Tahawolat

كيف أدّت خسارة العرب لتجارة المحيط الهندي إلى خروجهم من التاريخ؟...


مَن يطالع خريطة العالم المعاصرة يجد أن أوروبا تحتل قلب هذا العالم مضافة إليه قارة أميركا الشمالية الى الغرب وروسيا الى الشرق. كذلك فإنه يجد أن حجم القارة الأوروبية على هذه الخريطة يساوي حجم القارة الافريقية التي تحتل مساحة أقل من مساحتها الحقيقية، كما تتمثل قارة اميركا الجنوبية الى الغرب من افريقيا بحجم أقل من حجمها الحقيقي وهو ما ينطبق ايضاً على الهند والصين الى الشرق من القارة الافريقية. ويعكس هذا نظرة يوروسنترية للعالم تعكس الهيمنة الأوروبية – الغربية على العلاقات الدولية التي تحققت قبل مئتي عام واستمرت الى بدايات القرن الحادي والعشرين. ويحاول النمط المهيمن في العالم الغربي تصوير الوضع المستجدّ على الشؤون الدولية بأنه أمر متواصل منذ آلاف السنين، وهو ما تناقضه المعطيات التاريخية والتي انعكست في رؤية الجغرافيين العرب والمسلمين للعالم. والجدير ذكره أن هذه الرؤية لم تكن ثابتة عبر العصور بل هي شهدت تغيرات وتحولات بين القرن السابع، تاريخ الفتوحات العربية الاسلامية، والقرن السادس عشر تاريخ سقوط دولة المماليك في مصر والشام والحجاز تحت الهيمنة العثمانية.


واذا كان الجغرافيون العرب والمسلمون قد اولوا الاهمية الكبرى للمشرق العربي وحوض المتوسط والهضبة الايرانية ووسط آسيا في القرون الأولى الممتدة بين القرن السابع والقرن الحادي عشر ميلادي، إلا أن نظرتهم الى العالم شهدت تحولاً لتولي الاهمية الكبرى لافريقيا والهند وجنوب شرق آسيا وفي قلب هذه المنطقة المحيط الهندي الذي شكل المنطقة التي توسّعت فيها الهيمنة العربية الاسلامية بين القرن الثاني عشر والقرن السادس عشر الميلادي. والجدير ذكره أن الدولة الأموية ومن بعدها الدولة العباسية وحتى منتصف القرن الحادي عشر قد سيطرت على تجارة البحر المتوسط من جهة والتجارة البرية مع الصين والهند من جهة أخرى، فيما كانت تجارة المحيط الهندي تحت هيمنتهم منذ زمن سابق للإسلام. لكن بدءاً من القرن الثاني عشر خسر العرب احتكارهم للتجارة في البحر المتوسط، ثم خسروا هيمنتهم للتجارة البرية مع الصين في القرن الثالث عشر نتيجة صعود الهيمنة المغولية في البر الأوراسي ما جعلهم يحولون أنظارهم ناحية التجارة في المحيط الهندي.




العرب والمحيط الهندي


يتميز المحيط الهندي بامتداده الشاسع وتعدّد الحضارات والشعوب على ضفافه وكان شرياناً تجارياً مهماً بل الأهم منذ آلاف السنين ما جعل هذا المحيط يلعب دوراً محورياً في حركة التاريخ.  وقد لوحظ تنافس الأفارقة والصينيون والفرس والعرب على التجارة في المحيط الهندي بشكل سلمي على مدار التاريخ من دون تسجيل حروب بينهم، فيما كانت الغلبة للعرب بعد ظهور الإسلام.   وكانت مصر هي الدولة الوحيدة غير المتشاطئة للمحيط الهندي التي اشتركت في تجارة هذا المحيط.   وقد كان لانتشار الاسلام دوره في تدعيم السيادة العربية في المحيط الهندي واصبح العرب سادة المحيط ملاحياً وتجارياً وحوّلوه الى بحيرة عربية.  وقد تجلى ذلك في استيطان العرب على معظم سواحل هذا المحيط وانتشار اللغة العربية على ضفافه، وحتى اعتناق الكثير من الهنود والأفارقة والماليزيين وغيرهم للإسلام ديناً.‡   وقد اعترف المؤرخ الصيني فواين جانغ بأن العرب حتى القرن السادس عشر تسيدوا التجارة الدولية.


ويعتبر عالم الجغرافيا المصري الكبير جمال حمدان بأن "آسيا بالنسبة للإسلام كأوروبا بالنسبة للمسيحية ففيها يتجمّع ثلاثة ارباع المسلمين".  ويرى أنه في اواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر خسر الإسلام المتوسط كبحيرة إسلامية بعدما تغلغل فيها النورمانديون والفرنج عبر الحروب الصليبية، إلا أن الاسلام استعاض عن ذلك بكسب "افريقيا كقارة إسلامية".   ويرى أنه بنتيجة التوسع الإسلامي في افريقيا وضفاف المحيط الهندي اضحى العالم الاسلامي كالتالي:


"نمط قوسي عظيم يتوسط المثلث القاري ويتعامد عليه بصورة ما كمحور هيكلي أو كنطاق محدب يترامى بعمق متفاوت ولكنه عظيم ويواكب بصفة تقريبية نصف دائرة المحيط الهندي ويوازيها ويكاد يحف بها. وهذا القوس العظيم الذي يبدأ بجناح أيسر عميق عريض في افريقيا من عروض مدارية سفلى، لا يلبث ان ينثني شمالاً لينتظم غرب آسيا ووسطها في عروض أعلى بكثير، ثم إذا به يعود في جناحه الأيمن فينثني نحو الجنوب مرة أخرى وذلك في جنوب آسيا وجنوبها الشرقي".

 

ويضيف بأن "هذا في معنى حقيقي جداً هو هلال الإسلام وفي قلبه ونكاد نقول نجمته يستقر المحيط الهندي. الذي هو منطقياً محيط الإسلام. واذا كان الإسلام قد فقد البحر المتوسط كبحيرة اسلامية او شبه اسلامية فقد كسب المحيط الهندي الذي اصبح البحر المتوسط الجديد في العالم الاسلامي. الحضارمة والعمانيون إغريقه وبنادقته إن لم يكونوا رومانه".

 

وهو يعترف بأن الدين يشكل بعداً من أبعاد السياسة،  ويعتبر أن الإسلام ليس استثناء "من حيث استغلال الدين في السياسة".  لكنه يرى أنه:


"في ما عدا الوحدة الدينية المؤكدة، هل يمثل العالم الإسلامي وحدة طبيعية أو بشرية؟ لقد حاول البعض ان يربط الاسلام بالجفاف والصحارى ولكن الحقيقة أبعد ما تكون عن هذا… وبالمثل نجد الاسلام البحري على السواحل بل ان السواد الاعظم من المسلمين أقرب الى التركز على القطاعات الساحلية والبحرية. رغم ما يبدو من قارية شكلية في الخريطة التقليدية للتوزيع الاسلامي. والاسلام كذلك يغطي السهول المستوية المنخفضة في افريقيا الشمالية، ولكنه يطغى بالقوة نفسها على المناطق الجبلية في جنوب شرق آسيا".

