود على رأسها على بطنها، وأنا أركض من ثم من نقطة في الكتاب في السطور إلى نقطة هي في الحياة وفي انتظاري وأن يكون غيري مرتاحاً.


2


ولي أن أقول وأن انصرف من سريرة إلى سريرة ومن خاطرة من سؤال إلى نفسي المضطربة. وتارة هي الحزن وتارة هي الأفراح وهي مجرّة التحديات والصداقات.


وكان محمود درويش الراحل منذ أمد من السنين، هو الصديق وهو الصلة المديدة والمستقيمة بالبلاد، بموطنه فلسطين. وكنا على ودٍ متبادل وعلى مودة ناعمة تتبىء في البال وفي الصدور وتثلج العلاقة التي هي ما بيننا، نوع من التقدير ومن اللزوميات الجميلة.


وقال لي ذات مرة على الهاتف مرحباً وفق ذلك وألطف من ذلك. وقال أيضاً أنه يملك قصيدة جديدة، تضاف إلى أملاكه وإلى حقوله الخصبة. وقال لي أنه يريدها على الصفحة الأولى من جريدة "النهار" في بيروت.


ومحمود درويش شاعر البلاد، شاعر الشرق والوطن الجاثم عليه ذلك العدو، أنما يربح الفائدة من صوته، من قيثارته كلما وقف خطيباً. وكلما كان هو في أصله وفي أخلاقه، ذلك الرنان وذلك الصدى وتلك الهضاب والأودية. وأنما كل مرة في موقعه هذا، كان يبلغ العلى ويبلغ آخر الأدراج وأخر الرياح. بل كان هو الرياح والعاصفة وكان المنطلق مع هبوب الثورة  مع بعض الشعراء من خلانه، كانوا معاُ قناديل والسفن التي عليها هم وقصائدهم هي التي تبحر في   الذاكرة وفي القلوب وفي الأذهان العطاش إلى الكلمة التي تتفوق والتي تهز المروحة ويهبط علينا كثير من الغذاء، من الانفتاح على الدروس التي يلقونها وتصمد في التاريخ المعاصر


ولاشك أن معين بسيسو هو ايضاً من القافلة الثائرة، وحيث الغضب يسطع في الأطر طرأ. وحيث لا احد إلا الشعراء من يدرون كيف تؤخذ الحقوق وكيف يكون النضال وكيف أننا نذهب إليهم، إلى نتاجهم، ونحن سعيدون بأن المناسبات تنقلب من جافة إلى عظيمة التأثير.


3


ونحن نرتفع معها، مع النصوص التي تدل على الطريق على الوجهة على الأرض التي هي في الوحشة الدامية. ولا شك أن معين بسيسو الصديق وأمثاله المتعددين، وهو كذلك من الذين صرخوا وكانوا جميعاً في صدد النهوض من الخيبة، من الخيبات. وهم يكادون يكونون الذين سجلوا وكتبوا جلّ التاريخ ، جلّ الملحمة.  وازدانوا بالفضائل المهاجمة والتي لا تنقضي في جب النسيان وفي بئر الاهمال. بل يجب أن تكمل الأجيال طموحات أولئك الشعراء والكتّاب الذين واحداً واحداً زاروني وغلبوا الصخرة وأزاحوها على قدر ما استطاعوا وما فتئوا يفعلون ويلعبون لعبة المجد، حتى الوصول حتى القطاف.


وسوف تكون العودة التي غناها العاملون في الكلمة وفي القافية، في صلب الحروف.


وفي وسط العقد كما هي الياقوتة، ووهج الفرادة العامرة الإيوان.





آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net