 

واذا اردنا دراسة الكيفية التي نظر بها العرب الى العالم، نجد أنها تحوّلت من النظر الى منطقة المشرق والبحر المتوسط كمحور العالم، كما ورد في كتابات الجغرافيين العرب والمسلمين في القرن التاسع والعاشر الميلادي وأبرزهم ابن خرداذبه، الى النظر الى المحيط الهندي كالنقطة المحورية في الخريطة ابتداء من القرن الثاني عشر ميلادي، كما ورد في كتابات الجغرافيين العرب في ذلك الزمان وابرزهم الشريف الإدريسي وكتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق".


ابن خرداذبه

واللافت في كتاب ابن خرداذبه "كتاب المسالك والممالك" أن وصفه للأرض في ذلك الزمان شبيه بالنتيجة التي توصل اليها الجغرافيون المعاصرون المزوّدون بأفضل التقنيات. وهو يصف الأرض كالتالي:


"صفة الأرض أنها مدورة كتدوير الكرة، موضوعة في جوف الفلك كالمحة في جوف البيضة، والنسيم حول الأرض، وهو جاذب لها من جميع حوانبها إلى الفلك، وبنية الخلق على الأرض أن النسيم جاذب لما في أبدانهم من الخفة، والأرض جاذبة لما في أبدانهم من الثقل، لأن الأرض بمنزلة الحجر الذي يجتذب الحديد، والأرض مقسومة بنصفين بينهما خط الاستواء وهو من المشرق إلى المغرب وهذا طول الأرض وهو أكبر خط في كرة الأرض كما أن منطقة البروج أكبر خط في الفلك وعرض الأرض من القطب الجنوبي الذي يدور حوله سهيل إلى القطب الشمالي الذي يدور حوله بنات نعش، فاستدارة الأرض في موضع خط الاستواء ثلاثمائة وستون درجة والدرجة خمسة وعشرون فرسخاً والفرسخ اثنا عشر الف ذراع والذراع اربعة وعشرون اصبعا والاصبع ست حبّات شعير مصفوفة بطون بعضها إلى بعض يكون ذلك تسعة آلاف فرسخ، وبين خط الاستواء وبين كل واحد من القطبين تسعون درجة اصطرلابية واستدارتها عرضاً مثل ذلك الا أن العمارة في الأرض بعد خط الاستواء أربع وعشرون درجة ثم الباقي قد غمره البحر الكبير، فنحن على الربع الشمالي من الأرض والربع الجنوبي خراب لشدة الحر فيه والنصف الذي تحتنا لا ساكن فيه، وكل ربع من الشمالي والجنوبي سبعة أقاليم وذكر بطليموس في كتابه أن مدن الأرض على عهده كانت أربعة آلاف ومئتي مدينة".

 

وهو يقسم الأرض إلى أربعة اقاليم كالتالي:


"وقسمت الأرض المعمورة على اربعة اقسام فمنها أروفي وفيها الأندلس والصقالب والروم وفرنجة وطنجة وإلى حد مصر. ولوبية وفيها مصر والقلزم والحبشة والبربر وما والاها والبحر الجنوبي وليس في هذه البلاد خنزير بري ولا ايل ولا عير ولا تيوس، واتيوفيا وفيها تهامة واليمن والسند والهند والصين، واسقوتيا وفيها أرمينيا وخراسان والترك والخزر".


ويتحدث عن الصين واصفاً اياها بأنها بلاد واسعة وثرية جداً فيقول:


"والصين ثلاثمائة مدينة عامرة كلها منها تسعون مشهورة، وحد الصين من البحر إلى التبت والترك وغربا الى الهند، وفي مشارق الصين بلاد الواقواق وهي كثيرة الذهب حتى أن أهلها يتخذون سلاسل كلابهم وأطواق قرودهم من ذهب ويأتون بالقمص المنسوجة بالذهب للبيع وبالواقواق الأبنوس الجيد".

 

كذلك فهو يتحدث عن الهند وثرائها والشعوب والملل التي تقطنها بشكل مثير للتعجب فيقول:


"والهند تسعة أجناس الشاكرية وهم أشرافهم، فيهم الملك، تسجد لهم الأجناس كلها لهم، ولا يسجدون لأحد. والبراهمة وهم لا يشربون الخمر والأنبذة، والكسترية يشربون ثلاثة أقداح فقط، لا تزوّجهم البراهمة ويتزوجون فيهم. والشودرية وهم أصحاب زراعة والبيشية وهم أصحاب صناعة ومهن، والسندالية وهم أصحاب لهو واللحون وفي نسائهم جمال، والذنبية وهم سمر أصحاب لهو ومعازف ولعب. وملل أهل الهند اثنتان وأربعون ملة، منهم من يثبت الخالق عز وجل والرسل ومنهم من ينفي الرسل، ومنهم النافي لكل ذلك. والهند تزعم أنها تدرك بالرقى ما أرادوا ويسقون به السم ويخرجونه ممن سقي، ولهم الوهم والفكر ويحلون به ويعقدون ويضرون وينفعون، ولهم إظهار التخاييل التي يتحير فيها الأريب ويدعون حبس المطر والبرد".


والجدير ذكره أن أوروبا خصوصاً الغربية والشمالية لم تكن ذات أهمية ولم تأخذ حيزاً كبيراً في كتاب ابن خرداذبه وهو يصفها كالتالي:


"ورومية  وبرجان وبلدان الصقالب والأبر شمالي الأندلس. والذي يجيء من البحر الغربي الخدم الصقالبة والروم والإفرنجيون واللعبرديون والجواري الروميات والأندلسيات وجلود الخز والوبر ومن الطيب الميعة ومن الصيدنة المصطكي، ويقلع من قعر هذا البحر بقرب فرنجة البسذ وهو الذي تسميه العامة المرجان. فأما البحر الذي خلف الصقالبة وعليه مدينة تولية فليس يجري فيه مركب ولا قارب ولا يجيء منه شيء وهو عربي أيضاً". 


الإدريسي

لكن في منتصف القرن الثاني عشر كان لجغرافيي العرب في ذلك الزمان أن تحولت أنظارهم نحو المحيط الهندي. وما يلفت النظر في الخريطة التي رسمها الشريف الإدريسي قبل تسعة قرون هو النظر اليها بشكل معكوس عن الطريقة التي ننظر بها الى الخريطة. فهو يضع الجنوب في أعلى الخريطة والشمال في اسفلها والغرب على يمين الخريطة والشرق على يسارها. ونرى أن الجزيرة العربية تحتل قلب هذه الخريطة وعلى يمينها في اعلى الخريطة قارة افريقيا التي تحتل المساحة الأكبر من الكرة الأرضية يليها المحيط الهندي الذي يحتل موقعاً محورياً على الخريطة، في ما تحتلّ الصين موقعاً مهماً على يسار الخريطة. ويبقى الموقع الأهم للمناطق العربية الإسلامية التي تحتل وسط الخريطة في ما تقع أوروبا على الهامش في اقصى الزاوية اليمنى من الخريطة.

 

وعند مراجعة كتاب الشريف الإدريسي "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" الشهير في الغرب بكتاب روجاير نجده يقسم العالم الى سبعة اقاليم مقسم كل واحد منها الى عشرة اقسام.  وبالنسبة للكتاب المطبوع في العام 1863 فقد تمت اعادة ترتيب اقسامه بحيث يركز الكتاب على الاقسام المتعلقة بمصر وافريقيا المسماة ببلاد السودان والمغرب والاندلس خلافاً للترتيب الذي قدّمه الشريف الإدريسي في نسخة الكتاب الاصلية قبل تسعة قرون. واللافت في الموضوع حديث الشريف الإدريسي عن ممالك غنية جداً في افريقيا ازدهرت فيها التجارة.  وينعكس ذلك في تعداده لعدد كبير من المدن المزدهرة في افريقيا التي يسميها السودان:


"ومن المدن المشهورة مدينة كوغة وكوكو وتملمة وزغاوة ومانان وانجيمي ونوابية وتاجوة. فأما مدينة كوغة فإنها مدينة على ضفة البحر الحلو وفي شماله ومنه شرب أهلها وهي من عمالة ونقارة ومن السودان من يجعلها من بلاد كانم وهي مدينة عامرة لا سور لها وبها تجارات وأعمال وصنائع يصرفونها في ما يحتاجون اليه".


كذلك فإن الملاحظ ايضاً هو وصف مجرى النيل وافتراقه في بلاد الحبشة والحديث عن منابعه ما يدحض مقولة إن البريطانيين هم الذين اكتشفوا منابع النيل في القرن التاسع عشر:


"وأعلى ديار مصر مدينة أسوان وأنفو والردينى، وفي هذا الجزء افتراق النيلين أعني نيل مصر الذي يشقّ أرضها وجريه من الجنوب إلى الشمال وأكثر مدن مصر على ضفتيه معاً وفي جزائره أيضاً والقسم الثاني من النيل يمرّ من جهة المشرق الى أقصى المغرب وعلى هذا القسم من النيل جميع بلاد السودان أو أكثرها وهذان القسمان مخرجهما من جبل القمر الذي اوله فوق خط الاستواء بست عشرة درجة وذلك أن مبدأ النيل من هذا الجبل من عشر عيون فأما الخمسة الأنهار منها، فإنها تصب وتجتمع في بطيحة كبيرة والخمسة الأنهار الأخرى تنزل أيضاً من الجبل الى بطيحة أخرى كبيرة".

 

والملاحظ تسميته للبحر المتوسط بالبحر الشامي والمحيط الأطلسي بالبحر المظلم،  ومن الملاحظ استفاضته في وصف بلاد الأندلس وهي مسقط رأسه.  وهو يستفيض في وصف البحر الهندي الذي يتوزع على الأجزاء ستة وسبعة وثمانية وتسعة وعشرة من القسم الأول،  فيما يقتصر ذكر اوروبا الغربية بما فيها انكلترا وفرنسا وشمال اوروبا على القسمين الأول والثاني من الاقليم السادس،  والقسمين الاول والثاني من الاقليم السابع وهو أضيق الاقاليم. فيما يستفيض الكتاب في وصف قارتي آسيا وافريقيا ويذكر انتاجاتها الزراعية وتجارتها المزدهرة.

 

ولا شك في أن الغزو المغولي للمشرق الإسلامي وللعراق، واجتياحه البر الشامي مراراً وتكراراً ساهم بشكل كبير في تحويل انظار العرب نحو المحيط الهندي. ويتجلى ذلك في المقارنة بين رحلة ابن جبير في القرن الثاني عشر والتي تمحورت حول المتوسط والمشرق العربي، ورحلة ابن بطوطة في القرن الرابع عشر والتي كانت أوسع مدى وشملت اضافة الى حوض المتوسط، المشرق العربي والدولة البيزنطية ووسط آسيا وإيران والهند، لينتقل بعدها عبر المحيط الهندي الى الصين. وفيما ينتقل ابن جبير على متن سفينة جنوية من الأندلس الى الاسكندرية في مصر، ما يعكس انفتاحاً ولو نسبياً على العالم المتوسطي في ذلك الوقت، فقد انتقل ابن بطوطة براً عبر شمال افريقيا الى مصر ومنها إلى باقي الأصقاع التي وصفناها آنفاً ما يعكس اغتراباً مع العالم المتوسطي آنذاك وانقطاعاً عن التفاعل مع الدول التجارية الإيطالية وغيرها. وفيما اقتصرت رحلة ابن جبير في المشرق على التجول براً بين الحجاز والعراق والشام قبل ان يعود الى بلاده، من دون أن يقترب حتى من شواطئ المحيط الهندي، فقد أفرد ابن بطوطة مساحة واسعة من كتابه لوصف المحيط الهندي والدول والمرافئ على ضفافه، ما يعكس الأهمية التي كان يوليها هو وغيره من جغرافيي ذلك الزمان لهذا المحيط.


ابن جبير


وقد انطلق ابن جبير على متن سفينة جنوية من غرناطة باتجاه سردينية فصقلية وكريت إلى الاسكندرية ودامت رحلته الى مصر ثلاثين يوماً.  ويصف ابن جبير الاسكندرية على أنها مدينة مزدهرة كثيرة الأبنية والمستشفيات والجوامع والمدارس كما أن تجارتها مزدهرة ويدل على ذلك كثرة متاجرها. ويضيف أنه "من العجب في وصفه أن بناءه تحت الأرض كبنائه فوقها وأعتق وأمتن، لأن الماء من النيل يخترق جميع ديارها وأزقتها تحت الأرض فتتصل الآبار بعضها ببعض ويمد بعضها بعضاً".  وهو يصف منار الاسكندرية التي كانت لا تزال قائمة في عهده فيقول إنها "من أعظم ما شدهاناه من عجائبها المنار الذي قد وضعه الله عز وجل على يدي من سخر لذلك آية للمتوسّمين وهداية للمسافرين، لولاه ما اهتدوا في البحر بر الإسكندرية، يظهر على أزيد من سبعين ميلاً". وهو يشيد بصلاح الدين الأيوبي الذي كان قد أمر بمنح الحجاج زاداً مقداره رغيفا خبز يومياً لكل مسافر مجاناً وتأمينه طريقهم ورعايته الصحية المجانية لهم.


ويستفيض ابن جبير بوصف القاهرة ومعالمها الأثرية والدينية:


" فمن ذلك المشهد العظيم الشأن الذي بمدينة القاهرة، حيث رأس الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، وهو في تابوت فضة مدفون تحت الأرض قد بني عليه بنيان حفيل يقصر الوصف عنه ولا يحيط الإدراك به، مجلل بأنواع الديباج، محفوف بأمثال العمد الكبار شمعاً أبيض ومنه ما هو دون ذلك، قد وضع أكثرها في أتوار فضة خالصة ومنها مذهبة، وعلقت عليه قناديل فضة، وحفّ أعلاه كله بأمثال التفافيح ذهباً في مصنع شبيه الروضة يقيد الأبصار حسناً وجمالاً... وشاهدنا أيضاً بنيان القلعة وهو حصن يتصل بالقاهرة حصين المنعة، يريد السلطان أن يتخذه موضع سكناه، ويمد سوره حتى ينتظم بالمدينتين مصر والقاهرة. وما منها جامع من الجوامع ولا مسجد من المساجد ولا روضة من الروضات المبنية على القبور ولا محرس من المحارس ولا مدرسة من المدارس إلا وفضل السلطان يعمّ جميع من يأوي إليها ويلزم السكنى فيها،

... ومن مفاخر هذا السلطان وآثاره الباقية المنفعة للمسلمين القناطر التي شرع في بنائها بغربي مصر، وعلى

مقدار سبعة أميال منها، بعد رصيف ابتدئ به من حيز النيل بإزاء مصر كأنه حبل ممدود على الأرض،

تسير فيه مقدار ستة أميال حتى يتصل بالقنطرة المذكورة، وهي نحو الأربعين قوساً من أكبر ما يكون من

قسي القناطر. والقنطرة متصلة بالصحراء التي يفضي منها الإسكندرية، له في ذلك تدبير عجيب من تدابير

الملوك الحزمة إعداداً لحادثة تطرأ من عدو يدهم جهة ثغر الإسكندرية عند فيض النيل وانغمار الأرض به

وامتناع سلوك العساكر بسببه. فأعد ذلك مسلكاً في كل وقت إن احتيج ذلك. والله يدفع عن حوزة

المسلمين كل متوقع ومحذور بمنه"..


ومن القاهرة اتجه الى جنوب مصر ثم شمالاً فشرقاً نحو البحر الأحمر، حيث عبر الى الضفة الأخرى متجها الى مكة المكرمة والمدينة المنورة لاداء مناسك الحج. وهو يستفيض في وصف المدينتين ومناسك الحج والأقوام التي تأتي من مختلف أصقاع الأرض للحج. واللافت استنتاجه كثرة الفرق والمذاهب والبدع الدينية في المشرق العربي، خالصاً الى ان الإسلام الصحيح هو إسلام أهل المغرب:


"وليتحقق المتحقق ويعتقد الصحيح الاعتقاد أنه لا إسلام إلا ببلاد المغرب، لأنهم على جادة واضحة

لاينيات لها. وما سوى ذلك مما لهذه الجهات المشرقية فأهواء وبدع، وفرق ضالّة وشيع، إلا من عصم الله

عز وجل من أهلها. كما أنه لا عدل ولا حق ولا دين على وجهه إلا عند الموحدين، أعزهم الله، فهم

آخر أئمة العدل في الزمان. وكل من سواهم من الملوك في هذا الأوان فعلى غير الطريقة يعشرون تجار

المسلمين كأنهم أهل ذمة لديهم، ويستجلبون أموالهم بكل حيلة وسبب، ويركبون طرائق من الظلم لم

يسمع بمثلها، اللهم إلا هذا السلطان العادل صلاح الدين، الذي قد ذكرنا سيرته ومناقبه، لو كان له

أعوان على الحق".


وبعد أداء مناسك الحج اتجه الى الكوفة فالحلة فمدينة بغداد. وقد لاحظ تراجع المدينة عن ازدهارها في العصور السابقة:


"هذه المدينة العتيقة، وأن لم تزل حضرة الخلافة العباسية، ومثابة الدعوة الإمامية القرشية الهاشمية، قد ذهب

أكثر رسمها، ولم يبق منا الا شهير اسمها. وهي بالإضافة ما كانت عليه قبل إنحاء الحوادث عليها والتفات

أعين النوائب اليها كالظل الدارس، والأثر الطامس، أو تمثال الخيال الشاخص، فلا حسن فيها يستوقف

البصر ويستدعي من المستوفز العقلة والنظر إلا دجلتها التي هي بين شرقيها وغربيها منها كالمرآة بين صفحتين أو العقد المنتظم بين لبتين... وأما أهلها فلا تكاد تلقى منهم إلا من يتصنّع بالتواضع رياء، ويذهب بنفسه عجباً وكبرياء، يزدرون الغرباء، ويظهرون لمن دونهم الأنفة والإباء، ويستصغرون عمن سواهم الأحاديث والأنباء، قد تصور كل منهم في معتقده وخلده أن الوجود كله يصغر بالإضافة لبلده، فهم لا يستكرمون في معمور البسيطة".


ثم انتقل منها الى مدينة تكريت فالموصل فحلب والتي يصفها بأنها "بلدة قدرها خطير، وذكرها في كل زمان يطير... لها قلعة شهيرة الامتناع، بائنة الارتفاع، معدومة  الشبه والنظير في القلاع، تترهت حصانة أن ترام أو تستطاع ... هذه حلب، كم أدخلت من ملوكها في خبر كان، ونسخت ظرف الزمان بالمكان، أنث اسمها فتحلت بزينة الغوان، ودانت بالغدر في من خان".


ومن حلب انتقل الى حماة فحمص فدمشق والتي اعتبرها جنة المشرق وعروس المدن ويصف أزقتها ومحالها وبساتينها وجامعها الكبير "هو من أشهر جوامع الإسلام حسناً، وإتقان بناء، وغرابة صنعة، واحتفال تنميق وتزيين".  ومن دمشق انتقل الى طبرية فعكا التي كانت لا تزال تحت حكم الصليبيين فصور ومنها أبحر عائداً الى مسقط رأسه. وقد لاحظ أنه رغم حالة الحرب المعلنة بين الصليبيين والمسلمين إلا أنه كانت هنالك تجارة مزدهرة بينهم.  فتراه يقول:


"ومن أعجب ما يحدث به أن نيران الفتنة تشتعل بين الفئتين مسلمين ونصارى، وربما يلتقي الجمعان ويقع

المصاف بينهم ورفاق المسلمين والنصارى تختلف بينهم دون اعتراض عليهم. ... واختلاف القوافل من مصر دمشق على بلاد الافرنج غير منقطع. واختلاف المسلمين من دمشق عكة كذلك. وتجار النصارى أيضاً لا يمنع أحد منهم ولا يعترض. وللنصارى على المسلمين ضريبة يؤدونها في بلادهم، وهي من الآمنة على غاية. وتجار النصارى أيضاً يؤدون في بلاد المسلمين على سلعهم، والاتفاق بينهم والاعتدال في جميع الأحوال. وأهل الحرب مشتغلون بحربهم، والناس في عافية، والدنيا لمن غلب".



ابن بطوطة

خلافا لرحلة ابن جبير التي كانت عبر البحر المتوسط، فإن رحلة ابن بطوطة كانت براً عبر بلدان شمال افريقيا الى الاسكندرية والتي أذهل بازدهارها وكبر مرساها، كما يشير الى أن منار الاسكندرية كان لا يزال قائماً:

"ولها المرسى العظيم الشأن ولم أرَ في مراسي الدنيا مثله إلا ما كان من مرسى كولم وقاليقوط ببلاد الهند، ومرسى الكفار بسرادق ببلاد الأتراك ومرسى الزيتون ببلاد الصين... قصدت المنار في هذه الوجهة فرأيت أحد جوانبه متهدماً. وصفته أنه بناء مربع، ذاهب في الهواء، وبابه مرتفع على الأرض وإزاء بابه بناء بقدر ارتفاعه، وضعت بينهما ألواح خشب يعبر عليها إلى بابه، فاذا أزيلت لم يكن له سبيل. وداخل الباب موضع لجلوس حارس المنار وداخل المنار بيوت كثيرة". 


ثم اتجه الى القاهرة أو مصر "أم البلاد وقرارة فرعون ذي الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة والبلاد الأريضة، المتناهية في كثرة العمارة المتناهية بالحسن والنضارة، ومجمع الوارد والصادر".   ويصف النيل والمدن والقرى على ضفتيه وحقيقة "انه ليس في الأرض نهر يسمى بحراً غيره".  وكان السلطان المملوكي وقتذاك "الملك الناصر أبا الفتح محمد بن المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي. وكان قلاوون يُعرف بالألفي لأن الملك الصالح اشتراه بألف دينار ذهب وأصله من قفجق".  ثم اتجه جنوباً وقفل عائداً شمالاً باتجاه فلسطين. وفي العريش لاحظ أن أحداً من الشام لا يجوز له دخول مصر إلا ببراءة من الشام، كما أنه لا يجوز لأحد من مصر دخول الشام إلا ببراءة من مصر"، احتياطاً على أموال الناس وتوقياً من الجواسيس العراقيين".  وكان العراق آنذاك تحت حكم ايلخانيي فارس وهم على عداء مع مماليك مصر. بعد ذلك وصل الى القدس ووصف مسجدها وقبة الصخرة وكنيسة القيامة.   ثم انتقل إلى عكة فصور فصيدا بعدها انتقل الى مدن عدة وصولاً الى طرابلس الشام "وهي حديثة البناء، أما طرابلس القديمة فكانت على ضفة البحر وتملكها الروم زماناً فلما استرجعها الملك الظاهر خربت واتخذت هذه الحديثة". ثم انتقل الى حصن الأكراد متجهاً الى حمص، "وبخارج هذه المدينة قبر خالد بن الوليد سيف الله ورسوله وعليه زاوية ومسجد وعلى القبر كسوة سوداء"، ومنها الى حماة.  ثم انتقل بعدها إلى حلب والتي استشهد في وصفها بابن جبير ليعكس تراجع حالتها نسبة لماضيها المزدهر.  وقد يكون ذلك ناتجاً عن حالة العداء بين المماليك في الشام ومصر من ناحية والمغول في العراق وفارس من ناحية أخرى ما أثر سلباً على التجارة بين العراق وشمال الشام والتي كانت حلب محطتها الرئيسية. ثم انتقل بعدها الى قنسرين فأنطاكية حيث تحدّث عن "فتنة حاول الأرمن إثارتها ضد والي المدينة" الوفي للمماليك، وكيف أن السلطان اكتشف ذلك وثبت الوالي في حكمه.  وقد يكون ذلك ناتجاً عن موالاة الأرمن للمغول وعدم موالاتهم للمماليك. ثم انتقل الى مصياف وجال في مناطق الساحل ولاحظ أن معظم سكان الجبال هم من العلويين.  وكان له محطة رئيسية في دمشق حيث وصف المسجد الأموي "وهو أعظم مساجد الدنيا احتفالاً وأتقنها صناعة وأبدعها حسناً وبهجة وكمالاً". 


ومن هناك انتقل مرة أخرى إلى العراق فأصفهان، حيث لاحظ أن المدينىة خربت جزئياً نتيجة الفتنة "بين الرافضة وأهل السنة". وقد روى الطريقة التي أسلم بها ملك العراق المغولي محمد خدابندة على "المذهب الرافضي" أي الشيعي الجعفري وكيف أنه بإسلامه أسلم المغول كلهم فيما رفض أهالي بعض المدن وأولهم بغداد تغيير مذهبهم من السنة الى الشيعة الى أن تدخل قاض اسمه مجد الدين وأثر على السلطان الذي عاد وتحوّل الى مذهب أهل السنة.  وقد وصف بغداد والوضع البائس الذي آلت إليه نتيجة الخراب الذي تعرّضت له على يد المغول، فيقول:


"مدينة دار السلام، وحضرة الإسلام، ذات القدر الشريف، والفضل المنيف، مثوى الخلفاء، ومقر العلماء، وقال أبو الحسن بن جبير رضي الله عنه: وهذه المدينة العتيقة وإن لم تزل حضرة الخلافة العباسية، ومثابة الدعوة الإمامية القرشية، فقد ذهب رسمها. ولم يبق إلا اسمها. وهي بالإضافة إلى ما كانت عليه قبل إنحاء الحوادث عليها والتفات أعين النوائب إليها كالطلل الدارس، أو تمثال الخيال الشاخص، فلا حسن فيها يستوقف البصر، ويستدعي من المستوفز الغفلة والنظر، إلا دجلتها التي هي بين شرقيها وغربيها كالمرآة المجلوة بين صفحتين، أو العقد المنتظم بين لبتين".


بعد ذلك اتجه الى عمان فهرمز ثم عاد شمالاً الى الأناضول، حيث يذكر أنه التقى سلطان برصا أورخان بن عثمان ثاني سلاطين بني عثمان.  ثم انتقل بعدها الى القسطنطينية التي أعجب بها كثيراً كما أعجب بكنيستها آيا صوفيا.  ومنها انتقل الى خوارزم "وهي أكبر مدن الأتراك وأعظمها وأجملها وأضخمها، لها الأسواق المليحة والشوارع الفسيحة والعمارة الكثيرة والمحاسن الأثيرة".  ثم انتقل بعدها الى مدينة بخارى التي كانت "قاعدة كا وراء نهر جيحون من البلاد وخربها اللعين تنكيز التتري" ويقصد جنكيز خان.  بعدها انتقل الى كابول ومنها الى دلهي في شمال الهند، حيث بقي لمدة سنتين قبل أن يوفده سلطانها ضمن وفد الى الصين. فاتجه الى قندهار ومنها اتجه الى مرفأ لركوب البحر، حيث توجه الى مدينة كاليكوت وهي "إحدى أهم البنادر العظام ببلاد المليبار. يقصدها أهل الصين والجاوة وسيلان والمهل وأهل اليمن وفارس. ويجتمع بها تجار الآفاق. ومرساها من أعظم مراسي الدنيا".


وفي طريقه إلى الصين مر بجزر المالديف والتي ذكر فيها الطريقة التي دخل بها الإسلام الى تلك الجزر، فيقول:

"حدثني الثقات من أهلها كالفقيه عيسى اليمني، والفقيه المعلم علي، والقاضي عبد الله وجماعة سواهم، أن أهل هذه الجزائر كانوا كفاراً، وكان يظهر لهم في كل شهر عفريت من الجن، يأتي ناحية البحر، كأنه مركب مملوء بالقناديل. وكانت عادتهم إذا رأوه، أخذوا جارية بكراً فزيّنوها وأدخلوها إلى بدخانة. وهي بيت الأصنام، وكان مبنياً على ضفة البحر، وله طاق ينظر إليه، ويتركونها هنالك ليلة، ثم يأتون عند الصباح فيجدونها مفتضة ميتة. ولا يزالون في كل شهر يقترعون بينهم، فمن أصابته القرعة أعطى بنته. ثم إنهم قدم عليهم مغربي يسمّى بأبي البركات البربري، وكان حافظا للقرآن العظيم، فنزل بدار عجوز منهم بجزيرة المهل، فدخل عليها يوماً، وقد جمعت أهلها، وهنّ يبكين كأنّهن في مأتم. فاستفهمهن عن شأنهن، فلم يُفهمنَه. فأتى ترجمان فأخبره أن العجوز كانت القرعة عليها، وليس لها إلا بنت واحدة، يقتلها العفريت. فقال لها أبو البركات: أنا أتوجّه عوضاً من بنتك بالليل. وكان سناطاً، لا لحية له، فاحتملوه تلك الليلة، وأدخلوه إلى بدخانة، وهو متوضئ. وأقام يتلو القرآن، ثم ظهر له العفريت من الطاق، فداوم التلاوة، فلما كان منه، بحيث يسمع القراءة غاص في البحر. وأصبح المغربي، وهو يتلو على حاله. فجاءت العجوز وأهلها وأهل الجزيرة، ليستخرجوا البنت على عادتهم فيحرقوها، فوجدوا المغربي يتلو، فمضوا به إلى ملكهم، وكان يسمى شَنورازه بفتح الشين المعجم وضم النون وواو وراء والف و زاي وهاء، وأعلموه بخبره، فعجِب. وعرض المغربي عليه الإسلام، ورغبه فيه. فقال له أقم عندنا إلى الشهر الآخر، فإن فعلت كفعلك، ونجوتَ من

العفريت أسلمت. فأقام عندهم. وشرح الله صدر الملك للإسلام فأسلم قبل تمام الشهر، وأسلم أهله وأولاده وأهل دولته. ثم حمل المغربي لما دخل الشهر إلى بدخانة، ولم يأت العفريت، فجعل يتلو حتى الصباح. وجاء السلطان والناس معه فوجدوه على حاله من التلاوة، فكسروا الأصنام، وهدموا بدخانة، وأسلم أهل الجزيرة، وبعثوا إلى سائر الجزائر فأسلم أهلها. وأقام المغربي عندهم معظماً، وتمذهبوا بمذهبه مذهب الإمام مالك رضي الله عنه. وهم إلى هذا العهد يعظمون المغاربة بسببه، وبنى مسجدا هو معروف باسمه، وقرأت على مقصورة الجامع منقوشاً في الخشب أسلم السلطان أحمد شنورازه على يد أبي البركات البربري المغربي. وجعل ذلك السلطان ثلث مجابي الجزائر صدقة على أبناء السبيل، إذ كان إسلامه بسببهم".


وهذه القصة سمعتها شخصياً من أستاذة جامعية من المالديف أثناء زيارة لي للصين.


ومن هناك انتقل إلى الصين والتي وصفها كالتالي:


"وإقليم الصين متّسع كثير الخيرات والفواكه والزرع والذهب والفضة لا يضاهيه في ذلك إقليم من أقاليم الأرض ويخترقه النهر المعروف باب حياة ومعنى ذلك ماء الحياة. ومنبعه من جبال تُسمّى "كوه بوزنات" ومعناه جبل القرود... ويمر في وسط الصين مسيرة ستة أشهر الى ان ينتهي الى صين الصين. وتكتنفه القرى والمزارع والبساتين والاسواق كنيل مصر. الا ان هذا اكثر عمارة، وعليه النواعير الكثيرة. وببلاد الصين السكر الكثير، بما يضاهي المصري بل يفضله، والاعناب والاجاص. وكنت اظن ان الاجاص العثماني الذي بدمشق لا نظير له حتى رأيت الاجاص الذي بالصين.


ويصف بعض الخصائص التي لاحظها في الصين، فيقول:

"واهل الصين كفار يعبدون الأصنام، ويحرقون موتاهم كما تفعل الهنود. وملك الصين تتاري من ذرية تنكيز خان. وفي كل مدينة من مدن الصين مدينة للمسلمين ينفردون فيها بسكناهم. ولهم فيها المساجد لإقامة الجمعات وسواها. وهم معظمون محترمون. وكفار الصين يأكلون لحوم الخنازير والكلاب، ويبيعونها في اسواقهم. وهم اهل رفاهية وسعة عيش، الا انهم لا يحتفلون بمطعم ولا ملبس وترى التاجر الكبير منهم الذي لا تحصى أمواله كثرة وعليه جبة قطن خشنة. وجميع اهل الصين انما يحتفلون بأواني الذهب والفضة. ولكل واحد منهم عكاز يعتمد عليه في المشي. والحرير عندهم كثير جداً لان الدود تتعلق بالثمار وتأكل منها، فلا تحتاج الى كثير مؤونة، ولذلك كثر. وهو لباس الفقراء والمساكين بها، ولولا التجار لما كانت له قيمة. ويباع الثوب الواحد من القطن عندهم بالأثواب الكثيرة من الحرير. وعادتهم ان يسبك التاجر ما يكون عنده من الذهب والفضة قطعاً، تكون القطعة منها من قنطار فما فوقه وما دونه.


وهو يشيد بالأمن بالصين وما يتيحه للتجار من تنقل في أرجائها من دون خوف على حياتهم أو مالهم، فيقول:

"وبلاد الصين آمن البلاد وأحسنها حالاً للمسافرين، فإن الإنسان يسافر منفرداً مسيرة تسعة أشهر وتكون معه الأموال الطائلة فلا يخاف عليها. وترتيب ذلك أن لهم في كل منزل ببلادهم فندقاً، عليه حاكم يسكن به في جماعة من الفرسان والرجال. فإذا كان بعد المغرب أو العشاء الآخرة، جاء الحاكم الى الفندق ومعه كاتبه، فكتب اسماء جميع من يبيت به من المسافرين، وختم عليها وأقفل باب الفندق عليهم. فاذا كان بعد الصبح جاء ومعه كاتبه، فدعا كل انسان باسمه وكتب بها تفصيلاً، وبعث معهم من يوصلهم الى المنزل التالي له، ويأتيه ببراءة من حاكمه أن الجميع قد وصلوا إليه. وان لم يفعل طالبه بهم".


ابن اياس 

وإذا كان العرب قد استعاضوا عن البحر المتوسط بالهيمنة على تجارة المحيط الهندي، فلا شك في أن دخول البرتغاليين على الخط في العام 1498 ميلادية وتحويلهم طرق التجارة بعيداً عن الجزيرة العربية والبحر الاحمر قد وجه ضربة قاسمة لهم وهو ما ينعكس في تاريخ ابن اياس الذي يتناول هذه المرحلة.


الخطر البرتغالي في المحيط الهندي


ويبدأ ابن اياس في هذا الجزء الذي يتناول المرحلة من العام 1501 تاريخ تولي قانصوه الغوري السلطنة وحتى العام 1515. وهو يبدأ في ذكر الفرنجة، أي البرتغاليين، في سنة 911 هجري ويقول إن تغري بردي، ترجمان البلاط المصري، قد سافر في ذي القعدة من ذلك العام الى "نحو بلاد الفرنج وأخذ معه كتاباً من البترك"، وقد يكون ذلك في محاولة للوساطة مع الفرنج "بعدما زاد تعبث الفرنج بالسواحل وأخذ أموال التجار".  ثم يذكر الحملة التي قام بها البرتغاليون على ميناء ينبع على سواحل الحجاز المطل على البحر الأحمر، ويذكر فيها أن البرتغاليين تغلبوا على أمير الينبع يحيى بن سبع الذي هرب من وجههم ودمّروا المدينة.  ويضيف بأن العسكر الذي أرسله السلطان بقيادة حسين باش العسكر لمواجهة البرتغاليين كان قد وصل الى جدة وشرعوا في تدعيم السواحل ببناء أبراج.  وكان حسين باش العسكر قد بنى اسطولاً وتهيأ للتوجه الى ميناء عدن في اليمن، "لكن تزايد الضرر من الفرنج في ما بعد وترادفت مراكب الفرنج ببحر الحجاز حتى بلغوا فرق عشرين مركباً، وصاروا يعبثون على مراكب تجار الهند ويقطعون عليهم الطريق في الأماكن المخيفة ويأخذون ما معهم من البضائع حتى عزّ وجود الشاشات والأرز من مصر وغيرها من البلاد".  ويفسر ابن اياس السبب الذي جعل مراكب البرتغاليين في المحيط الهندي بأن "سبب هذه الحادثة أن الفرنج تحيّلوا حتى نتئوا السد الذي صنعه الاسكندر بن فلبس الرومي، وكان هذا نقبا في جبل بين بحر الصين وبحر الروم، فلا زالوا الفرنج يعبثون في ذلك النقب مدة سنين حتى انفتح وصارت تدخل منه المراكب الى بحر الحجاز، وكان هذا من أكبر أسباب الفساد".  ثم يذكر أن حسين باش العسكر قد حقق نصراً كبيراً على الفرنج، لكنه طلب مزيداً من العسكر حتى يتقوى به على من بقي من الفرنج.  وفي شوال وذي القعدة سنة 914 هجرية جاءت الاخبار بأن الأمير تمر باي الهندي انتصر في إحدى المعارك على الفرنج "وانتصر عليهم واسر منهم نحوا من سبعة وعشرين نفراً وملك مركبهم".  ثم يذكر الهزيمة الكبرى في معركة ضيو قبالة السواحل الهندية فيقول إنه في صفر – ربيع الأول سنة 915 هجرية "جاءت الأخبار بأن العسكر الذي توجه الى الهند صحبة حسين المشرف قد كسروهم الفرنج كسرة فاحشة وقتلوا العسكر عن آخره ونهبوا ما في مراكبهم أجمعين، فتنكّد السلطان لهذا الخبر".  ثم يذكر أنه في صفر سنة 916 هجرية "حضر قاصد الملك محمود شاه صاحب كنبالية، وآخرون من ملوك الهند وعلى ايديهم مثالات للسلطان تتضمن سرعة تجهيز تجريدة الى جهات الهند بسبب تعبث الفرنج هناك، وقد تزايد أمرهم وطمعوا في أخذ البلاد من حين كسروا حسين الذي ارسله السلطان".  وفي جمادي الأول قبض الشريف بركات أمير مكة على ثلاثة من الفرنج متنكّرين بزي الأروام ، أي العثمانيين، وتبين أنهم جواسيس لدى بعض ملوك الفرنج فقبض عليهم وأرسلهم الى السلطان المملوكي.


الخطر الاسباني في المتوسط

ثم يذكر ابن اياس تعيين السلطان تجريدة الى بلاد الفرنج بقيادة محمد بيك لأنه "قد تزايد فيهم الأذى والتعبث بالناس في البحر المالح" وعين قريبه محمد بيك قائداً لهذه الحملة.  وكان هدف السلطان كما ورد على لسان ابن اياس مواجهة الاسبان في البحر المتوسط، ما زاد من الأعباء على الدولة المصرية التي أصبحت تواجه البرتغاليين في المحيط الهندي والصفويين في العراق وشرق الأناضول والاسبان في البحر المتوسط. وفي رجب سنة 915 هجرية يذكر ابن اياس بأن "الأمير محمد بيك لما توجه إلى الجون بسبب إحضار الأخشاب صادف مراكب فيها فرنج يعبثون في البحر على التجار، فتحارب معهم وانتصر عليهم وقتل منهم جماعة كثيرة".  وفي جمادى الأولى سنة 916 هجرية جاءت الأخبار بأن مدينة طرابلس الغرب سقطت في أيدي الفرنجة وقتلوا اربعين الفاً من سكانها. 

وفي جمادى الأولى في يوم الاحد عاشره "جاءت الأخبار من عند نائب طرابلس بأن الفرنج خرجوا على الأمير محمد بيك قريب السلطان الذي كان قد توجه إلى الجون بسبب إحضار الأخشاب، فخرجوا عليه طائفة من الفرنج بالقرب من ساحل قلعة اياس، فتحارب معهم الأمير محمد بنفسه وقد فرّ عنه مَن كان معه من العسكر، فقتل وقتل مَن كان معه من الجند، وأخذوا ما كان معه من المراكب المشحونة بالسلاح وآلة الحرب وكانت نحواً من ثمانية عشر مركبا فلما بلغ السلطان ذلك تنكد الى الغاية وامتنع عن الأكل يومين، وقد تزايد شر الفرنج وكثر تعبثهم بالناس في البحر الرومي والبحر الهندي والأمر لله تعالى، وقد ارتج الأمر على السلطان من جهات عديدة واضطربت أحواله جدا".  وفي الشهر نفسه "ارسل السلطان بالقبض على الرهبان الذين بالقيامة التي بالقدس، وكذلك قبض على سائر الفرنج الذين بالاسكندرية ودمياط وغير ذلك من السواحل وهذا بسبب الفرنج الذين قتلوا الأمير محمد وأخذوا مراكب السلطان".  وهو ما يدلّ على قلة حيلته في مواجهة الخطر الاسباني في المتوسط.


الخطر الصفوي

وقد ترافق الخطر البرتغالي الذي أثر سلباً على خط التجارة المصري مع الهندي مع صعود التهديد الصفوي. فيذكر ابن اياس أنه في جمادى الأولى سنة 913 هجرية قام الشاه اسماعيل الصوفي بحملة على العراق ما أدى إلى "اضطراب القاهرة"، وقد ترافق ذلك مع وصول موفد من عند "ابن عثمان" الى القاهرة، للبحث في التطورات الحاصلة في المنطقة.  وقد هيّأ السلطان حملة لمواجهة اسماعيل الصفوي لكن ورد إخبار عن تمكن الحامية المرابطة على الفرات في الانتصار على الصفويين.  وقد تلا ذلك وصول موفد من الشاه اسماعيل الى القاهرة يؤكد للسلطان قانصوه الغوري أن الذي وقع على تخوم دولة المماليك في الشام لم يكن بإذن الشاه.  وفي جمادى الأولى جاءت الأخبار من عند أمير البيرة بأنه "قبض على جماعة من عند اسمعيل الصوفي وعلى أيديهم كتب من عند الصوفي الى بعض ملوك الفرنج بأن يكونوا معه عونة على سلطان مصر وأنهم يجوا إلى مصر من البحر ويجي هو من البر، فقبض نائب البيرة عليهم وبعث بهم الى السلطان". 

وفي ذي الحجة سنة 916 هجرية وفيه جاءت "الأخبار من حلب بأن الصوفي قد انتصر على ازبيك خان ملك التتر وقتله وقطع رأسه، فتنكد السلطان لهذا الخبر وأقاموا عنده الأمراء الى قريب الظهر وهم في ضرب مشورة بسبب ذلك، وكان ازبيك خان ضد الصوفي وكان مشغولاً بمحاربته عن ابن عثمان وسلطان مصر، فلما أشيع قتل ازبيك خان خشي السلطان من امر الصوفي أن لا يزحف على البلاد".  وفي يوم الاثنين عشرين من ربيع الأول سنة 917 هجرية استقبل السلطان "قاصد الصفوي الذي قدّم له هدايا وصندوق تبين أن فيه رأس ازبيك خان فأمر السلطان بدفن الرأس".  وكان السلطان وكل به جماعة من الخاصكية يمنعون من يدخل اليه من الناس قاطبة ولا يمكنون أحداً من جماعة القاصد يخرج الى الاسواق ولا يجتمع بأحد من الناس".  ويضيف ابن اياس بأنه "قد اشيع في بلاد الصوفي بأن السلطان قد اشتغل بما أنشأه في الميدان من غرس الاشجار وشتول انواع الازهار والرياحين، فقصدوا ينكتوا عليه بذلك وهذا نوع من التهكم على السلطان".  ما يدل على الضعف الذي اعترى سمعة السلطان المصري وتراجع هيبته في مواجهة خصومه.


خلاصة

ومما تقدم يبدو جلياً أن تجارة المحيط الهندي كانت في يد أمراء وتجار كانوا يعتمدون على مصر في حماية تجارتهم، وهو ما يدل عليه لجوء الامراء والتجار لمصر لمساعدتهم على مواجهة البرتغاليين. كذلك يظهر جلياً ان دخول البرتغاليين الى المحيط الهندي وعرقلتهم للتجارة فيه وتحويلهم للتجارة عن مصر وفشل المماليك في اخراج البرتغاليين من المحيط الهندي قد أضعف مصر كثيراً، خصوصاً انها كانت تواجه ايضاً الاسبان في البحر المتوسط فيما كان الصفويون في ايران قد بدأوا يشكلون تهديدا من الشرق. كل هذه العوامل جعلت قوة مصر تتراجع ما دفع بها الى اللجوء لمعونة حليفها الوحيد في ذلك الوقت وهو العثمانيون، اقله حتى العام 1514 ميلادي. ويزخر الجزء الرابع من كتاب ابن اياس بالحديث عن زيارات متكررة بين موفدين عثمانيين الى مصر وموفدين مصريين الى الدولة العثمانية، اضافة الى المساعدات التي تلقتها مصر من الدولة العثمانية ومنها الحادثة التالية التي يوردها ابن اياس:

وفي شوال سنة 916 هجرية "وصلت مراكب عدة من عند ابن عثمان ملك الروم فيها زردخاناه للسلطان فوصلت الى بولاق عند الرصيف وشرعوا يحولون ما فيها الى القلعة فكان من جملة ذلك مكاحل سبقيات العدة ثلاثمائة، ونشاب ثلاثين الف سهم، وبارود مطيب أربعون قنطاراً، ومقاذيف خشب العدة الفي مقذاف، وغير ذلك من نحاس وحديد وعجل وحبال وسلب ومراسي حديد وغير ذلك مما تحتاج اليه المراكب، فشكره السلطان على ذلك، وكان السلطان ارسل مالاً على يد يونس العادلي الى بلاد ابن عثمان ليشتري له بها أخشاباً ونحاساً وحديداً فلما بلغ ابن عثمان ذلك رد اليه المال وجهّز ما ذكرناه من عنده تقدمة للسلطان". 


كذلك تجلّت حالة الضعف في عدم قدرة السلطان على توزيع العطايا على المماليك وعلى مؤيديه، إضافة الى زيادة شكوكه بأركان دولته ومنهم ترجمانه الخاص الذي يورد ابن اياس هذه الحادثة في كتابه حوله:

"الأربعاء الحادي عشر من محرم سنة 917 هجرية؛ قبض السلطان على تغري بردي الترجمان ووضعه في الحديد ووكل به، وارسل ختماً على بيته واحتاط على موجوده ورسم على عياله وسبب ذلك قد بلغ السلطان ان تغري بردي كاتب ملوك الفرنج بأحوال مملكة مصر، وأن السلطان ليس له همة الى إرسال تجريدة وأن السواحل خالية ليس بها مانع، وقد احضروا الى السلطان مكاتبات بخط تغري بردي بمعنى ذلك، فأحضر السلطان تغري بردي وأوقفه على تلك المطالعات فأنكر ذلك، فغضب عليه وشكه في الحديد ووكل فيه".

وبالتالي فإن كانت الحروب الصليبية قد نجحت في كسر احتكار العرب – المسلمين للتجارة في البحر المتوسط في القرن الثاني عشر ميلادي، وإن كان الغزو المغولي قد أدى الى اخراج التجارة البرية من يد العرب المسلمين في البر الآسيوي الى الصين عبر وسط آسيا، فإن دخول البرتغاليين الى المحيط الهندي وكسرهم للهيمنة العربية – الاسلامية عليه في القرن السادس عشر قد أفقدهم آخر بوابة لهم على التجارة العالمية وساهم في تهميشهم، وعلى رأسهم مصر رائدة هذا العالم العربي الاسلامي بين القرنين الثاني عشر والسادس عشر. ولم يكن وقوع دولة المماليك في مصر والشام والحجاز تحت الهيمنة العثمانية إلا استكمالاً لفقدان تجارة المحيط الهندي.

لائحة المراجع


-    ابن اياس ، بدائع الزهور في وقائع الدهور، الجزء الرابع، تحقيق محمد مصطفى، (القاهرة: 1960).


-    إبن جبير، رحلة ابن جبير، (بيروت: الشركة العالمية للكتاب)


-    ابن خرداذبه، كتاب المسالك والممالك، http://al-hakawati.net/arabic/civilizations/33.pdf


-    ابن بطوطة محمد بن عبد الله بن محمد بن ابراهيم اللواتي الطنجي، رحلة ابن بطوطة المسماة تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الاسفار، (بيروت: الشركة العالمية للكتاب، 1991)

-    الشريف الإدريسي، المغرب وأرض السودان ومصر والأندلس: مأخوذ من نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، (ليدن: مطبعة بريل، 1863)


-    الشريف الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق، http://al-hakawati.net/arabic/civilizations/230.pdf


-    حمدان  جمال، العالم الإسلامي المعاصر، (القاهرة: عالم الكتب، 1990).


-    عثمان شوقي عبد القوي ، تجارة المحيط الهندي في عصر السيادة الاسلامية : 661 – 1498، (الكويت: عالم المعرفة، 1990).


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net